أخبار < الرئيسية

النص الكامل: سجل انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة خلال عام 2020

: مشاركة
2021-03-25 09:45:00 وكالة شينخوا:Source :Author

بكين 24 مارس 2021 (شينخوا) أصدرت الصين اليوم الأربعاء تقريرا عن وضع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة خلال عام 2020.

وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

سجل انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة خلال عام 2020

مكتب الإعلام بمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية

مارس 2021

مقدمة

"لا أستطيع التنفس"

-- جورج فلويد

المشاهد التي رأيناها (للعنف في مبنى الكونجرس الأمريكي) هي نتيجة الأكاذيب والمزيد من الأكاذيب، والانقسام وازدراء الديمقراطية، والكراهية وإثارة الرعاع -- حتى من جانب أعلى المستويات".

-- الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير

-- في عام 2020، أثارت جائحة كوفيد-19 فوضى حول العالم، مشكلة خطرا كبيرا لأمن البشرية. لا يحترم الفيروس حدودا، ولا يميز الوباء بين الأعراق. ويتطلب دحر الوباء تبادل المساعدة والتضامن والتعاون بين جميع الدول. بيد أن الولايات المتحدة، التي طالما اعتبرت نفسها استثناء وفوق الجميع، شهدت خروج الوضع الوبائي بها عن السيطرة، وهو ما ترافق مع اضطرابات سياسية وصراعات بين العرقيات المختلفة وانقسامات اجتماعية. كما فاقمت الجائحة من انتهاكات حقوق الإنسان في البلد، الذي يزعم أنه "مدينة فوق تل" و "منارة الديمقراطية".

-- خرج الوباء عن السيطرة وتحول إلى مأساة بشرية بعد الاستجابة المستهترة من جانب الحكومة. وبنهاية فبراير عام 2021، مثلت الولايات المتحدة، التي يقطنها أقل من 5 بالمئة من سكان العالم، أكثر من ربع حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 حول العالم وقرابة خُمس إجمالي وفيات العالم جراء المرض، حيث حصد الفيروس أرواح أكثر من 500 ألف مواطن أمريكي.

-- أفضى الاضطراب في النظام الديمقراطي الأمريكي إلى فوضى سياسية، ما أدى إلى استمرار تمزق النسيج المجتمعي. فالسياسة الملطخة بالمال شوهت الرأي العام وقمعته، محولة الانتخابات إلى "عرض فردي" للطبقة الثرية، وهوت ثقة الشعب في النظام الديمقراطي الأمريكي إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاما. وعلى وقع الاستقطاب السياسي المتنامي، تحولت سياسة الكراهية إلى طاعون وطني، وتعرض مبنى الكونجرس للاقتحام خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات.

-- عانت مجموعات الأقليات العرقية تمييزا عنصريا ممنهجا وباتت في وضع عسير. يشكل القاصرون من الملونين زهاء ثلث القاصرين الذين هم دون سن الـ18 عاما في الولايات المتحدة، لكنهم مثلوا ثلثي جميع القاصرين المحبوسين في البلاد. كما أن الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية أكثر عرضة من البيض بثلاثة أضعاف للإصابة بالعدوى وبواقع ضعفين للوفاة وأكثر احتمالية بثلاثة أضعاف للقتل على يد الشرطة. وهناك واحد من كل أربعة شباب أمريكيين من أصول آسيوية كان هدفا للتنمر العنصري.

-- سجلت تجارة السلاح وحوادث إطلاق النار مستوى قياسيا، وتراجعت ثقة الشعب في الانتظام الاجتماعي. وعلى وقع الوباء الخارج عن السيطرة في الولايات المتحدة وما صاحبه من احتجاجات من أجل العدالة العرقية وصراعات ذات صلة بالانتخابات، اشترى الأمريكيون 23 مليون قطعة سلاح خلال عام 2020، بزيادة بلغت 64 بالمئة مقارنة مع عام 2019. ووصل عدد مشتري السلاح لأول مرة إلى أكثر من 8 ملايين شخص. وقُتل ما يربو على 41500 شخص في حوادث إطلاق نار في أنحاء الولايات المتحدة خلال العام الماضي، بمتوسط يزيد على 110 أشخاص يوميا. وكان هناك أيضا 592 حادث إطلاق نار جماعيا في أرجاء البلاد، بمتوسط يربو على 1.6 حادث يوميا.

-- توفي جورج فلويد، وهو أمريكي من أصول أفريقية، بعد أن جثا ضابط شرطة أبيض على عنقه بوحشية، ما فجر موجة غضب على مستوى البلاد. واندلعت احتجاجات واسعة من أجل العدالة العرقية في 50 ولاية. وقمعت الحكومة الأمريكية المتظاهرين بالقوة، وأُلقي القبض على أكثر من 10 آلاف شخص. وتعرض عدد كبير من الصحفيين للاعتداء والتوقيف دون سبب.

-- اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يعيش من هم في قاع المجتمع في أوضاع بائسة. وأدى الوباء إلى بطالة جماعية. وفقد عشرات ملايين الأشخاص تغطية التأمين الصحي. ويواجه خطر الجوع واحد من كل ستة أمريكيين وطفل من كل أربعة أطفال أمريكيين. وغدت المجموعات الضعيفة أكبر ضحية للاستجابة المستهترة من جانب الحكومة للوباء.

وبدلا من أن تقوم الحكومة الأمريكية بفحص سجلها البشع في مجال حقوق الإنسان، واصلت إطلاق تصريحات غير مسؤولة بشأن وضع حقوق الإنسان في الدول الأخرى، كاشفة عن ازدواجيتها ونفاقها بشأن حقوق الإنسان. إن البشرية، التي تقف عند مفترق طرق جديد، تواجه تحديات جديدة وخطيرة. وإنه لمن المأمول أن يظهر الجانب الأمريكي التواضع ويبدي التعاطف إزاء معاناة شعبه، ويتخلى عن النفاق والتنمر و"العصا الغليظة" والمعايير المزدوجة، ويعمل مع المجتمع الدولي لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

أولا. القصور في احتواء الجائحة يفضي إلى نتيجة مأساوية

زعمت الولايات المتحدة أنها الأوفر حظا من حيث الموارد الطبية وقدرات الرعاية الصحية، إلا أن استجابتها لجائحة كوفيد-19 كانت فوضوية، ما جعلها تتصدر دول العالم من حيث عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 والوفيات ذات الصلة.

أدى قصور الاستجابة للجائحة إلى تداعيات وخيمة. وأظهر إحصاء لجامعة جونز هوبكينز أنه حتى نهاية فبراير عام 2021، سجلت الولايات المتحدة ما يزيد على 28 مليون حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19، بينما تجاوز عدد الوفيات ذات الصلة 500 ألف شخص. ومع تعداد سكاني يمثل أقل من 5 بالمئة من إجمالي سكان العالم، شكلت الولايات المتحدة أكثر من 25 بالمئة من إجمالي حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 وزهاء 20 بالمئة من الوفيات ذات الصلة. وفي 20 ديسمبر عام 2020، نشرت شبكة "سي.إن.إن" تقريرا يفيد بأن ولاية كاليفورنيا وحدها سجلت 1845000 حالة إصابة بكوفيد-19 و 22599 حالة وفاة، وهو ما يعكس نحو 4669 حالة إصابة مؤكدة و 57 حالة وفاة بين كل 100 ألف من سكان الولاية.

وحتى هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة للولاية، لأن العديد من الحالات، بما في ذلك حالات العدوى الخفيفة أو الحالات غير المصحوبة بأعراض، لم يتم تشخيصها. ولو أن السلطات الأمريكية اتخذت تدابير قائمة على العلم لاحتواء الجائحة، لكان بوسعها تفادي تلك التداعيات. ولكن نظرا لأنها لم تتخذ تلك التدابير، باتت الجائحة، كما وصفها وليام فويجي عالم الأوبئة والرئيس السابق للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، بمثابة "مذبحة" للولايات المتحدة.

تجاهل قادة البلاد تحذيرات الخبراء وقللوا من خطورة الجائحة. ووفقا للإطار الزمني لجائحة كوفيد-19 في الولايات المتحدة، والذي نشرته وسائل إعلام أمريكية بينها صحيفة "ذا نيويورك تايمز" و "ذا واشنطن بوست"، فإن إدارة ترامب تجاهلت مرارا الإنذارات بشأن خطورة الجائحة. وفي مطلع يناير عام 2020، كان أحد مكاتب مجلس الأمن القومي قد تلقى تقارير استخباراتية تتنبأ بتفشي الفيروس في الولايات المتحدة. وفي مذكرة بتاريخ 29 يناير، توقع المستشار التجاري للبيت الأبيض حينئذ، بيتر نافارو، بأن جائحة فيروس كورونا قد تؤدي إلى نحو نصف مليون حالة وفاة وخسائر اقتصادية بتريليونات الدولارات الأمريكية.

وخلال العديد من المناسبات، حذر كذلك عدد من مسؤولي الصحة، بينهم وزير الصحة والخدمات الإنسانية آنذاك إليكس عازار، وخبراء طبيون آخرون من احتمالية تفشي جائحة في الولايات المتحدة. ولم يلفت أي من التحذيرات السالفة انتباه الإدارة الأمريكية للجائحة الوشيكة. وعوضا عن ذلك، ركزت الإدارة الأمريكية على منع انتشار المعلومات وإصدار إشارات مضللة للرأي العام تزعم بأن "خطر الفيروس بالنسبة لأغلب الأمريكيين ضئيل للغاية"، وتُوهم بأن فيروس كورونا الجديد ليس أشد خطورة من الإنفلونزا العادية، وأن الفيروس "سيختفي بأعجوبة" عندما يصبح الطقس أكثر دفئا. ومن ثم، خسرت البلاد أسابيع حاسمة للوقاية من الجائحة ومكافحتها. وذكر مقال نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" يوم 13 أبريل عام 2020، بأن الزعيم الأمريكي "بجنوحه لاتباع حدسه بدلا من البيانات يكلف (البلاد) وقتا وربما أرواحا".

