مسلمون صينيون < الرئيسية

حرية المعتقدات في شينجيانغ

: مشاركة
2021-08-24 17:55:00 الصين اليوم:Source ماهيتاب أحمد:Author

شينجيانغ منطقة يعيش فيها أبناء قوميات مختلفة، وتتنوع بها المعتقدات الدينية، وتتعايش بها الثقافات المختلفة معا منذ العصور القديمة. كانت الديانات البدائية والشامانية هي المعتقدات الشائعة في شينجيانغ من قبل. منذ القرن الرابع قبل الميلاد، ومع الدخول المتتالي للمجوسية والبوذية وغيرهما من الديانات الأخرى، تشكل نمط تعايش الديانات المختلفة معا تدريجيا. ثم دخلت الطاوية والنسطورية والإسلام والديانات الأخرى واحدة تلو الأخرى، واستمر نمط تعايش الديانات المختلفة معا في التطور. ويتسم الوضع الديني في شينجيانغ بخاصية تاريخية، حيث توجد ديانة أو ديانتان رئيسيتان مع تواجد ديانات عديدة. تتمازج وتتواجد الديانات والثقافات المختلفة في شينجيانغ معا منذ فترة طويلة، وتتعلم من بعضها البعض، وتتطور في عملية التكيف مع تطور المجتمع الصيني. في الوقت الحاضر، يعتبر الإسلام والمسيحية والبوذية والكاثوليكية والطاوية الأديان الرئيسية في شينجيانغ.

في الصين عشر أقليات قومية تؤمن بالإسلام، وهي الويغور والقازاق وهوي والقرغيز والتتار والأوزبك والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن، وجميعها لها تواجد في شينجيانغ، والسبع الأولى منها من سكان شينجيانغ الأصليين، أما الثلاث الأخيرة منها، فهم ممن هاجروا إلى شينجيانغ من المناطق الداخلية المختلفة في الصين بعد تحرير شينجيانغ. توجد في شينجيانغ طوائف إسلامية مختلفة، وأهم الطوائف المنتشرة في شينجيانغ هي المذهب الحنفي السني والإسماعيلية الشيعية والصوفية. والأغلبية من قوميات الويغور والقازاق وهوي والأوزبك والتتار في شينجيانغ تنتمي إلى المذهب السني، بينما ينتمي عدد كبير من أبناء قومية الويغور وقومية الأوزبك إلى الصوفية، أما أبناء قوميتي الطاجيك والقرغيز وغيرهما من قوميات شينجيانغ المسلمة فهم أساسا من الشيعة الإسماعيلية. شينجيانغ هي المنطقة التي تضم أكبر عدد من المساجد في الصين، والتي تتوزع في أماكن مختلفة منها، أشهرها هو مسجد عيدكاه ومسجد كوتشار في كاشغر، ومسجد جياما ومسجد آتسينا في يارقند، ومسجد شنشي الكبير ومسجد نانمن في أورومتشي، ومسجد بايشيلا في ييلي، ومسجد جيويمان في خوتان وغيرها من المساجد.

من حيث عدد المساجد في الدول غير الإسلامية، يبلغ عددها في الولايات المتحدة الأمريكية ألفين وفي بريطانيا 1750 وفي ألمانيا حوالي 800 وفي فرنسا 450، أما في الصين فيبلغ عدد المساجد في منطقة شينجيانغ وحدها أكثر من عشرين ألفا، أي أكثر من ضعفي إجمالي عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا مجتمعة. ويحمي دستور الصين وقوانينها حق المواطنين في حرية الاعتقاد الديني، إذ ينص دستور جمهورية الصين الشعبية على أنه للمواطنين الحرية التامة في اعتناق الدين. وتحت حماية القانون، تُحترم الأنشطة الدينية المشروعة والأعياد الدينية، وتتم حماية المساجد والآثار التاريخية الدينية في الأماكن المختلفة. وخلال رحلتنا إلى شينجيانغ، شرفنا بزيارة المسجد الأبيض في أورومتشي ومسجد شنشي في يينينغ، وتفقدنا وشاهدنا أحوال الأنشطة الدينية الإسلامية في شينجيانغ بأنفسنا.

