في يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من يونيو 2019، استضافت اليابان في مدينة أوساكا الدورة الرابعة عشرة لقمة قادة مجموعة العشرين، والتي أثارت اهتماما كبيرا في العالم. مع تزايد الضغوط الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي العالمي وتصاعد عدم اليقين بصورة واضحة، تجمعت الأحادية والحمائية في تيار مناهض يصدم النظام الدولي، وهيكل التجارة المتعددة الأطراف وثقة السوق العالمية. في هذا السياق، تطلع العالم إلى أن تلعب آلية مجموعة العشرين وقمة أوساكا دورا قياديا وتضخ قوة جديدة لحوكمة الاقتصاد العالمي والمحافظة على نظام التجارة المتعددة الأطراف على أساس القواعد المعنية سعيا إلى دفع تطور ونمو الاقتصاد العالمي في بيئة منفتحة وعادلة. الآن، وصل الاقتصاد الدولي والحوكمة العالمية إلى مفترق طرق حاسم في مسيرتهما. يجب على دول العالم أن تحل المشكلات التي تعرقل انتعاش الاقتصاد العالمي وبناء نظام الحوكمة العالمي، وسد العجز في قوة النمو الاقتصادي، والسيطرة على الاختلافات وتعزيز التعاون والانفتاح. وعليها أيضا أن تجري جلسات الحوار والتفاوض لخلق مستقبل أفضل وأجمل للاقتصاد العالمي.
عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ساد قلق في كافة البلدان من أن العالم سوف يعود إلى أزمة الكساد الكبير التي ظهرت في ثلاثينات القرن العشرين. في ذلك الوقت، اجتمع قادة مجموعة العشرين واتخذوا إجراءات منسقة بروح التعاون والفوز المشترك، لتمكين الاقتصاد العالمي من استعادة مسيرته المستقرة والمتطورة، وبذلك رسخوا مكانة المجموعة كمنصة رئيسية للتعاون الاقتصادي العالمي، مما فتح صفحة جديدة لحوكمة الاقتصاد العالمي. يمثل عدد سكان دول أعضاء مجموعة العشرين ثلثي عدد سكان العالم، وتساهم دول المجموعة بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويقدر حجم التجارة في تلك الدول بنحو 80% من حجم التجارة في العالم. تعمل مجموعة العشرين منذ إنشائها على تعزيز تنسيق وتواصل السياسات الكلية على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، وتلعب دورا هاما في مواجهة الأزمة المالية العالمية ودفع انتعاش الاقتصاد العالمي، وإصلاح النظام المالي والنقدي الدولي.
التوافق بين الأطراف المتعددة لتوجيه نمو الاقتصاد العالمي
مع تصاعد الأحادية، يحتاج العالم إلى التعددية أكثر من أي وقت مضى. في قمة أوساكا، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابا هاما تحت عنوان ((التعاون في صياغة اقتصاد عالمي عالي الجودة))، حيث حث على تعددية الأطراف، وشجع على تنمية الاقتصاد العالمي باتجاه الانفتاح، وتعزيز التسامح، وتحقيق التوازن والفوائد المشتركة. وأشار الرئيس شي جين بينغ إلى أن "البشرية تتجه من الإنغلاق إلى الانفتاح، ومن العزلة إلى الاندماج، وهو تيار العصر الذي لا يقاوم ". لذا، اقترح الرئيس شي جين بينغ "الاهتمام بالتنمية الطويلة الأجل على أساس المصالح المشتركة، والسعي إلى تحقيق السلام والازدهار المستدام في العالم، وتمتع شعوب العالم بحياتها وأعمالها الآمنة. لا ينبغي أن نرتكب خطأ تاريخيا فادحا بسبب قصر النظر." فضلا عن ذلك، التقى الرئيس شي جين بينغ خلال القمة مع قادة كثير من الدول في محادثات ثنائية أو متعددة الأطراف، حيث دعا إلى التمسك بمفهوم الحوكمة العالمية المتسم بتحقيق الفوائد المشتركة من خلال التشاور والبناء المشترك، والمحافظة على النظام الدولي القائم على أساس القوانين الدولية ومحوره الأمم المتحدة، فضلا عن المحافظة على نظام التجارة المتعددة الأطراف المستند إلى القواعد ومحوره منظمة التجارة العالمية وكل ذلك من أجل دفع تعددية الأطراف والتجارة الحرة وديمقراطية العلاقات الدولية وبناء اقتصاد عالمي منفتح.
