كلنا شرق < الرئيسية

إنهم يبعثون الأمل.. الصين تعالج الأمراض النادرة

: مشاركة
2025-09-15 12:04:00 الصين اليوم:Source محمد علام:Author

من منا لم يصب من قبل بالزكام والمغص والصداع، وغير ذلك من الأمراض التي نصاب بها جميعا، ونجد لها بدلا من العلاج الواحد عشرات من العلاجات الطبية المتوفرة في كل مكان وبأسعار معقولة. بل وحتى الأمراض الأكثر عنفا والتي نتمنى للجميع السلامة منها، يجد المرضى المصابون بها الكثير من الأدوية التي تتنافس شركات الأدوية لتقديمها لهم. في الزاوية، هناك نوع ثالث من الأمراض، لا يسمع عنه الناس كثيرا، يسميه الأطباء بـ"الأمراض النادرة".

ما هي الأمراض النادرة؟

كما هو واضح من مسماها، فإن الأمراض النادرة هي تلك النوعية من الأمراض التي لا تصيب إلا أعدادا قليلة للغاية من البشر. وحسب منظمة الصحة العالمية، فالمرض النادر هو المرض الذي يصيب فردا واحدا فقط من كل ألفي فرد، وهناك في عالمنا أكثر من سبعة آلاف مرض نادر. وبشكل عام، ففي 70% من حالات الأمراض النادرة تبدأ الأعراض في الظهور منذ الطفولة. وحسب شركة "فايزر" للأدوية، فإن 80% من الأمراض النادرة يحدث لأسباب وراثية.

ما هي مشكلة الأمراض النادرة؟

المشكلة التي تسببها الأمراض النادرة وتجعلها مختلفة عن بقية الأمراض، هي عدم توافر الأدوية المعالجة لها، لدرجة ظهور مصطلح "الأدوية اليتيمة"، في إشارة إلى أدوية الأمراض النادرة. لماذا؟ ببساطة لأن عملية إنتاج دواء لمرض معين ليست أمرا بسيطا على الإطلاق، بل إن صناعة الأدوية هي واحدة من أكثر الصناعات تعقيدا وأكثرها تكلفة على مستوى العالم. فعندما تفكر شركات إنتاج الأدوية في الأمر ستجده كما يلي: هناك مرض نادر، سننفق أموالا هائلة على الأبحاث وجلب مواد تصنيعه، ثم تصنيعه بكميات، ثم تغليفه وتوزيعه على الصيدليات والمستشفيات. هذه العملية المكلفة للغاية، ماذا سينتج عنها؟ بيع عبوات محدودة من الدواء، وهكذا تتكبد تلك الشركات خسائر مالية طائلة.

وحتى لو كان هناك سيناريو آخر، يفترض أن تقوم شركات الأدوية بالاستثمار في هذه العلاجات لأن بعض هذه الأمراض النادرة تصاب بها أعداد كبيرة نسبيا وقد تكون أدوية علاجها ذات عائد اقتصادي وإن كان ضعيفا، ففي النهاية سيتم طرح هذه الأدوية بأسعار فلكية، وبالتالي لن يستطيع معظم المرضى شراءها من الأساس، وهو ما يقود إلى نفس النتيجة؛ الخسائر المالية الضخمة.

بالتالي لا أحد يفكر في إيجاد علاج للأمراض النادرة التي يعاني منها، بحسب منظمة الصحة العالمية، أكثر من ثلاثمائة مليون شخص على مستوى العالم، من بينهم عشرون مليونا في الصين وحدها. وحسب تقديرات جامعة أكسفورد البريطانية، فإن الرقم يصل إلى 350 مليون مريض في العالم، من بينهم ما بين عشرين مليونا إلى خمسين مليونا في الصين، وهو رقم قد يبدو كبيرا، لكنه يصبح طبيعيا عندما نتذكر أن عدد سكان الصين مليار وأربعمائة مليون نسمة.

هذه الأرقام تجعلنا ندرك حقيقة أن الأمراض النادرة، إذا نظرنا إلى كل منها بشكل مستقل، مشكلة صغيرة للغاية، لكننا لو جمعناها معا ستكون المفاجأة بأن لها تأثيرا كبيرا وثقيلا على المجتمع البشري كله. وسط هذه الصورة القاتمة، خرجت الصين لتحمل مشاعل النور وتبعث الأمل في عالم لم يجد علاجا إلا لعدد قليل من الأمراض النادرة.

