أخبار < الرئيسية

قوة التاريخ

: مشاركة
2025-07-18 15:07:00 الصين اليوم:Source :Author

في التاسع عشر من شهر مايو لعام 2025، في اليوم التالي للاحتفاء باليوم العالمي للمتاحف، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ، بزيارة كهوف لونغمن في لويانغ بمقاطعة خنان في وسط الصين. كهوف لونغمن، التي تعدها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قمة فنون المنحوتات الصخرية الصينية، تضم 2345 كهفا وتجويفا صخريا، وما يقرب من مائة وعشرة آلاف تمثال بوذي، وأكثر من ألفين وثمانمائة نصب منقوش، وما يقرب من ثمانين باغودا.

الآثار الثقافية والمتاحف هي تجسيد رئيسي للحضارة الصينية، إذ تعرض الأدلة الملموسة على تاريخ الصين الممتد لخمسة آلاف عام ونيف. وقد استشهد الرئيس شي، في رسالته بمناسبة العام الجديد 2024، بأمثلة بارزة من الآثار الثقافية والمتاحف الصينية، مؤكدا أهميتها في فهم الحضارة الصينية والنهوض بها.

قال شي إن الاكتشافات في موقعي ليانغتشو وأرليتو الأثريين، تُخبرنا بالكثير عن فجر الحضارة الصينية. فمقاطع الكتابة الصينية القديمة المنقوشة على دروع السلاحف المكتشفة بموقع ينشيوي، والكنوز الثقافية في موقع سانشينغدوي، ومجموعات الأرشيف الوطني للنشر والثقافة، تشهد على تطور الثقافة الصينية. وأضاف: "كل هذا يشهد على تاريخ الصين العريق وحضارتها الرائعة. وكل هذا هو مصدر ثقتنا وقوتنا." وتقديرا لدورها المحوري في نقل تاريخ الصين والبناء عليه، قطعت الصين خطوات واسعة في المحافظة على الآثار الثقافية والمتاحف والترويج لها وتبادلها دوليا.

الحماية والترويج

الرئيس شي، المعروف عنه الشغف بالمتاحف، يزورها باستمرار خلال جولاته التفقدية للاطلاع على سبل حمايتها وتطويرها. على سبيل المثال، في سبتمبر 2024، زار متحف باوجي للبرونز خلال جولته التفقدية في مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين. وهذا المتحف هو أول متحف صيني مُخصص لثقافة الأدوات البرونزية، ويُركز على جمع ودراسة وعرض أعمال برونزية من فترة أسرتي شانغ (القرن 16- 11 ق.م) وتشو (القرن 11- 256 ق.م)، ويضم أكثر من 480 ألف قطعة أثرية.

من أشهر القطع الأثرية "خهتسون"، وهو وعاء نبيذ شعائري برونزي يحمل أقدم سجل مكتوب لمقطع الكتابة "تشونغ قوه"، الذي يعني "الصين". بعد إلقاء نظرة فاحصة عليه، أشار الرئيس شي إلى أن "الحضارة الصينية التي يعود تاريخها إلى خمسة آلاف عام لا تزال تحمل الكثير مما لم يُكتشف بعد. يجب أن نتعمق في معناها وروحها ونُفسرهما بدقة، ونُحسن نشر الحكمة العميقة التي تحملها".

وقد أكد الرئيس شي، غير مرة، على أهمية حماية الآثار الثقافية. في مايو 2022، وخلال الدورة الدراسية الجماعية التاسعة والثلاثين للمكتب السياسي للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، قال: "ينبغي لكبار المسؤولين على جميع المستويات أن يُعظموا تاريخنا وثقافتنا التقليدية العريقة، وأن يُولوا أهمية أكبر لحماية الآثار الثقافية والاستفادة منها، والمحافظة على تراثنا الثقافي وتوارثه، وأن يقدّموا المزيد من الدعم السياسي للعاملين في مجال التاريخ والآثار لإجراء البحوث ومواصلة دراساتهم وإجراء التبادلات."

خلال زيارته لكهوف لونغمن في مايو، تفقد الرئيس شي الموقع العام ومظهر الكهوف، إضافة إلى الكهوف والتماثيل النموذجية هناك، واصفا الكهوف بأنها كنوز تجسّد جوهر الثقافة الصينية، مسلطا الضوء على أهمية المحافظة عليها وتوارثها وتعزيزها.

واسترشادا بهذه الرؤية، كثفت الصين جهودها لحماية الآثار الثقافية. على سبيل المثال، جاء في تقرير أعمال الحكومة لعام 2025، "سنعزز الحماية المنهجية للتراث الثقافي، ونحسّن قدرتنا على حماية واستخدام القطع الأثرية الثقافية والتراث الثقافي غير المادي، وإجراء البحوث الأثرية".

في الأول من مارس 2025، دخلت النسخة المعدلة لـ((قانون حماية الآثار الثقافية لجمهورية الصين الشعبية))، حيّز التنفيذ. ومع المحافظة على استقرار الإطار والنظام الأساسي لحماية الآثار الثقافية، ازداد عدد مواد القانون من 80 إلى 101 مادة موزعة على ثمانية فصول، مع إضافة تسع عشرة مادة جديدة ومراجعة خمس وسبعين مادة. كما وُضِعت أنظمة جديدة لحماية مناطق الآثار المدفونة تحت الأرض ومناطق الآثار تحت الماء، إلى جانب تعزيز إجراءات حماية الآثار الثقافية غير المنقولة غير المصنفة.