أدى تقاعس الحكومة إلى تفشي الجائحة على نحو خارج عن السيطرة. وبعد ما بلغت حصيلة الوفيات جراء الجائحة 300 ألف، علق ديفيد هايز-باوتيستا، أستاذ الطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، قائلا "كنا بغنى عن وفاة مثل هذا العدد الكبير من المواطنين. اخترنا كدولة أن نرفع قدمنا من على دواسة الوقود. اخترنا ذلك، وتلك هي المأساة". وقدر مصممو النماذج التجريبية للأمراض في جامعة كولومبيا بأنه لو كانت الولايات المتحدة قد بدأت إغلاق المدن والحد من الاتصال الاجتماعي في الأول من مارس، أي قبل أسبوعين من جنوح أغلب الناس إلى البقاء في منازلهم، لكان قد تم تفادي نحو 83 بالمئة من الوفيات ذات الصلة بالجائحة في البلاد. وذكرت مقالة افتتاحية نُشرت على الموقع الإلكتروني لمجلة "ذا لانسيت" الطبية في 17 مايو عام 2020، بأن الإدارة الأمريكية كانت مهووسة بلقاحات رصاصة سحرية أو أدوية جديدة أو أمل بأن الفيروس سوف يختفي تماما من تلقاء نفسه.

في الوقت نفسه، أشارت المقالة إلى أنه لا يمكن رؤية نهاية لحالة الطوارئ هذه إلا من خلال الاعتماد الثابت على مبادئ الصحة العامة الأساسية، مثل الاختبار والتتبع والعزل. وحتى مع تفشي الجائحة في رقعة شاسعة من الولايات المتحدة، تسرعت الإدارة الأمريكية في استئناف النشاط الاقتصادي جراء مخاوف سياسية. وبحسب ما ذكر موقع "Vox" الإخباري في يوم 11 أغسطس عام 2020، فإنه في إبريل ومايو من العام المنصرم، هرعت عدة ولايات لإعادة فتح أبوابها وتسببت في انتقال الفيروس إلى جنوبي البلاد وغربيها وإلى بقية أرجاء الولايات المتحدة في نهاية المطاف. وعلاوة على ذلك، ورغم توصية الخبراء للناس بارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، إلا أن الزعيم الأمريكي والعديد من مسؤولي الدولة عارضوا بشدة إصدار أي قرار يُلزم بارتداء الأقنعة.

تسببت التدابير الفوضوية لمكافحة الجائحة والوقاية منها في حالة من الارتباك بين العامة. ووصفت مقالة نشرتها شبكة "سي.إن.إن" يوم 9 مايو عام 2020، الاستجابة الأمريكية للجائحة بأنها "غير متسقة على الدوام"، مشيرة إلى أنه ليست هناك مبادئ توجيهية وطنية وليست هناك جهود منظمة لإعادة فتح البلاد عدا التدابير التي اتخذتها الولايات. كما أشارت المقالة إلى أنه على صعيد مكافحة الجائحة والوقاية منها، فإن مسؤولي الصحة العامة يقولون شيئا ويقول حكام الولايات شيئا آخر بينما يقول رئيس البلاد شيئا ثالثا مختلفا تماما. وعلاوة على ذلك، فإنه بعد أن دعا الخبراء إلى قيادة فيدرالية، ترك الزعيم الأمريكي المدن والولايات لتحل بنفسها المشاكل الوطنية المتعلقة بالاختبارات وإمدادات المستشفيات. وعندما أطلقت الحكومة الفيدرالية خطة مرحلية لإعادة الفتح، دعا الزعيم الأمريكي الولايات لإعادة فتح أبوابها بشكل أسرع. وبعد أن أوصت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها الناس بارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، رفض الزعيم الأمريكي لأشهُر القيام بذلك في الأماكن العامة. وكما لو كانت الأفعال آنفة الذكر غير مثيرة للسخرية على نحو كاف، دعا الزعيم الأمريكي في مرحلة ما إلى حقن المرضى بمواد التطهير كعلاج.

تملص قادة البلاد من المسؤوليات بدافع الغطرسة. ورغم تواتر الأفكار السخيفة واحدة تلو الأخرى، رفض الزعيم الأمريكي الاعتراف بأي خطأ. وعوضا عن ذلك اخترع كل أنواع الأعذار للتستر على أخطائه مع التنصل من المسؤوليات. فعلى سبيل المثال، أصر على أن الولايات المتحدة تتصدر دول العالم في حالات الإصابة بكوفيد-19 لأنها تجري اختبارات أكثر من أي دولة أخرى في العالم. ولدى سؤاله عن مشاكل الاختبارات والوفيات المتزايدة، ادعى أنه "لا يتحمل المسؤولية على الإطلاق". ورغم كل ذلك، قال أنطوني فاوتشي مستشار البيت الأبيض ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، بأن الأرقام لا تكذب وأن الولايات المتحدة سجلت أسوأ تفش للوباء في العالم.

سقط المواطنون المسنون ضحايا لارتباك الحكومة في مواجهة الجائحة. المواطنون المسنون هم مجموعة أكثر عرضة لخطر الجائحة، لكنهم تم تهميشهم بشكل أكبر في خضم فوضى الوقاية من الجائحة ومكافحتها في الولايات المتحدة، حيث تصير حياتهم بلا قيمة وتداس كرامتهم. وفي 23 مارس و20 أبريل عام 2020، صرح دان باتريك، نائب حاكم ولاية تكساس، لشبكة "فوكس نيوز" بأنه يفضل الموت على رؤية تدابير الصحة العامة تضر بالاقتصاد الأمريكي وأن هناك أشياء أكثر أهمية من الحياة. ومن جهة أخرى كشف تقرير نشره موقع "ذا سان دييجو يونيون-تريبيون" يوم 18 أغسطس 2020 أن المقيمين في مرافق الرعاية طويلة الأمد يمثلون أقل من واحد بالمئة من سكان الولايات المتحدة لكنهم يشكلون أكثر من 40 بالمئة من وفيات كوفيد-19.

وإزاء تلك الحقائق، جاهر مقال نشره موقع صحيفة "ذا واشنطن بوست" في يوم 9 مايو 2020، بوصف الجهود الأمريكية لمكافحة الجائحة بأنها "قتل تجيزه الدولة" حيث يتم عمدا التضحية "بكبار السن وعمال المصانع والأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية ولاتينية".

واجه الفقراء تهديدا أكبر للإصابة بالعدوى. ووجد باحثون أن مؤشر جيني، وهو مقياس اقتصادي يصنف عدم المساواة في الدخل من صفر (انعدام المساواة مطلقا) إلى واحد (المساواة التامة)، كان مؤشرا قويا على وفيات كوفيد-19. وضمت مدينة نيويورك، التي سجلت أحد أكبر أرقام مؤشر جيني عند مستوى بلغ 0.52، ضمت كذلك أكبر عدد من الوفيات في البلاد بهامش فارق. وأفاد موقع صحيفة "ذا جارديان" يوم 21 مارس عام 2020، أنه في أعقاب الجائحة، صار الأثرياء والنافذون أول من يتلقون اختبارات فيروس كورونا، بينما العمال محدودو الدخل، والذين يفتقر أغلبهم إلى إجازة مرضية مدفوعة الأجر ولا يستطيعون العمل من المنزل، يعرضون أنفسهم لخطر أكبر للإصابة بالفيروس من أجل كسب لقمة العيش.

ونقل تقرير نشره موقع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" يوم 8 مايو عام 2020، عن مسؤولي الصحة العامة قولهم إن سكان المجتمعات محدودة الدخل في مقاطعة لوس أنجلوس أكثر عرضة بواقع ثلاثة أضعاف للوفاة بكوفيد-19 عن نظرائهم في الأحياء الأكثر ثراء. وكشف مسح لمؤسسة "جالوب" أن واحدا من بين كل سبعة بالغين أمريكيين قالوا إنهم إذا ظهرت عليهم أو على أفراد أسرتهم أعراض ذات صلة بكوفيد-19، فإنهم قد يتخلون عن العلاج الطبي خشية عدم تمكنهم من تحمل تكاليفه. كما أشار فيليب ألستون، مقرر الأمم المتحدة الخاص لشؤون الفقر المدقع وحقوق الإنسان، إلى أن الفقراء في الولايات المتحدة هم الأشد تضررا من جائحة كوفيد-19. وأوضح أن محدودي الدخل والفقراء يواجهون مخاطر أكبر بكثير للإصابة بفيروس كورونا نظرا للإهمال والتمييز المزمنين، فضلا عن تعرضهم للخذلان من قبل الاستجابة الفيدرالية المشوشة التي تقودها الشركات.

المعاقون والمشردون في حالة يرثى لها. وكشفت دراسة نشرتها منظمة "فير هيلث" غير الربحية في نوفمبر عام 2020، أن الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية والتنموية أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للوفاة بكوفيد-19 مقارنة مع عامة السكان. وفي 14 مايو عام 2020 نشر موقع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أنه مع الصدمة التي يوجهها فيروس كورونا للاقتصاد والتي تعيق الشركات من جميع المستويات وتتسبب في فقد ملايين الأمريكيين لوظائفهم، فإن المشردين في الولايات المتحدة قد يزيد عددهم بنسبة 45 بالمئة خلال عام. وهناك كثير من المشردين الأمريكيين من كبار السن والمعاقين. ونظرا لصحتهم البدنية الضعيفة بالأساس وظروفهم المعيشية والصحية السيئة، فإنهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس. وخلال الجائحة، تم إجلاء المشردين ودفعهم للانتقال إلى ملاجئ مؤقتة.

وأفاد موقع وكالة "رويترز" في 23 أبريل عام 2020 أن اكتظاظ الملاجئ في أنحاء الولايات المتحدة جعل من المستحيل بالنسبة للمشردين الذين يعيشون هناك الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وهو ما سهل انتشار الفيروس. وأورد موقع صحيفة "ذا نيويورك تايمز" يوم 13 أبريل عام 2020 أنه في مدينة نيويورك استفحلت الأزمة في ملاجئ المشردين، حيث ينام 17 ألف رجل وامرأة في ملاجئ جماعية أو شبه جماعية للبالغين غير المتزوجين، حيث الأَسِرَّة قريبة من بعضها لدرجة تجعل النائمين عليها يمكن أن يمسكوا بأيدي بعضهم. وكشف موقع "ذا بوسطن جلوب" في 4 مايو عام 2020 أن نحو ثلث المشردين الذين خضعوا لاختبارات جاءت نتائجهم إيجابية لفيروس كورونا الجديد.

شكل تفشي الفيروس في السجون تهديدا لحياة النزلاء. وأفادت شبكة "أيه.بي.سي نيوز" في 19 ديسمبر عام 2020 أن ما لا يقل عن 275 ألف سجين أصيبوا بفيروس كورونا، وأكثر من 1700 قضوا جراء الفيروس، وأن كل نظام للسجن في البلاد شهد معدلات إصابة أعلى بكثير مقارنة مع التجمعات السكنية المحيطة به. وأشارت بيانات جمعتها كل من وكالة "ذي أسوشييتد برس" و مؤسسة "ذا مارشال بروجيكت"، وهي مؤسسة إخبارية غير ربحية تغطي نظام العدالة الجنائية، أن واحدا من كل خمسة سجناء في مرافق يديرها المكتب الفيدرالي للسجون أصيب بفيروس كورونا. كما كشفتا أن 24 نظاما للسجون على مستوى الولايات لديها حتى معدلات أعلى للإصابة بفيروس كورونا. وأصيب نصف السجناء في ولاية كانساس بكوفيد-19، وهو ما يعادل ثمانية أضعاف معدل الإصابة بين جميع سكان الولاية. وفي ولاية أركانساس هناك أربعة من بين كل سبعة سجناء، أصيبوا بالفيروس.

