عين صينية < الرئيسية

مفهوم "العالم" في الحوكمة الصينية

: مشاركة
2020-03-10 15:03:00 الصين اليوم:Source هو يو شيانغ وو سي كه:Author

يحل الربيع في شهر مارس. في هذا الفصل، تستفيق كل المخلوقات من سُباتها فتعم الحيوية أراضي الصين. تُعقد الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والدورة السنوية للجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني "الدورتان" في شهر مارس من كل عام. وعلى الرغم من تأجيل "الدورتين" لعام ٢٠٢٠ إلى الوقت المناسب بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد، فإن هذا الحدث يحظي باهتمام واسع، لأن سنة 2020 عام هام لتحقيق مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، والانتصار في المعركة ضد الفقر، وإكما خطة الصين الخمسية الثالثة عشرة للتنمية. بالإضافة إلى ذلك، طرحت الصين مهمتين خاصتين بشأن الحوكمة في دورتي عام 2020، وهما: أولا، وضع خطط لتطبيق روح الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي التي عقدت في سنة 2019. في تلك الجلسة، تم تلخيص نظام الصين ومنظومة الحوكمة الصينية بشكل عام ومنتظم وعلمي على نحو يعكس سمات الاشتراكية ذات الخصاص الصينية وتأكيد أهداف الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية في  المستقبل، وهي تحديث منظومة الحوكمة الصينية وقدرتها تدريجيا، مما يعزز ويرفع قدرة الحزب الشيوعي الصيني على إدارة الدولة وممارسة السلطة بشكل علمي وديمقراطي وقانوني؛ والتمسك بالتخطيط الموحد لضمان معيشة أبناء الشعب في المناطق الحضرية والريفية، للوفاء بحاجة الشعب المتزايدة إلى حياة أفضل؛ والتمسك بتحسين النظام لتطوير الحضارة الإيكولوجية ودعم التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة؛ والتسمك بسياسة خارجية مستقلة وسلمية ودعم بناء رابطة المصير المشترك للبشرية. ثانيا، تلخيص الخبرات حول مكافحة فيروس كورونا الجديد. قبل عيد الربيع هذا العام، تفشى فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي، ثم انتشر إلى معظم أنحاء الصين. وعلى الفور، أنشأت اللجنة المركزية للحزب فرقة قيادية لمواجهة انتشار الفيروس. وقد تولى شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني توجيه أعمال مكافحة فيروس كورونا الجديد بنفسه، مما أسهم في بناء نظام متكامل للوقاية من الفيروس ومكافحته، مع التركيز على ووهان والأماكن الأخرى في هوبي، ومكافحة الفيروس بشكل شامل ومتعدد المستويات تحت قيادة الحكومة المركزية والحكومات المحلية، واتخاذ إجراءات حامسة لدفع أعمال الوقاية من الفيروس ومكافحته بشكل علمي ومنظم ودقيق، وخوض المعركة ضد فيروس كورونا الجديد بمشاركة كل الصينيين.

خلال مكافحة فيروس كورونا الجديد، تعمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على السيطرة على الوضع الكلي والتنسيق بين كافة الأطراف، بينما تبذل فروع الحزب والحكومات المحلية جهودها في توزيع المهمات والموارد والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي، على نحو يضمن أن تعمل البلاد كلها معا، وحث وتحفيز كافة الجوانب لتعبئة الموارد من أجل المهمات الكبيرة.

تعتبر مكافحة فيروس كورونا الجديد اختبارا لنظام الحوكمة في الصين ولقدرة الدولة الصينية. ينبغي للصين تلخيص الخبرات واستخلاص العبر من تلك المحنة. كما ينبغي للصين أن تعمل على تحسين نظام إدارة الطوارئ وتعزيز القدرة على التعامل مع المهمات العاجلة والخطيرة، وتلافي الضعف في منظومة الصحة العامة وتأكيد أهمية السيطرة على مخاطر الصحة العامة الرئيسية من المنبع. في ذات الوقت، أصدرت الإدارات الصينية المعنية بيانات حول الفيروس والوباء للصينيين ولكل العالم بشكل سريع ومفتوح وشفاف ومسؤول، سعيا إلى تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الفيروس. وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن تجربة الصين في مكافحة الفيروس جديرة بأن تكون نموذجا تحتذي به الدول الأخرى وتتعلم منه.

الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تنفذ بحزم سياسة الإصلاح والانفتاح. تنمية الصين المستدامة لا تنفصل عن تنمية العالم المستقرة. ومن ثم فإن فهم الحوكمة الصينية محور اهتمام ومناقشة في كل العالم، كما أن تنمية العالم لا تنفصل عن تنمية الصين. 

مفهوم "العالم" في أفكار الحوكمة الصينية التقليدية

يشتمل مفهوم الحوكمة الصينية على مفاهيم صينية وإقليمية وعالمية. قديما، كان الباحثون والمسؤولون الصينيون يسعون إلى التحسين الذاتي وترتيب شؤون الأسرة، ثم المشاركة في إدارة الدولة، وأخيرا السعي لتحقيق عالم يسوده السلام والعدالة. وبعبارة أخرى، استخدم الصيني مفهوم "العالم" لتنظيم العلاقة بين الفرد والعائلة والوطن والعالم. في الحقيقة، مفهوم "العالم" في الفكر الصيني التقليدي هو نموذج لحوكمة عالمية منفتحة يدعو إلى نظام عالمي متعدد مراكز الحكم. ومع دفع مسيرة نهضة الأمة الصينية، تطرح الصين مفهوم الحوكمة الصينية في العصر الجديد استنادا إلى تاريخها الطويل والممارسات ومبادئ التمسك بالانفتاح والتسامح ومواكبة العصر. يشمل مفهوم الحوكمة الصينية أنظمة الحوكمة على مختلف المستويات. إن هذا المفهوم يعكس مزايا نظام الدولة ونظام الحوكمة من خلال حكم الحزب الشيوعي الصيني وإدارة الصين وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. ويعتبر بناء "الحزام والطريق" ممارسة هامة في مسيرة بناء رابطة المصير المشترك للبشرية. وترتبط عملية بناء "الحزام والطريق" بمبادئ الانفتاح والشمول والتشاور والبناء والفوز المشترك بتعزيز التعاون العملي مع الدول على طول "الحزام والطريق"، سعيا إلى إيجاد طريق لترابط مختلف البلدان وتحقيق الحوكمة العالمية بصورة مشتركة وتطوير العولمة الاقتصادية نحو مزيد من الانفتاح والشمول والتوازن والفوز المشترك. علاوة على ذلك، تدفع الصين بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول المجاورة، ورابطة المصير المشترك بين الصين وأفريقيا، من أجل تعزيز التبادلات في مجالات السياسة والبنية التحتية والتجارة والتمويل والتبادلات بين الشعوب، مما يعزز رابطة المصير المشترك للبشرية. يتجاوز مفهوم العولمة بالنسبة للصين "الإقليمية" عبر التربط بين مختلف الدول والتمسك بالانفتاح وتعزيز المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، مما يسهم في بناء شبكة عالمية بين الصين وشركائها، وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية.

تحمل مسؤولية تنمية العالم

تدعو الصين إلى بناء رابطة المصير المشترك للبشرية لتجعل العالم أسرة واحدة. ينبغي لأفراد تلك الأسرة التوصل إلى توافق في الآراء ومعرفة المصالح المشتركة وتحمل المسؤوليات المشتركة والثقة والتسامح مع بعضهم البعض. كما ينبغي لهم التعاون وتحقيق الفوز المشترك عبر طرق مختلفة لتحقيق منجزات هامة كثيرة من خلال الممارسات.