يمر العالم بتغيرات لم يشهدها خلال المائة السنة الماضية، وتشهد الدول النامية والدول الناشئة تطورا كبيرا في قوتها، وبالإضافة إلى ذلك، وصلت مسيرة إصلاح نظام الحوكمة الدولية إلى الفترة الحاسمة. لذا، تلعب آلية مجموعة العشرين دورا هاما في تعزيز تنسيق سياسات دول مختلفة. بالنظر إلى تطور العصر وأهمية احترام القوانين الموضوعية، طرح الرئيس شي جين بينغ اقتراحا من أربع نقاط، أولا: التمسك بالإصلاح والابتكار لاستكشاف قوة دافعة للنمو؛ ثانيا، التمسك بتحسين الحوكمة العالمية تماشيا مع تقدم العصر؛ ثالثا، التمسك بالتغلب على التحديات بشجاعة لإزالة اختناقات التنمية؛ رابعا، التمسك بالشراكة وتخفيف الخلافات بشكل مناسب. تدعو الصين إلى الابتكار وإلى الإصلاح والتنمية والتعاون، باعتبار أن ذلك يفتح آفاقا لتنمية الاقتصاد العالمي بشكل أوسع، ويخلق مناخا لتنمية اقتصاد عالمي يتسم بالانفتاح والفوائد المشتركة. علينا أن نهتم بالابتكار الذي يقود التطور في المستقبل، والإصلاح الذي يهدف إلى دفع التنمية وتضييق فجوة التنمية بين الدول، والتفكير في الموضوع من منظور إنمائي ومعالجة المشكلات الناجمة عن التنمية من خلال التنمية، والتمسك بالتعاون والتشاور. الانعزال والانفصال ليسا الوسيلة الناجعة لمعالجة المشكلات والاختلافات. إن التنوع المستند إلى التناغم هو الطريق المستقيم الأمثل لحل كل المشكلات والخلافات. وقد وافق كثير من الحضور داخل قاعة المؤتمر وخارجها على دعوة الصين ومفهومها. إن تعددية الأطراف توافق تجمع عليه مختلف الدول.
تعزيز روح الشراكة ودفع التطور السليم للعلاقات بين الدول الكبيرة
تعتبر روح الشراكة أثمن ثروة لمجموعة العشرين. تتميز تنمية الصين بالانفتاح وتقاسم المنفعة والفوز المشترك. على هذا الأساس، طرحت الصين مبادرة "الحزام والطريق" وتتمسك
بمبدأ التشاور والتشارك في البناء والمنفعة، وخلق رابطة المصير المشترك للبشرية. هذه المبادرة والأفكار الصينية هي نتاج لتجارب الاشتراكية ذات الخصائص الصينية منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، التي تتماشى مع تيار العصر واتجاه تطور التاريخ لتقدم البشرية والسلام العالمي. تتميز هذه التجارب بالحكمة الصينية، وتظهر الأسلوب الصيني المتميز بالثقة والانفتاح، والشمول، مما يحظى بتوافق واسع في المجتمع الدولي. تدعو الصين إلى المساواة في السيادة والحقوق والمصالح والقواعد بين الدول المختلفة. في نفس الوقت، تسعى الصين إلى المعاملة المتساوية والتنمية من أجل تحقيق الفوز المشترك وبناء علاقات جديدة بين الدول الكبيرة محورها التعاون والفوز المشترك. ينبغي لدول العالم أن تحل مشكلات عرقلة انتعاش الاقتصاد العالمي ونظام الحوكمة العالمية ونقص القوة الدافعة للنمو الاقتصادي، والسيطرة على الخلافات وتعزيز التعاون والانفتاح، وإجراء الحوار والمفاوضات لخلق مستقبل أفضل للاقتصاد العالمي.