قائمة الأمراض النادرة

في أغسطس عام 2016، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر الوطني للصحة والرعاية الصحية: "إن الصحة شرط أساسي للتنمية الشاملة للشعب وشرط أساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية." ولم تمر بضعة أشهر حتى اعتمدت الحكومة الصينية خطة "الصين الصحية 2030". وبالتأكيد، لم يكن من المقبول ترك ملف يعاني بسببه ما يتراوح بين عشرين مليونا إلى خمسين مليونا في الصين من دون مواجهة.

كان من المهم في البداية، بالنسبة للصينيين، أن يتم تحديد ما هو العمل المطلوب إنجازه وبدقة في مجال الأمراض النادرة. وسرعان ما بدأ الأمر في مايو عام 2018، حينما أصدرت اللجنة الوطنية للصحة في الصين النسخة الأولى لقائمة الأمراض النادرة، والتي ضمت 121 مرضا نادرا. كان ذلك نتاجا سريعا لم يستغرق سوى عامين.

أيضا، فمن أول وأهم الخطوات والتي ينظر إليها كمحطة مهمة في طريق الصين نحو الوصول لعلاجات للأمراض النادرة، ما حدث في يومي 18 و19 ديسمبر 2021، عندما عقد مؤتمر الصين للأمراض النادرة لعام 2021، وهو أحد أهم المؤتمرات في هذا الصدد. المؤتمر الذي عقد عبر الإنترنت، شارك فيه مئات الأطباء والباحثين وصانعي السياسات، بل وحتى المرضى. ومنذ ذلك التاريخ تسارعت وتيرة العمل وتضاعفت الجهود حتى جاء موعدنا مع النسخة الثانية من قائمة الأمراض النادرة. وسريعا، بدأت نتائج إيجابية أخرى في البزوغ. وهذا ما كشفت عنه دراسة نشرتها دار النشر العلمية البريطانية الشهيرة "بيوميد سنترال (BMC)"، في سبتمبر 2022. الدراسة التي اشترك فيها الباحثان لو ياو تشياو وشين ليو، من قسم الصيدلة والمختبر الوطني الرئيسي للأمراض المعقدة والشديدة والنادرة بمستشفى كلية بكين الاتحادية الطبية، ركزت على قياس مدى التوافر السنوي لأدوية الأمراض النادرة في الصين ومدى قدرة المواطنين في المناطق الحضرية والريفية على شرائها، مع الأخذ بعين الاعتبار التأمين الطبي الأساسي في الصين.بare DISEASEادرة) أو ث من الأمراض، لا يسمع عنه الناس كثيرا، يسميها الأطباء  من الأدوية التي تتنافس شركات الأدوية على تقديمها له.

كانت النتائج كلها إيجابية بلا استثناء، فقد وصلت نسبة توافر الأدوية على مستوى المستشفيات إلى 1ر41%، كما زادت أعداد وكميات الأدوية التي تباع بأسعار معقولة لسكان المناطق الحضرية والريفية بنسبة 1ر14%، ووصلت إلى 4ر39% في المناطق الحضرية و3ر23% في المناطق الريفية.

هذه الأرقام كانت بحلول عام 2020، أي بعد عامين فقط من إصدار النسخة الأولى لقائمة الأمراض النادرة. ولكن هذه الأرقام، ورغم أنها تشكل تحسنا في كل شيء تقريبا، كانت لا تزال منخفضة. وهو ما يعني الحاجة إلى مزيد من العمل، وقبله المزيد من التنظيم.

