في ربيع وصيف عام 2020، وعلى أراضي الصين، يبذل الأطباء والممرضون جهودا مضنية في الجبهة الأمامية لمكافحة وباء كوفيد- 19، وبينهم كثير من المسلمين الذين يعملون في ووهان وشيانغيانغ وشياوقان وغيرها من مدن مقاطعة هوبي حيث كان انتشار الوباء فيها شديدا، ويقدمون مساهمات هامة في كبح تفشي الوباء وضمان صحة الشعب.
إنهم آباء وأمهات عاديون
"أبي العزيز، إذا كان لديك وقت، فافتح البريد الإلكتروني لك خلال وقت تناول الوجبة لتقرأ رسالتي لك!" كتب الفتى ما تشن شيوان هذه الكلمات في رسالة لأبيه ما يونغ قانغ الذي كان يكافح في المعركة ضد الوباء في ووهان.
وُلد الدكتور ما يونغ قانغ في قرية مأهولة بأبناء قومية هوي في محافظة يانغشين بمقاطعة شاندونغ، وهو نائب رئيس فرع هاننان لمستشفى رنمين التابع لجامعة ووهان. في عشية عيد الربيع لعام 2020، أعاد تذكرة السفر التي كان قد حجزها للعودة إلى مسقط رأسه، وطلب أن يبقى في ووهان لاجتياز المصاعب مع أهل ووهان.
في البداية، كان ما تشن شيوان سعيدا بغياب أبيه، لأن أباه يحثه على إكمال الواجبات المنزلية دائما في العطلات، فيرجو أن يلعب من دون إلحاح أبيه عليه للمذاكرة في العطلة. ولكن عندما عرف أن أكثر من ألف طبيب وممرض في ووهان أصيبوا بالفيروس، وتوفي بعض الأطباء بسبب خطورة حالتهم، أدرك ما تشن شيوان وضع أبيه الخطير. ذات يوم، رأى على شاشة التلفزيون طبيبا يتحدث مع المرضى بفرح وبُحَّ صوتُه، وعلى الملبس العازل للطبيب اسم أبيه "ما يونغ قانغ"، فسالت دموعه من عينيه.
في ذلك الوقت، كان ما يونغ قانغ يعمل رئيس الفرقة الطبية في "المستشفى المؤقت" في ووهان. بعد تلقي الرسالة من ابنه بأكثر من عشرين يوما، ضغط وقته من أجل الرد على رسالة ابنه على عجل، حيث قال في الرسالة: "وقع هذا الوباء في ووهان أولا، وأنا طبيب في ووهان، يجب علي أن أتحمل مسؤولية مكافحة الوباء، وهناك كثير من الأطباء جاءوا إلى ووهان من أماكنهم الآمنة، وإنهم أبطال حقيقيون."
ما رو، رئيسة ممرضات من مدينة شيآن، وهي عضو الفرقة الطبية الأولى بمقاطعة شنشي لمساعدة ووهان. بعد عودتها إلى البيت، وجدت ابنها البالغ من العمر عشرين شهرا مختبئا في حضن أبيه خوفا من أمه، لم تتمالك ما رو الشجاعة لتحبس دموعها. وقالت: "رغم أنني لم أرافق ابني لمدة شهرين، إذا أتيحت لي الفرصة لأختار مرة أخرى، فسأختار أن أسافر إلى ووهان."
ما يوي جيه، زميلة ما رو، أم أيضا. خلال الأيام الأولى في ووهان، اتصلت بأسرتها ثلاث مرات فقط، وكان ابنها يركض بسرعة في الغرفة خلال المكالمة، ويأخذ الهاتف من يد أبيه قبل نهاية المكالمة، ويقبّل أمه على شاشة الهاتف النقال، وقال لها: "يا أمي، انتبهي إلى صحتك، ولا تقلقي علي، أنا مؤدب." ولكن زوجها أخبرها أن الابن يبكي ويبحث عنها كلما انتهت المكالمة. قالت ما يوي جيه: "لم أتصل بأسرتي كثيرا لأنني أخاف ألا أمنع نفسي من البكاء ودموعي تجعلهم يقلقون علي وتزيد اشتياقهم لي."
بعد معرفة قصص ما رو وما يوي جيه، أهدى أساتذة وطلاب الدورة التدريبية لفن الخط لقومية هوي أعمالهم لهما تعبيرا عن احترامهم وتقديرهم.
