استعراض التاريخ يذكرنا بالثمن الباهظ الذي دُفع في سبيل التنمية على حساب البيئة. الصين واجهت أيضا هذا الواقع عندما عانت مدن، مثل بكين، من تلوث هواء ومستويات خطيرة من الجسيمات الدقيقة (PM2.5). اليوم، تعد استعادة السماء الزرقاء دليلا واضحا على تحول الصين نحو نمط تنمية أكثر استدامة.
في الثالث والعشرين من إبريل 2025، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كلمته أمام اجتماع القادة بشأن المناخ والتحول العادل: "إن التناغم بين الإنسان والطبيعة سمة مميزة للتحديث الصيني النمط. والصين لاعب ثابت ومساهم رئيسي في تعزيز التنمية الخضراء العالمية." وكما ذكر، فإن الصين لم تسع على مر السنين إلى تحقيق التنمية الخضراء فحسب، وإنما أيضا شاطرت تجربتها مع البلدان الأخرى.
الحماية الإيكولوجية والبيئية
يولي الرئيس شي جين بينغ أهمية بالغة لحماية البيئة. أثناء عمله أمينا للجنة الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة تشجيانغ، طرح في الخامس عشر من أغسطس 2005، فكرة "الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من الذهب وجبال من الفضة"، وقد أصبحت الفكرة لاحقا مبدأ توجيهيا للتنمية في الصين. وفي عام 2023، تم تحديد ذلك اليوم يوما وطنيا للبيئة.
وخلال احتفال الصين بيومها الوطني الأول للبيئة، أكد شي على أن المحافظة على البيئة لها أهمية حيوية للتنمية المستدامة للأمة الصينية، معتبرا ذلك قضية سياسية كبرى تتعلق بمهمة الحزب الشيوعي الصيني وهدفه، وقضية اجتماعية رئيسية ذات أهمية للرفاه العام.
كلمات الرئيس شي تبعتها أفعال ملموسة، فكان هو نفسه قدوة طيبة في هذا الصدد، بغرسِه الأشجار في فصل الربيع على مدى سنوات عديدة. في الثالث من إبريل 2025، حضر الرئيس شي نشاطا تطوعيا لغرس الأشجار في بكين، حيث أكد أن البيئة الإيكولوجية في الصين تتحسن على نحو مستمر، وأن الجماهير تجني فوائد مباشرة وملموسة.
وقد حذت الحكومات المحلية حذو هذه القدوة. فمقاطعة يوننان الواقعة في جنوب غربي الصين، هي موطن لأنظمة إيكولوجية متنوعة، مثل الغابات المطيرة الاستوائية والسفوح الجبلية. وهي أيضا من المنابع الرئيسية لأنهار مثل اليانغتسي واللؤلؤ ولانتسانغ. وبفضل مواردها الإيكولوجية الوفيرة وموقعها الحيوي كمصدر رئيسي للمياه في الصين وجنوب شرقي آسيا، تلعب يوننان دورا حيويا في المحافظة على الأمن البيئي الإقليمي والوطني، بل والعالمي.
وفقا لمسؤولي محمية شيشوانغباننا الطبيعية الوطنية في يوننان، تضم الغابات المطيرة الاستوائية في شيشوانغباننا حاليا 134 نوعا من النباتات النادرة والمهددة بالانقراض. ومن خلال إنشاء المحميات الطبيعية، تمت الحماية الفعالة للنظام الإيكولوجي الغابي في شيشوانغباننا، ما أدى إلى زيادة أعداد الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض، مثل الأفيال الآسيوية. وفي مارس 2025، قام الرئيس شي بجولة تفقدية لمقاطعة يوننان، حيث أشار إلى الدور الإيكولوجي المهم للمقاطعة، وحث الحكومة المحلية على اتباع نهج حازم للتنمية الخضراء يعطي الأولوية للمحافظة على البيئة، من أجل تعزيز حاجز الأمن الإيكولوجي في جنوب غربي الصين.