هيمن شبح الجائحة الخارجة عن نطاق السيطرة على عقول الأمريكيين العاديين. وأثر رد فعل إدارة ترامب إزاء جائحة كوفيد-19 سلبا على الأمريكيين أكثر من الفيروس ذاته، وهو ما ترك الناس في حالة من التوتر والعزلة. وفي دراسة نشرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في 14 أغسطس عام 2020، فإنه نظرا لأوامر البقاء في المنزل، فإن 40.9 بالمئة من البالغين قالوا إنهم تعرضوا لحالة صحية عقلية أو سلوكية سلبية واحدة على الأقل، بينما ذكر 30.9 بالمئة أنهم شعروا بالتوتر أو الاكتئاب، ولا تشكل هذه الأرقام سوى قمة جبل جليدي. كما أظهرت ذات الدراسة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن 13 بالمئة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم من قبل المراكز خلال ذات الفترة قالوا إنهم بدأوا أو زادوا من تعاطيهم للمواد المخدرة وأن 11 بالمئة فكروا جديا في الانتحار. وأظهرت دراسة منفصلة صدرت في شهر يونيو أن الاتصالات بالخطوط الساخنة للانتحار ارتفعت بنسبة 47 بالمئة في أنحاء البلاد خلال جائحة كوفيد-19، مع تسجيل بعض خطوط الأزمات زيادة في الاتصالات بلغت نسبتها 300 بالمئة.

ثانيا، اضطراب الديمقراطية الأمريكية يثير فوضى سياسية

مع وصفها نفسها بأنها منارة للديمقراطية، وجهت الولايات المتحدة على نحو تعسفي انتقادات للعديد من الدول الأخرى وقمعتها تحت ستار دعم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. بيد أن المجتمع الأمريكي ابتُلي بسياسة المال عميقة الجذور والتلاعب المفرط بالرأي العام والأكاذيب المتفشية، كما زادت الديمقراطية الأمريكية من تفاقم الانقسام المجتمعي بدلا من جسر الاختلافات السياسية المتزايدة الاستقطاب. ونتيجة لذلك، يتمتع الشعب الأمريكي بحقوقه المدنية والسياسية بالاسم فقط.

أضحت الانتخابات السياسية التي يسيطر عليها المال هي "قرار المال" في جوهرها. فالمال هو القوة المحركة للسياسة الأمريكية. وشوهت سياسة المال الأمريكية الرأي العام وحولت الانتخابات إلى "عرض فردي" للأثرياء. وبلغ حجم الأموال التي أُنفقت على حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية وانتخابات الكونجرس في عام 2020 نحو 14 مليار دولار أمريكي، وهو ما يتجاوز ضعفي ما تم إنفاقه في عام انتخابات عام 2016. وسجلت حملات الانتخابات الرئاسية مستوى قياسيا في إجمالي الإنفاق بلغ 6.6 مليار دولار أمريكي، بينما شهدت سباقات الكونجرس إنفاق أكثر من 7 مليارات دولار أمريكي. وبحسب تقرير نشره موقع شبكة "سي.إن.بي.سي" في الأول من نوفمبر عام 2020، فإن أكبر 10 مانحين في دورة الانتخابات الأمريكية لعام 2020 قدموا أكثر من 640 مليون دولار أمريكي. وبالإضافة إلى التبرعات الإنتخابية المسجلة علنا، فإن كما كبيرا من الأموال السرية والمال الأسود تدفق إلى انتخابات عام 2020. وبحسب تحليل أجراه "مركز برينان للعدالة في جامعة نيويورك" فإن مجموعات المال الأسود ضخت أكثر من 750 مليون دولار أمريكي في انتخابات عام 2020 من خلال الإنفاق على الإعلانات والمساهمات القياسية المقدمة إلى اللجان السياسية مثل لجان العمل السياسي الفائقة.

ثقة الجمهور في الإنتخابات الأمريكية واجهت أزمة. وبحسب أرقام أصدرتها مؤسسة "جالوب" يوم 8 أكتوبر عام 2020، فإن 19 بالمئة فقط من الأمريكيين قالوا إنهم "واثقون للغاية" بشأن دقة الانتخابات الرئاسية، وهو أدنى مستوى تسجله جالوب في منحنى استطلاعها الذي تجريه منذ عام 2004. وبحسب مقال نشرته صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" يوم 9 نوفمبر عام 2020، فإن انتخابات عام 2020 يمكن رؤيتها على أنها تتويج لفترة عقدين من تراجع الإيمان باللبنات الأساسية للديمقراطية.

الاستقطاب السياسي شهد نموا. وتحول تدريجيا الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين من اختلاف حول السياسات إلى معارك بشأن الهوية مع قبلية سياسية تزداد معالمها وضوحا. وانتهى الأمر بالحزبين إلى طريق مسدود حيال العديد من القضايا العامة الكبرى، وهو ما أدى إلى حوكمة غير فعالة أو غير مؤهَّلة للبلاد. وغدت مسرحيات استعراض القوة بين السياسيين المتنافسين في المعارك المحتدمة السمة الأبرز للسياسة الأمريكية، التي شهدت عروضا مختلفة انطوت على هجمات قبيحة وتشهير بذيء. وبات هناك شقاق بين الناخبين الداعمين لأحزاب مختلفة في ضوء التحريض من قبل السياسيين المتطرفين. وازدادت صعوبة تحدث المعسكرين إلى بعضهما البعض مع هيمنة التعصب السياسي المتنامي. وتفشت سياسات الكراهية في أرجاء البلاد وأضحت السبب الأساسي للاضطراب والانقسام المجتمعي المستمرين.

وأفاد تقرير نشره "مركز بيو للبحوث" في 13 نوفمبر عام 2020، أن الولايات المتحدة تمثل استثناء في طبيعة انقسامها السياسي. فثمة خلاف تتنامى حدته بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن الاقتصاد والعدالة العرقية والتغير المناخي وإنفاذ القانون والمشاركة الدولية وقائمة طويلة من القضايا الأخرى. وسلطت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 المزيد من الضوء على هذه الانقسامات العميقة الجذور. وقبل شهر واحد من الانتخابات، ذكر نحو ثمانية من كل عشرة ناخبين مسجلين لدى المعسكرين أن خلافاتهم مع الجانب الآخر تتعلق بما هو أكثر من مجرد السياسة والسياسات، إنها تتعلق كذلك بالقيم الأمريكية الجوهرية، فيما أعرب قرابة تسعة من كل عشرة ناخبين مسجلين لدى المعسكرين عن قلقهم من أن انتصار الطرف الآخر سيتسبب في "ضرر أبدي" للولايات المتحدة.

تحولت ضوابط وتوازنات السلطة إلى سياسات حق النقض. وكثفت الانقسامات بين الحزبين ممارسات استخدام حق النقض المترسخ في النظام الأمريكي. وتحول فصل وضبط وتوازن السلطة إلى استخدام الحزبين حق النقض ضد بعضهما البعض. خاض الحزبان معارك ضارية عملت على شل الكونجرس وعرقلت عملية صنع القرار. وبينما خرج تفشي كوفيد-19 عن نطاق السيطرة، لم يتعارك الحزبان معا بشأن عدة قضايا أخرى فحسب، بل جعلا من مشروع قانون الجولة الثانية لتدابير الإغاثة من كوفيد-19 أداة لحملاتهما الانتخابية، معطلين ومماطلين بعضهما البعض من أجل الأصوات، ما ترك ملايين الناس العاديين يواجهون أزمة في تأمين أرزاقهم. كما أدت سياسات حق النقض إلى مواجهات حادة بين الكونجرس والنظام الإداري وكذلك بين السلطات على المستويين الفيدرالي والولائي.

وخلال جائحة كوفيد-19، وقعت مواجهات ونزاعات متكررة بين الرئيس الجمهوري ومجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية، وكذا بين الحكومة الفيدرالية و"الولايات الزرقاء" الديمقراطية. تنافست الحكومة الفيدرالية مع الولايات في المسارعة للحصول على إمدادات مكافحة الفيروس، وكانت غالبا على خلاف مع "الولايات الزرقاء" بشأن سياسات الاستجابة للوضع الوبائي، بينما تم ترك الشعب في حالة من الحيرة. وذات مرة رتبت ولاية ماساتشوستس شراء ثلاثة ملايين قناع من نوع "إن95" لتلبية احتياجات عاجلة، لكن السلطات الفيدرالية صادرت الشحنة في ميناء نيويورك.

سلطت أعمال الشغب عقب الانتخابات الضوء على أزمة الديمقراطية الأمريكية. فالانتخابات لم تحل الخلافات السياسية في الولايات المتحدة، بل أججت المواجهات الاجتماعية. وأفاد تقرير نُشر يوم 4 نوفمبر عام 2020 على موقع صحيفة "ذا جارديان" أنه بغض النظر عن الفائز في انتخابات عام 2020، فإن الولايات المتحدة ستظل دولة منقسمة على نحو حاد وأن سياسات الغضب والكراهية ستكون هي الإرث. ومع توجيه اتهامات بأن الانتخابات شهدت العديد من أعمال التزوير، رفض المعسكر الجمهوري المهزوم قبول نتائج الانتخابات الرئاسية ورفع دعاوى قضائية في ميتشيجان وويسكونسين وبنسيلفانيا وجورجيا، داعيا إلى إعادة فرز بطاقات الاقتراع لقلب نتيجة الانتخابات من خلال ممارسة ضغوط على مسؤولي الانتخابات المحليين وتخويفهم. وأصر ترامب مرارا على أنه لن يقبل مطلقا بالهزيمة في الانتخابات، داعيا أنصاره للاحتجاج ضد مصادقة الكونجرس على نتيجة الانتخابات في العاصمة واشنطن. وتحول الخلاف الانتخابي إلى أعمال شغب في نهاية المطاف.