أبناء الأئمة في الجبهة
بين أعضاء الفرقة الطبية بمدينة تيانجين لمساعدة ووهان، طبيبة من قومية هوي، الدكتورة لي ين، ابنة إمام مسجد. في عام 2003، خاضت المعركة ضد "سارس"، وكان عمر ابنها سنة واحدة فقط. الآن، أصبح ابنها طالبا في السنة الثالثة في المدرسة الثانوية ويستعد لامتحان قبول الطلاب الجامعيين. قبل الانطلاق إلى ووهان، لم تخبر أبويها اللذين يتجاوز عمر كل منهما ثمانين سنة، بل قالت لابنها، "سأسافر إلى ووهان لإنقاذ حياة المواطنين، أرجو أن تدرس في البيت للالتحاق بجامعة ممتازة، وسنصبح ناجحين معا!" رآها والدها الإمام المسن في برنامج تلفزيوني، وعرف أنها رئيسة فرقة علاج المصابين بالمرض الخطير، وعملها خطير، فأوصاها بالاهتمام بصحتها مرارا عبر تطبيق ويتشات. دبرت لي ين وقتا لترد على والدها "لست مشغولة وأنا بخير" لطمأنته.
الممرضة هوانغ لي، عضو الفرقة الطبية الأولى بمقاطعة تشجيانغ لمساعدة ووهان، وهي تعمل في المستشفى الثاني التابع لجامعة تشجيانغ ووالدها الإمام هوانغ يي تشيوان من مسجد مدينة ليشوي بمقاطعة تشجيانغ. قبل الانطلاق إلى ووهان، قال الإمام لابنته، "يا بنيتي، وضع الوباء في ووهان خطير، واندفع عدد كبير من الأطباء والممرضين نحو الجبهة، لا يمكن أن تتخلفوا ونحن مسلمون، كوني شجاعة، أدعمك!" اجتهدت هذه الشابة المولودة بعد التسعينات في العمل، وكانت تقوم بتنظيف بصاق و براز وبول المرضى ولم يبد عليها الارتباك.
الطبيب ما تشوانغ من مستشفى الطب التقليدي الصيني بمحافظة ونآن في مقاطعة خبي، عضو الفرقة الطبية الثامنة بمقاطعة خبي لمساعدة ووهان، وهو من أسرة أئمة، حيث أن جد جده إمام كبير في مسجد داويخه بمحافظة ونآن، وثلاثة من أبنائه الستة أئمة، وابنه الثاني الإمام ما ديان لون هو جد الطبيب ما تشوانغ، ومشهور في شمالي الصين. إن شخصية البطل لا تنفصل عن ترعرعه في تلك الأسرة، وتوجيهات أسرة ما هي التضحية بالمصالح الشخصية من أجل الغير.
الطعام ليس مشكلة
بعد أن تقدمت الممرضتان دينغ ني وسا رونغ من منطقة نينغشيا بطلب للذهاب إلى مدينة شيانغيانغ للمساعدة في مكافحة الوباء، قلق كثير من أصدقائهما على صعوبة تناول الأطعمة الإسلامية. قالت الممرضتان بصوت واحد: "إنقاذ الحياة أهم أمر، وسنحاول أن نجد الأطعمة الحلال." وساعدهما الزملاء في شيانغيانغ على حل مشكلة الطعام.
الطبيب المسلم ما يون تيان المولود بعد الثمانينات عضو في الفرقة الطبية الأولى بمدينة تيانجين لمساعدة ووهان، وفي الفرقة خمسة عشر مسلما. كان الأعضاء الآخرون يعتنون بطعامهم. وقالوا: "الحلول أكثر من الصعوبات."
يلعب الطب التقليدي الصيني دورا هاما في مكافحة الوباء، والطبيبة المسلمة منغ جيه من مستشفى دونغفانغ التابع لجامعة الطب الصيني التقليدي ببكين سافرت إلى ووهان باعتبارها عضو الفرقة الطبية الوطنية للطب الصيني التقليدي. كان زملاؤها يجمعون الأطعمة الحلال لها، فتأثرت بذلك كثيرا.
وقالت لوه شيوان رئيسة الممرضات من مدينة تسي بوه بمقاطعة شاندونغ، إنها كانت تتناول الوجبات الحلال اللذيذة التي أعدها المستشفى والفندق في ووهان خاصة لها.
يهتم أبناء قومية هوي بالطب منذ قديم الزمان، والأخلاق الطبية لقومية هوي محورها روح تكريس النفس، حيث جاء أسلافهم من المناطق الغربية البعيدة إلى الصين وفتحوا المستشفيات والصيدليات لتعميم طبهم ودوائهم. وظهر أطباء بأعداد كبيرة من بين خلفهم، يفيدون أبناء الأمة الصينية. الآن، خاضوا المعركة ضد كوفيد- 19 لمكافحة الوباء مع أهل هوبي، وقدموا كل محبتهم وعنايتهم مثل حبوب الرمان المتضامنة.
--
الكاتب: سعيد شي يان وي، طالب دكتوراة في مركز دراسات الأدب الصيني الجديد التابع لجامعة نانجينغ، ومحرر مجلة ((أدب القوميات)) وعضو رابطة الكتاب الصينيين.