عين صينية < الرئيسية

التبادل الحضاري والتعلم المتبادل يدفع الازدهار المشترك بين الصين والدول العربية

: مشاركة
2019-06-03 13:07:00 الصين اليوم:Source وو سي كه وهو يوي شيانغ:Author

حظي مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية الذي احتضنته بكين في مايو عام 2019، باهتمام العالم كله.

احترام الحضارات المختلفة والتسامح

تحت رعاية الرئيس الصيني شي جين بينغ، عُقد مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية الذي يعد منصة للدراسة والتعلم المتبادل بين الحضارات لتحقيق التنمية المشتركة، قائمة على أساس آسيا، وموجهة نحو العالم كله والحضارات المختلفة. شارك في المؤتمر خبراء من مجالات متعددة، منها الأدب والفنون، والآثار القديمة، وصناعة السينما والتلفزيون، وشخصيات رفيعة المستوى من مؤسسات الفكر الصينية والأجنبية ووسائل الإعلام،  فضلا عن الضيوف من الشباب.

في نفس الوقت، انطلق أسبوع الحضارة الآسيوية أيضا، الذي تضمن عرض الحضارة الآسيوية لإظهار روعتها، والمعرض الثقافي الآسيوي الذي يشجع على تكامل الفنون المتنوعة، ومعرض الحضارة الآسيوية الذي نشر الثقافة العريقة وأسبوع السينما والتلفزيون الآسيوي لبناء منصة اتصالات مرئية، بالإضافة الى معرض السياحة الثقافية الآسيوية التي تعزز ترابط قلوب الشعوب. شارك في تلك الفعاليات نخبة من الفنانين وممثلي الشباب من دول مختلفة، حيث أبرزوا خصائص الثقافات الآسيوية وسحرها. يمكننا أن نقول إن مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية هو مهرجان للثقافات الآسيوية، يلعب دورا كبيرا في تعزيز الثقة الذاتية للثقافات الآسيوية والتفاهم المشترك لتحقيق مزيد من الإنجازات لآسيا وزيادة القوة المحركة للابتكار في الدول الآسيوية وتقديم الدعم المعنوي لبناء رابطة المصير المشترك بين الدول الآسيوية وحتى كل البشرية.

قال الرئيس شي جين بينغ في مراسم افتتاح المؤتمر: "يتعين على أي نوع من الحضارات أن يتقدم مع إيقاع العصر، ويستمر في استيعاب جوهر العصر. وينبغي لنا ابتكار سبل لزيادة القوة الدافعة لتطوير الحضارة وتحريك مياه المنبع للتقدم الحضاري، ومواصلة تحقيق إنجازات حضارية قادرة على تجاوز الزمان والمكان ومفعمة بسحر خالد." العالم  فيه حضارات مختلفة، وهذا مثل أشعة الشمس المتعددة الألوان. تمثل كل حضارة روح بلد وشعب. إن شعب كل دولة لا يحتاج إلى انتقال حضارته من جيل إلى جيل فحسب، وإنما أيضا إلى الابتكار لمواكبة تطورات العصر. اليوم، تعيش على كوكب الأرض شعوب تختلف في ثقافاتها وأعراقها وألوان ومعتقداتها الدينية ونظمها الاجتماعية، لتشكل رابطة المصير المشترك. هذا يفرض على الشعوب من مختلف الحضارات احترام الآخر والعيش في تناغم والانخراط في التبادلات والتعلم المتبادل، مما يعزز جسور الصداقة بين مختلف الشعوب ويدفع تقدم المجتمع البشري ويحافظ على سلام العالم. إن البشر لا يستطيعون التغلب على التحديات بشكل مشترك، إلا بالاستفادة من الحضارات المختلفة.

