كلنا شرق < الرئيسية

التواصل والتبادل بين حضارتي النيل واليانغتسي

: مشاركة
2025-10-21 13:02:00 الصين اليوم:Source الصاوي الصاوي أحمد:Author

تتميز العلاقات بين مصر والصين بالعديد من الروابط من خلال التواصل والتبادل والتشابه الحضاري والتاريخي والإنساني والثقافي والسياحي، والتي ترجع إلى آلاف السنين. ومن هذه الروابط، نهر النيل في مصر ونهر اليانغتسي في الصين، اللذان يجمع بينهما العديد من أوجه التشابه الحضاري برغم بعد المسافات بينهما. ومما يدل على هذا التشابه، أن حضارة النيل التي نشأت وترعرعت في رحابها، وحضارة اليانغتسي التي شاهدتها وتعايشت معها على الطبيعة على مدى أكثر من عشرين عاما خلال زياراتي المتعددة للصين، يعدان من أول وأقدم وأشهر وأرقى الحضارات في العالم. لهذا، يتميز أهل النهرين بقيم أخلاقية وإنسانية وثقافية وعلمية واقتصادية متميزة، ولكل منهما تاريخ فريد وتأثير فعال في معظم مجالات الحياة.

أهم المعالم الحضارية المشتركة بين النيل واليانغتسي

 يتميز نهرا النيل واليانغتسي بالعديد من المعالم الحضارية، التي تربط بينهما من حيث طبيعة ودور النهرين في نشأة وتطور مقومات الحضارتين والثقافتين المصرية والصينية. فكل منهما يعد مصدرا للمياه الصالحة للزراعة وحياة الناس. كما لعب النهران دورا مهما في تاريخ وحضارة وثقافة مصر والصين قديما وحاضرا. فإذا كان لنهر النيل أثره على تطور الحضارة المصرية في العديد من المجالات الزراعية والصناعية والتجارية والإنشائية والفنية، فإن نهر اليانغتسي ساهم في تشكيل ثقافات مختلفة على طول مجراه، مثل ثقافة باشو وجينغتشو ووويويه.

ولأهمية النهرين فى بناء الحضارتين على المستوى العالمي، فإن مقياس نهر النيل بجزيرة الروضة في القاهرة الذي أنشئ في عام 861 بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله، وكان يستخدم لقياس مستوى فيضان نهر النيل لتحديد مدى الاستفادة بناء على مستوى المياه، صار تراثا هيدرولوجيا مهما لأحواض الأنهار الرئيسية في العالم. ومقياس النيل هو عمود رخامي مثمن الشكل وسط بئر مبطن بالحجر، مع علامات قياس لتحديد ارتفاع الفيضان، وقياس منسوب مياه النيل لتحديد الضرائب والتحكم في الزراعة. ويعد مقياس النيل من أقدم الآثار الإسلامية في مصر، وقد أدرج في القائمة الأولية للتراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 2003.

كما يعد نقوش بايخليانغ تراثا هيدرولوجيا لأحواض الأنهار الرئيسية في العالم، وله تأثير كبير على الاقتصاد والزراعة في الصين، وقد تم تسجيل تحسن وتعافي الموارد البيولوجية المائية في حوض النهر في السنوات الأخيرة، مما يؤهله ليكون تراثا هيدرولوجيا مهما في قائمة التراث العالمي لليونسكو.

 ولأهمية ومكانة النهرين عالميا وحضاريا، تقدمت مصر والصين بطلب مشترك لإدراج مقياس النيل بمصر ونقوش بايخليانغ في تشونغتشينغ بالصين في قائمة التراث العالمي لليونسكو، لكونهما مواقع تراثية هيدرولوجية مهمة جدا على المستوى العالمي. تقع نقوش بايخليانغ، التي شاهدتها على الطبيعة خلال زيارتي لمعالم نهر اليانغتسي، في حي فولينغ بمدينة تشونغتشينغ. وتقع نقوش نهر النيل في منطقة روضة المنيل بالقاهرة. وتقوم نقوش بايخليانغ بتسجيل مستويات المياه في نهر اليانغتسي لأكثر من ألف ومائتي سنة. وتم إدراجها في القائمة الأولية للتراث العالمي في عام 2012. ويعد الطلب المشترك الذي تقدمت به مصر والصين معا لليونسكو مرجعا للأهمية التاريخية والثقافية لموقع ومكانة النهرين، مما يؤكد تعزيز التبادل الثقافي والحضاري بين الحضارتين المصرية والصينية.

