عين صينية < الرئيسية

حل أزمة البحر الأحمر لا يكون بـ"صب الزيت على النار"

: مشاركة
2024-03-08 14:02:00 الصين اليوم:Source تانغ تشي تشاو:Author

يعد البحر الأحمر طريقا تجاريا دوليا مهما، وترتبط سلامة الملاحة فيه بالتدفق السلس لسلاسل التجارة العالمية والاستقرار الإقليمي. الأزمة الأمنية في البحر الأحمر، يجب أن نحلها من مصدر الأزمة ونعالج أعراضها وجذورها في نفس الوقت. إن أزمة البحر الأحمر الحالية هي امتداد لتداعيات الجولة الجديدة من الصراع الدموي بين فلسطين وإسرائيل. إن وقف إطلاق النار المبكر في غزة وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية على الأرض سيساعدان على منع المزيد من تصعيد الحالة في البحر الأحمر وانتشارها إلى مناطق أخرى. ينبغي للمجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى، بذل المزيد من الجهد لتهدئة الوضع، بدلا من صب الزيت على النار، لتجنب المزيد من تفاقم الوضع.

منذ نوفمبر عام 2023، تتصاعد الأزمة الأمنية في البحر الأحمر باستمرار، مما سبب قلقا واسع النطاق في المجتمع الدولي. تشن جماعة الحوثيين اليمنية هجمات في البحر ضد السفن المرتبطة بإسرائيل لمحاولة إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وفي أوائل ديسمبر عام 2023، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن الولايات المتحدة الأمريكية، جنبا إلى جنب مع المملكة المتحدة والبحرين وعدد قليل من الدول الأخرى، أنها ستطلق عملية "حارس الازدهار" للدفاع عن حرية الملاحة. وفي الثاني عشر من ديسمبر عام 2023، شنت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ضربة عسكرية ضد الحوثيين يطلق عليها اسم "عملية بوسيدون آرتشر (قوس بوسيدون)"، لردع هجمات الحوثيين. مع ذلك، لم تحقق عملية الدفاع عن الملاحة ولا الضربات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية نتائج ملحوظة. ويواصل الحوثيون شن هجمات متكررة، بل توسع نطاق هجماتهم ليشمل السفن الأمريكية والبريطانية.

يحتل خط البحر الأحمر- قناة السويس الملاحي موقعا مهما بين خطوط النقل البحري في العالم، وهو ممر مهم للتجارة والطاقة. وفقا للإحصاءات، يمر أكثر من 20 ألف سفينة عبر قناة السويس كل عام، يمثل حجم البضائع المنقولة عبرها حوالي 14% من إجمالي حجم التجارة البحرية العالمية. ويمر عبر هذا الممر المائي حوالي 30% من حاويات الشحن في العالم، و10% من النفط المنقول بحرا، وحوالي 8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية. منذ تصاعد الوضع في البحر الأحمر، أعلنت العديد من شركات الشحن والنقل العملاقة، بما في ذلك ميرسك وهاباغ لويد، أنها ستتجنب طريق البحر الأحمر وستغير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الذي يمر بالطرف الجنوبي من أفريقيا، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف ومدة النقل، وتأخير أوقات التسليم. وفقا لإحصاء البنك الدولي، يؤدي استخدام طريق رأس الرجاء الصالح إلى زيادة مسافة النقل بين أوروبا وآسيا من 3000 إلى 3500 ميل بحري، وزيادة وقت الرحلة من 7 إلى 10 أيام. وإذا استمر هجوم الحوثيين حتى مارس وإبريل عام 2024، فإن قدرة الشحن المحدودة في ذلك الوقت يمكن أن تؤدي إلى أزمة في سلسلة التوريد مماثلة لتلك التي حدثت أثناء جائحة كوفيد- 19 خلال عامي 2021- 2022. ومن الملاحظ أن ضمان أمن الممرات الملاحية وسلامة السفن المارة في مياه البحر الأحمر لا يساعد في المحافظة على السلام والاستقرار الإقليميين فحسب، وإنما أيضا يساعد في المحافظة على أمن سلاسل التوريد العالمية والنظام التجاري الدولي. ولهذه الغاية، ينبغي للأطراف المعنية أن توقف الهجمات على السفن المدنية وتحترم حرية الملاحة وتضمن أمنها لجميع الدول في مياه البحر الأحمر. وفي العاشر من يناير عام 2024، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا بشأن قضية البحر الأحمر بأغلبية 11 صوتا مقابل 4. بينما شدد القرار على احترام الحق في حرية الملاحة، كما شدد على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية.

إن الصراع المتصاعد بين فلسطين وإسرائيل هو السبب الرئيسي لأزمة البحر الأحمر. واعترف المجتمع الدولي عموما أن التوترات الحالية في البحر الأحمر هي أحد مظاهر التداعيات غير المباشرة لصراع غزة. فمنذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في أكتوبر من العام الماضي، نفذت إسرائيل عمليات عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، مما تسبب حتى كتابة هذه السطور في مقتل وجرح 26 ألف مدني فلسطيني وتشريد أكثر من 80% من السكان، وتدمير 70% من المنازل، وافتقار ملايين السكان إلى الرعاية الطبية والغذاء والسكن، وأدت إلى أزمة إنسانية كبرى. فاتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة. وفي السادس والعشرين من يناير عام 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرا باتخاذ تدابير مؤقتة في القضية، تطالب إسرائيل باتخاذ جميع التدابير لمنع "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة، وتحسين الوضع الإنساني في المنطقة، وتقديم تقرير عن التنفيذ في غضون شهر واحد. إن الأزمة الإنسانية الواسعة في قطاع غزة حفزت القوى الإقليمية المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على إظهار التضامن والدعم للشعب الفلسطيني وحماس، ومن ثم جعلت الصراع يمتد إلى أجزاء كثيرة في الشرق الأوسط ويؤثر تأثيرا بالغا على الاستقرار الإقليمي.

