عين صينية < الرئيسية

أربعون عاما من الإصلاح والانفتاح في الصين: نظرة على الماضي والمستقبل

: مشاركة
2018-05-31 10:20:00 الصين اليوم:Source وو سي كه:Author

في الفترة من منتصف مارس حتى أواخر إبريل عام 2018، زرت خمس دول عربية، في زيارتين متتاليتين، للتواصل مع الأطراف المعنية بشأن الأعمال التحضيرية للمؤتمر الوزاري للدورة الثامنة لمنتدى التعاون الصيني- العربي، الذي سيعقد في يوليو  هذا العام في بكين، وكذلك تبادل الآراء والبحث في كيفية تعميق التعاون مع المسؤولين المعنيين وعدد من العلماء والخبراء. ركزت المحادثات والنقاشات على مسيرة الإصلاح والانفتاح في الصين خلال أربعين سنة، وإنجازاتها وإلهاماتها لتنمية جميع البلدان؛ وكيفية بناء "الحزام والطريق" وكيفية تحقيق التنمية المشتركة لجميع الأطراف من خلال بنائه. كما تم استعراض تاريخ الإصلاح والانفتاح بالصين، واستشراف آفاق التنمية المستقبلية لها.

أولا، هذا العام هو الذكرى السنوية الأربعون لتنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، وقد شهدت بصفتي دبلوماسيا، هذه المسيرة العظيمة غير العادية. خلال الأربعين سنة الماضية، نجحت الصين في أن تشق تدريجيا مسارا للتنمية يناسب ظروفها، وهو طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأن تنتقل من الاقتصاد المخطط مركزيا إلى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي بشكل جذري، وأن تتحول من سوق مغلقة إلى سوق شبه مغلقة ثم لسوق مفتوحة تماما، وأن ترفع مستوى معيشة الشعب من اللباس الدافئ والطعام الكافي إلى الحياة الرغيدة بصورة عامة، فشهدت قوتها الوطنية الشاملة ارتفاعا عظيما. في الأربعين عاما الماضية، خاض الشعب الصيني كفاحا صعبا وعملا شاقا، لتحرير وتطوير قوى الإنتاج الاجتماعية بشكل كبير؛ من سنة 1978 حتى 2017، كان معدل النمو السنوي للاقتصاد الصيني 5ر9% في المتوسط، وزادت حصة الاقتصاد الصيني من حجم الاقتصاد العالمي من 8ر1% إلى حوالي 15%. في عام 1978، كان متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بر الصين الرئيسي 155 دولارا أمريكيا فقط، وكان ترتيبه الثالث في ذيل قائمة دخل الفرد بالعالم. في عام 2017، وصل هذا الرقم إلى أكثر من 8800 دولار أمريكي، وأصبحت الصين من دول الدخل المتوسط الأعلى. تضع تنمية الصين الإنسان في المقام الأول، فتحولت حياة الصينيين من نقص السلع إلى وفرة السلع، ومن الفقر إلى الحياة الرغيدة، وتخلص أكثر من سبعمائة مليون فرد من الفقر، أي أكثر من 70% من إجمالي الذين تخلصوا من الفقر في العالم. تغير هيكل الاقتصاد الصيني خلال الأربعين سنة الماضية، فانخفض نصيب الصناعة الأولى (قطاع الزراعة) في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7ر16%، و انخفض نصيب الصناعة الثانية (قطاع الصناعة) في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2ر7%، وارتفع نصيب الصناعة الثالثة (قطاع الخدمات) في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9ر23%. في الوقت نفسه، ارتفعت نسبة الحضر من 9ر17% في عام 1978 إلى 5ر58% في عام 2017، فحققت الصين أعلى معدل للتحول الحضري في العالم. كما حققت الصين إنجازات ملحوظة في البنية التحتية، وزادت كثافة شبكة السكك الحديدية من 53ر0 كيلو متر لكل مائة كيلو متر مربع في عام 1978 إلى 3ر1 كيلو متر لكل مائة كيلو متر مربع حاليا، بنسبة زيادة قدرها 3ر144%؛ ووصل طول خطوط السكك الحديدية العاملة الفائقة السرعة في الصين إلى أكثر من عشرين ألف كيلومتر، ليحتل المرتبة الأولى في العالم. في مجال الرعاية الصحية والتعليم الأساسي، زاد متوسط العمر المتوقع للفرد عند الولادة من 8ر65 سنة في عام 1978 إلى 1ر76 سنة في عام 2015، بزيادة قدرها 3ر10 سنة، وزاد عدد الأطباء لكل عشرة آلاف فرد من 8ر10 في عام 1978 إلى 1ر23 في عام 2015.