وقد التزمت أكاديمية كهوف لونغمن بمعالجة ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الموقع، ألا وهي، انهيار الصخور المحيطة بالكهوف، وتآكل النقوش، وتسرب المياه داخل الكهوف. ومن خلال البحث الدؤوب وتطبيق تدابير الحفظ المستهدفة، بما فيها استخدام قضبان تثبيت فولاذية لتدعيم المنحدرات وحقن الجص الراتنجي لملء الشقوق، وتم تحقيق تقدم ملموس. حاليا، تمت المعالجة الفعالة للمشكلتين المتعلقتين بالتكوينات الصخرية غير المستقرة وتسرب المياه على المنحدرات الشرقية والغربية. ونتيجة لذلك، تحسنت البيئة العامة للكهوف بشكل كبير، وصارت كهوف لونغمن القديمة تتألق بحيوية متجددة.

منذ عام 2013، دعا الرئيس شي إلى بذل جهود وطنية لإحياء الآثار الثقافية التي كانت محفوظة في السابق في القصور الإمبراطورية والمواقع التراثية المنتشرة في جميع أنحاء الصين، والأحاديث المكتوبة في الكتب القديمة. وإلى جانب مشروعات الحفظ هذه، ظهرت منذ ذلك الحين طرق إبداعية جديدة لمشاركة الجماهير. ومن هذه الطرق، تطوير المنتجات الثقافية والإبداعية. في الآونة الأخيرة، شهدنا رواجا كبيرا لنوعين من مغناطيسات الثلاجة التي أصدرها المتحف الوطني الصيني، وهي مصممة على شكل تاج العنقاء للإمبراطورة شياو دوان من فترة أسرة مينغ (1368- 1644م). وخلال ثمانية أشهر فقط من طرحها، تم بيع أكثر من مليون قطعة منها وحققت عائدا تجاوز مائة مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا). وفي الوقت نفسه، تساعد التقنيات الرقمية على توفير تجربة اندماجية غامرة للزوار. في عام 2024، أطلق متحف سانشينغدوي مشروعا واسع النطاق لتجربة اندماجية غامرة بالواقع الافتراضي، بعنوان "اكتشف سانشينغدوي.. موقع التنقيب الأثري لحُفَر القرابين"، باستخدام تقنية الواقع الافتراضي الحقيقي لتقديم تجربة اندماجية رائعة للزوار، الأمر الذي عزّز بشكل كبير تفاعل الجماهير مع التراث الثقافي.

التبادلات الدولية

تشكل التبادلات الدولية حول الآثار الثقافية وبين المتاحف، قنوات مهمة لفهم قيمتها وللتقريب بين الشعوب. وفي المناسبات الدبلوماسية، تلعب هذه الآثار أدوارا فريدة في تعزيز التفاهم والتبادل بين الدول. في مارس 2019، وخلال زيارة الرئيس شي لفرنسا، أهداه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، النسخة الفرنسية الأصلية من ((محاورات كونفوشيوس)) التي نشرت في عام 1688. وقال الرئيس شي: "هذه هدية قيّمة جدا. سآخذها معي وأحفظها في المكتبة الوطنية الصينية." وخلال القمة الأولى للصين وآسيا الوسطى، والتي ترأسها الرئيس شي في عام 2023، تم تقديم هدايا تذكارية من وعاء "خهتسون"، كهدايا دبلوماسية لقادة آسيا الوسطى، رمزا للصداقة الدائمة والتواصل الثقافي.

كما تتعاون المتاحف الصينية مع نظيراتها الأجنبية لإطلاق سلسلة من المعارض الخاصة، مما يتيح للشعب الصيني الاطلاع على الثقافات الأخرى وتقييمها. على سبيل المثال، اجتذب معرض "قمة الهرم.. حضارة مصر القديمة"، الذي نظمه متحف شانغهاي والمجلس الأعلى للآثار في جمهورية مصر العربية، والذي انطلق في يوليو 2024، أكثر من مليوني زائر، محققا رقما قياسيا عالميا لأعلى عدد من الزوار لمعرض خاص بالآثار الثقافية، يتم دخوله بتذكرة واحدة.

إضافة لذلك، ومن خلال التبادلات الدولية، تمكنت الصين من استعادة بعض قطعها الأثرية المفقودة. في مايو 2025، أعاد المتحف الوطني للفنون الآسيوية، التابع لمؤسسة سميثسونيان في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الصين المجلدين الثاني والثالث لمخطوطات تسيدانكو الحريرية: ووشينغ لينغ وقونغشو تشان، وهي أقدم نصوص مكتوبة على الحرير اكتشفت في الصين حتى الآن.

في حفل تسلم هذه المخطوطات، وصف شيه فنغ، سفير الصين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، هذه العودة بأنها إنجاز ثقافي بارز وشهادة على التعاون الصيني- الأمريكي المتنامي في مجال حفظ التراث. وأشار إلى أن البلدين قد حققا تقدما ملحوظا في هذا المجال، حيث أُعيدت حوالي ستمائة قطعة أثرية إلى الصين حتى الآن، مما ضخّ حيوية جديدة في التبادلات الثقافية، وعمّق الصداقة الثنائية.

وقد أكد الرئيس شي، خلال لقاء في عام 2023 مع أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، التزام الصين بالتحسين المستمر لقدرات حماية التراث، وتعزيز التعلم المتبادل والتعاون الشامل بين مختلف الحضارات.

إن الآثار الثقافية والمتاحف ليست حارسا للماضي فحسب، وإنما أيضا جسور للمستقبل. في السنوات الأخيرة، كثفت الصين جهودها للمحافظة على تراثها الحضاري وتعزيزه ومشاركته مع العالم. وهذه المبادرات تعكس رؤية أوسع لترسيخ الثقة الوطنية بجذورها الثقافية، مع تعزيز الحوار والتعاون الثقافي العالمي.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4