وفي 6 يناير عام 2021، نظم عشرات الآلاف من المحتجين الرافضين لقبول الهزيمة الانتخابية، مظاهرة حملت شعار "أنقذوا أمريكا" في العاصمة واشنطن. وخرق عدد كبير من المحتجين نظام الأمن واقتحموا مبنى الكونجرس، حيث اشتبكوا مع ضباط الشرطة. وتم على وجه السرعة إجلاء أعضاء الكونجرس الأمريكي وهم يرتدون أقنعة الغاز الخاصة بهم، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص لتفريق المحتجين. وتصرف المحتجون على نحو طائش بعد احتلال مبنى الكونجرس. وأسفرت أعمال الشغب عن عدة إصابات وعرقلت تصديق الكونجرس على النصر الانتخابي. وفرضت العاصمة واشنطن حظرا للتجوال ودخلت في حالة طوارئ.

وفي 7 يناير عام 2021، قال ستيفن سوند رئيس شرطة مبنى الكونجرس، إن آلاف الأفراد المتورطين في أعمال شغب عنيفة هاجموا ضباطا بأنابيب معدنية ومهيجات كيميائية وأسلحة أخرى، ما أدى إلى إصابة أكثر من 50 ضابط شرطة. وألقت الشرطة القبض على أكثر من 100 شخص في المجموع. وفي 7 يناير عام 2021، ذكرت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في بيان أن الهجوم على مبنى الكونجرس الأمريكي أبرز بجلاء التأثير المدمر للتشويه المستمر والمتعمد للحقائق والتحريض على العنف والكراهية من قبل قادة سياسيين.

أثارت الفوضى السياسية في واشنطن صدمة لدى العالم. ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية تلك الفوضى بأنها المرة الأولى في التاريخ الأمريكي الحديث التي يتحول فيها انتقال السلطة إلى قتال حقيقي في ممر السلطة بواشنطن. واتهمت العنف والفوضى والتخريب بإصابة الديمقراطية الأمريكية في الصميم وتوجيه ضربة قوية لصورة أمريكا كمنارة للديمقراطية. وعلقت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية قائلة إن حادث العنف أثار الاستياء وعدم الثقة بين مختلف المعسكرات في المجتمع الأمريكي، ودفع أمريكا إلى وضع مجهول.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن الولايات المتحدة تحولت إلى ما اعتاد قادتها إدانته: عدم القدرة على تجنب العنف والتدمير الدموي خلال نقل السلطة. وعلق الدبلوماسي اللبناني محمد صفا عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلا "إذا رأت الولايات المتحدة ما تفعله الولايات المتحدة في الولايات المتحدة، فستقوم الولايات المتحدة بغزو الولايات المتحدة لتحرير الولايات المتحدة من استبداد الولايات المتحدة".

ثالثا، الأقليات العرقية يدمرها التمييز العنصري

توجد العنصرية في الولايات المتحدة على نحو شامل وممنهج ومستمر. وقال الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يائسا إنه "بالنسبة لملايين الأمريكيين، تعد المعاملة بطريقة مختلفة على أساس العرق أمرا ’طبيعيا‘ على نحو مأساوي ومؤلم وباعث على الجنون". وفي يونيو عام 2020، أدلت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بتصريحين إعلاميين متعاقبين، أكدت فيهما على أن الاحتجاجات التي أثارتها وفاة جورج فلويد، وهو أمريكي من أصل أفريقي، لم تسلط الضوء على قضية وحشية الشرطة ضد الأشخاص الملونين فحسب، لكنها أبرزت بجلاء أيضا عدم المساواة والتمييز العرقي في الصحة والتعليم والتوظيف في الولايات المتحدة.

يجب الإصغاء إلى المظالم ومعالجتها إذا أرادت البلاد التخلص من تاريخها المأساوي للعنصرية والعنف. وفي 17 يونيو عام 2020، عَقدت الدورة الـ43 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مناقشةً عاجلة حول العنصرية. وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ مجلس حقوق الإنسان التي يتم فيها عقد اجتماع عاجل حول قضايا حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. وفي 9 نوفمبر تعرضت الولايات المتحدة لانتقاد شديد من قبل المجتمع الدولي بسبب التمييز العنصري وذلك خلال الدورة الثالثة من المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان. وأشارت لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة ومؤسسات أخرى إلى أن العنصرية في الولايات المتحدة مروعة.

يستخدم القوميون البيض والنازيون الجدد وتنظيم كو كلوكس كلان بشكل علني شعارات وهتافات وتحيات عنصرية للترويج لتفوق البيض والتحريض على التمييز والكراهية على أساس عرقي. كان الاستخدام المتزايد للغة الانقسامية ومحاولات تهميش الأقليات العرقية والإثنية والدينية في الخطاب السياسي بمثابة دعوة إلى التحرك، ما سهل العنف وعدم التسامح والتعصب الأعمى. وترى تيندايي أتشيومي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة من العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وأوجه التعصب ذات الصلة، أنه بالنسبة للسود في الولايات المتحدة، فإن النظام القانوني المحلي أخفق تماما في الاعتراف بانعدام العدالة العرقية والتمييز العنصري المترسخين بشدة في إنفاذ القانون ومواجهتهما.

تم انتهاك حقوق الهنود الأمريكيين. تاريخيا، نفذت الولايات المتحدة عمليات إبادة جماعية ومذابح ممنهجة للهنود، وارتكبت جرائم لا حصر لها ضد الإنسانية. ولا يزال الهنود الأمريكيون يعيشون حياة مواطنين من الدرجة الثانية ويتم الجور على حقوقهم. فالعديد من المجتمعات محدودة الدخل في الولايات المتحدة، مثل الهنود الأمريكيين وغيرهم من السكان الأصليين، يعانون من معدلات مرتفعة للإصابة بالسرطان وأمراض القلب جراء البيئات الإشعاعية السامة. ويعيش الكثير من السكان الأصليين بالقرب من مكبات النفايات الخطرة ولديهم معدل مرتفع على نحو غير طبيعي من العيوب الخلقية.

وفي 5 أغسطس عام 2020، شجب تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بآثار الإدارة السليمة بيئيا للمواد والنفايات الخطرة والتخلص منها على حقوق الإنسان، والمقدم بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان 36/15، شجب وضع السكان الأصليين في الولايات المتحدة. وأوضح التقرير أنهم يتعرضون لملوثات سامة منبعثة أو ناتجة عن صناعات استخراجية وأعمال الزراعة والتصنيع وكذلك التخلص من النفايات الناجمة عنها، بما في ذلك نفايات نووية. وأشار إلى أن تلوث التربة والتلوث بغبار الرصاص الناجمين عن نفايات التعدين يشكلان تهديدا صحيا أكثر خطورة للسكان الأصليين في الولايات المتحدة أكثر من أي مجموعات أخرى.

وكشف تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، بمقتضى قرار الجمعية العامة 145/74، كشف أن الولايات المتحدة كانت قد طرحت أراضي سكان أصليين، قبيلة ستاندينج روك سيوكس، للاستثمار دون موافقة ذلك التجمع السكاني أو في انتهاك لملكيتهم العرفية والجماعية للأراضي. وأفاد تقرير المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب، بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان 14/43، أفاد أن بعض التداعيات الأشد تدميرا لكوفيد-19 شعرت بها الأقليات العرقية والإثنية والسكان الأصليون. وفي الولايات المتحدة، بلغ معدل استقبال المستشفيات للأمريكيين الأصليين خمسة أضعاف مثيله للأمريكيين البيض غير اللاتينيين، كما أن معدل الوفاة بين الأمريكيين الأصليين يتجاوز بفارق كبير نظيره بين الأمريكيين البيض.

تصاعد التنمر ضد الأمريكيين الآسيويين. منذ ظهور الجائحة، وقعت في كل مكان حوادث إهانة للأمريكيين الآسيويين وصلت إلى حد الاعتداء عليهم في الأماكن العامة، كما أن بعض الساسة الأمريكيين ضللوا الجمهور عن عمد. وتضمن تقرير نشره موقع صحيفة "ذا نيويورك تايمز" يوم 16 أبريل عام 2020، تضمن عبارة تقول "إنه لشعور حقيقي بالوحدة أن تكون آسيويا في الولايات المتحدة خلال الجائحة المستشرية".

وأظهر مسح عن الشباب الأمريكيين المنحدرين من أصل آسيوي، أنه في العام الماضي أصبح ربع الأمريكيين الآسيويين أهدافا للتنمر العرقي، الذي غذته التصريحات العنصرية للزعيم الأمريكي، وأن زهاء نصف المستطلعة آراؤهم عبروا عن تشاؤمهم حيال وضعهم، فيما أبدى ربع المشاركين بالمسح الخشية إزاء وضعهم ووضع أسرهم، وفقا لتقرير نشره الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة الوطنية في 17 سبتمبر عام 2020.

وفي 23 مارس و 21 أبريل من عام 2020، ذكرت تيندايي أتشيومي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة من العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وأوجه التعصب ذات الصلة، أن ساسة دول معنية بادروا بإطلاق تصريحات مباشرة أو تلميحية معادية للأجانب، مستخدمين أسماء بديلة ذات دوافع خفية لفيروس كورونا الجديد، مشيرة إلى أن تصريحاتهم التي ربطت مرضا معينا بدولة أو إثنية بعينها كانت غير مسؤولة ومقلقة، وأن مسؤولين حكوميين أمريكيين حرضوا علانية وقادوا وتغاضوا عن التمييز العنصري، وهو ما يرقى إلى ازدراء المفاهيم الحديثة لحقوق الإنسان.

أبرز المعدل المرتفع لجرائم الكراهية تدهور العلاقات بين العرقيات. وكشف تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي صدر في عام 2020 أن 57.6 بالمئة من 8302 جريمة كراهية بدافع التحيز الفردي سجلتها وكالات إنفاذ القانون في عام 2019، كانت بدافع التحيز للعرق/الإثنية/السلالة. ومن بين تلك الجرائم، كانت 48.4 بالمئة منها مدفوعة بالتحيز المناهض للسود أو الأمريكيين الأفارقة و 15.8 بالمئة منها نابعة من التحيز المناهض للبيض و 14.1 بالمئة منها مصنفة بأنها تحيز مناهض للاتينيين و 4.3 بالمئة ناتجة عن التحيز المناوئ للآسيويين.

ومن بين 4930 ضحية لجرائم الكراهية العنصرية، كان هناك 2391 ينحدرون من أصول أفريقية. وبحسب تقرير نشره موقع صحفية "يو.إس.أيه توداي" في 20 مايو فإن بعض الأمريكيين أنحوا باللائمة في تفشي الجائحة على الأمريكيين الآسيويين، وإن هناك عددا متزايدا من جرائم الكراهية وحوادث المضايقة والتمييز ضد الأمريكيين الآسيويين. وكشفت إحصاءات من منظمة الحقوق المدنية "Stop AAPI Hate" أنه كان هناك أكثر من 2300 جريمة كراهية مناهضة للآسيويين في الولايات المتحدة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2020.