المسجد الأبيض في أورومتشي

في هذا المسجد ثلاثة أئمة، الإمام عبد الشكور رحمة الله، الذي يتولى الإمامة منذ تسع عشرة سنة، ومساعداه. تخرج عبد الشكور رحمة الله في معهد شينجيانغ للعلوم الإسلامية في عام 1993. تم بناء المسجد الأبيض في عام 1923، وبدأت إقامة الصلوات والأنشطة الدينية فيه منذ عام 1924. يرجع تاريخه إلى أكثر من 80 عاما، بدأ كمنزل قديم حتى أصبح اليوم موقعا دينيا هاما، أُعيد بناؤه أربع مرات، كان آخرها في عام 1998.

وفقا للعادات الإسلامية، خلعنا أحذيتنا أولا، ودخلنا ساحة الصلاة في المسجد الأبيض. لا يمكنني وصف ذلك الشعور الذي اعتراني بمجرد دخولي وشعوري بتلك الأجواء المألوفة، يكاد لا يوجد أي فرق بين صورة وهيكل المسجد الأبيض والمساجد في مصر، مما جعلني أشعر بالراحة والدفء الشديد، فشعرت كما لو أنني قد عدت إلى وطني بمدينة الألف مئذنة في مصر.

تبلغ مساحة مصلى المسجد الأبيض 2000 متر مربع، يتكون المصلى من ثلاثة طوابق، يتسع الطابق الأسفل لأكثر من 700 مصل. ولكن بعد انتشار وباء كوفيد- 19، ومن أجل المحافظة على التباعد الاجتماعي بمتر واحد على الأقل، أصبح المصلى يستوعب حوالي 200 مصل في وقت واحد فقط. يمكن للمسلمين تأدية الصلوات الخمس يوميا في المسجد، مع التحكم في عددهم ليكون حوالي 500   فرد في اليوم الواحد في المتوسط، وأكثر من 600 فرد في يوم الجمعة. أما في النشاطات الدينية وأيام الأعياد، كعيد الفطر وعيد الأضحى، فيشارك بها أكثر من 2000 فرد تقريبا. قال الإمام عبد الشكور رحمة الله: "نظرا لموقع المسجد الأبيض القريب من البازار الكبير، يأتي إليه الكثير من المصلين يوميا"، وأضاف: "كما ترون، أبواب مسجدنا وجميع المساجد مفتوحة دائما لخدمة المؤمنين."

للمسجد مرافق مكتملة، وقال لنا الإمام عبد الشكور رحمة الله، إنه بدعم من الحكومة لهم، أصبحت مرافق المسجد أفضل فأفضل. حيث توجد بالمسجد غرفة للوضوء ومكتبة ومطبخ وغيرها من المرافق الحياتية. والمسجد مزود أيضا بمبرد الهواء وموزع المياه وغيرها. كما قال: "في شهر رمضان الكريم، قامت الحكومة المحلية بتنظيم بعض الكوادر الطبية، لتقديم الخدمات الطبية للمصلين، مثل قياس درجة حرارة الجسم وضغط الدم وتعقيم المسجد بانتظام، لتوفير بيئة آمنة وصحية ومريحة للعبادة والصلاة للمصلين."

كما قدم الإمام عبد الشكور رحمة الله لنا تعريفا موجزا عن تاريخ المسجد الأبيض، ففي أوائل القرن العشرين، أراد الناس إيجاد مكان لتأدية الصلوات ولكن لم يكن هناك مسجد آنذاك، ففتح رجل طيب باب منزله ودعا الجميع لتأدية الصلوات في بيته، ثم رأى المصلون أنه من الأفضل طلاء الجدار الخارجي للمنزل باللون الأبيض لتمييزه عن البنايات المحيطة الأخرى، وليعرف الجميع أن البناية البيضاء هي مكان الصلاة، ومن هنا جاءت تسمية المسجد الأبيض بهذا الاسم.