الصداقة العميقة بين الصين والدول العربية

قال الرئيس شي جين بينغ في حفل افتتاح الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي إن "الصداقة الصينية- العربية تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، وتتجدد على مر الزمان. رغم أن الأمتين الصينية والعربية يفصلهما البعد الجغرافي، فإنهما مثل أفراد فى عائلة واحدة." تقع الصين في شرقي آسياء وتقع الدول العربية في غربي آسيا وشمالي أفريقيا، يرجع تاريخ العلاقة بين الجانبين إلى سنوات طويلة. وباعتبارهما حضارتين عريقتين، فقد قدمت كل من الحضارة الصينية والحضارة العربية مساهمات جليلة في مسيرة تطور وازدهار الحضارة الانسانية. لن ننسى أن أسلافنا بذلوا أقصى الجهود في طريق الحرير القديم لمزاولة التجارة في الزمن القديم. وفي مسيرة النضال لتحقيق الاستقلال الوطني وتحرير الشعب، تعاون الجانبان الصيني والعربي بإخلاص، وفي مرحلة تطوير الاقتصاد وبناء الدولة، يتبادل الجانبان الدعم لتحقيق الإنجازات العظيمة.

في القرن الأول قبل الميلاد تقريبا، شقت الصين طريق الحرير المتجه إلى الغرب وازدهرت الأعمال التجارية على هذا طريق في أسرة تانغ. وتشير المعلومات التاريخية إلى أن الصين أقامت علاقات تعاون ودية مع أكثر من سبعين دولة ومنطقة في تلك الفترة. كان كثير من الوزراء والتجار والطلاب الأجانب يقيمون في تشانغآن (عاصمة الصين آنذاك)، الأمر الذي دفع تطور الثقافة الصينية ودخول الثقافات المختلفة والمنتجات الأجنبية إلى الصين. وفي بداية القرن الخامس عشر الميلادي، قام الرحالة الصيني تشنغ خه بسبع رحلات بحرية ووصل إلى جزيرة العرب والساحل الشرقي لأفريقيا وترك روايات جميلة حول هذه الرحلات.

وعبر التاريخ الطويل، دخلت البوذية والإسلام والمسيحية إلى الصين. واستفادت مجالات الموسيقى والرسم والأدب الصينية من العناصر الأجنبية. فضلا عن ذلك، نُقلت المخترعات الصينية الأربعة؛ صناعة الورق والبارود والطباعة ووالبوصلة، إلى أوروبا عبر بلاد العرب، مما دفع تغير العالم كله والنهضة الأوروبية. وبالإضافة إلى ذلك، دخلت الفلسفة والأدب والطب الصيني والحرير والأواني الصينية والشاي إلى الحياة اليومية للغربيين. أثبت التاريخ والممارسات أنه مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية، والتحديات القاسية، تظل الصين شريكة مخلصة وشقيقة عزيزة للدول العربية. لذا، تتمسك الصين والدول العربية بالحوار بين الحضارات المختلفة بصورة متساوية والتعايش المنسجم.

عندما نستعرض التاريخ، نجد أن في الصين تسامحا مع الاختلافات والتناقضات الثقافية في عملية التبادلات. على سبيل المثال، استفادت الصين من الثقافات الأجنبية وأثرت فيها في عملية الاندماج بين الثقافتين الصينية والبوذية في الفترة ما بين القرنين الثاني والسابع الميلادي، وفي مسيرة التبادلات الثقافية بين الشرق والغرب على طريق الحرير. في هذا السياق، تعايشت الثقافات المختلفة بصورة منسجمة على مدى آلاف السنين.

اليوم، وبينما العالم في فترة التعديلات والتغيرات، تحقق التبادلات بين الثقافات والأفكار المختلفة تطورا كبيرا. تحترم الأمة الصينية والعربية تنوع العالم وتسعيان إلى الاستفادة المتبادلة ودفع التقدم والازدهار للحضارة الإنسانية. في الحادي والعشرين من يناير عام 2016، ألقى الرئيس شي جين بينغ في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة بمصر، كلمة هامة تحت عنوان "التشارك في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية- العربية" قال: "لكل من الحضارة الصينية والحضارة العربية خصوصياتها ونظامها، غير أن في كلتيهما مفاهيم ومساعي مشتركة تراكمت في مسيرة تقدم وتطور البشرية، وكلتاهما تؤمن بقيم الوسطية والوئام والسلام والوفاء والتسامح والانضباط الذاتي. فيجب علينا إجراء الحوار بين الحضارتين والحث على قبول الآخر والاستفادة المتبادلة، والعمل معا على إحياء مزيد من القيم الإيجابية المشمولة في ثقافتنا وتقاليدنا القومية الأصيلة التي تتماشى مع عصرنا اليوم." وقد أثار هذا اهتماما كبيرا واستجابة حارة بين العرب، وتجلت أهمية فكرة إجراء الحوار بين الحضارات المختلفة، التي يتميز بها الصينيون والعرب.

