كلنا شرق < الرئيسية

الرسوم الجمركية الأمريكية 2025.. تداعيات عالمية وفرص صينية في ظل "الحزام والطريق" وبريكس

: مشاركة
2025-04-23 14:56:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

في ظل التصعيد المستمر في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تبرز الرسوم الجمركية الأمريكية كأداة مركزية في هذه المواجهة الاقتصادية. تُتهم هذه الرسوم بأنها لا تضر فقط بالاقتصاد الصيني، بل تمتد تأثيراتها السلبية لتشمل الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء. وقد أعرب قادة العالم ووسائل الإعلام الدولية عن القلق من هذه الإجراءات، معتبرين إياها إجراءات حمائية قد تؤدي إلى زعزعة استقرار النظام التجاري العالمي.​

من جهة أخرى، ترى الصين أن هذه الرسوم تمثل تحديا يجب التعامل معه بحكمة وإستراتيجية. ومن خلال تعزيز شراكاتها ضمن مجموعة بريكس وتوسيع مبادرة "الحزام والطريق"، تسعى الصين إلى تقوية موقعها الاقتصادي وتقليل اعتمادها على الأسواق التقليدية. هذه الخطوات الصينية لا تهدف إلى مواجهة التحديات الحالية فحسب، وإنما أيضا تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بما يتماشى مع مصالح الدول النامية والناشئة.​

في هذا السياق، نشير في هذا التحليل المعمق إلى تأثيرات الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين، مع استعراض ردود الفعل الدولية وآراء قادة العالم حول هذه السياسات. كما يستعرض المقال وجهات النظر المختلفة حول كيفية تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد الأمريكي والشعب الأمريكي، بالإضافة إلى دور الصين في مجموعة بريكس ومبادرة "الحزام والطريق" كوسائل لتعزيز مكانتها الاقتصادية في مواجهة التحديات الراهنة.​

أولا: خلفية النزاع التجاري الأمريكي- الصيني

شهدت العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن الحادي والعشرين مراحل من الشد والجذب، بلغت ذروتها أثناء الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017- 2021) الذي أطلق شرارة "الحرب التجارية" عبر فرض رسوم جمركية على مئات السلع الصينية. وقد سعت الإدارة الأمريكية اللاحقة إلى مراجعة تلك السياسات، لكن الموقف ظل متذبذبا، وصولا إلى تولي ترامب الولاية الثانية خلال عام 2025 والتي أعادت فرض رسوم موسعة على الواردات الصينية تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

يعود الدافع الرئيسي لهذا التصعيد، وفق التصريحات الأمريكية الرسمية، إلى حماية الصناعات المحلية ومعالجة "الاختلال التجاري المزمن" بين البلدين. غير أن كثيرا من الاقتصاديين يعتبرون أن هذه السياسة تنطوي على أهداف جيوسياسية تتعلق بكبح صعود الصين كقوة اقتصادية وتكنولوجية منافسة للهيمنة الأمريكية.

ثانيا: الرسوم الجمركية الأمريكية لعام 2025.. المحتوى والتوقيت والأهداف

منذ تولي الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية في يناير 2025، اتخذ سلسلة من الإجراءات الجمركية التي أثرت بشكل كبير على التجارة الدولية، خاصة خلال شهري مارس وإبريل 2025.​ وأكد ترامب، أن الرسوم الجمركية التي أمر بفرضها على المكسيك وكندا ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 4 مارس، بالإضافة إلى مضاعفة الرسوم الجمركية البالغة 10% المفروضة على الواردات من الصين. وكان من المقرر، أصلا، أن تدخل التعريفات الجمركية الشاملة بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك في الثالث من فبراير، لكن الجانبين اتفقا مع واشنطن على تأجيلها لمدة شهر واحد، وأثار ترامب تكهنات بشأن ما إذا كانت ستدخل حيز التنفيذ في التاريخ الجديد المحدد، حيث قال، ردا على سؤال حول موعد تطبيق التعريفات الجديدة: "سيكون ذلك في الثاني من إبريل." وفي منشور له على منصة "تروث سوشيال"، قال ترامب إن المخدرات غير المشروعة مثل الفنتانيل يتم تهريبها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمستويات "غير مقبولة"، وإن الضرائب على الواردات ستجبر الدول الأخرى على التصدي للاتجار في هذه المواد.