النسخة الثانية لقائمة الأمراض النادرة في الصين

بعد صدور النسخة الأولى لقائمة الأمراض النادرة في الصين، أثبتت التجارب والأيام أن هناك حاجة لتعديلها وإضافة أمراض جديدة، فصدرت النسخة الثانية لقائمة الأمراض النادرة في الصين، في 18 سبتمبر 2023، والتي أضافت 86 مرضا نادرا جديدا، من بينها: النوم القهري، ورم الخلايا العصبية، ضخامة الأطراف وهو اضطراب هرموني يمكن أن يؤدي إلى تضخم في أجزاء الجسم، ليصبح إجمالي الأمراض النادرة في الصين 207 أمراض. صدرت هذه النسخة بالتعاون بين ست جهات من أكبر المؤسسات الصينية وهي: اللجنة الوطنية للصحة ووزارة العلوم والتكنولوجيا ووزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات والإدارة الوطنية للمنتجات الطبية والإدارة الوطنية للطب الصيني التقليدي وإدارة الدعم اللوجستي التابعة للجنة العسكرية المركزية.

لم يكن الغرض من وضع قائمة الأمراض النادرة في الصين، سواء في نسختها الأولى أو الثانية، إحصائيا فحسب، وإنما أيضا كان وقبل ذلك سعيا صينيا نحو زيادة الوعي بهذه الأمراض، وتسهيل مهمة الأطباء في تشخيصها وعلاجها، وكذلك تطوير المزيد من الأدوية وزيادة توافرها، مما يؤدي في النهاية إلى إفادة أعداد أكبر من المصابين بها. فهذه القائمة لا تتضمن ذكر الأمراض فحسب، وإنما أيضا تضم تفصيلا لكل مرض والمبادئ والإجراءات التي ينبغي للأطباء أن يتبعوها في التشخيص والعلاج. وعلى الرغم من أهميتها، وبالرغم من المجهود الضخم المبذول في إعدادها، فإنها كانت مجرد جزء من صورة أكبر لما يسمى بـ"النظام الوطني للأمراض النادرة".

النظام الوطني للأمراض النادرة

يهدف هذا النظام الذي عملت الصين على إنشائه خلال السنوات الأخيرة، إلى تحسين قدرات الصين في مجالات التشخيص والعلاج وضمان الوصول إلى الأدوية الخاصة بالأمراض النادرة. وقد حدد الصينيون هدفهم الأول في أن تتحسن قدراتهم على تشخيص الأمراض النادرة، لأن واحدة من أكبر المشكلات المتعلقة بالأمراض النادرة، هي التشخيص الخاطئ. ذلك لأن الأمراض النادرة غير منتشرة، ومن ثم يقوم الأطباء بتشخيصها بشكل غير صحيح. لذا، تم إنشاء "الشبكة الوطنية للتعاون في تشخيص وعلاج الأمراض النادرة"، بهدف تبادل المعلومات التشخيصية والعلاجية حول الأمراض النادرة بين المؤسسات الطبية في الصين.

هذا النظام الذي وضعته وتشرف على تنفيذه اللجنة الوطنية للصحة، يحدد "المبادئ التوجيهية لتشخيص وعلاج الأمراض النادرة"، بهدف وضع القواعد التي يسير عليها الأطباء ومقدمو خدمات الرعاية الصحية عند التعامل مع المرضى المصابين بأمراض نادرة. وعلاوة على كل ذلك، وضع هدف "توسيع التغطية التأمينية" كأحد أهدافه.

خلال المؤتمر الدولي للأمراض النادرة 2025، والذي استضافته مدينة هايكو حاضرة مقاطعة هاينان في جنوبي الصين، استعرض السيد ما شيوي دونغ، وهو مسؤول في اللجنة الوطنية للصحة، النظام الوطني للأمراض النادرة في الصين، ووصفه بالإستراتيجية التي تحرز تقدما ملحوظا في تعزيز رعاية المرضى الذين يعانون من أمراض نادرة. وتشمل التدابير الرئيسية إنشاء قائمة وطنية للأمراض النادرة، وتوسيع نطاق التغطية التأمينية وتحسين المبادئ التوجيهية السريرية، وتسريع تطوير الأدوية.

بخلاف المستوى الوطني، زاد الاهتمام أيضا بالتعامل مع الأمراض النادرة على المستوى المحلي. ومن ذلك، ما قامت به العاصمة بكين من إدراج الأمراض النادرة كإحدى الأولويات ضمن جهودها في إصلاح نظام الرعاية الصحية الخاص بها.

