كلنا شرق < الرئيسية

تعيين أول سفير صيني في الإمارات.. قرار صنع المستقبل

: مشاركة
2025-06-23 14:45:00 الصين اليوم:Source عمرو منصور:Author

بينما كانت القوى الإقليمية والدولية مشغولة بالحرب الدائرة بين العراق وإيران، بما لها من تداعيات أمنية وانعكاسات على أسواق الطاقة العالمية، إذ بالصين بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات في نوفمبر 1984، تعين في إبريل 1985، هو تشانغ لين أول سفير لها في أبوظبي، في حدث سيصنع التاريخ لاحقا، فمع وصولنا إلى عام 2025، تبلغ العلاقات بين البلدين قمة توهجها السياسي والاقتصادي في ظل قيادة الرئيس شي جين بينغ والشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات.

تعيين السفير هو تشانغ لين، جاء نتيجة طبيعية للعديد من المحفزات والمتغيرات الداخلية والدولية، فالصين مع تبني قيادتها الجديدة بزعامة دنغ شياو بينغ نهج الانفتاح كأساس للسياسة الخارجية، أسهمت في خلق أجواء إيجابية لتطور العلاقات بين البلدين، في وقت كانت تتطلع بكين إلى المزيد من تطبيع العلاقات مع دول خارج دوائر القوتين العظميين، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وكانت الإمارات إحدى هذه الدول نظرا لتبنيها نهج عدم الانحياز، فضلا عما اتصف به المغفور له الرئيس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من حكمة وشخصية كاريزمية.

بالمقابل، أتت رغبة الإمارات في تحقيق التقارب مع الصين في إطار الرؤية الإستراتيجية للشيخ زايد لاتباع نهج متوازن في العلاقات الخارجية ولتعزيز التعاون مع الدول النامية، والتي عبر عنها في خطابه أمام المجلس الوطني الاتحادي في ديسمبر 1984، وكانت الصين من أهم هذه الدول لأنها تمثل دولة نامية كبرى، تتبني قيادتها الجديدة سياسة الانفتاح، مما أتاح الفرصة لبناء علاقات قوية بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، تلاقت رغبة البلدين في تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الخليج سعيا لتحقيق الاستقرار الإقليمي والمساعدة في تهيئة الأجواء الخارجية لتنفيذ برامجها التنموية الوطنية. وبالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لزيارة الشيخ زايد التاريخية لبكين، والسادسة لتعيين السفير هو تشانغ لين، عينت الإمارات في مايو 1991، السيد إسماعيل عبيد يوسف آل علي أول سفير لها في بكين.  

وفي هذا الإطار، مثلت الرؤى الإستراتيجية للزعيم دنغ شياو بينغ والشيخ زايد بشأن السياسة الخارجية أساسا لمسيرة العلاقات بين البلدين على مدار أربعة عقود، والتي سيطرت عليها الصداقة ولغة الخطاب السياسي الودي، فالزيارات المتبادلة الرسمية وغير الرسمية بين القيادتين الصينية والإماراتية تواصلت وتعددت سواء من جانب الرؤساء يانغ شانغ كون وهو جين تاو وشي جين بينغ أو من جانب الشيخ زايد بن سلطان والشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد، ووصلت العلاقات الثنائية، ذروتها بصدور إعلاني إقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة وتعزيزها في عامي 2018 و2019، وتوجت بلقاء القمة بين الرئيس شي جين بينغ والرئيس الشيخ محمد بن زايد في بكين في مايو 2024. ومع حلول الذكرى السنوية الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كان واضحا المستوى الاستثنائي الذي وصل إليه التعاون بينهما، ومدى الأولوية التي تحتلها علاقتهما في أجندة سياستهما الخارجية، وأن الهدف القادم هو جعل هذه الذكرى السنوية الأربعين نقطة انطلاق جديدة لدفع شراكتهما الإستراتيجية الشاملة.