ألقى احتمال تصعيد الرسوم الجمركية بظلاله على الاقتصاد العالمي، حيث عبر المستهلكون عن مخاوفهم من تفاقم التضخم، ومن احتمال تأثر قطاع السيارات إذا تم فرض ضرائب على أكبر شركاء التجارة للولايات المتحدة الأمريكية، مثل كندا والمكسيك. وتشير كل التوقعات والتحليلات، إلى أن الرسوم الجمركية بهذا الشكل ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار والنمو البطيء والكثير من المشكلات في سلسلة التوريد مما يخلق ردود فعل سياسية ضد ترامب.

وفي الخامس من إبريل 2025، دخلت حيز التنفيذ رسوم جمركية عالمية بنسبة 10% على معظم الواردات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كجزء من إستراتيجية ترامب لتحقيق "العدالة التجارية"، وفقا لصحيفة ((وول ستريت جورنال)).

وفي التاسع من إبريل 2025، أعلن ترامب عن زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، حيث ارتفعت إلى 125%، في خطوة تهدف إلى الضغط على الصين في المفاوضات التجارية، حسب وكالة ((رويترز)). وتسببت هذه الإجراءات في توترات تجارية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية، وأثارت مخاوف من تأثيرها على الاقتصاد العالمي.

ثالثيا: التأثيرات الاقتصادية على الصين.. بالأرقام والحقائق

رغم الحصار الجمركي المتزايد، أظهرت المؤشرات الاقتصادية للصين مرونة نسبية، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 2ر5% في الربع الأول من عام 2025، وفق بيانات الهيئة الوطنية للإحصاء بالصين. كما ارتفعت صادرات الصين إلى دول بريكس والدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" بنسبة 11% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

غير أن بعض القطاعات تأثرت، خاصة شركات التكنولوجيا العملاقة التي تعتمد على الأسواق الغربية، مثل "هواوي" و"علي بابا". وأعلنت وزارة التجارة الصينية عن حزمة تحفيز جديدة بمقدار 200 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا)، لدعم الصناعات المتضررة وتعزيز الصادرات إلى الأسواق البديلة.

رابعا: ردود الفعل الدولية.. المواقف الرسمية والإعلام الأمريكي والغربي

توالت ردود الأفعال العالمية والرسمية بشكل كبير، حيث ذكرت الأمم المتحدة، أن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير كارثي على الدول النامية أسوأ من خفض المساعدات الخارجية، ونشر موقع شبكة ((CNN)) الإخبارية الأمريكية تقريرا في 8 إبريل 2025 يحذر من أن "الرسوم الجمركية الجديدة سترفع أسعار الإلكترونيات بنسبة تصل إلى 15% خلال الربع الثاني من العام"، نقلاً عن تحليل أجرته مؤسسة ((Morning Consult)). فيما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في افتتاحية بتاريخ 10 إبريل إلى أن "الرسوم لم تؤثر على بكين كما كان متوقعا، لكنها بدأت تضغط على جيب المواطن الأمريكي، وهو ما قد يخلق رد فعل شعبيا واسعا مع اقتراب الانتخابات". أما صحيفة ((واشنطن بوست)) الأمريكية فقد أبرزت تصريحا لعضو مجلس النواب الأمريكي جيف ميركل قال فيه: "نحن لا نعاقب الصين، بل نثقل كاهل المستهلك الأمريكي." وسلطت صحيفة ((فاينانشال تايمز)) البريطانية الضوء في عددها الصادر بتاريخ 9 إبريل على "موجة احتجاجات من اتحادات صناعية أمريكية"، وخاصة في قطاعات التكنولوجيا والسيارات، حيث أعرب أكثر من 200 شركة أمريكية عن قلقها من تأثر سلاسل التوريد العالمية.