بدأت سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين بإنشاء مناطق التنمية الاقتصادية الخاصة، ثم الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وصولا إلى طرح مبادرة بناء "الحزام والطريق" لتنفيذ الانفتاح تجاه الخارج بشكل كامل. تنتهج الصين سياسة الانفتاح كسياسة وطنية أساسية، وقدمت الصين مساهمة كبيرة لمواجهة الأزمة المالية الآسيوية والأزمة المالية العالمية. الصين حاليا هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر دولة صناعية وأكبر دولة تجارية للبضائع ولديها أكبر احتياطي للنقد الأجنبي في العالم، وتجاوزت نسبة مساهمة الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي 30% لسنوات عديدة متتالية، لتكون قوة استقرار وطاقة محركة لنمو الاقتصاد العالمي. هذه الإنجازات لا تغير وضع الصين إلى الأفضل فحسب، وإنما أيضا تؤثر على العالم بشكل عميق. من الطبيعي أن تكون تنمية الصين بؤرة اهتمام وحديث العالم. العديد من البلدان النامية، وهي تبحث عن مسارات التنمية المناسبة لها، على استعداد للتعلم من خبرة تنمية الصين، وأنا فخور بذلك كمواطن صيني.

ثانياً، يهتم العديد من الأصدقاء بتطور الإصلاح والانفتاح في المرحلة القادمة في الصين. هذا الموضوع كان أيضا أحد محاور محادثاتي مع أطراف متعددة. إن التمسك بتعميق الإصلاح، وعدم غلق باب الانفتاح بل توسيعه أكثر، هو الرد الواضح من الجانب الصيني. إن مسيرة العولمة الاقتصادية تواجهها حاليا صعوبات جمة. وفي وقت ترفع فيه توجهات الأحادية والحمائية التجارية عقيرتها، فإن الالتزام باقتصاد منفتح خيار إستراتيجي تتبناه الصين، ليس فقط استجابة لمتطلبات تنميتها، وإنما أيضا كنهج للتعاون المربح بين الصين والعالم. قبل فترة غير بعيدة، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمة ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي 2018، أن الصين ستنفذ سلسلة من الإجراءات الهامة لتوسيع الانفتاح تجاه العالم، وهي: أولا، تخفيض عتبة دخول السوق الصينية بشكل كبير، ثانيا، خلق بيئة استثمار جاذبة أكثر، ثالثا، تعزيز حماية الملكية الفكرية، رابعا، زيادة حجم وارداتها. وسوف تقام الدورة الأولى لمعرض الصين الدولي للاستيراد في نوفمبر هذا العام. هذه الإجراءات الأربعة خير دليل على عزم وإرادة الصين لتوسيع انفتاحها، لصياغة هيكل انفتاح جديد تجاه الخارج، وتعزيز العولمة الاقتصادية لصالح شعوب العالم. مع إطلاق الجولة الجديدة من الإجراءات البراغماتية والفعالة لتوسيع الانفتاح، بزغ في العالم "النموذج الصيني" للعولمة الاقتصادية. ولمواجهة تداعيات الحمائية التجارية، يحتاج المجتمع الدولي إلى التمسك بعولمة الاقتصاد العالمي والتجارة الحرة بشكل مشترك. وقد أثبتت الممارسة الصينية أن التنمية الاقتصادية للصين تحققت في ظل الانفتاح، وستتواصل في ظل انفتاح أكبر في المستقبل بالتأكيد. عندما أعلن الرئيس شي جين بينغ عن الإجراءات الهامة الأربعة المذكورة أعلاه لتوسيع الانفتاح تجاه العالم، أكد أيضا على ضرورة أن تنفذ هذه الإجراءات في أقرب وقت ممكن. هذه الإجراءات قرارات اتخذها الجانب الصيني بمبادرة منه، من دون تأثير عوامل خارجية، وستضمن الصين تفعيل هذه الإجراءات في أقرب وقت ممكن لتستفيد منها جميع الأطراف. بعد انتهاء منتدى بوآو الآسيوي، أعلن بنك الشعب (المركزي) الصيني وهيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية وغيرهما من السلطات المالية الصينية، الإجراءات التفصيلية للانفتاح، بما فيها زيادة انفتاح أسواق رأس المال وضمان توطيد إجراءات الانفتاح المالي وتحسين وترقية سياسة النفاذ إلى قطاع التأمين. لن تغلق الصين باب الانفتاح، بل ستشرعه أكثر. هذا ليس فقط خيارا استراتيجيا مستقلا تتبناه الصين استجابة لمتطلبات تنميتها، وإنما أيضا إجراء عملي لتعزيز العولمة الاقتصادية لصالح شعوب جميع الدول. إن تنمية الصين تجلب فرصا عديدة للعالم. على مدار السنوات الأربعين الماضية، تحققت التنمية الاقتصادية الصينية في ظل الانفتاح، وفي المستقبل، يجب أن يتواصل تحقيق التنمية الاقتصادية الصينية بجودة عالية في ظل ظروف أكثر انفتاحا. ومع ذلك، نرى في عالم اليوم، بعض من يتمسكون بأفكار الحمائية والأنانية وغيرها من أفكار "لعبة المحصلة الصفرية"، بمعنى أن دولة واحدة تضع مصالحها فوق مصالح العالم، مما يسبب اضطرابا كبيرا في العالم. إن مثل هذه الخطوة ستخلق فوضى للمجتمع الدولي في نهاية المطاف، وستكون لها تداعيات سلبية على الآخرين ولن تفيد من يتمسك بها.

