عين صينية < الرئيسية

هل لا تزال الصين دولة نامية؟

: مشاركة
2023-09-10 14:33:00 الصين اليوم:Source كانغ كاي:Author

في السابع والعشرين من مارس عام 2023، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون بعنوان "جمهورية الصين الشعبية ليست دولة نامية". وفي الثامن من يونيو، أقرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع ما يسمى بـ"قانون تجريد الصين من وضع الدولة النامية". مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب واللجنة المختصة في مجلس الشيوخ، يتطلب من وزارة الخارجية الأمريكية العمل على ألا تحظى الصين بمعاملة أو مساعدة تفضيلية بفضل وضعها كدولة نامية، والسعي لتغيير وضع الصين كدولة نامية في المنظمات الدولية، وتعديل وضع الصين إلى "دولة ذات دخل مرتفع" أو "دولة متقدمة".

لكي يصبح هذا المشروع قانونا ساري المفعول، يحتاج إلى مراجعته وإقراره من قبل كل أعضاء مجلس الشيوخ، ثم إصداره بمرسوم موقع من الرئيس الأمريكي.

إن هذه الممارسة الأمريكية، التي تتجاهل الحقائق والقواعد وتتجاهل الإنصاف والعدالة وتتجاهل التعاون والفوز المشترك، لا تلقى معارضة وإدانة شديدة من الدول النامية فحسب، وإنما أيضا لا تعترف بها المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية. الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على حرمان الصين من وضع الدولة النامية، وبصراحة، فإن نيتها الحقيقية هي احتواء الصين.

لماذا لا تزال الصين "دولة نامية"

في السنوات الأخيرة، استمرت زيادة سرعة واتجاهات التنمية الاقتصادية للصين، وحققت البلاد إنجازات ملحوظة في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة مصدرة للسلع والخدمات في العالم.

العديد من دول العالم معجبة بالقوة الاقتصادية الهائلة للصين ونفوذها. ولكن في الوقت نفسه، هناك أيضا بعض الأصوات في العالم التي تشكك في وضع الصين كـ"دولة نامية" وسياسات التجارة الدولية التفضيلية التي تتمتع بها. غير أن هذه الأصوات لا تنتبه إلا إلى بعض الصناعات الرائدة في الصين، ولا تدرك حقيقة أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين لا يزال ينتمي إلى الدول النامية. بتوزيع الناتج المحلي الإجمالي الضخم للصين على أكثر من مليار وأربعمائة مليون نسمة، فإن متوسط نصيب الفرد فيها لن يكون مرتفعا. في عام 2022، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين 12741 دولارا أمريكيا، وهو يساوي 20% من نظيره في الاقتصادات المتقدمة والسُدس في الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2021، جاء متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين في المرتبة الثامنة بعد الستين في العالم، واحتل مؤشر التنمية البشرية في الصين المرتبة التاسعة بعد السبعين في العالم، في نفس المستوى مع البلدان النامية الرئيسية. متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بعض المدن الرئيسية بالصين، مثل شانغهاي، وصل إلى مستوى الاقتصادات المتقدمة، ولكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في معظم المناطق، بما في ذلك المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم والمناطق الريفية الشاسعة، لا يزال في مستوى الدول النامية.

متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البرتغال، التي تحتل المرتبة الأخيرة تقريبا بين الدول المتقدمة في العالم، بلغ 24000 دولار أمريكي في عام 2021، وهو أعلى بكثير من الصين. يعتقد الخبراء أنه في ظل معدل النمو الاقتصادي الحالي للصين، لن يصل متوسط نصيب الفرد بها من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى البرتغال قبل عشر سنوات.

يجب تحديد وضع الدولة كنامية أو متقدمة وفقا للظروف الوطنية الأساسية للدولة. منذ الإصلاح والانفتاح، حققت الصين إنجازات ملحوظة في مجال التنمية، ولكن الظروف الوطنية الأساسية المتمثلة في أن الصين لا تزال في المرحلة الأولية للاشتراكية وستظل في المرحلة الأولية للاشتراكية لفترة طويلة لم تتغير، ولم يتغير وضع الصين كأكبر دولة نامية في العالم. من الواضح أنه لا يمكن تجريد الصين من وضع الدولة النامية، لمجرد أن الحجم الإجمالي لاقتصادها كبير، ناهيك عن القول إن الصين أصبحت دولة متقدمة.

