كلنا شرق < الرئيسية

صورة الصين وحضورها في وسائل الإعلام الأردنية

: مشاركة
2025-07-18 15:21:00 الصين اليوم:Source منال الخماش:Author

أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والصين في عام 1977، حيث كانت نقطة تحول مهمة في مسار العلاقة بين البلدين. وكانت هذه العلاقة نتيجة لاتجاه عدد من الدول العربية نحو تعزيز علاقتها مع الصين مثل مصر وسوريا والمغرب وتونس وغيرها، باعتبار الصين قوة صاعدة وداعمة للقضية الفلسطينية. وشكلت هذه الخطوة أساسا ميتنا لعلاقة استمرت على مر عقود من الزمن لتتوسع وتشمل مجالات واسعة من التعاون بين البلدين.

كانت أول زيارة رسمية قام بها الملك عبد الله الثاني إلى الصين في عام 1999، حيث التقى به بالرئيس الصيني آنذاك جيانغ تسه مين. وتناولت الزيارة مباحثات بين البلدين حول القضايا الإقليمية الدولية وتعزيز التعاون بين البلدين في جو من الألفة والود؛ بما في ذلك تعزيز مجالات التبادل والتعاون الاقتصادي والثقافي والتجاري وغيرها من المجالات. شهد البلدان في القرن الحالي توقيع العديد من الاتفاقيات بشأن الاستثمار والطاقة والبنية التحتية والتعليم، وازدادت العلاقات بعد مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين في عام 2013. حيث جذب الأردن مشروعات صينية في المناطق الصناعية. ومن أبرز هذه المشروعات: مشروع محطة العطارات لتوليد الكهرباء من الصخر الزيتي ومشروع إعادة تأهيل طريق السلط- العارضة.

وقد افتُتِحت معاهد كونفوشيوس في الأردن، مثل معهد كونفوشيوس في جامعة فيلادلفيا ومعهد كونفوشيوس طلال أبو غزالة، بالإضافة إلى افتتاح تخصص اللغة الصينية والإنجليزية في الجامعة الأردنية قبل 16 سنة، والتي ساهمت تدريجيا في نشر اللغة الصينية بين الأردنيين وازداد إقبالهم على تعلم اللغة والثقافة الصينية. كذلك تم توقيع اتفاقيات تعاون بين جامعات أردنية وصينية لتبادل الأساتذة والطلبة، والتي من خلالها يسافر العديد من الطلاب الصينيين والأردنيين بين الدولتين للدراسة، سواء درجة البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة، في تخصصات متنوعة علمية وأدبية. وفي السنوات الأربع الأخيرة، شهد الأردن تطورا من نوع آخر في العلاقات الأردنية- الصينية وذلك بعد تدشين سفارة الصين لدى الأردن صفحتها على موقع فيسبوك، وافتتاح المركز الثقافي في عمّان وكذلك صفحته على الموقع نفسه، حيث تتم مشاركة أنشطة السفارة وآخر أخبارها وأخبار سفير الصين في التبادل والتعاون بين البلدين، ثم انتقلت إلى مرحلة جديدة وهي إقامة سفارة الصين والمركز الثقافي للعديد من الفعاليات الثقافية وعروض الفنون التقليدية، ومعارض الصور والحرف اليدوية، هذا بالإضافة إلى الاحتفاء بالمناسبات الصينية؛ مثل رأس السنة الصينية "عيد الربيع" والذكرى السنوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية وعيد قوارب التنين، وذكرى إقامة العلاقات الصينية- الأردنية، وأنشطة الطعام الصيني والشاي الصيني وغيرها الكثير. وقد ساهمت جهود كل من سفارة الصين والمركز الثقافي الصيني في الأردن في بناء جسور التفاهم بين الشعبين، الذي يشكل أساسا متينا لأي علاقة إستراتيجية طويلة الأمد، ونلمس هذه الألفة بين الأردنيين والصين من خلال عدد الحضور الكبير في كل فعالية، ومشاركة الأردنيين لانطباعاتهم وآرائهم حول الصين وثقافتها، سواء من جانب طلاب يدرسون اللغة الصينية أو من الأهالي الذين لا يتقنون اللغة الصينية لكنهم ألفوا ثقافة الصين من خلال التبادل والتواصل الثقافي مع الصينيين في المطاعم الصينية أو المحلات التجارية.

