مسلمون صينيون < الرئيسية

كتاب ((تجار على طريق الحرير)).. رحلة ترصد كفاح أبناء هوي في بحر التجارة

: مشاركة
2020-02-21 14:23:00 الصين اليوم:Source هناء لي ينغ:Author

يشتهر أبناء قومية هوي بأنهم "الأبرع في ممارسة التجارة" في الصين. على طريق الحرير البري في أسرة تانغ، وعلى طريق الحرير البحري في زمن أسرتي سونغ ومينغ، وعلى طريق "تشاما" (الشاي والخيل) القديم في جنوبي الصين، تواصلت على مدى أكثر من ألف سنة النشاطات التجارية لأسلاف تجار وأبناء قومية هوي الصينية بلا انقطاع، فقدموا بذلك مساهمات جبارة للتبادل بين الحضارتين الشرقية والغربية وللتنمية الاجتماعية والاقتصادية في الصين. منذ انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، ينبثق كثير من أبناء قومية هوي التجار البارزين والناجحين في البلاد، ويواصلون تعظيم تقاليد حب الوطن والمهارة في ممارسة التجارة والاهتمام بالعدل والمصالح على خلفية سياسة الإصلاح والانفتاح ومبادرة "الحزام والطريق"، فسطروا قصصا عديدة للكفاح في بحر التجارة ورد الجميل للمجتمع.

في بداية عام 2020، أصدرت دار العالم الجديد للنشر كتاب ((تجار على طريق الحرير)) الذي يسرد قصص أكثر من عشرين تاجرا من قومية هوي حول تأسيس المشروعات وتطوير الأعمال ورد الجميل للمجتمع، ويستعرض في ذات الوقت التاريخ والتقاليد التجارية في المناطق حول "الحزام والطريق". وتعتبر تجربة كل شخص منهم منهجا لتأسيس المشروعات، أما قصة كفاحهم فهي صورة مصغرة للصينيين المجدين الأذكياء.

مؤلف هذا الكتاب السيد وانغ يو جيون، ابن قومية هوي من محافظة تونغشين في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، وُلد في أسرة مسلمة في عام 1980. يعمل مراسلا صحفيا، وهو حاصل على شهادة الليسانس في الأدب وشهادة الماجستير في القانون، ويدرس حاليا في الجامعة المركزية للقوميات للحصول على درجة الدكتوراه. وهو أيضا عالم زائر بالدفعة الثالثة عشرة لمشروع "نور غربي الصين" لرفع مستوى مراكز البحوث في منطقة غربي الصين، والذي نظمته دائرة التنظيم للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وواحد من الأكفاء الذين وقع عليهم الاختيار لمشروع إعداد الأكفاء الشبان في مجالات الفلسفة والعلوم الاجتماعية والثقافة والفن بمنطقة نينغشيا. في عام 2014، قام مع البروفيسور تشونغ يا جيون من كلية العلوم الإنسانية بجامعة نينغشيا بجولة استطلاعية في غربي الصين، على الخط الشمالي لطريق الحرير، لجمع المادة اللازمة لإنتاج فيلم وثائقي. بدأت جولتهما من معبر تشانين الذي كان أول نقطة عبور بالنهر الأصفر ينبغي للخارج من مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) المرور بها وصولا إلى غربي طريق الحرير في زمن أسرتي هان وتانغ. ترجلا على الطريق الذي يحمل آثار أقدام التجار على طريق الحرير في التاريخ، ليعبرا النهر الأصفر ويجتاز صحراء غوبي ويتغلغلا إلى المنطقة الخلفية لممر خشي، قبل أن يقصدا إلى ناحية الغرب للخروج من ممر جيايويقوان والدخول إلى منطقة شينجيانغ لزيارة أطلال دويلة جيويشي القديمة ودويلة قاوتشانغ القديمة واجتياز جبال تيانشان، إلى أن بلغ بهما المسير مروج تشاوسو في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم حاليا، وهو الموقع القديم لدويلة ووسون القديمة.