تلعب الصين، كونها أكبر دولة نامية، دورا هاما ومتزايدا في الشؤون الدولية والحوكمة العالمية. إن إنشاء البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية والوكالة الدولية للتعان الإنمائي الدولي وتعزيز بناء "الحزام والطريق"، يعكس تحمل الصين لمسؤولياتها في الحفاظ على النظام العالمي وتعزيز رابطة المصير المشترك للبشرية بحزم. تدعو الصين إلى مفهوم رابطة المصير المشترك للبشرية وتطبيق هذا المفهوم، وتلعب دورا قياديا في تعزيز رابطة المصير المشترك للبشرية. منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، وخاصة بعد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، تشهد الصين تنمية بارزة في مجالات الاقتصاد والقدرة الدفاعية والقوة الشاملة وحياة الشعب والبيئة والوضع الدولي. كما قدمت الصين مساهمة كبيرة لنمو الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية، وساعدت أكثر من سبعمائة مليون فرد على التخلص من الفقر، فحققت معجزة غير مسبوقة في تاريخ البشرية في مجال تخفيف حدة الفقر. تعمل الصين على تعميق الإصلاح بشكل متكامل وتحقيق الابتكار والتنمية سعيا لأن تصبح دولة اشتراكية حديثة مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة. كما تتمسك الصين بالتنمية السلمية مع البلدان الأخرى وتعمل على تعزيز الانفتاح على العالم والعولمة الاقتصادية والالتزام بدبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية، ودفع النمو الاقتصادي للدول على طول "الحزام والطريق"، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون، مما جعلها نموذجا مميزا وهاما في بناء رابطة المصير المشترك للبشرية.            

روح التسامح

هناك فجوة بين الدول الشرقية والدول الغربية من حيث النظم الاجتماعية والأيديولوجية، وهناك تناقض بين الدول المتقدمة والدول النامية من حيث المصالح الوطنية. لذا، من الصعب أن تتشارك الدول في بناء منظومة الحوكمة العالمية وتضع قواعد النظام العالمي. في هذا الصدد، قال الرئيس شي جين بينغ: "لا ينبغي أن تكون الاختلافات في الأيديولوجية والنظم الاجتماعية ونماذج التنمية عائقا أمام تبادل الحضارات الإنسانية، ناهيك عن أن تكون سببا للتناقض. ينبغي لنا المحافظة على التنوع الثقافي ودفع التبادلات الحضارية لجعل العالم أكثر إشراقا." لقد بات التبادل الثقافي مكونا هاما في التبادلات الدولية مع تطور العولمة الاقتصادية. إن التفاهم والتبادل بين بلدان العالم واحترام بعضها بعضا عن طريق تبادل حضاراتها، يخلق عالما متناغما يضم حضارات مختلفة ويطور منظومة حوكمة عالمية عادلة ومنتظمة. 

لفد حث الرئيس شي جين بينغ على الرجوع إلى مزايا الحضارات الأخرى لإقامة عالم يحتضن حضارات متنوعة، وجعل تلك الحضارات تتبادل بشكل متناغم. لا توجد قوة يمكنها أن تمنع الناس من السعي إلى الأشياء الجيدة والرائعة. لا ينبغي لنا أن نكتفي بتنويع حضاراتنا، بل علينا أن نخلق الظروف المؤاتية لتطوير الحضارات الأخرى في العالم. ينبغي للناس ابتكار نظام حضاري دولي جديد قائم على مبادئ الاحترام والتسامح والتعلم المتبادل، من أجل ضمان التطور المنتظم للحضارات المتنوعة في العالم. ينبغي لجميع الدول بذل الجهود لتحقيق الحوكمة العالمية بشكل مشترك لتقديم الضمان الهام لإنشاء نظام حضاري دولي جديد. مع إنشاء الحكومة العالمية، ستظل هناك صراعات ومواجهات ناجمة عن الاختلافات، وستظل هناك حواجز بين الحضارات المختلفة، ولكن سيحقق البشر في المستقبل عالما متنوعا ومتناغما ومنفتحا ومتسامحا يضم جميع الحضارات. وسوف تدفع الحوكمة العالمية هذا المسعى لتحقيق ذلك الهدف وخلق حضارة إنسانية مزدهرة.

في إطار العمل على تحقيق أهداف "المئويتين"، ينبغي للصين التقدم وفقا للتنمية العلمية وتلخيص التجارب من جديد وتحسين نظام الصين ومنظومة الحوكمة، وبالتالي تعزيز نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتحديث منظومة حوكمة الصين وقدرتها على أعلى مستوى. في هذا العام، تلخص "الدورتان" التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصينية في العام الفائت، وتضع خطط الصين لعام 2020، كما تعمل على تحسين منظومة حوكمة الصين وقدرتها ومفاهيمها، فضلا عن تقديم أفكار الصين حول الحوكمة للعالم الذي يواجه قضايا عديدة ذات علاقة بها.   

--

هو يوي شيانغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين.

وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق للشرق الأوسط ودبلوماسي مخضر.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4