وهناك تقدم تم تحقيقه على الصعيد الوطني. في يونيو 2024، أصدرت وزارة البيئة والإيكولوجيا الصينية ((تقرير حالة البيئة الصينية لعام 2023)). وجاء في التقرير أن ثمة تقدما متواصلا في الحوكمة البيئية في الصين، وأن جودة البيئة العامة تتحسن باستمرار. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أن تركيز الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في المدن على مستوى المحافظة وما فوق، قد بلغ 30 ميكروغرامات/ متر مكعب، أي أقل بمقدار 3 ميكروغرامات/ متر مكعب، عن الهدف السنوي. كما بلغت نسبة الأيام ذات جودة الهواء الممتازة والجيدة 5ر85%، وبلغت هذه النسبة 8ر86%، بعد استبعاد الأيام التي شهدت مستويات غبار مرتفعة بشكل غير طبيعي، أي أفضل بمقدار 6ر0% عن الهدف السنوي.
التنمية الخضراء
لا تنظر الصين إلى الحماية الإيكولوجية على أنها عائق أمام التنمية، بل كمحرك لها. في يوليو 2023، وخلال حضوره المؤتمر الوطني لحماية البيئة، أشار الرئيس شي إلى العلاقة بين التنمية العالية الجودة والحماية الإيكولوجية الرفيعة المستوى، قائلا إن خطط التنمية يجب أن تُبنى على أساس التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، وإن الحماية الإيكولوجية الرفيعة المستوى تساعد الصين على مواصلة خلق قوى دافعة جديدة ونقاط قوة جديدة للتنمية.
في الحادي والثلاثين من يناير 2024، وخلال ترؤسه الدراسة الجماعية الحادية عشرة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، حول إحراز تقدم ثابت في تعزيز التنمية العالية الجودة، أكد الرئيس شي أن التنمية الخضراء تشكل أساس التنمية العالية الجودة، داعيا إلى التمسك بمبدأ أن الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من الذهب وجبال من الفضة، والتمسك الثابت بإعطاء الأولوية للحماية الإيكولوجية والسعي إلى التنمية الخضراء.
ومن الأمثلة على ضمان تحقيق كلا الهدفين، تعزيز السياحة الإيكولوجية. فمقاطعة تشينغهاي في شمال غربي الصين، تتمتع بموارد طبيعية وافرة، بما فيها بحيرة تشينغهاي، أكبر بحيرة مياه عذبة في الصين. ولكن، بسبب تغير المناخ والأنشطة البشرية، شهد الوضع الإيكولوجي لحوض بحيرة تشينغهاي تدهورا، إذ استمر انخفاض مستويات المياه وتوسع ظاهرة تصحر الأراضي.
في إبريل 2022، وافقت الحكومة الصينية على إنشاء حديقة بحيرة تشينغهاي الوطنية. ومنذ ذاك، عززت الحماية المتكاملة للجبال والأنهار والغابات والأراضي الزراعية والبحيرات والمراعي والصحاري وعملت على استعادة بيئتها، حيث استثمرت 177 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) لحماية الأراضي الرطبة واستعادتها، إضافة لحماية البيئة واستعادتها بالمناطق المائية الرئيسية.
أسهمت هذه الجهود في تحسين الوضع الإيكولوجي لبحيرة تشينغهاي. وتشير بيانات سبتمبر 2024 إلى أن مساحة المياه الجوفية لبحيرة تشينغهاي تتوسع باستمرار، ووصلت إلى 08ر4650 كيلومترا مربعا، بارتفاع منسوب مياه بلغ 72ر3196 مترا، بزيادة قدرها 1ر28 كيلومترا مربعا مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وقد أدى ذلك أيضا إلى زيادة التنوع البيولوجي بالمنطقة.
ساعدت هذه البيئة المحسنة في جعل تشينغهاي وجهة سياحية رائجة، الأمر الذي حفز النمو الاقتصادي. في عام 2024، استقبلت المقاطعة 53 مليون سائح، وحققت إيرادات سياحية إجمالية بلغت 6ر51 مليار يوان، بنمو سنوي تجاوز 20% في كلا الرقمين.