قال السيد وانغ يو جيون: "خلال هذه الجولة الاستطلاعية، وقفت في تشانين وأووي وغيرهما من الحواضر القديمة لأسرتي هان وتانغ، وسرحت بنظري في الأفق الشرقي، وشعرت بعظمة التجار على طريق الحرير في ذلك الوقت، فقد كانوا يقودون القوافل للخروج من تشانغآن ويعبرون ممر شياوقوان ويدورون حول سوميرو، وصولا إلى مدينة تشانين القديمة بعد الاستراحة في قرية دالاتشي. كانوا، بعد عبور النهر، يولون وجوههم غربا على ممر خشي، في مواجهة أشعة الشمس المشرقة. وفي نفس الوقت، كان عدد لا يحصى من التجار من البلدان القديمة الواقعة في شمال وغرب الصين يقصدون بقوافلهم المحملة بالبضائع نحو تشانغآن على طريق الحرير من الغرب إلى الشرق. كان رنين أجراس الإبل لا ينقطع. وانتهت جولتنا الاستطلاعية في ممر شياتا القديم في محافظة تشاوسو بمنطقة شينجيانغ، ذلك الممر الذي اجتازه الراهب شيوان تسانغ في رحلته إلى الغرب، أما التجار على طريق الحرير في ذلك الوقت، فكانوا يواصلون رحلتهم، فيجتازون ممر شياتا وجبال تيانشان، وصولا إلى جنوبي منطقة شينجيانغ، ثم يعبرون هضبة البامير ويخرجون من آسيا الوسطى في طريقهم إلى أوروبا. كانت صحراء غوبي الشاسعة لا زرع فيها ولا ضرع، ومع ذلك ازدهر طريق الحرير القديم لآلاف السنين. عندما تقدمنا على طريق الحرير بسيارة رياضية متعددة الأغراض، ومددنا بصرنا إلى الأفق الأقصى، لم نستطع الوصول إلى حدود صحراء غوبي، فتملكنا الرعب وعجبنا من الإرادة الصلبة التي تحلى بها القدماء في الرحلات على طريق الحرير! لقد تركت تلك الجولة الاستطلاعية في نفسي مشاعر احترام لهؤلاء التجار، فقررت أن أدون تلك المشاعر والمشاهدات في عمل حول التجار على طريق الحرير."

بعد آلاف السنين من تقلبات الزمن، صار أولئك الرهبان وأصحاب الفضيلة الراحلون والتجار على طريق الحرير في ذلك الوقت آثارا متناهية الصغر في التاريخ، ولكن ثقافة طريق الحرير التي تركوها ما زالت ساطعة مشرقة حتى اليوم، وما زالت هناك آثار تاريخية تمثل مادة ثرية للبحث. بالإضافة إلى ذلك، ما زال بعض من أحفاد التجار على طريق الحرير يسيرون على ذلك الطريق الذي صار أكثر حيوية مع مرور الزمن، وأقصد بهم التجار من قومية هوي في الصين.

هذه القومية تشكلت على تراب الصين، وفي مسيرة تشكلها وتطورها، تغذت من الثقافة الصينية التقليدية والثقافة الإسلامية من خارج الصين والثقافة التجارية للمسلمين. يمكن القول إن مجموعة تجار قومية هوي مازالت حتى اليوم متأثرة بثقافة التجار على طريق الحرير. من بين خمس وخمسين أقلية قومية في الصين، يعتبر أبناء قومية هوي الأكثر مهارة في ممارسة التجارة. وفي ربوع الصين حاليا، تقريبا لا يوجد مكان لا يمارس فيه أبناء قومية هوي التجارة.

تغير التاريخ خلال مئات السنين، ولكن لم تتغير الثقافة التجارية والأخلاقيات المهنية التي توارثها تجار قومية هوي. وأهم معالمها هي حب الوطن والمهارة في التجارة والاهتمام بالعدل والمصالح ورد الجميل للمجتمع. منذ انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح العظيمة، انبثقت دفعة كبيرة من تجار قومية هوي، شاركوا بنشاط في المسيرة العظيمة لتنمية الاقتصاد الأهلي الصيني، وأصبحوا قوة هامة في تنمية الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل لأبناء الشعب وتعزيز التضامن القومي، وقدموا مساهمات إيجابية في التنمية الاجتماعية وبناء الدولة.

في هذا العصر الجديد، وخاصة بعد أن طرحت الصين مبادرة البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، استجاب التجار الصينيون من قومية هوي لدعوة الدولة بنشاط، منطلقين من الصين وواضعين العالم نصب أعينهم، فاتجهوا نحو الخارج للمشاركة في التجارة الدولية من خلال مبادرة "الحزام والطريق" ففتحوا السوق الدولية الأوسع وأخرجوا مزيدا من "صنع في الصين" وثقافة الصين إلى الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق".

أبطال هذا الكتاب، باستثناء شخص واحد من قومية سالار، كلهم تجار ورجال أعمال من قومية هوي، وتغطي أماكن كفاحهم شينجيانغ وقانسو وتشينغهاي ونينغشيا وشنشي ويوننان وخبي وخنان ومنغوليا الداخلية وبكين وقوانغدونغ وتشجيانغ وسيتشوان وقويتشو. انتشار هؤلاء الأشخاص في أرجاء البلاد يعكس سمة مميزة لقومية هوي الصينية وهي أنه لا يكاد يخلو مكان في الصين من أبناء هذه القومية وإن كانوا يقيمون رئيسيا في أماكن تجمع أبناء هوي. يعد أبطال القصص في هذا الكتاب صورة مصغرة لأصل نشأة قومية هوي باعتبارها أحد فروع الأمة الصينية، فقد جاء أسلاف قومية هوي عبر طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري، وضربوا جذورهم في أرض الصين ومشوا في مناكبها وانتشروا في أرجائها، ويتركزون نسبيا في المناطق حول طريق الحرير القديم. خلال مئات السنين، عاشوا وتكاثروا وتطورا، فاندمجت الحضارة الإسلامية مع الحضارة الصينية اندماجا كاملا، وحافظوا على عقيدتهم الدينية وعاداتهم وأصول المهنة التي تجسد هوية وروح قومية هوي.

