إرادة شعب ونهضة أمة.. 40 عاما من الإصلاح والانفتاح < الرئيسية

محاربة الفساد

من قضية داخل الحزب إلى مشروع وطني

: مشاركة
2018-04-03 12:35:00 الصين اليوم:Source هيفاء سعيد:Author

مع انطلاقة العام الجديد 2018، عقدت الدورة الكاملة الثانية للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في الثامن عشر والتاسع عشر من يناير، وتم خلالها اعتماد مقترح مقدم من اللجنة المركزية للحزب بشأن مراجعة الدستور وإدخال بعض التعديلات لتضمين الإنجازات الجديدة النظرية والعملية والمؤسسية ومتطلبات تطوير الحزب والأمة ضمن الدستور، الذي كانت قد جرت آخر مراجعة له في عام 2004، بحسب البيان الصادر عن الدورة.

وفي أواخر فبراير قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بنشر مقترح التعديلات الدستورية، والذي تم طرحه على اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، ملقيا الضوء على العديد من النقاط البارزة التي من شأنها أن تدفع قدما بالجهود المستمرة لتعزيز مفهوم وممارسة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد.

إحدى هذه النقاط ركزت على تأسيس اللجنة الوطنية للمراقبة لجمهورية الصين الشعبية، كخطوة جديدة ومهمة ضمن إصلاح نظام المراقبة في الصين، الذي بدأ تطبيقه تجريبيا في ديسمبر عام 2016 في بكين ومقاطعتي شانشي وتشجيانغ، قبل أن يتم تعميمه على المستوى الوطني في نوفمبر عام 2017.

يعتبر تأسيس هذه اللجنة جانبا بالغ الأهمية لإصلاح النظام السياسي وقرارا رئيسيا لتعزيز المراقبة الذاتية للحزب والدولة، وقد تم إدراجها في دستور الدولة وفقا للتعديل الدستوري الذي أجازته الدورة الأولى للمجلس الوطني الثالث عشر انواب الشعب الصيني في الحادي عشر من مارس 2018. فما هي أهمية هذه اللجنة، ولماذا كان من الضروري إدخال تعديلات دستورية بشأنها؟

أهمية تشكيل اللجنة الوطنية للمراقبة

يبدو أن الحرب ضد الفساد التي شنها الرئيس الصيني شي جين بينغ بضرواة منذ وصوله إلى سدة الحكم بدأت تدخل مرحلة جديدة مع تشكيل اللجنة الوطنية للمراقبة مع بداية ولايته الثانية، فبالنسبة للرئيس شي مسألة مكافحة الفساد ركن أساسي من أركان رؤيته السياسية والإستراتيجية لإدارة البلاد بصفته رئيسا لجمهورية الصين الشعبية وأمينا عاما للحزب الحاكم، وهو الحزب الشيوعي الصيني.

وأظهرت هذه الرؤية وضوحا جليا في المعالم وتناسقا واضحا في الأفكار وتسلسلا منطقيا في التنفيذ، حيث يعتبر الرئيس شي أن محاربة الفساد ليست مرحلة عابرة آنية تنتهي بانتهاء ولاية الرئيس، وإنما سياسة بعيدة المدى تهدف إلى تأسيس حالة من التوافق العام على المستوى الوطني والشعبي والحزبي والسياسي والمؤسسي تسعى لاقتلاع الفساد من جذوره، ليس من الناحية العملية فحسب، وإنما أيضا تدريجيا من ناحية الردع الذاتي، مما يقود إلى الهدف السامي المنشود، وهو تعزيز حكم القانون من أجل بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل.

منذ تسلمه الحكم، عمل الرئيس شي على إرساء اللبنة الأساسية وزرع المبادئ الحزبية والاجتماعية لمقاومة ومحاربة الفساد. فعلى الصعيد الحزبي تولت لجنة فحص الانضباط التابعة للجنة الحزب المركزية، وهي أعلى مؤسسة للمراقبة الداخلية للحزب الشيوعي الصيني، مسؤولية متابعة حملة مكافحة الفساد المستمرة منذ عام 2012.

الهدف الأقصى أولوية لحملة الرئيس شي هو سياسي بالدرجة الأولى يهدف للمحافظة على الانضباط، بشكل رئيسي ضمن مؤسسات الحزب الحاكم، ومحاسبة الفاسدين من المسؤولين والقادة الحزبيين الذين يتولون مناصب حساسة ومهمة للحفاظ على وحدة ومركزية قيادة الحزب، وخصوصا فيما يخص صنع وتطبيق القرارات تحت سقف القانون لإنجاز وتحقيق أهداف الأمة بشكل أكثر فعالية.