في التاسع عشر من يونيو 2024، دعا الرئيس شي، خلال زيارته التفقدية لمقاطعة تشينغهاي، إلى وضع البيئة في المقام الأول، والسعي نحو التنمية الخضراء. وحث على ضرورة التزام تشينغهاي بتعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح، والتمسك بأولوية البيئة الإيكولوجية والتنمية الخضراء، وتعزيز الوحدة الوطنية والازدهار المشترك، مؤكدا ضرورة إحراز تقدم أكبر في تعزيز الحماية الإيكولوجية والتنمية العالية الجودة لهضبة تشينغهاي- شيتسانغ.
وفي مجالات أخرى، حققت جهود الصين لتعزيز التنمية الخضراء، نتائج باهرة. وكما أوضح الرئيس شي، فقد بنت الصين أكبر وأسرع منظومة للطاقة المتجددة نموا في العالم، إضافة إلى أكبر وأكمل سلسلة صناعية للطاقة الجديدة. كما أنها رائدة عالميا في سرعة ونطاق "التخضير"، حيث ساهمت بربع المساحة المشجرة حديثا في العالم.
التعاون الدولي
تتجاوز جهود الصين لتعزيز خضرة البيئة حدودها. فقد دعا الرئيس شي، في كلمته خلال اجتماع القادة بشأن المناخ والتحول العادل، إلى تعميق التعاون الدولي، قائلا إنه ينبغي علينا تجاوز التباعد والصراع، بالانفتاح والشمول، وتعزيز الابتكار التكنولوجي والتحول الصناعي من خلال التعاون، وتسهيل التدفق الحر للتقنيات والمنتجات الخضراء العالية الجودة بحيث تكون في متناول الجميع وبأسعار معقولة ومفيدة لجميع البلدان، وخاصة البلدان النامية.
في يوليو 2024، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ومجلس الدولة الصيني ((آراء حول تسريع التحول الأخضر الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية))، والتي تحث على تعزيز التعاون الدولي بشأن التحول الأخضر، بما في ذلك المشاركة في قيادة عملية التحول الأخضر العالمية وتعزيز التبادلات السياسية والتعاون العملي.
وفقا لتقرير ((آفاق التنمية الخضراء لمبادرة "الحزام والطريق"))، الصادر عن التحالف الدولي للتنمية الخضراء التابع لمبادرة "الحزام والطريق" في نوفمبر 2024، توفر الصين، وهي الدولة الرائدة عالميا في التقنيات الصديقة للبيئة، 50% من معدات طاقة الرياح و80% من مكونات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في العالم. في عام 2023، ساعدت صادرات الصين من منتجات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، دولا أخرى على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 810 ملايين طن. كما تتعاون الصين في مشروعات الطاقة الخضراء مع أكثر من مائة دولة ومنطقة.
قالت مايا ماجوران، مديرة مبادرة "الحزام والطريق" في سريلانكا، إن الصين لا تركز على تنميتها الخضراء فحسب، وإنما أيضا تنخرط في تعاون أخضر مع الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق". ومن خلال إجراءات ملموسة، تظهر الصين ريادتها الفريدة، وهو ما يلهم الدول الجزرية، مثل سريلانكا، المعرضة لتغير المناخ.
وفي نوفمبر 2024، أعرب الرئيس شي، خلال كلمة في قمة الرؤساء التنفيذيين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، عن استعداد الصين لمواصلة هذه الجهود، واعدا بأن تظل الصين ثابتة على طريق التنمية الخضراء، وأن تستمر كقوة مهمة للتحول الأخضر عالميا.
مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لاتفاق باريس للمناخ، تحظى دعوة شي جين بينغ إلى التناغم بين الإنسان والطبيعة بزخم أقوى من أي وقت مضى. فبفضل توجيهه، لا تسعى الصين لتعزيز بناء حضارتها الإيكولوجية فحسب، وإنما أيضا تسهم في إنارة الطريق نحو مستقبل أخضر عالمي، يقوم على المسؤولية المشتركة والمنفعة المتبادلة والازدهار المستدام للجميع.