يعتبر اللقاء بين الرئيسين الصيني والأمريكي نقطة هامة في هذه القمة. مع تصاعد التعقد والمجابهة بين الدولتين، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية تعريفات جمركية عالية على بعض البضائع الصينية، مما أدى إلى اتخاذ الصين بعض الإجراءات المماثلة لمواجهة الموقف. وقد أعرب الرئيس شي جين بينغ خلال لقائه مع الرئيس دونالد ترامب عن رأيه حول القضية الأساسية للعلاقات الصينية- الأمريكية، حيث قال إن التعاون يجلب الفوز المشترك والصراع يؤدي إلى خسائر للجانبين، وعندما نسترجع مسيرة تطور العلاقات الصينية- الأمريكية في الأربعة عقود المنصرمة، يتبين أن التعاون أفضل من الاحتكاك، والحوار أفضل من الصراع، لذا، يجب على البلدين أن يتعاونا لتحقيق الفوز المشترك بدلا من المجابهة، وإن الصين والولايات المتحدة الأمريكية بينهما مصالح مشتركة، وفي هذا السياق، يجب عليهما أن يكونا شريكين في التعاون، الأمر الذي يفيدهما ويفيد العالم كله، وإن الصين تحرص على استمرار التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية والسيطرة على الخلافات ومعالجة المشكلات على أساس المساواة والاحترام المتبادل، وفي نفس الوقت، تحافظ الصين على مصالحها الجوهرية بثبات في القضايا المتعلقة بسيادتها وكرامتها، وإن الصين تثق بأن التفاوض والحوار هما الطريق الرئيسي لمعالجة الخلافات بصورة مقبولة ومعقولة. في المقابل، أعرب الجانب الأمريكي عن رغبته في بذل الجهود لتعزيز العلاقات الثنائية بوتيرة تتسم بالتنسيق، والتعاون والاستقرار على أساس ما أكد عليه الرئيسان الصيني والأمريكي في هذا اللقاء من مبادئ واتجاهات. كما أعرب عن اعتقاده بأن القمة الأمريكية الصينية ستعمل بنشاط على تعزيز تنمية العلاقات الأمريكية- الصينية ويأمل في حل مسألة الميزان التجاري بين البلدين بشكل صحيح من خلال المشاورات وتوفير معاملة عادلة لشركات البلدين، وقال إن الولايات المتحدة لن تفرض بعد ذلك تعريفة جمركية جديدة على الصادرات الصينية. بلا شك، يعتبر اللقاء بين الرئيسين الصيني والأمريكي إنجازا أضاف أجواء إيجابية لقمة أوساكا ويسهم في دفع الاتجاه الإيجابي للاقتصاد الصيني والأمريكي وللعالم بأسره.
التمسك بمفهوم الانفتاح والشمول والتعاون، والعمل معا لبناء مستقبل أفضل للعالم
تمر الأوضاع في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية بمنعطف حرج، الأمر الذي يؤثر في اتجاه تطور العلاقات بين الدول الكبيرة. لذلك، كانت هاتان القضيتان موضوعا هاما بين الأطراف المختلفة في قمة أوساكا لمجموعة العشرين. باعتباره زعيم أكبر دولة نامية، دعا الرئيس شي جين بينغ إلى عقد جلسة بين الرئيس الصيني وقادة الدول الأفريقية، حيث التقى الرئيس شي جين بينغ مع الرئيس المصري، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، عبد الفتاح السيسي وبعض قادة الدول الأفريقية الآخرين لتبادل الآراء حول التعاون الصيني- الأفريقي، ودعم تنمية أفريقيا وأعمال الأمم المتحدة والمحافظة على تعددية الأطراف وغيرها من القضايا الهامة، وناقشوا على وجه الخصوص بعض القضايا حول تعزيز تعاون المنفعة المتبادلة بين الصين وأفريقيا، وتنفيذ جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة، وأكدوا أنه على التعاون الصيني- الأفريقي أن يلعب دورا قياديا في حشد قوة المجتمع الدولي لدعم تنمية أفريقيا. وقد أكد الرئيس شي جين بينغ على أهمية التفكير بمنظور إنمائي، وتشجيع مجموعة العشرين لوضع التنمية في قمة تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي، والاهتمام بالمتطلبات المعقولة للدول النامية في مجالات التنمية الشاملة ومرافق البنية الأساسية والاقتصاد الرقمي والمناخ والطاقة والبيئة، وغيرها. أما بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية، فقال الرئيس شي جين بينغ إنه يجب المحافظة على القيم الجوهرية والمبادئ الأساسية للمنظمة، وتنفيذ سياسة "المعاملة المختلفة وفقا للأوضاع المختلفة"، ودفع منظمة التجارة العالمية لتنفيذ أهدافها بشكل أكثر فعالية في فتح السوق وتعزيز التنمية. كلما تتغير الأوضاع الدولية، تظهر بعض المشكلات في مسيرة التقدم، لكن، لن تغير الصين والدول الأفريقية والدول العربية والدول النامية الأخرى غايتها الأصلية والمتمثلة في إجراء التعاون وتحقيق الفوز المشترك والتنمية المشتركة ولن تغير قرارها ببناء رابطة المصير المشترك. تسعى الصين دوما إلى المحافظة على تعددية الأطراف والنظام الدولي.