علاوة على ذلك، شهدت العلاقات الاقتصادية والتعليمية والثقافية قفزات كبيرة، فحجم التبادل التجاري بين البلدين الذي بلغ 63 مليون دولار أمريكي في عام 1984 وصل في عام 2024 إلى نحو 838ر101 مليار دولار أمريكي، وتحولت الإمارات إلى بوابة لتصدير منتجات الصين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وصار سوق التنين في دبي محركا اقتصاديا ومعلما سياحيا يتزين كل عام بمهرجان "هلا بالصين"، بينما ترسخت دبي في ذهن الكثير من الصينيين كرمز للثراء والحداثة والجمال، وأصبح مركز الشيخ زايد لدراسة اللغة العربية في جامعة اللغات الأجنبية ببكين روحا للحضارة العربية في بكين.  

وفي دلالة واضحة على المكانة المرموقة التي تحتلها العلاقة بين البلدين في أجندتهما الخارجية، حضرت المرتبة الأولى في كثير من الجوانب، ومن أبرزها على الصعيد السياسي، كانت الإمارات أول دولة خليجية يزورها رئيس صيني عندما زارها الرئيس يانغ شانغ كون (حينذاك)، عام 1989، كما تُعدّ الإمارات أول دولة خليجية يزورها رئيس مجلس الدولة ون جيا باو (حينذاك)، وأول دولة خليجية تُوقّع اتفاقية شراكة إستراتيجية مع الصين عام 2012، وأول دولة خليجية يزورها الرئيس شي جين بينغ عام 2018 بعد إعادة انتخابه. في المقابل، يُعدّ الشيخ زايد بن سلطان أول حاكم من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يزور الصين عام 1990، كما كان من نصيب الصين في عام 2018، أول مبعوث رئاسي تُعيّنه الإمارات إلى دولة أجنبية، وهو السيد خلدون المبارك، مما يجعل الإمارات أيضا أول دولة خليجية تُعيّن مبعوثا رئاسيا خاصا إلى الصين.

أما على الصعيد الاقتصادي، باتت الصين الشريك التجاري الأول للإمارات، بينما باتت الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط، كما افتتحت هونغ كونغ أول مكتب اقتصادي وتجاري لها في الشرق الأوسط بدبي. وفي ضوء القيمة الجوهرية لمبادرة "الحزام والطريق" في تطوير الاقتصاد العالمي، افتتح البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو الذراع التمويلية للمبادرة، أول مكتب خارجي له في أبوظبي في عام 2023، في دلالة مهمة على المكانة البارزة التي ينظر بها الجانب الصيني للإمارات كركيزة أساسية في تنفيذ المبادرة، ومدى حرص القيادة الإماراتية على أن تلعب الإمارات دورا فاعلا في إنجاحها.

من جهة أخرى، كان للتعاون الثقافي والتعليمي، نصيبه من احتلال المرتبة الأولى في العلاقات بين البلدين، ففي عام 2010، أصبحت مدرسة حمدان بن زايد، أول مدرسة في منطقة الخليج تُدرّس اللغة الصينية، كما أنشئ في جامعة دبي أول فرع لمعهد كونفوشيوس في منطقة الخليج عام 2011. وشهد عام 2020 افتتاح أول مدرسة صينية رسمية خارج الصين في دبي.

ختاما، إن ما سردناه بشأن حيوية تطور العلاقات بين البلدين منذ تعيين السفير هو تشانغ لين هو قطرات من فيض، لكن إذا كان طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فإن صناعة المستقبل تحتاج إلى قرار.. قرار يجمع بين عمق الرؤية وقوة الإرادة، فيصبح معه تعيين هو تشانغ لين كأول سفير للصين لدى الإمارات حدثا فارقا في رسم ملامح آفاق علاقتهما، لنكون شهودا بعد أربعين عاما على ذلك المستقبل، وقد صار واقعا مثيرا للإعجاب. 

 

--

د. عمرو منصور، باحث مصري في الشؤون الصينية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4