تشتهر المملكة المغربية بمناظرها الجميلة، وتعرف بأنها "حديقة شمالي أفريقيا". يتميز الشعب المغربي بالمودة وعقليته المنفتحة وكرم الضيافة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمعاملة الأجانب، بكل لطف وود واهتمام. وبفضل عملي، تعرفت على العديد من الأصدقاء من مختلف المجالات في المغرب، وقد تلقيت العديد من الدعوات لزيارة منازلهم، مما أتاح لي تجربة حقيقية لكرم الضيافة المغربية.
تتميز طريقة استقبال المغاربة للضيوف باللطف والتهذيب، مما يجعل الضيوف يشعرون وكأنهم في منازلهم. يُعرف المغاربة باحترامهم للوقت، ففي كل زياراتي للمسؤولين الحكوميين أو أصدقائي، لم أواجه أي إلغاء للمواعيد، بل كانوا دائما في استقبالي عند باب المكتب أو المنزل، ويحرصون على مرافقتي إلى السيارة بعد انتهاء اللقاء. يتمتع المغاربة أيضا بروح الإيثار، حيث يدعونك لتناول الشاي أو العشاء في منازلهم بعد فترة قصيرة من التعارف. عند استقبال ضيف مهم، يرتدي المضيفون الزي التقليدي المغربي المعروف بـ"الجلابة"، ويستقبلون الضيوف عند الباب بالتمر والحليب. على سبيل المثال، مؤخرا، أخبرني العديد من أصدقائي المغاربة أنهم شاهدوا على التلفزيون الرئيس الصيني شي جين بينغ، أثناء زيارته للدار البيضاء، حيث تذوق التمر مع مولاي الحسن، ولي العهد، في صالة المطار. وقد عبروا عن إعجابهم لاهتمام الرئيس شي بتقاليدهم وعاداتهم.
عندما تزور منزل صديقك في المغرب، ستجد نادلا محترفا يرتدي زي العمل مع قفازات بيضاء، يقف في زاوية الصالة لتقديم الخدمة للضيوف. على طاولة صغيرة في الصالة، تعرض المشروبات والفواكه المجففة المختلفة، بما في ذلك الحلويات المغربية التقليدية مثل كعب الغزال والمقروض بالتمر. وفي الخلفية تعزف فرقة موسيقية صغيرة وتؤدي الأغاني المغربية الأصيلة. في زاوية أخرى من الصالة، يجلس مُعدّ الشاي مرتديا الزي التقليدي، وأمامه عدة أوعية صغيرة تحتوي على أعشاب مختلفة تشبه إلى حد ما الأعشاب الطبية الصينية. يقوم مُعدّ الشاي بوضع الأعشاب التي يختارها الضيف في الشاي الساخن، ويُقال إن لكل نوع من هذه الأعشاب فوائد صحية مختلفة، فبعضها يساعد على خفض ضغط الدم، وبعضها يساعد على تحسين الهضم، والبعض الآخر يساعد على استعادة النشاط والحيوية.
غالبا ما أتحدث مع أصدقائي المغاربة عن الشاي الأخضر الصيني، حيث يقولون إن شرب الشاي الأخضر الصيني يوميا أمر ضروري، ويمازحون قائلين إن نصف أجسامهم مصنوع من الشاي الأخضر. كما يؤكدون على أن الأدوات التي يستخدمونها لتحضير الشاي تُسمى "الصينية" (وهي كلمة عربية تعني الأشياء الصينية، في إشارة إلى أن هذه الأدوات مصنوعة من الخزف الصيني، وهو ما يعكس العلاقة الثقافية بين البلدين). وأخبرتُهم أيضا أن المغرب يعد أكبر مستورد للشاي الأخضر الصيني، حيث يستورد حوالي 70 ألف طن سنويا، مما يبرز الدور الخاص الذي يلعبه الشاي الأخضر في تعزيز التقارب بين الشعبين الصيني والمغربي.