العنف الشرطي غير المنضبط أفضى إلى وفيات متعددة بين الأمريكيين الأفارقة. في 13 مارس عام 2020، قُتلت بريونا تايلور، وهي سيدة أمريكية من أصل أفريقي عمرها 26 عاما، برصاص الشرطة في منزلها، حيث وُجهت إليها ثماني رصاصات. وفي 25 مايو عام 2020، قُتل جورج فلويد، وهو أمريكي من أصل أفريقي عمره 46 عاما، بعد أن جثا شرطي أبيض على عنقه في الشارع. وفي 23 أغسطس عام 2020، تعرض جاكوب بلاك، وهو أمريكي من أصل أفريقي عمره 29 عاما، لإصابات بالغة بعد أن قام ضباط شرطة بإطلاق سبع رصاصات عليه في ظهره بينما كان بلاك يحاول استقلال سيارة. وفي ذلك الوقت، كان أطفال بلاك الثلاثة داخل السيارة يشاهدون هذا المشهد المروع. وقتلت الشرطة الأمريكية برصاصها 1127 شخصا خلال عام 2020، حيث لم تُسجل عمليات قتل خلال 18 يوما فقط، وفق ما ذكرت "مجموعة رسم خرائط عنف الشرطة".

يشكل الأمريكيون الأفارقة 13 بالمئة من تعداد سكان الولايات المتحدة، لكنهم مثلوا 28 بالمئة من أولئك الذين قُتلوا على يد الشرطة. فالأمريكيون الأفارقة أكثر عرضة بنحو ثلاثة أضعاف للقتل على يد الشرطة مقارنة مع نظرائهم البيض. وخلال الفترة من عام 2013 إلى عام 2020، لم يُوجه اتهام بارتكاب جريمة ضد 98 بالمئة من أفراد الشرطة المتورطين في قضايا إطلاق نار، بينما كان عدد المدانين أقل من ذلك.

تضرر الملونون بشكل أكبر جراء الجائحة. كشف معدل الإصابة ومعدل الوفاة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة عن اختلافات عرقية كبيرة، حيث كان معدل الإصابة، ودخول المستشفى، والوفاة بين الأمريكيين الأفارقة ثلاثة أضعاف وخمسة أضعاف وضعفي المعدل بين نظرائهم البيض على الترتيب، وفق ما ذكر تقرير قدمته مجموعة خبراء العمل بشأن المنحدرين من أصل أفريقي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 21 أغسطس عام 2020.

وأفاد تقرير نشره موقع صحيفة "فاينانشيال تايمز" يوم 15 مايو عام 2020 أنه "لا شيء يبرز حدة التفاوتات المرتبطة بلون البشرة في الولايات المتحدة أكثر من الحياة والموت خلال الإغلاق الكبير". وامتدت التباينات العرقية بشأن فيروس كورونا في الولايات المتحدة لتطال الأطفال، وفق تقارير أصدرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في 7 أغسطس عام 2020. وبلغ معدل دخول الأطفال اللاتينيين المصابين بكوفيد-19 إلى المستشفيات ثمانية أضعاف المعدل للأطفال البيض، بينما بلغ معدل دخول الأطفال المنحدرين من أصل أفريقي إلى المستشفيات خمسة أضعاف المعدل بين نظرائهم البيض.

وفي خبر تم نشره في 10 يوليو عام 2020، نقلت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" عن باربارا فيرير، مديرة الصحة العامة في مقاطعة لوس أنجلوس، قولها إن التأثير غير المتناسب لفيروس كورونا على المقيمين المنحدرين من أصول أفريقية ولاتينية، تمتد جذوره إلى تأثير العنصرية والتمييز في الوصول إلى الموارد والفرص اللازمة للتمتع بصحة جيدة".

وأورد مقال نشرته صحيفة "يو.إس.أيه توداي"، أن كوفيد-19 حصد من أرواح الأمريكيين الملونين أعدادا تفوق بكثير ما حصده من أعداد الأمريكيين البيض، وهو ما قد يُعزى إلى عدم المساواة في الأنظمة التعليمية والاقتصادية الأمريكية التي تترك الملونين على نحو غير متكافئ بعيدين عن وظائف ذات دخل أعلى، والتمييز في السكن الذي يجمع الملونين في أحياء شديدة الاكتظاظ، فضلا عن سياسات بيئية صاغها سماسرة السلطة من البيض على حساب الفقراء. وبحسب بيانات جمعتها صحيفة "يو.إس.أيه توداي" فإنه من بين المقاطعات الأمريكية العشر ذات المعدلات الأعلى للوفاة جراء كوفيد-19، هناك سبع مقاطعات تقطنها أغلبية من الملونين، ومن بين أكبر 50 مقاطعة من حيث معدلات الوفاة، هناك 31 مقاطعة أغلب سكانها من الملونين.

واجه الملونون تهديدا أكبر بالبطالة. وعلق مقال نشرته صحيفة "ذا جارديان" في 28 أبريل عام 2020، بأن ظاهرة "آخر المُعينين، أول المفصولين" مثلت الواقع الأكثر إثارة للإحباط بين الأمريكيين الأفارقة. وكشف تقرير أصدرته وزارة العمل الأمريكية في 8 مايو عام 2020، أن معدل البطالة بين الأمريكيين الأفارقة واللاتينيين ارتفع إلى 16.7 بالمئة و 18.9 بالمئة على الترتيب في شهر أبريل، وأن كلا الرقمين سجل بذلك مستوى قياسيا. وأفادت صحيفة "ذا واشنطن بوست" في 4 يونيو عام 2020، أنه بعد الإغلاق الكبير في فصل الربيع، كان أقل من نصف جميع الأمريكيين الأفارقة البالغين لديهم وظيفة. وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية في سبتمبر أن معدل البطالة بين الأمريكيين الأفارقة يكاد يقارب ضعفي المعدل بين نظرائهم من البيض.

وأفادت صحيفة "ذا كريستيان ساينس مونيتور" في 20 يوليو عام 2020، أن قادة النقابات العمالية دعوا إلى إضراب عمالي وطني في أكثر من عشرين مدينة أمريكية احتجاجا على العنصرية الممنهجة وانعدام المساواة الاقتصادية، واللذين تفاقمت حدتهما خلال جائحة فيروس كورونا الجديد.

التمييز العنصري المنهجي قائم في إنفاذ القانون والعدالة. أورد موقع صحيفة "كورير جورنال" في 17 ديسمبر عام 2020، أنه رغم أن الأمريكيين الأفارقة يشكلون زهاء 20 بالمئة ممن هم في سن القيادة من سكان لويفيل، إلا أنهم مثلوا 57 بالمئة من عمليات التفتيش عن مواد مهربة، رغم أن الشرطة وجدت مواد مهربة في 72 بالمئة من عمليات التفتيش لدى البيض، بالمقارنة مع 41 بالمئة لدى الأمريكيين الأفارقة. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، شكل الأمريكيون الأفارقة 43.5 بالمئة من عمليات التوقيف من قبل إدارة شرطة مترو لويفيل. ويمثل الأمريكيون الأفارقة قرابة 13 بالمئة من تعداد سكان الولايات المتحدة، لكنهم يشكلون زهاء ثلث نزلاء السجون في البلاد، وهو ما يعني أن هناك أكثر من ألف سجين أمريكي من أصل أفريقي بين كل 100 ألف من الأمريكيين المنحدرين من أصل أفريقي.

يشكل الشباب الملونون نحو ثلث المراهقين في الولايات المتحدة، لكنهم يمثلون ثلثي الشباب المسجونين، وفق تقرير أصدره "المؤتمر الوطني للمجالس التشريعية على مستوى الولايات" في 15 يوليو عام 2020. وأفادت "إذاعة آيوا الإخبارية العامة" في 18 ديسمبر عام 2020، أنه في سجون آيوا يصل معدل السجن بين السكان المنحدرين من أصول أفريقية في الولاية إلى 11 ضعفا للمعدل بين سكانها من البيض. وأن المنحدرين من أصول أفريقية بالمقارنة مع البيض قد يواجهون حكما بالسجن لمدة أطول على نفس الجريمة. وأفادت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في 15 سبتمبر عام 2020، أن الأمريكيين الأفارقة أكثر حضورا في صفوف الوفيات في أنحاء الولايات المتحدة وأن من يَقتلون الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية أقل عرضة لمواجهة عقوبة الإعدام مقارنة مع الأشخاص الذين يقتلون أشخاصا من البيض.

وذكرت "ديفيس فانجارد" في 4 ديسمبر عام 2020 أن الأشخاص الملونين يشكلون نسبة غير متكافئة تبلغ 43 بالمئة من حالات الإعدام في الولايات المتحدة منذ عام 1976، وأن 55 بالمئة من المدعى عليهم الذين ينتظرون حاليا تنفيذ حكم الإعدام بحقهم هم من الملونين. وأوردت مقالة نشرتها صحيفة "ميامي هيرالد" في 18 ديسمبر عام 2020، عبارة تقول "إننا نعيش في بلد يتم فيه تحديد نظامنا للعدالة الجنائية على حسب حجم محفظتك ولون بشرتك. ولا يتجلى ذلك بشكل أبرز مما هو عليه في عقوبة الإعدام".

التمييز العرقي في أماكن العمل كان متجذرا بعمق. ووفقا لتقرير نشرته شبكة "سي.بي.إس نيوز" يوم 7 أكتوبر عام 2020، فإن أكثر من عشرين من العملاء السود الحاليين والسابقين الذين تمت مقابلتهم تحدثوا عن نوع من التمييز العنصري أثناء عملهم في مكتب التحقيقات الفيدرالي. وبالنسبة لأهم عشرة مناصب قيادية في مكتب التحقيقات الفيدرالي، فجميعها يشغلها البيض. وفي الوقت الراهن، فإن أربعة بالمئة فقط من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي البالغ عددهم 13 ألف عميل، هم من السود، كما أن النساء من السود يمثلن واحدا بالمئة فقط، وهو رقم يكاد يكون ثابتا منذ عقود. وثمة مشاكل طويلة الأمد مثل الاستبعاد غير المتناسب للمتقدمين لشغل وظائف من السود خلال عملية التدريب. وبصفته رئيسا للجنة تنوع شؤون السود في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وصف إريك جاكسون ذلك الوضع بـ"العنصرية المؤسسية".

وكشف تقرير نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في 2 يوليو عام 2020، أن شركة فيسبوك اتُهمت بالتمييز الممنهج خلال توظيف السود وتعويضهم وترقيتهم. وأظهرت أرقام فيسبوك أن 1.5 بالمئة فقط من الموظفين الذين يضطلعون بأدوار تقنية في الولايات المتحدة كانوا من السود في عام 2019، وأن 3.1 بالمئة فقط من القيادات العليا كانوا من السود. ولم تتغير هذه النسب المئوية إلا بقدر ضئيل رغم أن الشركة أضافت عشرات الآلاف إلى قوتها العاملة التي نمت بنسبة 400 بالمئة على مدار الأعوام الخمسة المنصرمة.