عندما سألت الإمام عبد الشكور رحمة الله عما إذا كان المسجد يقوم بتنظيم أنشطة أخرى إلى جانب الصلوات الخمس المعتادة، أجابني: "بالإضافة إلى الصلوات الخمس، نقوم هنا بتعليم الناس المعارف الدينية، فوفقا لعادات وتقاليد قومية الويغور بشينجيانغ، لا تذهب النساء إلى المساجد، فعادة ما يأتي الرجال إلى المساجد لتعلم المعارف الإسلامية وتعليمها لعائلاتهم في المنزل." وتابع قائلا: "ونقوم أيضا بتنظيم دورات لتعليم اللغة العربية، حتى يتمكن الناس من قراءة النص الأصلي للقرآن الكريم."

مسجد شنشي في يينينغ

يقع مسجد شنشي، المعروف باسم مسجد نينغقو ومسجد قومية هوي، بالجانب الجنوبي من شارع شينهوا الشرقي بمدينة يينينغ. ويطلق عليه اسم مسجد شنشي، لأن الجنود المسلمين الذين جاءوا إلى شينجيانغ مع قوات جيش أسرة تشينغ (1644- 1911م)  كان  أكثرهم  ينتمون إلى مقاطعة شنشي.

بُني هذا المسجد في العام السادس والأربعين من فترة تشيان لونغ، أي عام 1781، ويرجع تاريخه إلى أكثر من 270 عاما. تبلغ مساحة المسجد حوالي 3000 متر مربع. تم بناؤه من قبل حكومة أسرة تشينغ؛ رعاية للاحتياجات الدينية للجنود من قومية هوي المسلمين من شنشي وقانسو ونينغشيا وتشينغهاي الذي جاءوا ومكثوا هنا لقمع التمرد آنذاك. وفي عام 2010، ووفقا لمتطلبات منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، تمت إعادة بناء وترميم المسجد مع الحرص على عدم تغيير شكله وطرازه ومواده الأصلية. بُني هذا المسجد على الطراز الصيني التقليدي وأسلوب الزخرفة العربية. قال الإمام ما جي رونغ، إمام مسجد شنشي: "هذا المسجد دليل كاف على التواصل والتبادل والتمازج الوثيق بين المناطق الداخلية والمناطق الحدودية في الصين." ومضى قائلا: "يشهد المسجد أيضا على أن شينجيانغ جزء لا يتجزأ من أراضي الصين منذ العصور القديمة."

دخلنا مصلى المسجد، الذي تبلغ مساحته 2100 متر مربع، ومثل المساجد الأخرى، تُقام به الصلوات الخمس يوميا وصلاة الجمعة والأنشطة الدينية في الأعياد الهامة، بابه دائما مفتوح يرحب بالمصلين ليأتوا للصلاة وتعلم المعارف الدينية. يحتفظ المسجد بطرازه التاريخي الذي يعود لأكثر من 270 عاما، وعلى الرغم من أن مظهره الخارجي لا يوحي بأنه مسجد، فإنه من الداخل غني بالأجواء والأنماط الإسلامية، مما يعطي الناس شعورا بالهدوء والسلام.

دخلنا إلى مكتبة المسجد، ووفقا لما قاله الإمام ما جي رونغ، فهي تحتوي على أكثر من 2000 نسخة من القرآن الكريم وكتب المعارف الدينية، ومفتوحة طوال اليوم لطالبي العلم.

أجداد الإمام ما جي رونغ، الذي يبلغ عمره 60 عاما، من شنشي، وقد عمل كإمام لمسجد شنشي لأكثر من عشر سنوات، وكان قد تعلم فيه معارف الدين. قال: "عمل أبي إماما لمسجد شنشي لأكثر من 50 عاما، وكان يدرِّس المعارف الدينية هنا، لذلك سرت على خطاه ودرست هنا أيضا، وبعد ذلك درست في المعهد الصيني للعلوم الإسلامية."

خلال هذه الرحلة، شعرت حقا أن شينجيانغ مكان رائع، ورأيت تبادل ثقافات الأقليات القومية المختلفة وتمازجها وتوارثها وتطورها، وكيف يتم احترام حرية المعتقدات لمختلف الأديان في شينجيانغ.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4