عناوين رئيسية < الرئيسية

نعرف أنفسنا عندما نعرف الآخرين -- أربعون سنة من التواصل بيني وبين فرنسا

: مشاركة
2018-03-15 10:46:00 الصين اليوم:Source تشن روه لين:Author

        عرفت "جمهورية فرنسا" في عام 1978، وكنت وقتها عاملا بمصنع في شانغهاي، وكان الفضل في ذلك يعود إلى أبي، تشنغ يونغ هوي، الذي  كان مترجما مرموقا يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة. أبي، الذي ولد في فيتنام ودرس في جامعة تشندان (أورورا) الكاثوليكية الفرنسية في شانغهاي، أحب الأدب الفرنسي منذ صغره. كان يشتري كثيرا من الأعمال الأدبية الفرنسية، ويترجمها شفويا لأولاده الثلاثة.

في عام 1979، التحقت بالجامعة لدراسة اللغة الفرنسية، من أجل توارث قضية أبي في مواصلة تقديم مساهمات للتبادلات بين الصين وفرنسا. في ذلك الوقت، بدأت رحلتي مع ترجمة الأعمال الأدبية الفرنسية إلى اللغة الصينية. وجدت أن الترجمة عمل شاق يحتاج إلى المثابرة والصبر والعزيمة وإلى مستوى علمي ولغوي رفيع ومعرفة عميقة بفرنسا.

في عام 1983، تخرجت في الجامعة واخترت العمل في الصحافة، فالتحقت بصحيفة ((شباب الصين)) اليومية. في ذلك الوقت، كانت الصحيفة تستعد لافتتاح مكتب لها في العاصمة الفرنسية باريس، فكنت أنا الشخص المناسب لهذه المهمة، كوني الوحيد الذي يتكلم اللغة الفرنسية في الصحيفة.

الطريق إلى فرنسا

في عام 1988، سافرت إلى فرنسا لأول مرة، بدعوة من "نادي الشباب" لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، من أجل تأليف كتاب حول اليونسكو والشباب، فقد كانت المنظمة الدولية تسعى إلى نشر أهدافها في الصين وإقامة "أندية الشباب" بها. كان من النادر أن يسافر صيني إلى الخارج.

أمضيت في فرنسا ثلاثة شهور. كانت هذه أول مرة أسافر إلى خارج الصين، وأول مرة تطأ قدماي التراب الأوروبي، وأول مرة أرى دولة متقدمة بأم عيني. لا بد أن أعترف بأن الاختلاف بين الصين وفرنسا في عام 1988 كان هائلا. ما أعجبني لم يكن الاختلاف على المستوى المادي فقط، وإنما أيضا الاختلاف على المستوى المعنوي. في ذلك الوقت، لم يكن في الصين شبكة الإنترنت ولا مجلة شعبية خاصة، فدهشت بتنوع المنشورات في فرنسا.

كل ذلك جعلني راغبا في الدراسة بفرنسا، وقد أتاحت صحيفة ((ونهوي)) في شانغهاي هذه الفرصة لي، وحصلت على منحة دراسية للدراسة في فرنسا. سافرت إلى فرنسا مرة أخرى للدراسة في مركز تدريب وتطوير الصحفيين، المشهور الواقع في شارع اللوفر في باريس. كنت أول طالب صيني استضافه المركز، واقترحت تأسيس "النادي الصيني"، لكي ألقي فيه محاضرات مجانية حول الصين. في ذلك الوقت، كان عدد الفرسيين الذين يهتمون بالصين قليلا، فألقيت محاضرة واحدة فقط  خلال السنة التي أمضيتها في المركز.

في نهاية عام 1989، وكانت دراستي في فرنسا على وشك الانتهاء، اتصلت بي دار (la Découverte) للنشر، التي كانت بصدد إصدار سلسلة من الكتب تحت عنوان ((حالة العالم))، من بينها كتاب بعنوان ((حالة الصين))، وطلب مني السيد بيير جنتيل رئيس التحرير في دار النشر أن أكتب فصلا في هذا الكتاب بعنوان ((وسائل الإعلام الصينية)). وافقت على ذلك من دون تفكير. وأقول بصراحة إنني في ذلك الوقت، لم أكن أفهم فرنسا ولم أكن أفهم الصين. في الحقيقة، كنت مضللا للقراء الفرنسيين.

مساعدة الفرنسيين في معرفة الصين بشكل موضوعي

في نهاية عام 1990، سافرت إلى فرنسا لأعمل مراسلا لصحيفة ((ونهوي)). وفي ذلك الوقت، كانت معرفة الصينيين بالعالم الخارجي بما فيه فرنسا محدودة للغاية. كان عدد المراسلين الصينيين في فرنسا يعد على أصابع اليدين فقط، وكان عدد المراسلين الفرنسيين في الصين أقل. يمكن القول إن المعرفة المتبادلة بين الجانبين كانت كمن يشاهد الفهد من ثقب فلا يرى منه إلا رقطة واحدة. مع تعمق معرفتي لفرنسا تدريجيا، وجدت أن معرفتي لبلادي محدودة أيضا، والسبب يرجع إلى ضخامة عدد سكانها ومساحتها الشاسعة وتاريخها العريق وتركيبتها السكانية المعقدة.