المعالم الحضارية لنهر النيل

يمتد نهر النيل لمسافة ستة آلاف وستمائة وخمسين كيلومترا من منابعه حتى مصبه في البحر المتوسط في شمالي مصر، ويمر بالعديد من الدول والمدن. يتدفق النيل الأبيض عبر الحدود مع تنزانيا وأوغندا وكينيا وجنوب السودان وجمهورية السودان، ومنها إلى مصبه. وقد بدأت الحضارة المصرية القديمة في التطور على ضفاف نهر النيل، شرقا وغربا، ومن أسوان جنوبا إلى دمياط ورشيد شمالا، حيث نشأت الزراعة والصناعة والفنون والعلوم، وتركت تأثيرا كبيرا في بناء الثقافة والحضارة المصرية.

وتتميز حضارة وادي النيل في مصر، مثل حضارة نهر اليانغتسي في الصين، بالعديد من المعالم الأثرية والحضارية والسياحية والإنسانية والثقافية والطبيعية المهمة، التي تعكس ثقافة وتاريخ مصر القديمة والحديثة، وهي من أقدم الحضارات في العالم. ومن أهم المعالم الرئيسية لحضارة وادي النيل: الأهرامات، التي يتراوح عددها ما بين 118 و138 هرما، أهمها هرم خوفو وهرم خفرع وهرم منقرع، التي تعد من أهم المعالم الأثرية والسياحية في مصر والعالم؛ المعابد، حيث يوجد العديد من المعابد الأثرية، مثل معبد الكرنك في مدينة الأقصر، وهو من أهم المعابد في مصر. يضم معبد الكرنك عددا من الأعمدة والتماثيل واللوحات الجدارية، ومعبد أبو سمبل في جنوبي مصر؛ المعالم الثقافية، إذ تتميز المعالم الثقافية للحضارة المصرية بالكتابة الهيروغليفية التي استخدمها القدماء المصريون لتسجيل تاريخهم وثقافتهم؛ الفنون المصرية القديمة التي تتميز بتماثيلها ولوحاتها الجدارية، والتي تعكس ثقافة وتاريخ مصر القديمة؛ المعالم الطبيعية، مثل وادي النيل الذي يعد من أهم الوديان في العالم، حيث يوفر المياه الصالحة للزراعة والصناعة؛ الصحراء الشرقية والغربية اللتان تتميزان بطبيعتهما الجميلة والفريدة؛ شبه جزيرة سيناء التي تضم عددا من المعالم الطبيعية، مثل الجبال والوديان والشواطئ والتي تشبه إلى حد كبير معالم نهر اليانغتسي؛ المتاحف، حيث يوجد حوالي 72 متحفا في 19 محافظة، منها المتحف الإسلامي والمتحف المصري بالتحرير ومتحف الحضارة والمتحف الكبير بالقرب من الأهرامات والذي يضم العديد من الآثار المصرية القديمة مثل التماثيل واللوحات الجدارية والمجوهرات، ومتحف مركب خوفو في الجيزة الذي يعود تاريخه إلى حوالي 2500 سنة قبل الميلاد، ومتحف الأقصر ومتحف الأسكندرية.

المعالم الحضارية لنهر اليانغتسي

يعد نهر اليانغتسي أهم وأطول نهر في الصين وآسيا، وثالث أطول نهر في العالم بعد النيل والأمازون. يبلغ طوله حوالي 6300 كيلومترا. يعد شريانا رئيسيا للحياة وللنقل النهري في الصين، ويربط بين شرقي وغربي الصين. ينبع النهر من هضبة تشينغهاي- شيتسانغ ويتدفق في الاتجاه الشرقي إلى بحر الصين الشرقي. يمر في حوالي خمس مساحة أراضي الصين، ويعيش عليه حوالي ثلث سكان الصين. ويمر بالعديد من المناطق الغنية زراعيا وصناعيا واقتصاديا. كما يوجد على نهر اليانغتسي أكبر محطة طاقة كهرومائية في العالم، وبه حوالي سبعمائة رافد، تساهم في غزارة مياهه.