خامسا: التأثير على المواطن الأمريكي.. مظاهرات وتضخم، وتباطؤ اقتصادي

شهدت مدن أمريكية، مثل ديترويت وشيكاغو، مظاهرات عمالية نظمها اتحاد النقابات الصناعية الأمريكية، احتجاجا على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية نتيجة للرسوم الجمركية، خاصة الأجهزة الإلكترونية وقطع غيار السيارات. وأشارت بيانات وزارة العمل الأمريكية إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 6ر4% في مارس 2025 مقارنة بـ1ر3% في ديسمبر 2024. كما أظهرت بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن الإنفاق الاستهلاكي انخفض بنسبة 3ر2% في الربع الأول من 2025، وهو مؤشر على تراجع القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي. وتوقعت مؤسسة "غولمان ساكس" في تقرير لها صدر في 5 إبريل 2025 أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي إلى أقل من 8ر1% خلال النصف الثاني من عام 2025.

سادسا: الموقف الصيني.. إستراتيجيات الاستجابة والمناورة

ردت الصين بخطوات محسوبة، تمثلت في تقديم الصين شكاوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية، متهمةً الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاك قواعد التجارة الدولية من خلال فرض رسوم جمركية أحادية الجانب. كما عملت على توسيع نطاق التعاون مع الدول الصديقة من خلال اتفاقيات التعاون، ومنها مبادرة "الحزام والطريق" ومجموعة بريكس. وفي الحادي عشر من إبريل 2025، أعلنت الصين رفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية من 84% إلى 125%، معتبرةً هذه الخطوة ردها النهائي على التصعيد الأمريكي. وقد أشارت وزارة المالية الصينية إلى أن هذه الزيادة تجعل المنتجات الأمريكية غير قابلة للتنافس في السوق الصينية، وأن أي تصعيد إضافي سيكون بلا جدوى اقتصادية.

في مارس 2025، فرضت الصين رسوما جمركية إضافية بنسبة 15% على منتجات زراعية أمريكية مثل الدجاج والقمح والذرة، و10% على سلع أخرى مثل فول الصويا واللحوم والمنتجات البحرية. وفي إطار القيود الإضافية على الشركات الأمريكية، أعلنت الصين إدراج أحد عشر كيانيا أمريكيا في قائمة "الكيانات غير الموثوقة"، مما يسمح لها باتخاذ إجراءات عقابية ضد هذه الشركات، بما في ذلك تلك المرتبطة بمبيعات الأسلحة إلى تايوان. كما عملت الصين على تعزيز الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا، ففي أواخر مارس 2025، أعلنت الصين عن إنشاء صندوق وطني جديد بقيمة 150 مليار يوان لتمويل مشروعات في مجالات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، كجزء من جهودها لتعزيز الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا.

سابعا: بريكس و"الحزام والطريق".. أدوات الصين لكسر الهيمنة الاقتصادية الغربية

في عام 2024، شهدت مجموعة بريكس توسعا إستراتيجيا بانضمام خمس دول جديدة: مصر، الإمارات، إيران، إثيوبيا، والمملكة العربية السعودية، مما رفع عدد الأعضاء إلى عشر دول. هذا التوسع عزز مكانة المجموعة ككتلة اقتصادية قوية، حيث تمثل الآن أكثر من 45% من سكان العالم ونحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتُعد الصين القوة الدافعة الرئيسية داخل بريكس، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2024 حوالي 5ر18 تريليون دولار أمريكي، ما يجعلها ثاني أكبر اقتصاد عالمي، والأول من حيث القوة الشرائية. وقد وظفت بكين هذه المكانة لتنسيق مواقف موحدة ضد السياسات الاقتصادية الغربية، خاصة الرسوم الحمائية والعقوبات الاقتصادية، داعية إلى إصلاح منظومة الحوكمة العالمية وتعزيز دور الاقتصادات الناشئة في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.