وفي ذلك الوقت، عرفت بعض الصينولجيين الفرنسيين الذين كتبوا مقالات في كتاب ((حالة الصين))، وكنت أستشهد في تغطياتي الصحفية بآرائهم دائما. ولكن، لاحظت أن تعليقاتهم حول الصين غير موضوعية، فبعضهم زار الصين زيارات خاطفة وبعضهم لم يزر الصين قط، أو زاروها قبل سنوات طويلة، ومنهم من أقام في الصين ولكن لديهم أحكام مسبقة حول الصين. الأهم، أن معظمهم لا يجيدون اللغة الصينية ومعرفتهم لواقع الصين محدودة. بالإضافة إلى ذلك، فإن معرفتهم للصين تعتمد على "المنشقين" الذين انتقلوا إلى الدول الغربية أو هونغ كونغ. كانت معرفتهم بالصين بعيدة عن الجوهر، الذي هو تطورات الصين السريعة في التصنيع ومعدل نمو الاقتصاد المرتفع على مدى سنوات، وتحول الصين من دولة متخلفة عن فرنسا بكثير إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحجم وصل إلى 11 تريليون دولار أمريكي حاليا.

من أجل مساعدة القراء الفرنسيين على معرفة الصين بشكل موضوعي، بدأت أكتب المقالات حول بلادي ونشرها في وسائل الإعلام الفرنسية. في سنة 2005 تقريبا، عرفت السيد جاك بيرتوين رئيس تحرير مجلة ((جون أفريك)) والسيد البشير بن يحمد مدير دار المجلة، وبدأت أكتب مقالات لمجلة ((جون أفريك)) ومجلة ((La Revuem pour l’Intelligence du Monde)) الفرنسية الشهرية. في واحدة من مقالاتي، قلت إن عدد معتنقي الأديان (مثل المسيحية والبوذية والإسلام والطاوية) في الصين، تجاوز مائة مليون، وهو رقم أكثر من عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، مما أحدث هزة في أوساط الرأي العام الفرنسي حينذاك، لأنه أثبت بوضوح أن الصين دولة فيها حرية اعتقاد ديني. وقد أجرت صحيفة "لوموند" تحقيقا خاصا حول هذا الأمر، وأثبتت أن ما كتبته يتفق مع الواقع.

تعزيز التفاهم

المقالات التي كتبتها حول الصين جعلتني أتمتع بقوة التأثير في أوساط وسائل الإعلام الفرنسية، فبدأ بعض الكتاب يستشهدون في كتاباتهم حول الصين بالوقائع والآراء التي كتبتها. وعندما وقعت حادثة لاسا في منطقة التبت الصينية في عام 2008، دعتني بعض البرامج التلفزيونية الفرنسية المشهورة لتقديم وجهة نظر الصين حول هذه الحادثة، وحول أولمبياد بكين. كنت واحدا من عدد قليل من الصينيين الذين ظهروا على شاشات القنوات التلفزيونية الفرنسية في ذلك الوقت. وقد تركت تعليقاتي حول الأحداث في الصين أثرا على عدد غير قليل من المشاهدين الفرنسيين. وفي الوقت نفسه، بدأت جامعات مختلفة ومنظمات أهلية تدعوني لإلقاء محاضرات متنوعة حول الصين.

مع تعمق معرفتي لفرنسا، وجدت وأثبت تدريجيا أن القنوات الثلاث لمعرفة الفرنسيين للصين، وهي وسائل الإعلام الجماهيرية والكتب والأفلام، مكتظة بالمعلومات السلبية حول الصين، مع تجاهل دائم للحقائق الموضوعية بشأن الصين. من هنا، نبتت في ذهني فكرة تأليف كتاب ((الصينيون مثل الآخرين)) ( Les Chinois sont des hommes comme les autres)، الذي استغرق مني ثلاث سنوات حتى أنجزته في عام 2012. ما يسعدني هو أن الطبعة الأولى لهذا الكتاب نفدت في السوق في أقل من ثلاثة شهور. يبدو أنني قدمت مساهمة قليلة في تعزيز التفاهم بين الصين وفرنسا.

 

دارت بين أبي وبيني أحاديث طويلة عن كيفية تحقيق المعرفة المتبادلة والتفاهم بين الشعبين الصيني والفرنسي. قال أبي جملة تمثل سندا وتشجيعا لي: "لا يمكن أن نعرف أنفسنا بدون أن نعرف الآخرين. وقد يكون جعل الآخرين يعرفوننا أصعب عشرات المرات من محاولتنا لمعرفة الآخرين، ما يتطلب منا جهودا مضاعفة عشرات المرات."

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4