ومع توسع العلاقات الأردنية- الصينية في مجالات الاقتصاد، والبنية التحتية، والتعليم، والثقافة، أصبح من الضروري فهم كيف تُصوّر الصين في الإعلام الأردني، وما إذا كانت التغطية تعكس الواقع الموضوعي للعلاقات، أم تتأثر بالسياقات السياسية والدولية، وهل هناك توازن في التغطية بين الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية، أم تركيز مفرط على موضوعات معينة مثل "كوفيد- 19" أو "الاستثمار". وفي دراستي حول هذا الموضوع، تم اختيار 70 تقريرا إخباريا من وسائل إعلامية أردنية متنوعة كعينة أولية، ثم من خلال التحليل اليدوي تمت فلترة التقارير من حيث تكرار المحتوى والمضمون حتى وصلت إلى 36 تقريرا إخباريا.

قامت هذه الدراسة بتحليل التقارير الإخبارية المنشورة في وسائل إعلام أردنية مختلفة وعددها 36 تقريرا، وذلك باستخدام نظرية التأطير الإعلامي والتي تفترض أن كيفية عرض الأخبار وكيفية ترتيب الرسالة الإخبارية تؤثر جميعها على فهم الجمهور للحدث وكيفية تفسيره للموضوع، وتجعل الناس أكثر إدراكا لأمر ما. وهناك أنواع للأطر الإعلامية: مثل الإطار المحدد بقضية ما كإطار تهديد أزمة صحية ما، وإطار المسؤولية، وإطار الصراع، وإطار المبادئ الأخلاقية، والإطار السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي، إلخ. وتم تحليل التقارير يدويا لتحقيق نتائج أكثر دقة، وذلك من خلال القراءة بعناية لكل تقرير واستخراج الكلمات المفتاحية ونبرة الخطاب والموضوعات التي تم تغطيتها بشكل أكبر، وتحديد نوع الإطار المستخدم في كل تقرير إخباري، وتقييم طبيعة الكلمات المستخدمة لوصف الصين وفحص طريقة تغطية الموضوع. والمدة الزمنية للتقارير التي تم رصدها تتراوح بين عامي 2015 و2025، والتي تركزت أغلبيتها بعد عام 2020. ويعود السبب في ذلك إلى انتشار الصحف الإلكترونية بشكل واضح في السنوات الأخيرة في الأردن، حيث أصبح الوصول إلى الإنترنت سهلا وأصبحت المصدر الأول للأخبار للعديد من الأردنيين. كذلك أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي المصدر الأول للأخبار بالنسبة للبعض، مثل موقع فيسبوك ويوتيوب وإنستغرام وواتساب. وترى الكاتبة أن هناك سببا آخر لازدياد التقارير الإخبارية عن الصين مؤخرا؛ ألا وهو افتتاح سفارة الصين والمركز الثقافي الصيني في الأردن صفحة لكل منهما على موقع فيسبوك، حيث يتم نشر آخر أخبار السفارة وأنشطتها أو نشر أخبار الصين المهمة بالنسبة للعالم العربي. وبهذه الخطوة، أصبحت السفارة أكثر قربا من المواطنين الأردنيين، وصار من السهل الوصول إلى آخر الأخبار المتعلقة بالصين على هذه المواقع، حيث يتم نشر الأخبار باللغة العربية وهذا يساعد في استقطاب جمهورا أوسع.

وبعد تحليل التقارير الإخبارية بعناية، وجدت هذه الدراسة أن هناك العديد من الكلمات والعبارات التي تكررت في التقارير؛ مثلا: الشراكة، الاستثمار، التعاون، التبادل التجاري والثقافي، السلام، إلخ. وتشير هذه الكلمات إلى تركيز الأخبار على موضوعات معينة؛ مثلا: اجتماع منتدى القمة العربية- الصينية، الصين كشريك للأردن، مكافحة الصين لكوفيد- 19، دعم الصين للقضية الفلسطينية، تعزيز الإعلام للعلاقات بين البلدين، تضامن الأردن مع الصين، توقيع اتفاقيات بين الصين والأردن، المناسبات الثقافية الصينية.