التمييز الاجتماعي ضد الأقليات العرقية صار متفشيا. وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" و شبكة "إن.بي.سي نيوز" وتم نشره في 9 يوليو عام 2020، أن العديد من الناخبين الأمريكيين، 56 بالمئة على وجه التحديد، يعتقدون أن المجتمع الأمريكي عنصري وأن السود واللاتينيين يتعرضون للتمييز. وأفاد تقرير نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" يوم 14 يوليو عام 2020، أنه بعد حادث وفاة جورج فلويد، أدرك المزيد من الأمريكيين البيض التمييز العنصري الخطير في الولايات المتحدة. وأظهر مسح أن المستطلعة آراؤهم من البيض باتوا أكثر قابلية، بواقع 18 نقطة إضافية، للاعتقاد بأن الأمريكيين السود يتعرضون للتمييز بشكل متكرر (لترتفع النسبة من 22 إلى 40 بالمئة)، كما أصبحوا أكثر احتمالية، بمعدل 10 نقاط إضافية، للاعتقاد بأن اللاتينيين يتعرضون للتمييز بشكل متكرر (لتزيد النسبة من 22 بالمئة إلى 32 بالمئة)، وصاروا أكثر ميلا، بواقع 13 نقطة إضافية، للاعتقاد بأن الآسيويين يتم التمييز ضدهم بشكل متكرر (لتصعد النسبة من 7 بالمئة إلى 20 بالمئة).

انعدام المساواة بين العرقيات ازداد تفاقما. كشف باحثون من جامعة شيكاغو وجامعة نوتردام، أن معدل الفقر في الولايات المتحدة قفز بواقع 2.4 نقطة مئوية خلال الفترة من يونيو إلى نوفمبر عام 2020، بينما ارتفع معدل الفقر بين الأمريكيين الأفارقة بواقع 3.1 نقطة مئوية. وأظهرت الإحصاءات أن متوسط ثروة الأسرة البيضاء (تُقاس بإجمالي الأصول المملوكة للعائلة مطروحا منه إجمالي ديون الأسرة) يعادل 41 ضعفا لمتوسط ثروة الأسرة المنحدرة من أصل أفريقي ويوازي 22 ضعفا لمتوسط ثروة الأسرة المنحدرة من أصل لاتيني.

وفي 13 أكتوبر عام 2020 ذكرت وكالة "أسوشييتد برس"، نقلا عن بيانات صادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أن 33.5 بالمئة فقط من الأسر الأمريكية المنحدرة من أصل أفريقي كانت تمتلك أسهما مالية في عام 2019، مقارنة مع نسبة بلغت نحو 61 بالمئة للأسر الأمريكية البيضاء. وكشفت صحيفة "يو.إس.أيه توداي" في 23 أكتوبر عام 2020 أنه خلال الربع الأول من عام 2020، بلغ المعدل الوطني لملكية المنازل بالنسبة للأسر الأمريكية البيضاء 73.7 بالمئة قياسا إلى 44 بالمئة فقط للأسر الأمريكية المنحدرة من أصول أفريقية. وأوردت صحيفة "ذا واشنطن بوست" في 4 يونيو عام 2020، أن أكثر من أسرة واحدة من بين كل خمس أسر أمريكية منحدرة من أصول أفريقية تبلغ حاليا عن أنها غالبا أو أحيانا لا تجد ما يكفيها من الطعام -- وهو ما يزيد على ثلاثة أضعاف المعدل بالنسبة للأسر الأمريكية البيضاء. وذكر تقرير لشبكة "أيه.بي.سي نيوز" في 11 أكتوبر عام 2020، أن 15.7 بالمئة من المنحدرين من أصل لاتيني عاشوا في فقر في عام 2019، وهو رقم يتجاوز ضعفي المعدل لنظرائهم البيض.

رابعا، الاضطرابات الاجتماعية المتواصلة تهدد السلامة العامة

أخفقت الحكومة في الحفاظ على القانون والنظام المناسبين، وسجلت حوادث إطلاق النار وجرائم العنف، التي كانت تقع بمعدل مرتفع بالفعل، مستويات قياسية جديدة خلال جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى حالة من الذعر بين عامة الناس. وأثار لجوء الشرطة غير المنضبط للعنف خلال إنفاذ القانون، موجات من الاحتجاجات عمت أرجاء البلاد. وأساءت الشرطة استخدام قوتها لقمع المحتجين، وقامت على نطاق واسع بالاعتداء على صحفيين وتوقيفهم، ما أجج بشكل أكبر الغضب العام والاضطرابات الاجتماعية المتواصلة.

شهدت معدلات الجريمة ارتفاعا وسط الجائحة. بينما تراجعت على نحو حاد الأنشطة في الأماكن المفتوحة نتيجة تدابير الاستجابة المختلفة للوباء، ارتفعت معدلات الجريمة في المدن الكبرى خلال الجائحة. وبحسب تقرير الجريمة الموحد الأولي لمكتب التحقيقات الفيدرالي الصادر في سبتمبر عام 2020، فإنه خلال النصف الأول من العام الماضي، ارتفع عدد جرائم القتل والقتل غير العمد بواقع 14.8 بالمئة على أساس سنوي، مع تسجيل المدن التي يتراوح عدد قاطنيها بين 250 ألفا و 500 ألف نسمة، زيادة بنسبة 26 بالمئة. وخلال ذات الفترة زاد عدد جرائم الحرق العمد بنسبة 19 بالمئة على أساس سنوي، فيما ارتفعت تلك الجرائم بنسبة 52 بالمئة في المدن التي يصل عدد سكانها إلى مليون نسمة فأكثر. وقفز عدد جرائم القتل في شيكاغو بنسبة 37 بالمئة، فيما ارتفع عدد حرائق العمد في المدينة بمعدل 52.9 بالمئة. وسجلت مدينة نيويورك ارتفاعا بنسبة 23 بالمئة في جرائم القتل، بينما شهدت لوس أنجلوس زيادة بواقع 14 بالمئة في جرائم القتل.

عدد جرائم العنف بقي عند مستوى مرتفع. بحسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي الصادرة في عام 2020، فإن ما يقدر بـ 1.2 مليون جريمة عنف وقعت في الولايات المتحدة في عام 2019، بينها 16425 جريمة قتل و139815 جريمة اغتصاب و267988 عملية سطو و821182 اعتداء خطيرا، وهو ما يترجم إلى خمس جرائم قتل وأكثر من 40 جريمة اغتصاب و80 عملية سطو و250 اعتداء خطيرا لكل 100 ألف من السكان.

مبيعات الأسلحة وحوادث إطلاق النار سجلت مستويات قياسية جديدة. كشفت دراسة من جامعة كاليفورنيا-ديفيس، أن الزيادة الكبيرة في عنف الأسلحة النارية في الولايات المتحدة مرتبطة بارتفاع شراء الأسلحة في ضوء تفشي فيروس كورونا الجديد. فمع تنامي الخوف من الفيروس، دفع شعور بعدم الاستقرار حتى الأشخاص الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ضد شراء الأسلحة، دفعهم لشراء أسلحة لأول مرة. وأوردت صحيفة "ذا واشنطن بوست" على موقعها الإلكتروني في يوم 19 يناير عام 2021، أن عمليات الإغلاق جراء كوفيد-19 والاحتجاجات المناهضة للعنصرية والصراعات الانتخابية أدت جميعها إلى مبيعات قياسية للأسلحة بلغت نحو 23 مليون قطعة سلاح في عام 2020، بزيادة 64 بالمئة مقارنة مع مبيعات عام 2019. ووفقا للمؤسسة الوطنية لرياضات الرماية فإن أرقام عام 2020 تتضمن عمليات شراء قام بها 8 ملايين شخص اشتروا السلاح لأول مرة.

وذكرت صحيفة "يو.إس.أيه توداي" على موقعها الإلكتروني يوم 18 ديسمبر عام 2020، أنه فيما يتعلق بجرائم القتل بالأسلحة، فإن الولايات المتحدة سجلت على نحو تاريخي معدلا يزيد بواقع 25 ضعفا عن الدول الغنية الأخرى. وبحسب بيانات من أرشيف العنف المسلح، فإن أكثر من 41500 شخص قتلوا جراء العنف المسلح في أرجاء البلاد خلال عام 2020، بمتوسط يزيد على 110 أشخاص في اليوم الواحد، وهو ما يعد مستوى قياسيا. كما وقع 592 حادث إطلاق نار جماعي في أنحاء البلاد، بمتوسط يزيد على 1.6 حادث يوميا. وأسفرت حوادث إطلاق نار في مقاطعة تشاتام في نورث كارولينا، ومقاطعة ريفرسايد في كاليفورنيا، ومقاطعة مورجان في آلاباما عن إزهاق أرواح سبعة أشخاص في كل منها. كما كانت هناك نهاية أسبوع مميتة في شيكاغو في أواخر مايو من عام 2020، حيث أصيب 85 شخصا في إطلاق نار، وكانت بينهم 24 إصابة قاتلة. وبعد ظهر يوم 9 يناير عام 2021، قام جاسون نايتنجال البالغ من العمر 32 عاما، بإطلاق النار بشكل عشوائي في شيكاغو، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أربعة آخرين.

وفاة جورج فلويد جراء وحشية الشرطة أثارت الاضطرابات. في 25 مايو عام 2020، توفي جورج فلويد، وهو أمريكي من أصل أفريقي عمره 46 عاما من ولاية مينيسوتا، بعد أن جثا ضابط شرطة أبيض على عنقه لمدة ثماني دقائق خلال القبض عليه بتهمة التزوير. وقال جاكوب فراي، عمدة مينيابوليس، إن ما شاهده كان "خطأ على كل المستويات"، مشيرا إلى أنه "كونك أسود في أمريكا لا يجب أن يكون حكما بالإعدام". وقال بن كرامب محامي الحقوق المدنية في بيان إن "هذا الاستخدام السيئ والمفرط واللاإنساني للقوة أزهق حياة رجل كان يجري توقيفه من قبل الشرطة للاستجواب بشأن تهمة غير عنيفة".