تتميز منازل المغاربة بأنها كبيرة وعملية، مع لمسات ثقافية مغربية في التصميم. تتميز مدينة الرباط، التي أعيش فيها، بتخطيط حضري دقيق ومدروس بعناية، فالحكومة المحلية لا تسمح بأن تتجاوز البيوت التي يبنيها السكان طابقين، بحيث تتكون من طابق تحت الأرض، وطابق أرضي، وطابق أول. العائلات التي أزورها غالبا ما تكون من المسؤولين أو رجال الأعمال، ويتمتعون بمستوى معيشي جيد. عند دخول المنزل، يقوم المضيف بمرافقة الضيوف في جولة لاستكشاف المنزل. ما لفت انتباهي هو أن المنزل واسع لكن مدخله صغير، مما يعكس أسلوب ديكور بسيط وهادئ. يوجد داخل المنزل غرفتا استقبال أو ثلاث بأحجام مختلفة، منها غرفة دائرية مغربية بأرائك محاذية للجدران. أوضح لي المضيف أن إحدى الوظائف الرئيسية لغرفة الاستقبال المغربية هي استقبال الأطفال خلال العطلات أو الأعياد، حيث يمكنهم قضاء الليل والنوم في هذه الغرفة الواسعة. ما يثير الإعجاب هو أنك تجد في معظم المنازل عناصر تظهر الثقافة الصينية، مثل البارافانات والمزهريات والأواني والتماثيل الحربية الجنائزية المصغرة. وغالبا ما يشاركك المضيف قصصا شيقة عن هذه القطع الفنية الصينية. بالإضافة إلى ذلك تضم معظم المنازل مسبحا ومساحة كبيرة من العشب سواء في الجزء الأمامي أو الخلفي. عادة ما يكون أصحاب هذه المنازل من كبار السن، الذين اشتروا الأراضي قبل عشرين أو ثلاثين عاما عندما كانت أسعارها منخفضة، واستغرقوا ثلاث أو أربع سنوات لبناء المنزل. أثناء تجولي في أحد التجمعات السكنية مساء، لاحظت أحيانا عائلة تقيم خيمة في الفناء، وعندما سألت، وجدت أنهم يستعدون لإقامة حفل زفاف لأحد أبنائهم يوم السبت، حيث يعتبر منزل الوالدين هو المكان الوحيد الواسع الذي يتسع لإقامة المناسبات الكبيرة.
أطباق الضيافة المغربية غنية ومليئة باللمسات المميزة. يفتخر المغاربة بأن المطبخ المغربي يحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد المطبخ الصيني والفرنسي. كل الصينيين الذين يزورون المغرب في مهام عمل قصيرة، يتذوقون الطعام المغربي، ويشيدون بحصص الطعام التي تتناسب مع الأذواق الصينية. لاحظت أن المغاربة غالبا ما يختارون الطاولات المستديرة عند استضافة الضيوف لتناول الطعام، ويقولون إن الجلوس معا حول الطاولة يعطي شعورا بالدفء والألفة. أول ما يُقدّم هو المقبلات المغربية، التي تشبه سلطة المطبخ الغربي، وتكون غالبا مكونة من الباذنجان والجزر والقرع وهريس الطماطم. ثم بعد ذلك تُقدّم الأطباق الرئيسية، ومن أبرزها: البسطيلة المغربية، وهي نوعان: أحدهما مالحة تحتوي على مأكولات بحرية مثل الجمبري والحبار داخل عجينة هشة، والأخرى حلوة المذاق وتحتوي على لحم الحمام أو الدجاج مع البصل والليمون والبيض واللوز المحمص؛ أما المشوي، فهو لحم خروف أو ضأن كامل مشوي، يتميز بلحمه الطري ويقدم مع الملح والكمون كصلصة للتغميس؛ والطاجين المغربي، يشبه إلى حد ما طبق الخضراوات المختلطة في شمال شرقي الصين (دونغبي دالواندون باللغة الصينية)، ومن أشهر أنواعه طاجين لحم البقر مع الخوخ وطاجين الدجاج مع الليمون والزيتون وطاجين السمك؛ أما الكسكس فيقدم مع لحم الخروف أو الضأن المشوي أو منفردا كطعام نباتي، وعادة ما يُقدّم مع سبعة أنواع من الخضراوات مثل القرع والبطاطس والجزر، ويعد الكسكس وجبة تقليدية يتم تناوله عادة بعد صلاة الجمعة كوجبة عائلية. أما بالنسبة للحساء، فإن حساء الحريرة المغربية هو الأكثر شهرة، وهو يشبه الحساء الصيني الكثيف في قوامه، ويُحضر من لحم البقر أو الضأن مع الطماطم والبصل والحمص، ويُضاف إليه الكزبرة والزعفران لإضفاء نكهة حلوة وحامضة. قبل فترة قصيرة، زارني عشرة من زملائي في رحلة إلى المغرب، وأخذتهم إلى منزلين أحدهما للسيد عبد العزيز الدرويش، رئيس عمالة الرباط، والآخر للسيد مقاوي، رئيس غرفة التجارة المغربية- الصينية، لتجربة الأطباق المغربية اللذيذة. قام الصديقان المغربيان بإعداد وجبة تقليدية مغربية كاملة بكل عناية، وقد أثار كرمهما ومودتهما إعجاب زملائي بشكل كبير.
