مسلمون صينيون < الرئيسية

الإمام جين بياو (إسماعيل مسعود): تشينغهاي مسقط رأسي ومصر بلدي الثاني

: مشاركة
2022-07-11 17:03:00 الصين اليوم:Source طه بنغ تشو يون:Author

((الصين اليوم)): السلام عليكم، الإمام جين، شكرا جزيلا لفضيلتكم على قبول هذا الحوار مع مجلة ((الصين اليوم))، في البداية هل لكم أن تقدم للقراء نبذة عنكم ومسيرتكم العلمية والعملية؟

الإمام جين: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. يسعدني كثيرا هذا الحوار مع مجلة ((الصين اليوم))، وأنا واحد من قرائها أيضا منذ أكثر من ثلاثين سنة. اسمي جين بياو (إسماعيل مسعود)، وولدت عام 1966 لأسرة مسلمة عريقة في مقاطعة تشينغهاي بشمال غربي الصين. بفضل الأجواء العائلية الإسلامية، تلقيت التنوير الإسلامي على يدي والديّ، أما دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية منهجيا فكانت بعد انتهاء دراستي في المدرسة الثانوية، حيث كان من حسن حظي انني تلمذت على يد فضيلة الشيخ المرحوم ما شيانغ تشن (محمد) إمام مسجد دونغقوان بمدينة شينينغ حاضرة مقاطعة تشينغهاي، وهو من أكثر مساجد شهرة في الصين، وحصلت على التعليم التقليدي المنتظم في مبادئ العلوم الإسلامية. وفي عام 1988، التحقت بجامعة الأزهر الشريف، وقضيت في مصر أرض الأنبياء والعلماء، تسع سنوات منهمكا في بحر العلوم، بدءا من معهد البعوث الإسلامية ثم كلية الشريعة ثم الدراسات العليا في قسم أصول الفقه، وفي عام 1997، رجعت إلى وطني وعملت إماما في المساجد بمسقط رأسي، بفضل الله ودعم الحكومة والمسلمين، وقد مضى على ذلك ربع قرن من الزمان. يشرفني أيضا أنني أشغل منصب نائب رئيس الجمعية الإسلامية في مقاطعة تشينغهاي، حيث أشارك في أعمال توجيه وإرشاد أئمة المساجد في الأداء المهني على مستوى المقاطعة. في نوفمبر عام 2020، أصبحت إمام مسجد بيقوان في مدينة شينينغ، بدعوة من لجنة شؤون المسجد، لمواصلة الخدمات المتواضعة للمسلمين والوطن. باعتباره واحدا من 1331 مسجدا في مقاطعة تشينغهاي، أسس مسجد بيقوان في فترة أسرة مينغ (1368- 1644)، وله تاريخ مشرق بسلسلة من أسماء كبار الأئمة والعلماء، حيث تحمل المسجد مهمة تعليم طلاب العلوم الإسلامية منذ يوم تأسيسه، بأسلوب التعليم المسجدي الصيني التقليدي.

 

((الصين اليوم)): ذكرتم تجربة دراستكم في مصر، هل لكم أن تحدثنا أكثر عن تفاصيل هذه التجربة، وما حصلت عليها من الفوائد العلمية والقصص التي تؤثر فيكم حتى الآن؟

الإمام جين: نعم، قضيت تسع سنوات في مصر الحبيبة وأفنيت عنفوان شبابي بأرض الكنانة، مصر هي بلدي الثاني. قضيت فيها أسعد فترة من حياتي الدراسية، ولي ذكريات طيبة لا تنسي ولها في نفسي أثر كبير لا يمحي. من المعروف، أن مصر تمثل قبلة العلوم الإسلامية، وجامعة الأزهر منارة العلوم لكل الطلاب المسلمين على امتداد عصور التاريخ. عندما كنت تلميذا مبتدئا في مسجد دونغقوان، غرست في قلبي نية الدراسة في مصر، وسهرت الليالي من أجل تحقيق هذه الأمنية. في عام 1988، تحقق أملي ووصلت إلى أرض مصر عبر رحلة طيران مرورا بتركيا. ما زلت أتذكر بشكل واضح اللافتة المعلقة في مطار القاهرة الدولي، حيث كتبت عليها الآية القرآنية: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. بعد القدوم إلى جامعة الأزهر، شاركت في امتحانات للوافدين، والتحقت بالمدرسة الثانوية، ثم بدأت الدراسة مع الطلاب الوافدين من قارات العالم المختلفة.