تعميق التعاون لتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك

في الحوار الحضاري والتبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية، لكلا الجانبين الصيني والعربي مساعيه ومطالبه،. أولا، تواجه الثقافتان الصينية والعربية تحديات البقاء والتنمية في ظل مسيرة العولمة. تنتمي الحضارة الصينية والعربية إلى الأربعة نظم  الحضارية العالمية. وكلتاهما من الثقافات الشرقية ولكن مستوى تطورهما أقل مما للثقافة الغربية. أشار صامويل فيليبس هنتنغتون، الأكاديمي الأمريكي في كتابه ((صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام الدولي)) إلى أن الحضارة "الكونفوشية" الصينية والحضارة الإسلامية العربية هما التحديان الرئيسيان للحضارة الغربية ويجب وضع الإستراتيجيات لكبحهما. في ظل هيمنة الثقافة الغربية، تعتبر كيفية مواجهة الصدام مع الحضارات الأخرى بصورة حكيمة والمحافظة على استقلالية وشمول الثقافة الذاتية واستكشاف طريق ونمط التنمية المناسب لها، مهاما مشتركة للثقافتين الصينية والعربية. تعزز المساعي المشتركة للتنمية نقاط الالتقاء بين الثقافتين الصينية والعربية.

ثانيا، في ظل الأوضاع الدولية المتغيرة، ينبغي للصين والدول العربية المحافظة على موقف موحد في الشؤون المتعلقة بالمصالح الخاصة بهما والقضايا الدولية والإقليمية الهامة وتوسيع المساحة الإقليمية والدولية للحوار السياسي بين الجانبين. وفضلا عن ذلك، في موجة العولمة الاقتصادية، يجب على الجانبين توسيع عمق ونطاق التعاون الاقتصادي لتحقيق الفوز المشترك في التبادلات الاقتصادية والتجارية. يمكننا أن نقول إن التبادلات الثقافية والحوار الحضاري بصورة فعالة وعميقة، أساس وضمان لتوسيع التعاون السياسي والاقتصادي.

تتميز التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية بالتجارب التاريخية والواقعية. على سبيل المثال، بفضل "طريق الحرير" الذي يربط بين الشرق والغرب، ساهم الصينيون والعرب في التبادلات التجارية والثقافية، ودفعوا بذلك التبادلات والحوار بين الصين والدول العربية وحتى بين الحضارات المختلفة في العالم.

منذ دخول الإسلام إلى الصين في القرن السابع الميلادي، شهدت التبادلات والحوارات بين الصين والدول العربية وحتى الدول المختلفة تطورا كبيرا، فلم تقتصر التبادلات بين الجانبين على المنتجات المادية، وإنما امتدت إلى المجال الفكري. وفي العصر الحديث والمعاصر، تبادلت الصين والدول العربية الدعم في النضال ضد الإمبريالية والاستعمار، مما شكل صداقة عميقة بين الجانبين. ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، وضعت الصين والدول العربية آليات تعاون شاملة ومتعددة المستويات وواسعة النطاق في السياسة والاقتصاد والتجارة والثقافة، منها تأسيس جمعية الصداقة الصينية- العربية في عام 2001، وإطلاق منتدى التعاون الصيني- العربي في عام 2004، وانعقاد ندوة الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في عام 2005، وإقامة المنتدى الاقتصادي والتجاري الصيني- العربي منذ عام 2010، انعقاد ندوة الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية ومواجهة التطرف  في عام 2017، إنشاء المركز الصيني- العربي للصحافة في عام 2018، وكلها تعزز التبادلات الثقافية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية. أصبحت هذه الآليات ضمانا مؤسسيا للتعارف والتفاهم بين الصين والدول العربية. ومن حيث التبادلات الشعبية، هناك التبادلات الدينية بين الدعاة العرب والحجاج الصينيين. فضلا عن ذلك، ثمة تبادلات أكاديمية وتجارية بين الصين والدول العربية أيضا. أما التبادلات التجارية والثقافية والتعليمية الشعبية في العصر الحاضر، فتشهد تطورا أكبر.