ثالثا، لقد وضع الرئيس الصيني شي جين بينغ أفكارا لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، استنادا إلى الخبرة المتراكمة لإصلاح وانفتاح الصين خلال الأربعين عاما الماضية، ومواصلة لأفكار الثقافة التقليدية الصينية واستجابة لتيار تنمية العصر. لتعزيز بناء "الحزام والطريق" على أساس فكرة "التشاور المشترك والبناء المشترك والتقاسم المشترك"، تعد مبادرة "الحزام والطريق" مسارا سريعا لتحقيق المصير المشترك للبشرية. يمر العالم اليوم بجولة جديدة من التطورات والتغيرات والتعديلات الكبيرة. مع التطور المتعمق للعولمة الاقتصادية، أصبح العالم قرية، وصار مصير جميع الدول مشتركا. ولكن عالم اليوم لا يسوده السلام، فالحروب والصراعات والجوع والفقر لا تزال تعصف بالبشرية. إن اختيار العالم ما بين الانفتاح والانغلاق، والتقدم والتراجع، لا يزال قضية رئيسية للبشرية. الهدف العام لدبلوماسية الصين في العصر الجديد، هو تعزيز إقامة  النمط الجديد للعلاقات الدولية والمصير المشترك للبشرية. لقد دعا الرئيس شي إلى بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، الذي يقدم "خطة الصين" لقضية السلام والتنمية للمجتمع الإنساني، ويتمسك بالسلام والتعاون والانفتاح والاندماج والتحول والابتكار وغيرها من تيارات العصر السائدة، ويسعى لسعادة الشعوب ونهضة الأمم وصولا إلى الثروة العالمية المشتركة.