وفي موازاة ذلك، واصلت الصين توسيع مبادرة "الحزام والطريق"، حيث بلغ إجمالي عقود البناء التي أبرمتها الشركات الصينية في عام 2024 حوالي 7ر70 مليار دولار أمريكي، مع استثمارات إضافية بقيمة 51 مليار دولار أمريكي، مما رفع إجمالي التزامات الصين في المبادرة إلى 175ر1 تريليون دولار أمريكي منذ إطلاقها في عام 2013. في الشرق الأوسط وحده، استثمرت الصين نحو 39 مليار دولار أمريكي في مشروعات "الحزام والطريق" خلال عام 2024، مما يعكس التزامها بتعزيز الروابط الاقتصادية مع المنطقة.

أما على صعيد مبادرة "الحزام والطريق"، فقد توسعت المبادرة خلال عامي 2024 و2025 لتشمل أكثر من 150 دولة ومنطقة، مع تنفيذ مشروعات إستراتيجية في البنية التحتية والطاقة والاتصالات. وبحسب بيانات رسمية صينية، بلغت الاستثمارات المباشرة في دول "الحزام والطريق" خلال 2024 وحده أكثر من 96 مليار دولار أمريكي، تركزت في الموانئ والسكك الحديدية وشبكات الجيل الخامس. ولعل أبرز الأمثلة على التفعيل العملي للمبادرة كان في أفريقيا، حيث ضاعفت الصين استثماراتها في مشروعات الربط الإقليمي والطاقة المتجددة في دول مثل مصر وكينيا ونيجيريا، إلى جانب التوسع في مشروعات الزراعة الذكية والتصنيع الخفيف. كما شهدت أمريكا اللاتينية اهتماما متزايدا، إذ وقعت الصين اتفاقيات كبرى مع الأرجنتين وفنزويلا وبوليفيا لتعزيز التعاون في مجالات التعدين والطاقة النظيفة.

وتُظهر هذه الإستراتيجية الصينية تصعيدا واضحا لمواجهة ما تعتبره الصين هيمنة غير عادلة في النظام الاقتصادي العالمي، وذلك عبر تشكيل بدائل مؤسسية مثل بنك التنمية الجديد لبريكس، والذي ضخ خلال 2024 أكثر من ثمانية مليارات دولار أمريكي في مشروعات إنمائية داخل دول الجنوب العالمي.

هذه الجهود مجتمعة تعكس إستراتيجية الصين في بناء نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب، يقلل من الاعتماد على الأسواق الغربية، ويعزز من مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.​

أصبحت مجموعة بريكس بمثابة منصة متعددة الأقطاب لتعزيز التعاون الاقتصادي العالمي وتحدي النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. وقد زادت أهمية هذه المجموعة مع توسيع عضويتها في يناير 2024، مما رفع الناتج المحلي الإجمالي المجمع للمجموعة إلى ما يفوق 30% من الناتج العالمي، مقارنة بنحو 26% للولايات المتحدة الأمريكية ودول مجموعة الدول الصناعية السبع مجتمعة.

في المجمل، تُوظف الصين عضويتها في بريكس ومبادرة "الحزام والطريق" كأداتين تكميليتين لإعادة تشكيل النظام التجاري والمالي الدولي، بما يضعف أدوات الهيمنة الغربية التقليدية ويمنح الدول النامية دورا أكبر في اتخاذ القرار التنموي والاقتصادي بعيدا عن ضغوط واشنطن وحلفائها.

نحو نظام تجاري دولي أكثر عدالة

في ضوء ما تقدم، يتضح أن السياسات التجارية الحمائية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية لا تضر فقط بالصين، بل تلحق الضرر بشركاء واشنطن التجاريين وحتى بمواطنيها. وفي المقابل، فإن قدرة الصين على المناورة الاقتصادية، وتوظيف عضويتها الفاعلة في بريكس، والانفتاح على الشراكات عبر مبادرة "الحزام والطريق"، تمثل أدوات إستراتيجية فاعلة في مواجهة هذا التصعيد.

لقد بات واضحا أن النظام التجاري العالمي يحتاج إلى إعادة صياغة أكثر عدالة وتوازنا، تضمن مصالح جميع الدول، لا سيما تلك النامية، وتحد من استخدام أدوات التجارة كوسيلة للضغط السياسي أو فرض الهيمنة الاقتصادية.

--

أحمد سلام، المستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين، وخبير في الشؤون الصينية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4