يعد نهر اليانغتسي من أهم المصادر الزراعية في الصين، حيث تروي مياهه العديد من المحاصيل، مثل الأرز والقمح والشاي. كما يعد ممرا مائيا حيويا للنقل النهري، يربط بين المناطق الداخلية والساحلية في الصين. ومن هنا نشأت وتطورت على ضفافه الحضارة الصينية القديمة والتي تشتمل على ثقافة الشعب الصيني الأصيلة. ويمر النهر عبر إحدى عشرة مقاطعة ومدينة، مثل تشينغهاي ويوننان وسيتشوان وهوبي وتشونغتشينغ وآنهوي وجيانغسو وشانغهاي، وقد زرت معظم هذه المدن والمقاطعات خلال زياراتي المتعددة للصين وآخرها في شهر سبتمبر 2025. كما شاهدت العديد من المعالم السياحية على الطبيعة. وقد أعجبتني نقوش بايخليانغ في حي فولينغ بمدينة تشونغتشينغ، والتي تعد من المعالم الثقافية والتاريخية والسياحية المهمة، وهي عبارة عن منحوتات صخرية ضخمة على طول نهر اليانغتسي.

وخلاصة انطباعاتي عن نهر اليانغتسي ومدنه خلال زيارتي لها في سبتمبر 2025، للمشاركة في منتدى حضارة نهر اليانغتسي، أن أهل النهر على مستوى عال جدا من الحفاوة والكرم والمحبة والتواضع والنظام، كعادة الشعب الصيني، مما أشعرني بالسعادة بهذا الاستقبال الذي يدل على أصالة وقيم الشعب الصيني.

لقد أبهرني التقدم التكنولوجي الذي تتميز به مدن ومرافق نهر اليانغتسي، من نظافة الشوارع في جميع مرافق المدن وكرم ومحبة وإنسانية أهل نهر اليانغتسي. وهنا أدعو أبناء الشعب المصري والعربي لزيارة معالم نهر اليانغتسي الرائعة التي تشبه إلى حد كبير نهر النيل.

أهمية النهرين الحضارية

يعد نهر النيل مصدر الحضارة المصرية، كما يعد نهر اليانغتسي مهد الحضارة الصينية، نظرا لأن النهرين منبعان مهمان للحياة من حيث توفير المياه والبيئة الصالحة للحياة وللزراعة والصناعة والنقل النهري بين القرى والمدن التي يمران بها. يعتمد المزارعون على مياه النهرين لري محاصيلهم الزراعية المتنوعة، كما يلعب النهران دورا مهما في ازدهار الحياة الاجتماعية والإنسانية والحضارية والاقتصادية للسكان.

ومن أمثلة التوافق بين نهري النيل واليانغتسي، دورهما البارز في دعم الحياة اليومية للسكان من خلال توفير الاحتياجات الأساسية عبر التاريخ. كما أن لهما تراثا ثقافيا عميقا، من فنون وآداب وتاريخ، كما لعب النهران دورا مهما في التجارة والتنمية الاقتصادية والاستثمار للشعبين المصري والصيني.

وللنهرين دور كبير في الحوار المشترك بين الشباب المصريين والصينيين، من خلال تعزيز العلاقات الثقافية بين مصر والصين، حيث يوجد العديد من أوجه التواصل والحوار بين الشباب المصريين والصينيين، فقد شهدت الفعالية التي أقيمت بالقاهرة في يوليو 2024 تحت عنوان "طريق الحرير للتراث الثقافي"، تركيزا على كيفية حماية وتوارث التراث الثقافي لنهري النيل واليانغتسي وتعزيز التعاون بين شباب النهرين في المحافظة على التراث المشترك وتعزيز التفاهم والتعاون بينهما.

لا يسعني في الختام إلا أن أوصي أبناء نهري النيل واليانغتسي، وكذلك الحكومتين المصرية والصينية بالاهتمام بالتوسيع المعرفي والثقافي لقيمة ومعالم النهرين وما نشأ عليهما من حضارة وثقافة تاريخية مميزة، والاستفادة من معاني الإنتاج والتطور للنهرين كعوامل رئيسية في بناء الحضارتين المصرية والصينية، وكذلك تطبيق تلك المعرفة على الموارد المائية والبشرية في العصر الحديث، والتعاون بين البلدين للوصول إلى أحدث الآليات للمحافظة على الموارد المائية والأثرية والاستفادة القصوى منها من دون الإضرار بها. كل ذلك يحدث عن طريق التعاون الثقافي والعلمي والتكنولوجي بين علماء البلدين، من خلال التوسع في تعلم الصينيين اللغة العربية وتعلم المصريين اللغة الصينية، ونشر ثقافة السياحة الحضارية بين الشعبين، من منطلق أن اللغة والثقافة والحضارة هي جسر التواصل بين الشعوب.

--

د. الصاوي الصاوي أحمد، أستاذ بجامعة بنها المصرية ومؤسس الصالون الثقافي "الصين في عيون المصريين".

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4