وفي ظل التطور العميق للعولمة حاليا، فإنه المجتمع الدولي يحتاج إلى الاحترام المتبادل والمساواة، والحوار بدلا من المواجهة والشراكة بدلا من التحالفات، ويحتاج إلى الحوار والتشاور وتحمل المسؤولية معا للحفاظ بقوة على النظام الدولي باعتبار ميثاق الأمم المتحدة جوهرا له، ويحتاج إلى المساعدة المتبادلة والتعاون والفوز المشترك، والتمسك بالانفتاح والاندماج والمنفعة المتبادلة، لدعم العولمة الاقتصادية نحو مزيد من الانفتاح والتسامح والاستفادة العامة والتوازن والفوز المشترك، ويحتاج إلى التعلم المتبادل وتعزيز التفاهم المتبادل لتحقيق ثقافة التبادل والتعلم المتبادل. في العصر الجديد، ظهرت بالفعل في أرض الصين، الدعوة إلى توسيع الانفتاح تجاه العالم وتحقيق التنمية مع العالم. بطبيعة الحال، إن بناء المصير المشترك للبشرية ليس أمرا يخص دولة واحدة أو عدة دول. يتعين على بلدان العالم العمل معا للمشاركة في حوكمة النظام العالمي وتقاسم ثمار التنمية ودعم التنمية والتقدم. الصين، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم ودولة ناشئة ذات تأثير عالمي متزايد، تحتاج أكثر إلى العالم بينما العالم يحتاج أكثر إلى الصين. يخبرنا تاريخ التنمية الاجتماعية أن الانفتاح يجلب التقدم والانغلاق يعني التخلف. إن تسريع الترابط والتنمية المندمجة خيارا لا غنى عنه لتعزيز الرخاء والتنمية المشتركة. لقد حظيت مبادرة الصين لتعزيز بناء المصير المشترك للبشرية بترحيب واعتراف المزيد والمزيد من البلدان والشعوب، وأدرجت غير مرة في وثائق هامة للأمم المتحدة، كما أثنى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عاليا على مبادرة الصين وتقدمها. يرى غوتيريش أن "الصين هي أهم ركيزة للتعددية ".

 الصين والدول العربية شركاء طبيعيون لبناء "الحزام والطريق". إن السعي المشترك للتنمية يربط الجانبين بشكل وثيق ويتقاسم الجانبان نفس المصير. في بناء "الحزام والطريق" معا، لا تتمتع الصين والدول العربية بإمكانيات تعاون كبيرة في مجالات البنية التحتية وعملية التصنيع والتكنولوجيا الفائقة فحسب، بل أيضا هناك مساحة واسعة للتبادلات الثقافية والإنسانية، بما في ذلك البحث في مجموعة متنوعة من مسارات التنمية التي تتفق مع الظروف المختلفة للبلدان وخبرات ودروس الحكم والإدارة، لدعم استخدام الأساليب السياسية لحل القضايا الساخنة. يتطلب بناء المصير المشترك للبشرية، أن يتخذ الجانبان والمجتمع الدولي تحركات ملموسة وأن تتحمل كافة الأطراف المسؤولية معا لمواجهة المستقبل. في الصراع بين التعددية والأحادية وبين حرية التجارة العالمية والحمائية، يقف الجانب الصيني دائما مع العدالة، ويدعو إلى الانفتاح والتسامح والتعاون والفوز المشترك. في كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، التي ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي 2018، استعرض الرئيس المسيرة التاريخية لتنفيذ الإصلاح والانفتاح في الصين، وقام بالتلخيص العميق للإنجازات العظيمة والخبرات الهامة لسياسة الإصلاح والانفتاح وتأثيرها على العالم، كما أوضح كيفية دعم توسيع الانفتاح على الخارج وتعميق الإصلاح مرة أخرى. وأكد الرئيس على إرادة الصين الراسخة وإجراءاتها الهامة  لتعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح في العصر الجديد. أكد الرئيس شي أيضا أنه مهما كان المدى الذي تبلغه تنمية الصين، فلن تهدد أحدا ولن تخرب النظام الدولي القائم ولن تسعى إلى إنشاء مناطق نفوذ. في عملية التبادل والتعاون بين الأطراف المختلفة، نحن بحاجة إلى التحدث للعالم بصورة جيدة عن فلسفة الصين ووجهة نظرها وقصصها، ونقل رسالة واضحة قوية وهي أن الصين لا تدافع عن النظام الدولي وتساهم في تحقيق التنمية العالمية فحسب، وإنما أيضا تحمي سلام العالم وتسعى لرفاه البشرية. الصين مستعدة للعمل مع جميع الدول لخلق مستقبل أكثر ازدهارا وتناغما ومحبة. هذه تحديدا وجهة جهود الصين في سعيها لتعميق الإصلاح وزيادة توسيع الانفتاح في العصر الجديد.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4