أوضح وانغ تشي شان، الأمين السابق للجنة فحص الانضباط التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في مقال نشر في ((صحيفة الشعب اليومية)) في نوفمبر 2017، أن ما ركزت عليه اللجنة خلال عملها هو "الفساد السياسي" لكونه أكبر أنواع الفساد، مشيرا إلى نوعين من الفساد السياسي: الشق الأول الذي يسعى إلى الاستيلاء على مناصب معينة لاستغلال السلطة والنفوذ التي توفرها هذه المناصب، والشق الثاني الذي يؤدي إلى تقويض وحدة الحزب.

خطورة تفشي الفساد السياسي واستغلال السلطة والمناصب ضمن هيكل المؤسسات القيادية السياسية تكمن في أنها قد تؤدي إلى تفكك وتخلخل أركان القيادة، مما يقود إلى الفساد الاقتصادي، ويسبب الاضطراب الاجتماعي.

وبالفعل، نجحت اللجنة المركزية لفحص الانضباط حتى الآن في أداء المهام الموكلة إليها بفعالية عالية. تم ضمن حملة مكافحة الفساد سجن أو معاقبة ما يقرب من 4ر1 مليون عضو في الحزب منذ عام 2012. وشملت العقوبات التحذيرات، وخفض الرتبة، والطرد من الحزب، والإقصاء من المنصب. وقد حظيت جهود محاربة الفساد هذه بدعم شعبي كبير.

ولما كانت هذه الجهود تؤتي ثمارها، فلماذا يتم تشكيل اللجنة الوطنية للمراقبة، وما الجديد الذي يمكن أن تضيفه إلى عملية مكافحة الفساد؟

لعل العنوان العريض الذي يساعد في توضيح هذا الأمر، هو ما جاء في البيان الختامي للدورة الكاملة الثانية للجنة المركزية التاسعة عشرة لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني في الثالث عشر من يناير، الذي أكد أن أولوية العمل في عام 2018 هو التخلص بحزم من الأشخاص غير الشرفاء وذوي الوجهين، و"تطهير الحزب على نحو شامل".

وكذلك ما أكد عليه الرئيس شي فيما يخص العمل على توسيع نطاق الحملة لتشمل جميع الموظفين الذين يمارسون السلطات العامة في المؤسسات المملوكة للدولة والذين ليسوا بالضرورة أعضاء في الحزب، وتأكيده ضمن خطابه في الدورة بأنه "يجب أن تشهد الجهود الشاملة تعزيز البناء السياسي للحزب... مع تضمين بناء المؤسسات في كل جانب من جوانب بناء الحزب."

يدرك الرئيس شي ومسؤولو قيادة الحزب الشيوعي أن تحقيق هذا المبتغى ليس بالأمر السهل، وهو يحتاج إلى تنظيم أكبر ومستوى أعلى وأشمل من الإدارة والتنفيذ، ويجب أن يستند إلى أرضية ومشروعية دستورية وقانونية أكثر صلابة، وفي نفس الوقت يجب أن يتناسب مع المعايير التي تستوجبها قوانين حقوق الإنسان الدولية، بحيث تكون سياسات مكافحة الفساد القادمة في الصين أكثر انسجاما مع سياسة الانفتاح التي تنتهجها البلاد.

ولهذا، كان إنشاء اللجنة الوطنية للمراقبة الوطنية ضروريا، ولأجل هذه الغاية قامت لجنة الشؤون التشريعية للجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب بإصدار مشروع قانون المراقبة لجمهورية الصين الشعبية في نوفمبر عام 2017. يحدد القانون الجديد صلاحيات ووظائف اللجنة الوطنية للمراقبة، والتي من الممكن أن تصبح محور تنفيذ عملية مكافحة الفساد في الصين، حيث أنها تتمتع بولاية أوسع من لجنة فحص الانضباط التابعة للجنة الحزب المركزية.

مأسسة نظام مكافحة الفساد ضمن التعديلات الدستورية

 بحسب القانون الجديد، سيتم دمج جميع هيئات مكافحة الفساد ولجان فحص الانضباط والمراقبة المحلية على مستوى المقاطعات والمدن والمناطق في سلطة واحدة، التي ستعمل كجهاز جديد من أجهزة الحكومة، وكقوة دولة موازية للسلطة التنفيذية والقضائية لضمان "التغطية الكاملة". والهدف هو إنشاء وكالة موحدة لمكافحة الفساد تتمتع بسلطة إشراف مركزية وشاملة وولاية قضائية على جميع الأفراد والمنظمات الحكومية وموظفي القطاع العام بدلا من الاقتصار على أعضاء الحزب فقط.

سيكون قانون المراقبة، وهو جزء أساسي من إصلاح هيئات المراقبة في الصين، بمثابة قانون توجيهي لعملية المراقبة في الدولة، ويهدف إلى تعزيز قيادة الحزب الشيوعي الصيني في حملات مكافحة الفساد.

