مسلمون صينيون < الرئيسية

"الوجبة A" تدفئ القلوب في الشتاء

: مشاركة
2021-01-06 12:36:00 الصين اليوم:Source هناء لي ينغ:Author

هناك مثل صيني قديم يقول: "لا ترفض فعل الخير البسيط لمجرد أنه بسيط". الآن، مع دخول فصل الشتاء والبرد القارس في معظم مناطق الصين، ما زال مطعم دشونتشاي في بكين يقدم وجبة عشاء مجانية، هي "الوجبة "، للغرباء الذين يبحثون عن عمل في بكين ويواجهون صعوبات في الحياة. بعد أن ذاعت أخبار هذا العمل الخيري، شاعت الطاقة الإيجابية في كل المجتمع وفي أنحاء الصين، وشارك عدد متزايد من الناس في النشاطات الخيرية.

مصدر "الوجبة "

على بوابة مطعم دشونتشاي لوحة مكتوب عليها: "لا مفر من أن يواجه الإنسان بعض الصعوبات، عندما يعمل خارج مسقط رأسه. مطعمنا يقدم وجبة عشاء مجانية، نرجو منك فقط أن تساعد الآخرين أيضا عندما يكون في استطاعتك فعل ذلك." مكتوب على اللوحة أيضا: "يكفيك أن تجلس في المطعم وتطلب من النادل "الوجبة A"، وتنصرف بعد الأكل مع السلامة!"

لماذا يقدم مطعم دشونتشاي "الوجبة "؟ قال صاحب المطعم السيد يوي تشنغ هاو، وهو مسلم من قومية هوي، إنه كان يدرس في مدينة كونمينغ بمقاطعة يوننان الواقعة في جنوب غربي الصين في عام 2012، وذات مرة، سُرقت محفظته وهاتفه النقال وهو في الطريق إلى الجامعة. فقد كل نقوده، فشعر بالحيرة والعزلة وقلة الحيلة. في ذلك الوقت، صادفه صاحب مطعم لشعرية الأرز، ودعاه إلى تناول الطعام. كما قدم له خمسة يوانات (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات حاليا) لشراء تذكرة الباص للعودة إلى الجامعة. تأثر يوي تشنغ هاو بما فعل معه صاحب مطعم شعرية الأرز وقرر أن يرد له الجميل يوما ما.

بعد التخرج في الجامعة، مارس السيد يوي أعمالا مختلفة قبل أن يصل إلى بكين لبدء مشروعه الخاص. فتح مطعم دشونتشاي في نهاية عام 2016. رغم أن مساحة هذا المطعم ليست كبيرة، وفيه بضع عشرة مائدة فقط، فإن أطعمته الحلال ذات خصائص قومية هوي تجذب السكان والموظفين الذين يعملون حوله. يصطف الزبائن لشراء الفطور أو ينتظرون للجلوس في المطعم كل يوم. بفضل جهود السيد يوي في إدارة مشروعه، تزدهر أعمال المطعم، ففتح فرعا آخر له في بكين وفرعين في مدينة جينان بمقاطعة شاندونغ وفرعا في ووهان بمقاطعة هوبي. منذ نجاحه في فتح مطعم في بكين، دعا أبناء مسقط رأسه في محافظة لينيي بمدينة دتشو التابعة لمقاطعة شاندونغ للمشاركة في إدارة وتشغيل مطاعمه، فوفر لهم فرص العمل وتحقيق الثراء.

خلال سنوات عمله في مجال المطاعم، لم يغب عن ذهن السيد يوي صاحب مطعم شعرية الأرز الذي ساعده في مقاطعة يوننان قبل سنوات، فاختار أن يرد الجميل ببذل كل ما يستطيع لمساعدة الفئات الضعيفة. قال السيد ما تسونغ شيان مدير مطعم دشونتشاي، إن البنايات التي حول هذا المطعم بها شقق سكنية ووحدات إدارية، ويبيع المطعم الوجبات السريعة رئيسيا، فدائما ما يدخل المطعم العاملون في نظافة البيئة وموظفو توصيل الطرود البريدية وموظفو التجمعات السكنية. يرحّب بهم العاملون في المطعم ويقدمون لهم الماء، بل ويتيحون لهم الاستراحة في المطعم. ذات يوم، لاحظ المدير ما رجلا يرتدي ملابس بالية دخل المطعم ولم يطلب أي طعام، بل كان يأكل الأطعمة الباقية في أطباق الزبائن الآخرين بعد انصرافهم. وعندما قدم له المدير الخبز والشعرية، رفض الرجل، ففهم السيد ما أنه يحرص على كرامته. تشاور مع صاحب المطعم لتقديم "الوجبة " المجانية لهؤلاء الناس الذين يواجهون صعوبات، منذ شهر أكتوبر عام 2020. وتتكون هذه الوجبة من الشعرية مع الحساء وقطع من اللحم وبعض الخضراوات. مطعم دشونتشاي مفتوح طوال الأربع وعشرين ساعة كل يوم، فيمكن أن يدخله المحتاجون لتناول "الوجبة " المجانية في أي وقت. في الحقيقة، يقدم فرع المطعم في ووهان "الوجبة " المجانية منذ يونيو عام 2019، ويتناولها بعض المشردين والطلاب الجامعيين الفقراء.