عند استرجاع أيامي الدراسية في الأزهر، أود تلخيص ما تركت لي مصر الحبيبة بالعبارات التالية، الأولى هي "الحنين البالغ"، حيث في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان عدد الطلاب الصينيين في مصر ما زال قليلا وليس مثل اليوم، وكنت أحس دائما بالحنين البالغ إلى وطني ووالديّ وأشقائي وشقيقاتي، في ذلك العصر الذي كانت فيه الاتصالات تقليدية وصعبة، فلا أستطيع الاتصال بأهلي إلا بالرسائل البريدية. كانت الرسالة الواحدة تستغرق نصف شهر على الأقل ذهابا والرد يأتي بعد شهر وأكثر. الحياة الدراسية في مصر جعلتنا نحن المبعوثين أشد اشتياقا إلى الوطن وأكثر حبا له.

الثانية هي "الأخوة الصادقة"، باعتبارها من أعرق الجامعات في العالم، ومنارة العلوم الإسلامية، يفد إلى جامعة الأزهر الطلاب من أنحاء المعمورة. أقمت عدة سنوات في البناية رقم 17 بمدينة البعوث الإسلامية الواقعة في حي العباسية بالقاهرة. وكانت المدينة تضم آلافا من الطلاب الوافدين من شتى القارات وبمختلف الألوان والألسنة؛ يعيشون معا ويدرسون ويلعبون سويا مما جعل الوافدين يحب بعضهم بعضا بعيدين عن الحقد والعنصرية.

العبارة الثالثة طبعا هي "الفكر الوسطي". تتميز جامعة الأزهر بفلسفتها الوسطية تحقيقا لقول الله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا." فالوسطية طريقة متوازنة لا إفراط ولا تفريط. وقد سألني أحد الناس ذات مرة: ماذا تعلمتَ في الأزهر طوال تسع سنين. فأجبته على الفور: تعلمت كلمة واحدة ألا وهي الوسطية. يعتبر الفكر الوسطي كنزا لا يفنى لكل طالب بالأزهر، حصلنا عليه ليس من المواد الدراسية المفعمة بالمناهج الوسطية والتي ألفها العلماء الأزهريون منذ أجيال فسحب، وإنما أيضا مما شهدناها من تصرفات الشيوخ والأساتذة في الحياة، وتطبيق الناس في معاملاتهم الاجتماعية. الأمر الذي جعلني أشرع في التفكير والدراسة حول التقارب بين الثقافتين الصينية والمصرية، فالأولى تتميز بوسطية الكونفوشية والثانية بوسطية الإسلام.

أما العبارة الرابعة في حياتي الدراسية في مصر، فهي "كرم الشعب وفضل الجار"، وراء هذه العبارة قصص مؤثرة لي ولعائلتي. خلال أيامي الأزهرية، بصفتي وافدا مسلما من الصين، تلقيت كثيرا من المساعدات بنية خالصة من قبل الأصدقاء والأشقاء المصريين الذين يعرفونني والذين لا أعرفهم، الأمر عوضني كثيرا عن اشتياقي إلى الأهل والعائلة، وشجعني دائما في الدراسة بجد واجتهاد، حتى تخرجت عام 1994 في الأزهر بالحصول على درجة الليسانس بتفوق في امتحانات التخرج. في ذلك الوقت، كنت قد تزوجت وانتقلت من مدينة البعوث إلى خارجها، حيث أقمت مع زوجتي في شقة مستأجرة بسيطة. في شهر مايو من نفس العام، رزقني الله بنعمة أخرى فقد ولد ابني الأول فاروق. وبينما كنت غارقا مع زوجتي في فرحة الأبوة والأمومة، جاء الخبر من المستشفى بأن المولود يحتاج إلى نقل الدم لعلاج مرضه اكتشف أنه مصاب به، والأسوأ من ذلك هو أن فصيلة دمه من الفصائل النادرة جدا، وغير متوفرة في بنك الدم بالمستشفى. عندما عرف أصدقائي المصريون بظروف ابني الشديدة، تحركوا فورا للبحث عن الأشخاص لديهم نفس فصيلة الدم المطلوبة للتبرع وإنقاذ حياة الطفل. جاءت البشرى سريعا من العمارة التي أسكن فيها، فقد كانت جارتي السيدة دولت من نفس فصيلة الدم، وتبرعت بلا تردد بدمها لابني وتطمئنني أنا وزوجتي بلطف الأمهات المصريات. بفضل الله تعالى، شفي ابني بسرعة وخرج من المستشفى، ونشأت علاقة فريدة بين عائلتي وعائلتي السيدة دولت، منقذة حياة إبني فاروق. في عام 2018، بعد إتمام زواجه، سافر فاروق مع زوجته إلى مصر خصيصا لتقديم شكره لأمه المصرية السيدة دولت على فضلها الكبير الذي لا ينسى طول الحياة.