يعتبر المغاربة تبادل الهدايا وسيلة مهمة لتقوية الصداقة وتوثيق العلاقات. وفقا للتقاليد المغربية، يُفضل إحضار هدية عند زيارة منزل شخص ما لأول مرة، ويمكن اختيار هدية من الحرف التقليدية أو الحلويات أو الزهور أو الكتب أو الكتيبات الفنية. إذا تمت دعوتك لحضور حفل زفاف، يُفضل إحضار هدية من الحرف اليدوية التي تظهر ثقافة بلدك. قبل فترة قصيرة، تعرفت على تاجر مغربي يعمل في صناعة الشوكولاتة في الدار البيضاء، وبفضل تفاهمنا السريع، أصبحنا صديقين مقربين. وهو يرسل لي بانتظام علب شوكولاتة، وأقوم بمشاركتها مع زملائي في العمل. من الجدير بالذكر أن سائقي محمد يهديني تقريبا كل عام في عيد ميلادي هدية، مثل الجلابة المغربية التقليدية أو إطار يحتوي على صورة لي خلال المشاركة في فعاليات رسمية. وبالطبع، كنت أرد له الجميل بإهدائه بعض الهدايا الصينية.
كما أن المغاربة يجيدون التعبير عن الامتنان، وعادة ما يردون الجميل بطرق ودية بعد تلقي المساعدة من الآخرين. من الشائع أن يقدم المغاربة ميداليات أو شهادات التقدير للتعبير عن الامتنان مع طباعة صورهم وأسمائهم ومعلومات أخرى عليها. على مر السنين، حصلتُ على ميداليات وكؤوس تقديرية من عدة مؤسسات مثل الاتحاد المغربي لرياضة الووشو، والجمعية الإسماعيلية الكبرى، ومركز تعليم اللغة الصينية بمراكش، وذلك تقديرا للمساعدة الصينية في تنظيم مسابقات رياضة الووشو والمنتدى الدولي للسياحة وتوفير المواد التعليمية لمركز تعليم اللغة الصينية.
خلال اجتماع عمل الدبلوماسيين في نهاية عام 2023، أكد الرئيس شي جين بينغ على ضرورة أن نكون ماهرين في تكوين صداقات واسعة وعميقة، وأن نعمل على كسب قلوب الشعب سواء في الأوساط الرسمية أو بين عامة الناس. خلال توقف الرئيس شي في الدار البيضاء، قال إنه يجب على الجانبين الصيني والمغربي توسيع التبادلات الثقافية وتعزيز الأساس الشعبي للعلاقات الودية بين البلدين. أعتقد أن التعرف بشكل نشط على المزيد من الأصدقاء من مختلف المجالات في المغرب والسعي لمعرفة المزيد من العائلات المغربية وفهم أعمق لظروف المغرب والمجتمع المغربي، هو أفضل طريقة لتنفيذ توجيهات الرئيس شي المذكورة أعلاه. في أواخر يناير عام 2025، أطلقت شركة الخطوط الجوية الصينية الشرقية خطا جويا جديدا يربط بين شانغهاي ومرسيليا والدار البيضاء، كما استأنفت شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية رحلاتها بين الدار البيضاء وبكين. من المتوقع أن تشهد التبادلات الإنسانية بين الصين والمغرب تطورا سريعا، وأنا على ثقة من أن هذا سيوفر أساسا شعبيا قويا للتعاون الشامل بين البلدين.
_________
لي تشانغ لين، سفير الصين لدى المغرب.