تنمية الصين ونهوضها حتمية تاريخية لا تقاوم، ومن الحتمي أن تظهر بعض الانتقادات والاتهامات. على هامش قمة أوساكا، أوضح الرئيس شي جين بينغ مفهوم الصين حول التنمية ومبادرتها للتعاون، حيث أكد على ثقة الصين في إكمال أعمالها الخاصة بها، ومنهجها في التعامل السلمي مع الدول الأخرى، وحرصها على إجراء التعاون لتحقيق الفوز المشترك، ما زاد دعم الدول الأخرى للصين. وقد أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أن أداء الاقتصاد الصيني يتجه نحو التحسن من خلال الحفاظ على الاستقرار، ويحافظ على معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي السنوي داخل حيز معقول يتجاوز 6% لسنوات متتالية. وأعلن الرئيس شي جين بينغ أن الصين ستتخذ خمسة إجراءات هامة، وهي: توسيع نطاق الانفتاح، وزيادة حجم الاستيراد، وتحسين مناخ التجارة باستمرار، وتنفيذ المعاملة المتساوية بصورة شاملة، وتعزيز دفع التفاوض الاقتصادي. تعمل الصين على توسيع نطاق الانفتاح، وذلك سيدفع تطور مبادرة "الحزام والطريق" نحو اتجاه الجودة العالية مما يشكل وضعا جديدا للانفتاح.
يسرنا أن وضع التنمية والنهوض للصين عزز ثقة العالم في التطور وتشعل الشرارة لانتعاش الاقتصاد العالمي المتباطئ. تتطلع الأطراف المختلفة إلى مستقبل الصين المشرق وترى أن جولة الصين الجديدة للإصلاح والانفتاح تساير تيار تطور العصر وتلبي متطلبات الشعوب، الأمر الذي يثبت أن الصين هي مصدر الطاقة لنمو الاقتصاد العالمي والقوة الدافعة للانفتاح العالمي، وتساهم في توفير فرص التنمية العالمية وتقدم فوائد التنمية.
خلال قمة أوساكا، تمسكت الصين بمبادئ تحقيق الفوز المشترك من خلال التشاور والبناء، ودفع ديمقراطية العلاقات الدولية، ومعارضة الحمائية والأحادية، ونظرية صدام الحضارات والمحافظة على تعددية الأطراف والتجارة الحرة. فضلا عن ذلك، أولت الصين اهتماما كافيا لمطالب الدول النامية المعقولة وحقوقها الشرعية، وعملت للمحافظة على الإنصاف والعدالة الدولية بصورة إيجابية. هذا يعني أن الصين تلعب دورا قياديا لحل مشكلات تنمية الاقتصاد العالمي واستكشاف الاتجاه المستقبلي للاقتصاد العالمي.
وباعتبارها طرفا هاما في قمة أوساكا، تواصل الصين ضخ الثقة والقوة في الاقتصاد العالمي. أثبتت الحقائق أن الصين تسعى إلى بذل كل الجهود لبناء مستقبل أجمل وأفضل بالتعاون مع الدول الأخرى.
--
وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق للشرق الأوسط ودبلوماسي مخضرم.
هو يوي شيانغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037