ينص القانون على أن تشرف اللجنة الوطنية للمراقبة على عمل جميع هيئات المراقبة المحلية، التي ستمارس عمليات الإشراف والمراقبة المالية على موظفي أجهزة الحزب، والمجالس التشريعية، والحكومات، والمحاكم، والنيابات، والهيئات الاستشارية السياسية، والمديرين التنفيذيين للمؤسسات المملوكة للدولة، وإدارة موظفي المؤسسات العامة والمنظمات الشعبية، فضلا عن ممارسة المراقبة على كوادر هيئات المراقبة ذاتها. وتشمل الصلاحيات الجديدة إجراء التحقيقات وجمع الأدلة واستجواب المشتبه في ارتكابهم الفساد، وصولا إلى معاقبة من تتم إدانتهم بالتنسيق من الأجهزة القضائية المعنية.

وستعمل اللجنة الوطنية للمراقبة جنبا إلى جنب مع اللجنة المركزية لفحص الانضباط، وتتقاسم الكثير من مواردها، ولكن هذا لا يعني أن اللجنة الوطنية للمراقبة ستكون مجرد ملحق للجنة فحص الانضباط. الواقع أن أحد الأهداف الرئيسية للجنة الوطنية للمراقبة هو استهداف الفساد داخل لجنة فحص الانضباط ومؤسسة القضاء في الصين. وتهدف الولاية التشريعية المستقلة للجنة الوطنية للمراقبة إعطاءها الحرية في ملاحقة الفساد أينما وجد، حيث تتمتع بولاية وطنية مستقلة من المجلس الوطني لنواب الشعب.

يعتبر مسؤولو الحزب أن تأسيس اللجنة الوطنية للمراقبة يشكل إصلاحا سياسيا ودستوريا رئيسيا، ولذلك كان لابد من إجراء بعض التعديلات الدستورية لمأسسة اللجنة، وجعل عملها وصلاحياتها الجديدة والواسعة تكون مطابقة للدستور الصيني، ومعالجة مسألة تعليق أحكام بعض القوانين الوطنية عندما تم إطلاق تنفيذ البرامج التجريبية للجنة الجديدة.

يبدو أن قادة الصين يسعون من وراء إنشاء هذه الهيئة إلى تحويل مكافحة الفساد من قضية داخل الحزب إلى مشروع وطني شامل، من خلال عملية الدمج بين سلطات مكافحة الفساد التي يقودها الحزب مع تلك التي تقودها مؤسسات الدولة القائمة. والهدف من ذلك هو تفادي ازدواجية الهياكل وتشعب المرجعيات بين الدولة والحزب، حيث أن هيئات مكافحة الفساد الحالية في الصين لا تتبع قيادة مركزية موحدة، بل عدة مرجعيات تابعة لأجهزة مختلفة، حزبية وإدارية وحكومية وقضائية.

ويمكن القول، إن هذه الخطط ترجع إلى الأمل في أن يؤدي إنشاء مثل هذا الجهاز الحكومي الجديد القوي للإشراف على كل من بيروقراطية الحزب وبيروقراطية الدولة إلى تغيير النظرة إلى مكافحة الفساد، من حملة سياسية مؤقتة تحت قيادة الحزب إلى أداة مؤسسية شاملة ونظام سياسي دائم لتطبيق الحكم الرشيد والممارسات الأخلاقية في جميع أنحاء النظام.

استبدال الوسيلة الاستقصائية القديمة بوسيلة جديدة

وبحسب مشروع القانون، فإن اللجنة الوطنية للمراقبة ستتبع نظام احتجاز جديد يهدف إلى استبدال نظام "المحدَدَيّْن" (إلزام الكادر المرتكب لأخطاء خطيرة بتبرير تصرفاته في وقت محدد ومكان محدد) الذي يستخدم حاليا لمحاكمة المشتبه بهم في قضايا الفساد، والذي يتم انتقاد ممارساته من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية. وبموجب النظام المقترح والآلية الجديدة التي تدعى "ليو تشي"، والتي كشف الرئيس شي النقاب عنها في التقرير الذي قدمه إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر2017، سيتم تحديد فترات الاحتجاز لمدة ثلاثة أشهر وليس لأجل غير مسمى، قابلة للتمديد لثلاثة أشهر أخرى بعد الحصول على الموافقة. كما يجب إخطار الأسرة أو مكان العمل باحتجاز المشتبه بهم في غضون 24 ساعة. وبحسب مشروع القانون، ستتم تقنين آلية الاحتجاز الجديدة وإخضاعها لإجراءات داخلية أكثر صرامة.

إن إنشاء مثل هذا الكيان المتكامل للدولة والحزب لن يضفي الشرعية على آليات مكافحة الفساد ويتيح لها تغطية أوسع فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تبسيط العملية وتعزيز الكفاءة والشفافية.

وهذا ينسجم مع ما صرح به تشاو له جي، أمين اللجنة المركزية التاسعة عشرة لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني المعين حديثا، بأنه يتعين عليهم إحراز انتصار ساحق في مكافحة الفساد، ووضع إطار قانوني مؤسسي يجعل من المستحيل على المسؤولين أن يمارسوا الفساد.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4