ما وراء مشروع القانون الأمريكي

إن إقرار مجلسي النواب والشيوخ للولايات المتحدة الأمريكية، على التوالي، مشروع قانون لتجريد الصين من وضع "الدولة النامية"، هو محاولة لفرض "قيود" على اقتصاد الصين على أساس قواعد التجارة الدولية. في الواقع، هذه ورقة تلعب بها الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء تنمية الصين. بالنسبة لبعض الأمريكيين الذين يحاولون احتواء صعود الصين، فإن تجريد الصين من وضع "الدولة النامية" والادعاء بأن الصين قد أصبحت "دولة متقدمة"، يمكن أن يدفع المنظمات الدولية إلى حرمان الصين من المعاملة والتفضيلية الخاصة التي تتمتع بها الدول النامية، من أجل إضعاف القدرة التنافسية للصين في التجارة الدولية، ومطالبة الصين بالاضطلاع بالتزامات ومسؤوليات دولية تتجاوز قدرتها من أجل كبح وإبطاء التنمية الطبيعية للصين، فضلا عن تمهيد الطريق للمبالغة في "نظرية التهديد الصيني". هذا نوع من "المدح من أجل القتل" إلى حد ما.

يدعو بعض الأمريكيين إلى عدم اعتبار الصين دولة نامية. في الواقع، ما يهمهم ليس ما إذا كانت الصين قد وصلت إلى مستوى الدول المتقدمة، بل حرمان الصين من الحقوق والمصالح المشروعة التي يجب أن تتمتع بها، من أجل المحافظة على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة و مصالحها الاحتكارية، ومن ثم وضع الصين في الطرف الأوسط والأدنى من السلسلة الصناعية العالمية وسلسلة القيمة في العالم.

ما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط تعاظم القوة الاقتصادية للصين ونفوذها الدولي، بل أيضا حقيقة أن الصين تكتسب المزيد من حقوق القيادة في الشؤون العالمية. لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية قبول النفوذ المتزايد للصين، خوفا من إضعاف المكانة الرائدة للولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي.

في عام 1964، حدد مؤتمر الأمم المتحدة الأول للتجارة والتنمية عددا هائلا من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية التي حققت التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية واتبعت طريق التنمية المستقلة، باعتبارها "دولا نامية" في مقابل الدول المتقدمة. على مدى عقود من الزمان، ظلت الصين، بصفتها العضو الأكثر نفوذا على مستوى العالم، تطلق أصواتها نيابة عن الاقتصادات الناشئة، وتعارض الهيمنة وتحافظ على السلام العالمي.

من دعم النضالات المناهضة للإمبريالية والاستعمار في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، والمساعدة في بناء خط سكة حديد تنزانيا- زامبيا، إلى استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ظلت الصين ودول نامية أخرى تكافح جنبا إلى جنب، وأقامت صداقة حقيقية في أوقات الحاجة. من المبادئ الخمسة للتعايش السلمي والمبادئ العشرة لمؤتمر باندونغ، إلى مبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية التي اقترحتها الصين في السنوات الأخيرة، ظلت الصين، كأكبر دولة نامية، تسعى إلى تعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، وحماية المصالح المشتركة للدول النامية، ودفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية. إن الصين عضو مهم في الأسرة الكبيرة للدول النامية وتحظى بالاحترام والتقدير الواسع من الدول النامية.

تعتبر الصين نفسها دائما أكبر دولة نامية في الشؤون الدولية، وحافظت دائما على علاقات وثيقة مع الدول النامية الأخرى، وحمت المصالح المشتركة للدول النامية، وعززت بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب. منذ الإصلاح والانفتاح، أسست الصين علاقات قائمة على التعاون المتبادل والمنفعة المشتركة مع العديد من المنظمات الدولية مثل البنك الدولي. ولكن الصين لم تستغل وضعها كدولة نامية لخطف موارد المنظمات الدولية المخصصة للدول النامية الأخرى. على العكس من ذلك، فإن التزامات فتح الأسواق وتقاسم الفوائد، التي وعدت بها الصين في معظم المنظمات تتجاوز بكثير المستوى الطبيعي للدول النامية.

إن محاولة الولايات المتحدة الأمريكية تجريد الصين من وضع الدولة النامية، هي في جوهرها إجبار الصين على تحمل مسؤوليات تتجاوز قدراتها الذاتية ومحاولة كبح واحتواء تنمية الصين وتفتيت قوة الدول النامية وإضعافها. إن المؤامرة الأمريكية الشريرة لا تنتهك القانون الدولي فحسب، وإنما أيضا لن تلقي دعم المجتمع الدولي، لذلك مآلها الفشل.

الولايات المتحدة الأمريكية مهووسة بمسألة وضع الصين كدولة نامية، وهذا الأمر له صلة لا يمكن تفسيرها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة. اليوم، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية العديد من المشكلات، وأصبح الصراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أكثر شراسة. وظهرت مشاكل لا حصر لها في السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والجوانب العسكرية وغيرها، مما يجبر الولايات المتحدة الأمريكية على ترك الصراع الحزبي مؤقتا والسعي إلى حل يتفق عليه الحزبان. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر "مناهضة الصين" موضوعا شائعا يمكن الترويج له لفترة طويلة. فعندما يريد الحزبان الديمقراطي والجمهوري الوصول إلى اتفاق، لا يمكنهما تجنب مناقشة قضايا متعلقة بالصين. ويدرك الساسة الأمريكيون المناهضون للصين هذه النقطة، بينما هم في الأصل لا يريدون أن تصبح الصين "دولة متقدمة" وإنما يوظفون هذا الموضوع للتضليل بشكل متكرر والسعي وراء المصالح السياسية لأنفسهم.