تحقيق الازدهار المشترك بروح الشمول

تلعب التبادلات الثقافية والحوار الحضاري بين الصين والدول العربية دورا نموذجيا على الساحة الدولية. في سياق وجود الثقافات المختلفة والمتعددة العناصر في العالم في الوقت الحاضر، يجب على الشعوب من الحضارات المختلفة تعزيز الحوار، الذي يعتبر الطريقة الفعالة الوحيدة للبشر لتحقيق التعايش والتطور معا.

الصين والدول العربية بلدان نامية، ولها تأثير دولي وإقليمي لا يستهان به. أثبت التاريخ والواقع أن كلا من الصين والدول العربية تشتركان في قيم الحوار الحضاري وتجربة الحوار الحضاري الناجحة وموقف الحوار الحضاري الإيجابي وقدرة التفاعل الحضاري الممتاز. حاليا، في موجة العولمة الحالية، إذا تمكنت الصين والدول العربية من الاستفادة الكاملة من مزايا كل منهما في حوار الحضارات، ومواصلة تطوير وتعزيز التبادلات الإنسانية استنادا إلى إنجازات الحضارات القائمة، فذلك لا يوسع مساحة البقاء الثقافي والتنمية للجانبين فحسب، وإنما أيضا يضع أساسا قويا لتوسيع وتعميق علاقة التعاون الإستراتيجي الشامل بين الصين والبلدان العربية، القائمة على مبدأ "التعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل"، وسيعزز ذلك تأثير وصوت البلدان النامية في المجال الثقافي العالمي، والأهم من ذلك، أننا سنقدم مثالا للحوار الحضاري للحضارات المختلفة في العالم.

يقول العرب "الأقوال ورقة والأفعال ثمرة". وإن مسيرة تحقيق حلم الصين هي عملية تطور مادي ومعنوي في نفس الوقت. مع التطور الاقتصادي والاجتماعي المطرد في الصين، ستُظهِر الحضارة الصينية حيوية وثقة ذاتية جديدة لإجراء التبادلات مع الحضارات المختلفة في العالم.

أشار الرئيس شي جين بينغ غير مرة إلى أهمية تعزيز التبادلات الحضارية بين الدول الآسيوية لتحقيق التقدم المشترك، ودعا إلى مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية، الأمر الذي يعكس مسؤولية الصين لدفع تنمية الحضارات الآسيوية ويظهر المغزى الهام لبناء المستقبل الآسيوي الجديد ورابطة المصير المشترك.

علينا أن نحترم تنوع الثقافات وإجراء التبادلات الثقافية والحوار الحضاري. هذا طريق ضروري لدفع تطور الحضارة الإنسانية بصورة سليمة ومنسجمة. تعتبر التبادلات الثقافية قوة محركة لكل الحضارات. ترى الصين والدول العربية أن الحوار بين الحضارات المختلفة يساهم في دفع التبادلات والاندماج الثقافي بين الدول المختلفة وأنه قوة هامة لتقدم المجتمع البشري.

نحن على ثقة تامة أن التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية ستتعزز وتتطورأكثر. على الصينين والعرب أن يقدموا المزيد من المساهمات العظيمة لدفع تقدم وازدهار الحضارة الإنسانية.

--

وو سِيْ كَهْ، المبعوث الصيني الخاص الأسبق للشرق الأوسط. 

هُوْ يُويْ شِيَانْغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4