حفظ ماء وجه الضعفاء

قالت الآنسة يانغ، وهي نادلة في مطعم دشونتشاي: "نقدر صاحب مطعمنا، ونحن سعداء بالمشاركة في أعماله الخيرية. ينصحنا صاحب المطعم ومدير المطعم بالتعامل مع كل الزبائن بلطف مهما كانت ملابسهم أنيقة أو بالية. يحتاج الضعفاء إلى مزيد من الاحترام والاهتمام. إذا طلب زبون "الوجبة "، نقدمها له من دون استفسار أو إبداء أي ملاحظة. نعرف أنه في وضع صعب ولا نسأله، من أجل حفظ كرامته."

أحيانا، يبدو أن الأعمال الخيرية عطاء من الغني للفقير، ويجب على الفقير أن يقبلها شاكرا من صميم القلب، وتعالج هذه الأعمال الخيرية مشكلات الناس في الظروف الصعبة، غير أن هناك مسافة بين المساعِد والمساعَد، ويصعب أن يتبادل الجانبان المشاعر الحقيقية. في مطعم دشونتشاي، "الوجبة " هي كلمة السر، فهي تجعل المساعِد والمساعَد صديقين يجلسان على نفس المائدة، ويتفاهم كلاهما من خلال كلمة السر هذه.

الطلاب الجامعيون الفقراء والمشردون والعاملون في نظافة البيئة وموظفو توصيل الطرود أو الوجبات، كلهم أشخاص عاديون مثل صاحب مطعم دشونتشاي، يكدحون في المدينة ولكن دخلهم غير مرتفع. وبسبب تأثيرات وباء كوفيد- 19، قد يكون وضع الفئات الضعيفة أصعب الآن. رغم أن قيمة الوجبة ليست كبيرة، فإنها تظل وجبة ساخنة بدون مقابل لشخص قد يخيب أمله في الشتاء البارد، فتسد رمقه وتحل مشكلة ملحة له وتدفئ قلبه وتضئ نور أمل له وتشجعه على المثابرة على الكفاح من أجل حياة أفضل.

انتقال الطاقة الإيجابية في المجتمع

بعد انتشار قصة "الوجبة " لمطعم دشونتشاي الإسلامي عبر شبكة الإنترنت، حظي المطعم بثناء وتقدير من عدد لا يحصى من مستخدمي الإنترنت، قالوا إن "الوجبة " تدفئ المعدة والقلب في الشتاء، وصاحب المطعم طيب القلب وذكي، يساعد الآخرين ويحفظ ماء وجههم في الوقت نفسه. جاء كثير من الضيوف من أنحاء الصين إلى هذا المطعم الصغير، وبعضهم عبّروا عن تقديرهم لصاحب المطعم، وبعضهم يريدون أن يتبرعوا بالأموال لشراء العديد من "الوجبة " لمساعدة الآخرين.

قال السيد تانغ، وهو أحد زبائن المطعم، إن بيته قريب من المطعم، ويتناول الوجبات هنا دائما، لأن الأطعمة الإسلامية فيه نظيفة ولذيذة وسعرها معقول، وابنه يحب الفطيرة المحشوة بلحم البقر والكباب في هذا المطعم، وقد لاحظ أن سيدة مسنة مشردة تتردد على المطعم وتعطيها النادلة الماء الساخن والخبز.

قالت الآنسة وانغ، التي تعمل في بناية مكاتب قريبة من المطعم: "أمرّ بهذا المطعم كل يوم، وأشتري الفطور منه كل صباح. وبعد نشر قصة "الوجبة " لهذا المطعم، يطلب كثير من زملائي الذهاب إلى هذا المطعم للتعبير عن التقدير لصاحبه، فآخذهم إلى هنا ونتناول الغداء وسندعو مزيدا من الزملاء ليتناولوا الوجبات هنا، ونرغب في أن نتعلم من صاحب المطعم ونشارك في الأعمال الخيرية." وقد عبر زملاؤها عن تقديرهم لصاحب المطعم.

الضيوف الذين يريدون أن يتبرعوا بالأموال لشراء "الوجبة " كثيرون. قالت النادلة ما، "ذات يوم، جاء رجل ورأى اللوحة التي أمام بوابة المطعم، وسألني عن سعر "الوجبة "، فقلت له: 22 يوانا. بعد أن تناول وجبته، وجدت أنه دفع أكثر من ثمن الوجبة، فأرجعت إليه ما زاد عن المبلغ المطلوب ولكنه رفض وقال إنه يريد أن يشتري "الوجبة " لمن يحتاج إليها، فشكره مدير المطعم ورفض تبرعه. ذات مرة، دخلت المطعم فتاة سألتني عن "الوجبة "، فظننت أنها تحتاج إلى المساعدة، وطلبتُ من الطباخ أن يعد الوجبة فورا، ولكنها أوقفتني وقالت إنها تريد أن تتبرع بخمسمائة يوان لشراء "الوجبة " لمن يحتاج إليها. عرفت منها أنها واجهت من قبل صعوبات في العمل، وساعدها كثير من الزملاء والأصدقاء والغرباء حتى تغلبت على الصعوبات. إنها لا تستطيع أن ترد جميل كل منهم، فقررت أن ترد الجميل بهذه الطريقة. وجاء مسن عمره أكثر من سبعين سنة، وقال إنه جاء راكبا الباص وبدّل الباص ثلاث مرات حتى وصل إلى مطعمنا، ويريد أن يتبرع بالمال لشراء "الوجبة "، فشكره مديرنا ورفض، ولكنه أصر على التبرع فنصحه المدير بصبر، حتى وافق، وترك بينات الاتصال به وانصرف."