اليوم، يعيش أبناء قومية هوي، الذين يبلغ عددهم أكثر من عشرة ملايين نسمة، في طمأنينة ويعملون بارتياح، وينشطون في كل المجالات تقريبا، ويجتهدون في كل مهنة، ويبزغ من بينهم أكفاء كُثر. برؤية شاملة، ما زالت ممارسة التجارة وإدارة العقارات الثابتة المجال الذي يتقنه أبناء قومية هوي ويتمتعون بقوة وتأثير فيه، وذلك توارث لخصائص قومية هوي البارزة والجينات القومية لأهل قومية هوي المتمثلة في المهارة في ممارسة التجارة وتدبير الموارد المالية وإدارة الممتلكات.

يشتمل كتاب ((تجار على طريق الحرير)) على نماذج قليلة من أبناء قومية هوي في قطاع التجارة، وهناك مزيد من التجار البارزين لم يشتمل عليهم الكتاب، ولكننا نستطيع أن نستشف من خلالهم التقليد الثمين لقومية هوي باعتبارهم أبناء طريق الحرير وخلف هؤلاء التجار القدماء.

قال السيد ما شياو لين، الأستاذ بجامعة الدراسات الدولية في تشجيانغ وخبير الشؤون الدولية: "بينما كنت أطالع ((تجار على طريق الحرير))، تدفقت في صدري مشاعر دافئة، وعندما وقعت عيناي على عنوان الكتاب، بدا وكأن رنين أجراس قوافل الإبل في الماضي البعيد قريب من أذني، وعادت مشاهد الصحراء والرمال الصفراء وصحراء غوبي والواحات والبحار الزرقاء تبزغ أمام عيني. بدا أن طريق الحرير القديم الذي تجاوز العصور وربط الصين بالغرب قد امتد إلينا متعرجا، ليندمج مع مشروع "الحزام والطريق" العظيم الذي يحتوي على موضوعات أكثر ثراء ويغطي نطاقا أوسع في العصر الحاضر. هذا دليل آخر على أن خطى تقدم التبادلات البشرية وتطور التاريخ لم تتوقف. هذا الكتاب يسجل قصصا حقيقية لكفاح التجار ورجال الأعمال من قومية هوي. وكواحد من أبناء قومية هوي، عندما أقرأ عن كل ذرة من جهود هذه المجموعة في شق "الحزام والطريق"، أستطيع أن ألمس الروح الإنسانية التاريخية المتوارثة داخل القومية."

يعكس هذا الكتاب الميل المهني لأبناء قومية هوي نحو التجارة. إن قارئ هذا الكتاب يجد نفسه في حديقة تأسيس المشروعات، ويلتقي مع أبناء قومية هوي الذين يمارسون التجارة ويحققون الرخاء في كل مجالات وسلاسل وحلقات التجارة، فمنهم من يعكف على التجارة في مسقط رأسه، ومن يمارس التجارة خارج مسقط رأسه؛ ومنهم من يدير سلسلة محلات ومطاعم ذات ماركة مشهورة في مختلف المناطق، ومن يواصل التجارة على طريق الحرير باستخدام المفاهيم والتقنيات والأساليب الحديثة. ويتوارث أبطال هذا الكتاب من أسلافهم التقاليد الممتازة لحب الوطن والقومية والدين، ويستفيدون في ممارساتهم التجارية من سياسة إسعاد الشعب الوطنية. ويتوارث أبطال هذا الكتاب الفضيلة المتوارثة المتمثلة في "الاهتمام بالعدل والمصالح" للتجار التقليديين من قومية هوي. بفضل تمتعهم بالإيمان والطموح ونصيحة الأسلاف والتربية الصارمة والسمعة في دوائر التجارة، يكون في قلوبهم مهابة وجلال. وهم يمارسون التجارة ويكسبون الأموال، ولكنهم لا يسعون إلى الربح فقط، وإنما أيضا يضعون العدل في المقام الأول. ويمكن أن نلاحظ بين السطور حب المؤلف لقومية هوي التي ينتمي إليها وثناءه على هذا العصر العظيم وتأثره به. فيبرز جميع أبطال الكتاب قلوبهم الطاهرة باعتبارهم خلف التجار على طريق الحرير.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4