وقالت كريستين كلارك، الرئيسة والمديرة التنفيذية للجنة المحامين الوطنية للحقوق المدنية بموجب القانون "إن أعماق اليأس هائلة الآن بالنسبة للمنحدرين من أصل أفريقي في هذه البلاد. يتراكم لديك العنف غير المنضبط من قبل الشرطة، وهو ما يجهز لعاصفة بكل معنى الكلمة". وأثارت وحشية الشرطة غضبا عارما، أدى إلى احتجاجات لدعم حركة "حياة السود مهمة" في أنحاء الولايات المتحدة وكذلك في العديد من البلدان الأخرى. وتصاعدت الاضطرابات في أنحاء البلاد، حيث قام المحتجون بإغلاق الشوارع ووضع الحواجز لمواجهة الشرطة. وتعرض عدد كبير من مراكز الشرطة والمؤسسات العامة ومراكز التسوق للنهب. وأوردت صحيفة "ذا جارديان" على موقعها الإلكتروني يوم 8 يونيو عام 2020، أنه منذ وفاة جورج فلويد على يد الشرطة، فإن نحو 140 مدينة في جميع الولايات الخمسين في أنحاء الولايات المتحدة، شهدت احتجاجات وتظاهرات ردا على عملية القتل هذه.

تم قمع المتظاهرين بالقوة. وفي مواجهة المظالم العامة العميقة، صب زعيم الإدارة الأمريكية آنذاك الزيت على النار بنشر عدد كبير من جنود الحرس الوطني في أنحاء البلاد والدعوة إلى إطلاق النار. ومع استهدافهم بالرصاص المطاطي المتطاير والغاز المسيل للدموع في مواقع التظاهرات، شعر الناس بالرعب وسقط المجتمع في حالة من الفوضى. كان العملاء الفيدراليون الأمريكيون يلقون القبض على المحتجين دون سبب على ما يبدو. وأُلقي القبض على أكثر من 10 آلاف شخص، بينهم العديد من الأبرياء. وأدى إعلان مقتل بريونا تايلور، وهي سيدة أمريكية من أصل أفريقي، خلال مداهمة للشرطة إلى تأجيج موجة متجددة من احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" خلال عام 2020، حيث أعلنت مدينة لويفيل وحدها عن توقيف 435 فردا خلال الاحتجاجات. وذكرت صحيفة "ذا جارديان" على موقعها الإلكتروني يوم 29 أكتوبر عام 2020 أن ما لا يقل عن 950 حادثا يدلل على وحشية الشرطة ضد المدنيين والصحفيين وقعت خلال الاحتجاجات المناوئة للعنصرية منذ مايو 2020. واستخدمت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع "والقوة المميتة غير القانونية" ضد المحتجين.

تعرض الصحفيون لاعتداءات غير مسبوقة من قبل قوات إنفاذ القانون. وكان هناك ما لا يقل عن 117 عملية توقيف أو اعتقال لصحفيين خلال قيامهم بتغطية الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في الولايات المتحدة في عام 2020، بزيادة بنسبة 1200 بالمئة مقارنة مع أرقام عام 2019. ونشرت صحيفة "ذا جارديان" على موقعها الإلكتروني يوم 5 يونيو عام 2020، أن الصحفيين تعرضوا للضرب والرش برذاذ الفلفل وتوقيف الشرطة لهم بأعداد لم توثق مطلقا من قبل في الولايات المتحدة. وكانت هناك 148 عملية توقيف أو اعتداء على صحفيين في البلاد خلال أسبوع واحد بعد حادث مقتل جورج فلويد، وهو ما يتجاوز ما تم تسجيله خلال السنوات الثلاث السابقة مجتمعة. وذكرت لجنة حماية الصحفيين في بيان صدر في 14 ديسمبر عام 2020، أن الصحفيين الأمريكيين واجهوا اعتداءات غير مسبوقة في عام 2020، كان أغلبها على يد قوات إنفاذ القانون.

خامسا، الاستقطاب المتنامي بين الأغنياء والفقراء يفاقم انعدام المساواة الاجتماعية

دفع وباء كوفيد-19 الولايات المتحدة إلى أسوأ انكماش اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أوصد عدد كبير من الشركات الأبواب، وفقد العمال وظائفهم، واتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وصارت حياة الناس في قاع المجتمع بائسة.

اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء. نشر موقع "بلومبيرج" في 8 أكتوبر عام 2020، أن أغنى 50 أمريكيا يمتلكون الآن ثروة تضاهي تقريبا ما بحوزة أفقر 165 مليون فرد في البلاد. وأن أغنى واحد بالمئة من الأمريكيين لديهم قيمة صافية إجمالية من الثروة تعادل 16.4 ضعف ما يمتلكه أفقر 50 بالمئة من سكان البلاد. وفاقم الوباء من انعدام المساواة في توزيع الثروة. وأفاد موقع "فوربس" في 11 ديسمبر عام 2020، أنه خلال الأشهر التي سبقت الجائحة، ارتفع صافي القيمة المجمعة من الثروة لدى أصحاب المليارات في الولايات المتحدة والبالغ عددهم 614 مليارديرا، ارتفع بواقع 931 مليار دولار أمريكي. وقفز معدل الفقر في الولايات المتحدة إلى 11.7 بالمئة في نوفمبر عام 2020 من 9.3 بالمئة في يونيو، وفق ما ذكر باحثون من جامعة شيكاغو وجامعة نوتردام.

أدى الوباء الخارج عن السيطرة إلى بطالة جماعية. كانت سرعة ونطاق عمليات إغلاق الأعمال وفقدان الوظائف خارج نطاق المقارنة، وفق ما ذكر تقرير نشره موقع صحيفة "ذا واشنطن بوست" يوم 9 مايو عام 2020. وفقد نحو 20.5 مليون شخص وظائفهم بشكل مفاجئ، وهو ما يعادل نحو ضعفي ما سجلته البلاد خلال فترة الأزمة المالية بأكملها والتي امتدت من عام 2007 إلى عام 2009. وفي أبريل عام 2020، ارتفع معدل البطالة إلى 21.2 بالمئة في صفوف الحاصلين على شهادات دون الثانوية العامة، وهو ما تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل خلال الركود العظيم. وأورد موقع صحيفة "يو.إس.أيه توداي" في 8 أغسطس عام 2020، أن 33 منطقة حضرية في الولايات المتحدة سجلت معدل بطالة يزيد على 15 بالمئة في يونيو عام 2020، فضلا عن أن نحو 11.5 مليون امرأة أمريكية فقدن وظائفهن بين فبراير ومايو عام 2020.

عانى عشرات ملايين الناس من نقص الغذاء خلال الوباء. ذكر تقرير تحليلي تم تحديثه في أكتوبر عام 2020 من قبل منظمة "فيدينج أميركا"، أن أكثر من 50 مليون شخص -- أي واحد من كل ستة أمريكيين، بينهم طفل من كل أربعة أطفال -- ربما عانوا من انعدام الأمن الغذائي خلال عام 2020. وأفاد موقع صحيفة "ذا جارديان" في 25 نوفمبر عام 2020، أنه على مستوى البلاد ارتفع الطلب على المساعدات الغذائية بنحو 60 بالمئة مقارنة مع أوقات ما قبل الجائحة، وأن ملايين الأمريكيين يَلزمهم الاعتماد على الأعمال الخيرية لوضع عشاء عيد الشكر على موائدهم في عام 2020.

تراجعت تغطية التأمين الصحي. لا يوجد في الولايات المتحدة تأمين صحي شامل بسبب الاستقطاب السياسي. وعلى وقع الوباء، تقلص على نحو حاد عدد الأشخاص الذين يتمتعون بتأمين صحي. وخلال الفترة من مارس إلى مايو عام 2020، فقد ما يقدر بـ27 مليون أمريكي تغطية التأمين الصحي أثناء الجائحة. وفي ولاية تكساس وحدها، ارتفع عدد غير المؤمن عليهم صحيا من 4.3 مليون شخص إلى نحو 4.9 مليون، وهو ما يعني أن ثلاثة من كل 10 أفراد من سكان تكساس، خارج مظلة التأمين الصحي.

الفجوة التكنولوجية فاقمت انعدام المساواة في التعليم. في عام 2018، عاش نحو 17 مليون طفل في منازل غير متصلة بالإنترنت، كما كان هناك أكثر من سبعة ملايين طفل ليست لديهم حواسيب في المنزل، وفق ما ذكر تقرير حلل بيانات تعداد السكان لذلك العام. وأفاد موقع صحيفة "بوليتيكو" في 23 سبتمبر عام 2020، أن واحدا من كل ثلاثة طلاب في مدينة بالتيمور، التي تبعد ساعة واحدة فقط بالسيارة عن مبنى الكونجرس الأمريكي، ليس لديه جهاز حاسوب. وهناك أسرة واحدة من بين كل ثلاث أسر منحدرة من أصول أفريقية أو لاتينية أو هندية ليس لديها إنترنت بالمنزل. وبينما أضحى التعليم عبر الإنترنت نمطا تعليميا سائدا خلال الوباء، فإن أطفال الفئات محدودة الدخل وأطفال الأقليات العرقية، مقارنة مع نظرائهم الأكثر ثراء، أقل احتمالية لامتلاك التكنولوجيا والبيئات المنزلية المناسبة للتمتع بدراسة مستقلة وذلك نظرا لخلفياتهم الأسرية، ومن ثم فهم في وضع غير موات للتعلم الإلكتروني، وهو ما يفاقم الهوة التعليمية الناجمة عن الفقر وانعدام المساواة العرقية.

سادسا، الدوس على القواعد الدولية يفضي إلى كوارث إنسانية

في وقت تشتد فيه حاجة العالم إلى الوحدة لمكافحة جائحة كوفيد-19، تصر الولايات المتحدة على المضي قدما في تطبيق أجندة "أمريكا أولا" والانعزالية والأحادية وفرض عقوبات بشكل تعسفي والتنمر على المنظمات الدولية وتهديدها وإساءة معاملة طالبي اللجوء، وهو ما جعل البلاد أكبر مثير للمشاكل على صعيد الأمن والاستقرار العالميين.

انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية. وسعيا للتنصل من مسؤوليتها إزاء تدابيرها الكارثية على صعيد مكافحة الجائحة، حاولت إدارة ترامب تحويل منظمة الصحة العالمية إلى كبش فداء من خلال اختلاق اتهامات كاذبة ضد المنظمة. وفي 14 أبريل عام 2020، أعلنت الحكومة الأمريكية تعليقها دفع مستحقات منظمة الصحة العالمية، وهو ما لقي انتقادا بالإجماع من قبل المجتمع الدولي. وأصدر أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، بيانا في 14 أبريل عام 2020، قال فيه إنه في الوقت الذي يكافح فيه العالم جائحة كوفيد-19، فإنه ليس من المناسب تقليص الموارد اللازمة لمنظمة الصحة العالمية أو أي منظمات أو عمليات إنسانية أخرى.