قال السيد ما تسونغ شيان، مدير المطعم، إن سيدة جاءت من مدينة نانيانغ بمقاطعة خنان إلى المطعم بعد أن قرأت عن العمل الخيري الرائع لمطعم دشونتشاي وتأثرت به، فسافرت إلى بكين على متن الطائرة ووجدت هذا المطعم، وتركت له ألف يوان لشراء "الوجبة ". يرفض صاحب المطعم تبرعات الضيوف، وقال السيد ما، مدير المطعم: "رغم أن مطعمنا صغير، نستطيع أن نتحمل تكلفة "الوجبة "، وسننفذ وعدنا. نشكر من يريد التبرع بالمال لشراء "الوجبة "، ونرفض بلطف تبرعهم ولكننا نطلب منهم ترك وسيلة اتصال بهم ونعدهم بالاتصال بهم إذا احتجنا إلى مساعدتهم. في الحقيقة، الزبائن الذين طلبوا "الوجبة " المجانية ليسوا كثيرين منذ أن بدأناها قبل شهرين، بل استقبلنا كثيرا من المتبرعين، وذلك يؤثر علينا ويشجعنا على مواصلة الأعمال الخيرية."

جدير بالذكر أن العمل الخيري الرائع لمطعم دشونتشاي أحدث تيارا دافئا في كل البلاد، حيث تُقدم المطاعم في جينان وتشينغداو وشيانغيانغ وشيآن وهانغتشو وووشي ونانتشانغ وغيرها من المدن في أنحاء الصين "الوجبة " المجانية لمن يحتاج إلى المساعدة. وبعد أن أطلقت شبكة تشيلو الإخبارية نشاط "الوجبة " الخيرية، انضم إلى هذا العمل أيضا خمسة وعشرون مطعما في مدينة جينان. وفي مدينة لانتشو بمقاطعة قانسو مطعم صغير يقدم الفطور المجاني لعمال النظافة والأطفال الذين يعمل آباؤهم خارج مسقط رأسهم والأيتام والمسنين الذين لا عائل لهم. الحقيقة أن أصحاب كثير من مثل هذه المطاعم كانوا قد حصلوا على المساعدة والتشجيع من الآخرين في أوقات واجهوا فيها صعوبات. على سبيل المثال، السيد تشانغ شياو جيون، وهو صاحب مطعم للكباب في مدينة شيآن بمقاطعة شنشي، يقدم الوجبات المجانية للمحتاجين، قال: "فشلت في البحث عن عمل في عام 1997، وكنت أسير في الطريق جائعا، مررت بمطعم شعرية، وقلت لصاحبه إني لم آكل شيئا لأكثر من يوم، وأريد أن آخذ طبقا من الشعرية وسأدفع له ثمنها بعد الحصول على الأجر من العمل الجديد. لم يتكلم صاحب المطعم، بل دخل المطبخ وأعدّ الشعرية لي فورا. وفي ذلك المساء بعد أن تناولت الشعرية، وجدت عملا جديدا. عندما عدت إلى المطعم لأدفع ثمن ما أكلت لصاحب المطعم وأشكره، وجدت أن المطعم مغلق. بعد افتتاح مطعمي، وضعت لوحة تقديم "الوجبة " المجانية على البوابة فورا، لأني لن أنسى مساعدة صاحب المطعم قبل أكثر من عشرين سنة. وطالما عمل المطعم مستمر، سأواصل تقديم "الوجبة " المجانية. ومن الطبيعي أن يواجه الإنسان صعوبات خارج مسقط رأسه، وإن المساعدة من الآخرين في هذا الوقت قد تغير طريق حياته بعد ذلك. أساعد المحتاجين بدون مقابل، وأرجو أن يساعدوا هم أيضا الآخرين عندما يكون ذلك في وسعهم، وأن ينتقل وينتشر هذا الدفء في المجتمع."

"الوجبة " تساعد من يواجهون صعوبات في الحياة، وهي مصباح مضيء ينير طريق للمحتاجين ويجعلهم يمتلكون الشجاعة لمواجهة الصعوبات والخروج من الأزمات. في المجتمع المعقد والمتغير سريعا، ما زال هناك كثيرون قلوبهم مفعمة بالمشاعر الإنسانية ويسعدون بمساعدة الآخرين. وكما يقول المثل الصيني: "ما دام كل شخص يقدم الحب، سيصبح العالم دنيا جميلة."

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4