وحسب منهج دراسة الإطارات الإخبارية في مجال الاتصال الجماهيري في الصين (منهج الهيكل الثلاثي للباحث الصيني تسانغ قوه رن)، تُقسّم أطر الأخبار إلى "أطر رفيعة المستوى" (موضوعات عامة، مثل الصراع) و"أطر منخفضة المستوى" (خطابات محددة، مثل الكلمات المفتاحية والاستعارات). وكان له إسهام في تحليل كيفية تأثير وسائل الإعلام على الإدراك العام من خلال تحديد الأجندات وإستراتيجيات الخطاب. واستكشاف الاختلافات في أطر وسائل الإعلام في ظل خلفيات ثقافية مختلفة. وهنا تم تقسيم عينة هذه الدراسة من التقارير الإخبارية إلى ما يلي:

أطر رفيعة المستوى: تعاون الصين اقتصاديا، تنمويا، تجاريا، ثقافيا، سياحيا، تقنيا، واتفاقيات الطاقة سواء في الماضي أو الحاضر أو خطة للمستقبل (وردت في 14 تقريرا)، دعم الصين لفلسطين (وردت في 13 تقريرا) ، مساعدات الصين الإنسانية (وردت في 7 تقارير)، دعم الشركات الصينية للشركات الأردنية (وردت في تقرير واحد)، تعاطف الأردن مع الصين في مواجهة الفيضان (وردت في تقرير واحد)، دعم الأردن للصين معنويا (وردت في 5 تقارير)، مواجهة الصين لتهديد أمني- كوفيد- 19 وتأثيره على علاقاتها الدبلوماسية (وردت في 4 تقارير)، التأثير الثقافي مثل تدريس اللغة أو الفعاليات الثقافية (وردت في 6 تقارير)، الاستثمار (وردت في 3 تقارير).

أطر منخفضة المستوى: عرض البيانات، مثلا حجم نسب التجارة بين البلدين (وردت في 7 تقارير).

كلمات إيجابية: شريك (وردت في 6 تقارير)، صداقة (وردت في 18 تقريرا)، تعاون (وردت في تقريرين)، استثمار (وردت في 4 تقارير)، تفاهم (وردت في تقرير واحد)، سلام (وردت في 8 تقارير)، تضحيات (وردت في تقرير واحد)، انتصارات (وردت في تقرير واحد)، استقرار (وردت في 5 تقارير).

كلمات محايدة: صراع (وردت في تقريرين)، تحديات (وردت في ستة تقارير)، أزمات (وردت في 3 تقارير)، عقبات وصعوبات (وردت في 8 تقارير)، اضطرابات المنطقة/ حرب: (وردت في تقريرين).

كلمات تكررت في أكثر من تقرير: "الحزام والطريق" (وردت في 8 تقارير)، طريق الحرير البحري (وردت في تقريرين)، البوتاس (وردت في تقريرين)، مستقبل مشترك للبشرية (وردت في تقريرين).

بعد تحليل صورة الصين وحضورها في 36 تقريرا إخباريا في وسائل الإعلام الأردنية، وجدت الدراسة أنّ الخطاب الإعلامي الأردني حول الصين يمزج بين الأطر الرفيعة المستوى والمنخفضة المستوى؛ بين السياسة والإستراتيجيات وبين الثقافة والقيم الإنسانية. نلاحظ أن التعاون بكافة أشكاله برز بشكل كبير في التقارير الإخبارية، كذلك برز موقف الصين من السلام ودعمها لقضية فلسطين في العديد من التقارير. بالإضافة إلى التأثير الثقافي والاستثمار الصيني. استخدمت لغة التقارير الكلمات الإيجابية بكثرة؛ وأهمها كلمات الشراكة والصداقة، وهذا يعبر عن نموذج العلاقة بين الصين والأردن القائم على الصداقة والتفاهم المتبادل؛ وهذا يساعد في تقوية الروابط بين البلدين والانفتاح بينهما. تؤكد الصين من خلال خطابات سفير الصين لدى الأردن على سعيها إلى التنمية المتبادلة وتعزيز العلاقات الخارجية بين البلدين، وبهذا تقوى الصداقة والشراكة بينهما وترسم نموذجا يحتذى به في المنطقة. حضرت كلمات مبادرة "الحزام والطريق" ومنتدى التعاون العربي- الصيني في التقارير أيضا، والتي تعبر عن اهتمام الأردن بنقل صورة الصين النشطة وأخبارها الحديثة وما يطرأ على الاتفاقيات والتعاونات. كانت هناك بلاغة في اللغة أثناء وصف الصين في التقارير الإخبارية؛ مثلا وصفها بالشريك، وصف العلاقة بالتعاون والصداقة والتفاهم، وهذا يعكس ثقافة الصين التقليدية المميزة في حب السلام ونشره. فالتعايش والتناغم يصب في صلب فلسفة الصين التاريخية؛ حيث أن التعاليم الكونفوشية والطاوية تؤكد جميعها على أهمية الانسجام المجتمعي والاحترام المتبادل ونبذ الصراع. وهذا ما تسعى إليه الصين كقوة محبة للسلام في تحقيق التنمية المشتركة، بعيدا عن الهيمنة أو التدخل في شؤون الآخرين. لذلك الثقافة الصينية التقليدية ليست منفصلة عن الحاضر، فسياسة الصين الخارجية الحديثة تعكس ما تطمح إليه في أن يقوم العالم على مستقبل مشترك للبشرية.