ثمار نضجت

كانت نتيجة كل تلك الجهود، أن الثمار بدأت في النضوج. ومن أولى هذه الثمار ما ظهر حتى على مستوى الشركات الأجنبية العاملة في الصين، والتي استفادت من هذه الجهود الصينية، والتي يجب أن نضيف إليها هنا ما ساهمت به وزارة المالية الصينية من تطبيق حوافز ضريبية تقلل الضرائب على الشركات التي تنتج أدوية لعلاج الأمراض النادرة.

شجع النظام الوطني للأمراض النادرة ومبادرة تخفيض الضرائب، الشركات على العمل في إنتاج هذه الأدوية لأنها أصبحت تعرف أنها ستربح، مثلما هو الحال مع شركة "أسترازينيكا" البريطانية- السويدية، وهي واحدة من عمالقة صناعة الأدوية في العالم.

في نوفمبر 2022، أعلنت "أسترازينيكا" أن قسم الأمراض النادرة التابع لها في الصين قد نجح في التوصل إلى عقار سوليريس "إيكوليزوماب" وأنه سيتم تخصيصه لعلاج مرض نادر يعرف باسم "البيلة الهيموغلوبينية الانتيابية الليلية (PNH)"، وهو اضطراب دموي نادر يحدث عندما يهاجم جزء من الجهاز المناعي للإنسان خلايا الدم الحمراء والصفائح الدموية مسببا تلفها. كما يعمل هذا العقار أيضا كدواء لمتلازمة "انحلال الدم اليوريمي غير النمطي (aHUS(" وهي حالة تسبب جلطات دموية صغيرة وتلفا في الأعضاء.

الثمرة الثانية تمثلت في اتساع تغطية التأمين الطبي، والذي له دوره الحاسم في هذه المعركة ضد الأمراض النادرة، من حيث تغطية تكاليف العلاج. فمع الاهتمام بزيادة تغطية التأمين الطبي كجزء من أهداف "النظام الوطني للأمراض النادرة"، ومع زيادة معدلاته في الصين بشكل طبيعي أصلا نتيجة ارتفاع مستويات المعيشة، كان لذلك كله ارتدادات إيجابية على مرضى الأمراض النادرة.

حسب دراسة نشرتها الدورية العلمية البريطانية الشهيرة ((نيتشر))، وأعدها علماء وأطباء صينيون، اعتمدوا فيها على بيانات لجنة الصحة بمقاطعة هاينان، فإنه وفي هاينان بالتحديد ومن بين 4975 مريضا تم تشخيصهم بأمراض نادرة من عام 2019 إلى عام 2023، كان 83% منهم تحت مظلة التأمين الطبي بالفعل.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تدخلت الإدارة الوطنية للتأمين الطبي بعدد من الإجراءات، من بينها الأعداد المتزايدة من أدوية علاج الأمراض النادرة التي أصبحت تغطيها ضمن التأمين الطبي الأساسي، كما تفاوضت على خفض أسعار بعض أدوية علاج الأمراض النادرة مع الشركات المنتجة لها، مما قاد في النهاية إلى تخفيف أسعارها وتقليل العبء الاقتصادي على المرضى.

أما الثمرة الثالثة، فهي الزيادة المستمرة في الكوادر الطبية من الأطباء العارفين بالأمراض النادرة والقادرين على تشخيصها بكفاءة وسرعة. هذه الثمرة بالتحديد يدرك قيمتها ويعرف معناها هؤلاء الذين بدأوا العمل في النظام الوطني للأمراض النادرة في عام 2015 تقريبا. وقتها كان العديد من الأطباء غير ملمين بالأمراض النادرة ولا يستطيعون تشخيصها.

اليوم، تواصل الصين قطف الثمار وبعث الأمل، ليس لمن يعانون من الأمراض النادرة من مواطنيها فحسب، وإنما أيضا في كل أنحاء العالم، فكل بحث علمي ينجز، وكل دواء ينتج، وكل شركة أدوية صينية تحقق اختراقا في هذا المجال، لا يكون للصين فحسب، وإنما أيضا للعالم أجمع، في واحدة من أصعب التجارب الإنسانية ضد المرض، عدونا الأبدي، الذي نحتاج فيه لكل جهد بشري قادر على إضافة ولو بسيطة في صرح علومنا البشرية.

--

محمد علّام، كاتب وباحث مصري.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4