لا يحق للولايات المتحدة الأمريكية تحديد وضع الصين

الصين دولة نامية، لديها حقائق كافية وأساس متين من القانون الدولي. في مجال الاقتصاد والتجارة، وحسب معايير البنك الدولي، فإن الاقتصادات التي يتجاوز متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي 13205 دولارا أمريكيا (معيار 2022، يتم تحديثه سنويا) تعتير اقتصادات عالية الدخل، أي كما في الدول المتقدمة؛ وتُصنف الدول التي يقل متوسط نصيب الفرد فيها عن هذا الرقم إلى ثلاث فئات، هي: اقتصادات الدخل المتوسط الأعلى واقتصادات الدخل المتوسط الأدنى واقتصادات الدخل المنخفض، وكل هذه الفئات الثلاث من الدول النامية (بما في ذلك الصين). على مستوى القانون الدولي، تم تأكيد وضع الصين كدولة نامية من قبل معاهدات دولية مختلفة، بما في ذلك آلية منظمة التجارة العالمية و((اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ)) و((بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون))، وتم قبوله من قبل أعضاء المجتمع الدولي.

في أغسطس 2019، أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) تقريرا بحثيا بعنوان ((من التنمية إلى التصنيف: إلى أي مدى تغير العالم))، مشيرا إلى أنه لتحديد ما إذا كانت الدولة نامية أم لا، ينبغي احترام آراء الدول النامية وأن يتم الفصل في ذلك بواسطة الدول النامية حسب ظروف تنميتها الذاتية. وسواء من منظور لوائح المجتمع الدولي أو حالة التنمية الفعلية للصين، فإن الصين لم تتأهل بعد لتصبح دولة متقدمة. ومع ذلك، أعدت الولايات المتحدة الأمريكية ما يسمى بمشروع قانون "الصين ليست دولة نامية" ووضعت قانونها المحلي فوق القانون الدولي، وذلك يمثل تحديا وضررا للقانون الدولي. من المستحيل تجريد الصين من وضع الدولة النامية بموجب قانون واحد في الكونغرس الأمريكي، ومن المستحيل إلغاء الحقوق القانونية التي تتمتع بها الصين كدولة نامية من قبل الساسة في الكابيتول هيل.

أما ادعاء أعضاء الكونغرس الأمريكي بأن "الصين تستغل وضعها كدولة نامية للتهرب من مسؤولياتها الدولية"، فمجرد فرية لا أساس لها. والحقيقة هي أن مساهمة الصين تتجاوز بكثير مساهمة معظم الدول المتقدمة، سواء في معدل النمو الاقتصادي العالمي أو في دفع مستحقات الأمم المتحدة والإنفاق في مجال حفظ السلام.

تريد واشنطن تجريد الصين من وضع الدولة النامية، وبالطبع لن توافق الصين. أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين ذات مرة إلى أن الصين أكبر دولة نامية معترف بها من قبل جميع الأطراف، وتريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تلبس الصين قبعة "الدولة المتقدمة"، ولن تلبس الصين هذه القبعة.

إن صعود الصين لا يعني التنافس أو العداء مع الدول الأخرى. أكدت الصين مرارا وتكرارا على مفهوم التنمية السلمية والتعاون المربح للجانبين، وشاركت بنشاط في الشؤون الدولية وبناء نظام الحوكمة العالمية. تسعى الصين إلى بناء نظام دولي متناغم ومستقر والعمل مع الدول الأخرى لتعزيز الرخاء والتنمية في العالم. وبدعم وتعاون واسع النطاق من المجتمع الدولي، ستواصل الصين إحراز تقدم وإنجازات جديدة وتقديم إسهامات جديدة للسلام والتنمية في العالم. بغض النظر عن مدى تنمية الصين، ستقف الصين دائما مع الدول النامية وتسعى بثبات راسخ لرفع تمثيل وصوت الدول النامية في نظام الحوكمة الدولية.

لا يمكن إنكار حقيقة أن الصين دولة نامية. وبدلا من القلق بشأن كيفية جعل الصين ترتدي قبعة "الدولة المتقدمة"، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر في كيفية خلع قبعة "التنمر" في أسرع وقت ممكن.

--

كانغ كاي، معلق خاص لمجلة ((الصين اليوم)).

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4