))الصين اليوم((: فضيلتكم، كنائب رئيس الجمعية الإسلامية بمقاطعة تشينغهاي وإمام بازر من بين رجال الإسلام في تشينغهاي التي يعيش فيها عدد كبير من المسلمين من القوميات المختلفة، كيف ترى توجيه الرئيس شي جين بينغ حول "تطوير الأديان في السياق الصيني"؟

الإمام جين: تعتبر تشينغهاي من أكثر المقاطعات من حيث أعمال الشؤون الدينية، وموطن عدد كبير من المسلمين من مختلف القوميات، كما يعيش فيها كثير من أبناء قومية التبت ومعتنقي البوذية التبتية. وقد أشار الرئيس شي جين بينغ أثناء زيارته التفقدية لمقاطعة تشينغهاي أهمية الشؤون القومية بقوله: " إن أعمال الشؤون القومية في تشينغهاي، تتعلق بالوضع العام للمقاطعة." والآن، يعيش في تشينغهاي حوالي مليون مسلم من مختلف القوميات، ويوجد 1331 مسجدا في أرجاء المقاطعة، يتعايش المسلمون مع غيرهم من أبناء القوميات ومعتنقي الأديان المختلفة تعايشا أخويا منذ قديم الزمان، وسجل التاريخ قصصا لا تعد في هذا المجال.

في العصر الجديد، شهدت تشينغهاي الوضع الجيد في تعزيز التضامن والتقدم بين أبناء القوميات المختلفة. لم تكن الأوساط الإسلامية في تشينغهاي متأخرة في بذل الجهود المتواصلة للمحافظة على هذا الوضع الممتاز بالأعمال التي تهدف إلى تطوير الإسلام في السياق الصيني، وإثراء التناغم والتضامن بين أبناء تشينغهاي من القوميات المختلفة.

بالنسبة لي شخصيا، بفضل المعرفة حول الوسطية والتي حصلت عليها من الثقافتين الصينية والإسلامية، لم أتوقف عن التفكير وتطبيق التقارب بين الإسلام والكونفوشية على أساس توارث الكنوز الفكرية من العلماء المسلمين الصينيين منذ مئات سنين، وبذلت جهدا لتلبية مبادرة الرئيس شي جين بينغ حول تطوير الأديان في السياق الصيني بتعزيز التناغم والتعارف بين المسلمين وغيرهم بالأساليب العديدة.

 

الأول هو إعداد الأئمة الجدد على منهج الوسطية في كل مسجد أتولى فيه الإمامة، خلال ربع القرن المنصرم، قد تخرج على يدي عشرات بل مئات من الشباب المسلمين، يتميزون بحب الوطن والإسلام، في مواقفهم العملية المختلفة. الثاني هو تقريب بين الثقافتين الصينية التقليدية والإسلامية، أعتقد أن كلتا الثقافتين ثقافة شرقية بينهما تشابه وتداخل، وأحاول تقريبهما من بعضهما عن طريق إلقاء الخطب وكتابة المقالات ونشرها في الجرائد والمجلات، كما نقلت ديوان الإمام الشافعي إلى اللغة الصينية، الذي قد طبعت ترجمته بدار الشعب في تشينغهاي قبل عدة سنوات. الثالث هو إنشاء "قاعة التعارف" في مسجد بيقوان تيمنا بقول الله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". وقد عقدنا العزم على إقامة ملتقى علمي سنويا بقاعة التعارف قاصدين زيادة التعارف بين أبناء القوميات المختلفة ورجال الأديان ومعتنقيها، تحت إشراف الأجهزة الحكومية المسؤولة، وكانت الدورة الأولى للملتقى العلمي قد أقيمت بنجاح عام 2021، تحت عنوان: آراء الأديان حول الحضارة البيئية الطبيعية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4