ومنذ اندلاع النزاع في أكتوبر عام 2023، شن عدد من الجماعات المسلحة غير الحكومية في الشرق الأوسط، بما فيها جماعة حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات العراقية، والميليشيات السورية، عمليات عسكرية باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ وقذائف باليستية ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية تضامنا مع الشعب الفلسطيني، ودعما لنضال حماس ضد العدوان. منذ نوفمبر العام الماضي، بدأ المتسلحون الحوثيون في اليمن في توجيه ضرباتهم إلى أهداف إسرائيلية. وقد صرحت جماعة الحوثيين علنا بأنها لن توقف عملياتها العسكرية طالما لا توقف إسرائيل الحرب ولا ترفع الحصار عن غزة. وردا على الهجمات الأمريكية والبريطانية، تعهدت الجماعة بالرد بصرامة وقوة، لكي تجعل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تدفعان "ثمنا باهظا" لـ"أعمالهما العدوانية".

ومن أجل دفع التسوية المبكرة للقضية، ليس من الضروري وقف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ورفع الحصار عن قطاع غزة في أقرب وقت ممكن، والتخفيف بشكل كبير من الكارثة الإنسانية الخطيرة في فلسطين فقط، ولكن أيضا قيام المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبيرة المؤثرة، بدور بناء ومسؤول في المحافظة على أمن الممرات الملاحية في مياه البحر الأحمر وحل الأزمات الإقليمية. يحث قرار مجلس الأمن الدولي بشأن البحر الأحمر جميع الأطراف على توخي الحذر وضبط النفس لتجنب المزيد من تصعيد الوضع في البحر الأحمر والمنطقة ككل، ويشجع جميع الأطراف على تكثيف الجهود الدبلوماسية لتحقيق هذه الغاية، بما في ذلك مواصلة دعم الحوار وعملية السلام في اليمن تحت رعاية الأمم المتحدة. ومن المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية منحازة للجانب الإسرائيلي في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتدعم العمل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، فعليها أن تتحمل مسؤولية لا يمكن التنصل منها عن استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وحدوث أزمة البحر الأحمر. وأدرك المجتمع الدولي ذلك جيدا. لذا فإن الغالبية العظمى من الدول، بما فيها الاتحاد الأوروبي، حليف الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاءها وشركاءها في الإقليم مثل السعودية والإمارات ومصر والأردن، لا تدعم أو تشارك في عمليات الحراسة العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تعارض الضربات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين. واعتقد خبراء الشؤون الدولية عموما أن العمل العسكري الأمريكي هو بمثابة صب الزيت على النار، لم يفشل في حل مشكلة أمن البحر الأحمرفحسب، وإنما أيضا يزيد المشكلة تعقيدا، ويدفع الأزمة الأمنية في البحر الأحمر إلى التصعيد إلى صراع إقليمي، ويعرض عملية السلام اليمنية للخطر، بل والتسبب في انتشار الصراع إلى مناطق أخرى، بما في ذلك الخليج وبحر العرب. إلى جانب ذلك، إن قيام الجيش الأمريكي بعمل عسكري ضد الحوثيين وانخراطه مباشرة في الصراع سيكون له تأثير كبير على تطور الوضع الإقليمي والعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الشرق الأوسط. كما أثبتت الوقائع أنه على الرغم من أن الجيش الأمريكي قام بالحراسة ونفذ عشرات الضربات ضد الحوثيين، لم تتراجع هجمات الحوثيين بشكل كبير، ولم تتحسن سلامة الملاحة في البحر الأحمر، بل تطورت الأزمة بشكل خطير وواضح نحو التوسع والاستمرار. قال خالد الخياري، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، إن دورة العنف في اليمن ومنطقة البحر الأحمر يمكن أن تكون لها عواقب سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية خطيرة، ليس فقط على البلد الذي مزقته الحرب والفقر، ولكن أيضا على مناطق أوسع.

باختصار، لحل الأزمة الأمنية في البحر الأحمر، من الضروري لجميع الأطراف المعنية التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس، وحل التناقضات من خلال الحوار، وتجنب المزيد من توسع الصراع. في الوقت نفسه، يجب أن نبدأ من مصدر الأزمة ونتخذ إجراءات تجمع بين المعالجة الفرعية والمعالجة الجذرية لحل هذه الأزمة. ومن شأن الوقف المبكر لإطلاق النار ووقف الأعمال القتالية في غزة وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية على أرض الواقع أن يساعدا على منع المزيد من تصعيد الحالة في البحر الأحمر وأن يحولا دون انجرار بقية الشرق الأوسط إلى الصراع والحرب. ويجب على المجتمع الدولي العمل معا على تهدئة توترات الوضع في البحر الأحمر، وتحقيق التسوية السياسية للقضية اليمنية، ووقف إطلاق النار والأعمال العدائية في قطاع غزة، وتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في الشرق الأوسط. ومن المأمول أن تغير الحكومة الأمريكية سياستها المنحازة لإسرائيل، وأن تصحح ممارساتها الخاطئة بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وأزمة البحر الأحمر، وأن تلعب دورها كدولة كبيرة مسؤولة.

--

تانغ تشي تشاو، باحث ومدير مكتب البحوث السياسية بمعهد دراسات غربي آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4