والصين لم تكن يوما داعمة لأي حرب أو أي صراع، وهذا ما نراه في عصرنا الحالي وفي تعمقنا للمصادر التاريخية. فقد كانت الصين دوما محبة للسلام وساهمت في تحقيقه في الكثير من الأحيان. مثلا، في خمسينيات القرن الماضي، ساهمت الصين في تعزيز السلام في الشرق الأوسط وحل النزاعات بين الكثير من الدول. لكن أثناء القيام بهذه الدراسة، وجدت الباحثة أحد التقارير تحمل ألفاظه التعبيرية مغالطات؛ مثلا: ذكر التقرير عدد سكان مقاطعة هوبي الصينية وعدد سكان مدينة ووهان، ووجدت الدراسة أن العدد كان أكثر من عدد السكان الحقيقي، أيضا نقل التقرير خطاب سفير الصين لكنه لم يذكر أي معلومة عن موقع الخطاب وزمنه ومن هو السفير، بل قام بوضع صورة وزير خارجية الصين في التقرير الإخباري؛ وهذا ما تعتقد الدراسة أنه يؤدي إلى مغالطات تاريخية وسوء فهم من قبل القارئ العربي. لذلك تدعو الدراسة إلى تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام الصينية والأردنية ونقل الأخبار من تقارير قام بها صحفيون صينيون أو أردنيون حتى يتم نقل الصورة بشكل دقيق وصحيح بدون أخطاء.

ختاما، استنتجت هذه الدراسة أنّ صورة الصين التي ظهرت في وسائل الإعلام الأردنية كانت صورة إيجابية، ظهرت الصين كصديق موثوق، وهذا أكّد على نقل الصورة الحقيقة كما هي بلا تشويه. لم يكن هناك الكثير من التقييمات السلبية حول العلاقة بين البلدين في التقارير. لكن الدراسة وجدت تناقضا بين الاستثمار الصيني والنتائج المرجوة، فقد ورد في الكثير من التقارير أن الصين استثمرت بمبلغ معين في الأردن، سواء في مجال الطاقة أو التعاون الاقتصادي، لكن لم يكن هناك الكثير من المعلومات الإخبارية التي نقلت نتيجة مثل هذه الاستثمارات. وتقترح الدراسة أن تركز التقارير الإخبارية القادمة على نقل الصورة الفعلية لنتيجة الاستثمارات الصينية؛ هل تمت بشكل سلس أم واجهت مشكلات أثناء التنفيذ؟ أيضا تقترح الدراسة كتابة تقارير إخبارية أكثر عن التأثير الثقافي للعلاقات بين الصين والأردن، حيث لم يكن هناك عدد جيد لتقارير تنقل الموضوع الثقافي، باستثناء منشورات سفارة الصين والمركز الثقافي على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي عينة لا تعني الدراسة بتحليلها في هذه اللحظة لأن الجهة الناقلة للخبر هي صينية. لذلك، نرجو من وسائل الإعلام الأردنية أن تكثف جهودها في نقل الأخبار عن الصين بشتى المجالات الثقافية، وأن لا تقتصر على نقل أخبار التعاون الاقتصادي والتجاري فقط.

--

منال الخماش، طالبة دكتوراة في الأدب الصيني الحديث والمعاصر وباحثة في علم الصينيات- الأردن.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4