وفي 15 أبريل عام 2020، صرح باتريس هاريس، رئيس الجمعية الطبية الأمريكية، أن مكافحة الجائحة تتطلب تعاونا دوليا وأن تعليق الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية في هذه اللحظة الحرجة خطوة خطيرة في الاتجاه الخاطئ. وفي 15 أبريل عام 2020، نشر موقع صحيفة "ذا جارديان" مقالة افتتاحية ذكرت أنه في الوقت الذي يحتاج فيه العالم بصورة ماسة إلى التغلب معا على هذا التهديد الذي لم يشهده العالم من قبل على الإطلاق، يعد تعليق الحكومة الأمريكية لمستحقات منظمة الصحة العالمية عملا يفتقر إلى الأخلاق ويعرقل النظام العالمي، فضلا عن كونه خيانة شنيعة للتضامن العالمي. وفي يوليو عام 2020، أعلنت إدارة ترامب بصفاقة انسحابها من منظمة الصحة العالمية رغم معارضة المجتمع الدولي.

تخلت الولايات المتحدة عن التزاماتها وانسحبت من اتفاقية باريس للمناخ. كان يتعين على الولايات المتحدة، بوصفها أكبر باعث تراكمي لغازات الاحتباس الحراري في العالم، الاضطلاع بأكبر قدر من مسؤولية تقليص الانبعاثات استنادا إلى مبدأ مسؤوليات مشتركة لكن متفاوتة. بيد أن الولايات المتحدة عكست بلا ضمير مسار عجلة التاريخ وانسحبت رسميا من اتفاقية باريس للمناخ في 4 نوفمبر عام 2020 لتصبح الدولة الوحيدة من بين زهاء 200 طرف مُوقع، التي تنسحب من الاتفاقية. وأجمع المجتمع الدولي على أن الخطوة الأمريكية قصيرة النظر سياسيا وخاطئة علميا وغير مسؤولة أخلاقيا.

وقالت ناتالي ماهوالد، عالمة المناخ بجامعة كورنيل والمؤلفة المشاركة لتقارير الأمم المتحدة حول الاحتباس الحراري العالمي، "إن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ قد يقلص الجهود الرامية إلى التخفيف من تأثيرات تغير المناخ، ومن ثم قد يزيد عدد الناس الذين يكون وضعهم بين الحياة والموت جراء تداعيات التغير المناخي".

أعمال التنمر هددت المنظمات الدولية. في 11 يونيو عام 2020، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات اقتصادية وقيودا على السفر ضد موظفي المحكمة الجنائية الدولية وأفراد أسرهم لقيامهم بالتحقيق في احتمالية ارتكاب جنود وضباط استخبارات أمريكيين جرائم حرب في أفغانستان وأماكن أخرى. وذكر مقال نشر على الموقع الإلكتروني لـ "يو.إن نيوز" في 25 يونيو عام 2020، أن العقوبات الأمريكية ضد موظفي المحكمة الجنائية الدولية هي "اعتداء مباشر على الاستقلال القضائي للمؤسسة". وفي 19 يونيو عام 2020، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا يدين بشدة وحشية الشرطة التي أودت بحياة جورج فلويد، الأمريكي المنحدر من أصل أفريقي. ونقلا عن تصريحات لمجموعات معنية بحقوق الإنسان، ذكرت وكالة "أيه.إف.بي" أن النسخة النهائية للقرار، وبسبب "الضغط القوي"، حذفت الدعوة إلى المزيد من التحقيقات وتخلت عن أي ذكر للعنصرية ووحشية الشرطة في الولايات المتحدة.

ومن خلال التنمر على دول أخرى، خففت الولايات المتحدة من لهجة القرار وهربت مجددا من تحقيقات دولية، وسارت في اتجاه مناوئ للأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية وضحايا عنف الشرطة بالبلاد، وفق ما ذكر الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية.

العقوبات أحادية الجانب فاقمت الأزمة الإنسانية. في تلك اللحظة الحاسمة التي تتفشى فيها جائحة كوفيد-19 عالميا وتهدد حياة البشر وصحتهم ورفاهيتهم، يتعين على جميع الدول العمل معا للتصدي للجائحة والحفاظ على أمن الصحة العامة العالمي. إلا أنه، خلال الجائحة، لا تزال الحكومة الأمريكية تفرض عقوبات على دول مثل إيران وكوبا وفنزويلا وسوريا، وهو ما جعل من الصعب على الدول الخاضعة للعقوبات الحصول على الإمدادات الطبية اللازمة لمكافحة الجائحة في الوقت المناسب. وفي 24 مارس عام 2020، قالت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إنه في حال وجود جائحة عالمية، فإن العقوبات ستعيق العمل الطبي وتزيد المخاطر للجميع. وأوضحت أنه من أجل الحفاظ على أمن الصحة العامة العالمي وحماية حقوق ملايين الناس وأرواحهم في الدول الخاضعة للعقوبات، يتعين تخفيف العقوبات أو تعليقها في قطاعات معينة.

وحثت مجموعة مؤلفة من 24 دبلوماسيا بارزا الحكومة الأمريكية على تخفيف العقوبات الطبية والإنسانية على إيران، مشيرة إلى أن هذه الخطوة "قد تنقذ أرواح مئات الآلاف من الإيرانيين العاديين"، بحسب تقرير نشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة "ذا جارديان" يوم 6 أبريل عام 2020. وفي 30 أبريل عام 2020، ذكر خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن الحظر الأمريكي على كوبا والعقوبات على دول أخرى يقوضان بشدة التعاون الدولي لكبح الجائحة وعلاج المرضى وإنقاذ الأرواح. ودعا الخبراء الولايات المتحدة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة ورفع حصارها الاقتصادي والمالي على كوبا وعدم وضع عراقيل تمنع كوبا من تمويل شراء الأدوية والمعدات الطبية والأغذية والسلع الأساسية الأخرى.

وفي 6 مايو عام 2020، صدر بيان مشترك من قبل مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان والمقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي والمقرر الخاص المعني بالحق في التعليم، قال إن العقوبات الأمريكية على فنزويلا تلحق ضررا بالغا بالحقوق الإنسانية للشعب الفنزويلي. ودعا البيان الولايات المتحدة إلى الرفع الفوري للعقوبات التي فاقمت معاناة الشعب مع استشراء الجائحة في البلاد. وفي 29 ديسمبر عام 2020، دعت ألينا دوهان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأثر السلبي للإجراءات القسرية الأحادية على التمتع بحقوق الإنسان، الولايات المتحدة إلى إلغاء العقوبات أحادية الجانب ضد سوريا، مشيرة إلى أن العقوبات ستفاقم الأزمة الإنسانية الأليمة بالفعل في سوريا، فضلا عن أنها تضرب بعرض الحائط حقوق الشعب السوري في العيش والصحة والتنمية.

طالبو اللجوء تعرضوا لمعاملة قاسية. ذكر تقرير نشرته شبكة "سي.إن.إن" في 30 سبتمبر عام 2020، أنه خلال العام المالي 2020، توفي 21 شخصا خلال احتجازهم لدى وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة، وهو ما يتجاوز ضعفي عدد الوفيات خلال العام المالي 2019، ويمثل كذلك أعلى حصيلة سنوية للوفيات منذ عام 2005. وأفاد تقرير نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" على موقعها الإلكتروني في 30 أكتوبر عام 2020، أن عددا كبيرا من الأطفال المهاجرين احتجزوا لفترات طويلة. وأظهرت البيانات أنه من بين 266 ألف طفل مهاجر احتجزتهم الحكومة، هناك أكثر من 25 ألف طفل تم احتجازهم لأكثر من 100 يوم، ونحو ألف طفل مهاجر قضوا أكثر من سنة في ملاجئ للاجئين، وبعضهم قضوا أكثر من خمس سنوات في الحجز.

وحسبما أوردت وسائل إعلام أمريكية عدة، فإن عشرات النساء من أمريكا اللاتينية والوسطى قدمن شكاوى للمحكمة الفيدرالية في جورجيا، ذكرن فيها أنهن خضعن لجراحات نسائية، شملت استئصال الرحم، دون موافقتهن، وهو ما تسبب لهن في ضرر بالغ بدنيا ونفسيا. وأشار تقرير آخر نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة "ذا جارديان" يوم 22 أكتوبر عام 2020، إلى أن العديد من طالبي اللجوء تم تهديدهم وإجبارهم على توقيع أوامر الترحيل الخاصة بهم، بينما تعرض من رفضوا التوقيع إلى الخنق والضرب والرش برذاذ الفلفل وتم تصفيدهم لوضع بصمات أصابعهم قسرا على أوامر الإبعاد، التي بموجبها يتنازل طالبوا اللجوء عن حقوقهم في حضور المزيد من جلسات الاستماع ويقبلون الترحيل.

الترحيل القسري خلال جائحة كوفيد-19. وفقا لبيانات جمعتها وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة، فإنه حتى 14 يناير عام 2021، تأكدت إصابة 8848 محتجزا بعدوى كوفيد-19. واستنادا إلى تقرير نشره موقع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في 18 نوفمبر عام 2020، فإن الحكومة الأمريكية تجاهلت مخاطر الجائحة وطردت ما لا يقل عن 8800 طفل مهاجر غير شرعي لا يرافقه ذووه. وكشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، أن الأطفال المهاجرين الذين عادوا من الولايات المتحدة إلى المكسيك وأمريكا الوسطى عرضة للمخاطر والتمييز.

العفو عن مجرمين ذبحوا مواطنين من دول أخرى. في 30 ديسمبر عام 2020، أصدرت مجموعة العمل المعنية بمسألة استخدام المرتزقة والتابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بيانا يقول إن عفو الزعيم الأمريكي عن أربعة من متعاقدي شركة بلاك ووتر أدينوا بارتكاب جرائم حرب في العراق، انتهك التزامات الولايات المتحدة بموجب القانون الدولي. ودعا البيان جميع الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف إلى إدانة الإجراء الأمريكي.

وارتكب متعاقدو بلاك ووتر الأربعة مذبحة في ساحة النسور في بغداد عام 2007، والتي خلفت 14 قتيلا من المدنيين العزل وما لا يقل عن 17 جريحا، وفقا للبيان. وقال رئيس مجموعة العمل، إن العفو عن متعاقدي بلاك ووتر مثل إهانة للعدالة ولضحايا مذبحة ساحة النسور وعائلاتهم. وقالت مارتا هورتادو، المتحدثة باسم مكتب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن العفو عن متعاقدي بلاك ووتر "يسهم في الإفلات من العقاب ومن شأنه تشجيع آخرين على ارتكاب مثل هذه الجرائم في المستقبل".

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4