كلنا شرق < الرئيسية

"بطاريات الليثيوم أيون".. الصين بين المحافظة على الريادة والتخلص من السلبيات

: مشاركة
2025-02-19 10:23:00 الصين اليوم:Source محمد علّام:Author

بطاريات الليثيوم أيون (Lithium-ion battery) هي السبب وراء توفير الطاقة التي يستخدمها مئات الملايين وربما المليارات من البشر بشكل يومي في جميع أنحاء العالم. وستكتشف عزيزي القارئ، أنه لا مبالغة في ذلك حينما تعرف أنها المسؤولة عن تشغيل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية والمركبات الكهربائية، والسيارات الهجينة التي تعمل بمحرك كهربائي وتكون مزودة في نفس الوقت بمحرك يعمل بالبنزين العادي، ويشترك كلا المحركين في توليد الطاقة اللازمة لعمل السيارة. ولأنها المسؤولة عن كل ذلك وأكثر، ولما تمتاز به من مميزات، مثل خفة الوزن والطاقة الكبيرة التي تنتجها وقابليتها لإعادة الشحن، تزداد شراهة البشر نحو بطاريات الليثيوم أيون يوما بعد يوم.

كيف تعمل بطاريات الليثيوم أيون؟

 لنلق أولا نظرة سريعة على مكونات تلك البطاريات، والطريقة التي تعمل بها. تتكون بطارية الليثيوم أيون من عدة مكونات أساسية هي: أنود- كاثود- فاصل- إلكتروليت- جامع للتيار (موجب والسالب). يقوم الأنود والكاثود بتخزين الليثيوم، في الوقت الذي يحمل فيه الإلكتروليت أيونات الليثيوم المشحونة إيجابيا من الأنود إلى الكاثود والعكس صحيح من خلال الفاصل الذي تتمثل مهمته في منع تدفق الإلكترونات داخل البطارية، ما يمنع من احتراقها. فعند استعمال الجهاز الذي يعمل ببطارية الليثيوم أيون، مثل الهاتف والكمبيوتر والمركبة الكهربائية، يطلق الأنود أيونات الليثيوم إلى الكاثود، مما يؤدي إلى توليد تدفق للإلكترونات من جانب إلى آخر. أما عند شحن الجهاز يحدث العكس، حيث يتم إطلاق أيونات الليثيوم بواسطة الكاثود واستقبالها بواسطة الأنود.

الصين وريادة صناعة الليثيوم أيون عالميا

توسعت الصين، كدولة وكشركات خاصة، في استخدام بطاريات الليثيوم أيون في كل شيء تصلح فيه، حتى امتلكت الريادة على مستوى العالم. ففي مجال المركبات الكهربائية على سبيل المثال، لدينا دراسة بعنوان "صعود صناعة بطاريات الليثيوم أيون للسيارات في الصين.. التطور المشترك لأنظمة وسياسات الابتكار التكنولوجي للبطاريات"، والتي اشترك في إعدادها السيدة هوي ون قونغ من معهد الجغرافيا التابع لجامعة برن في سويسرا، بالتعاون مع تيس هانسن من قسم اقتصاديات الغذاء والموارد بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك. تكشف هذه الدراسة عن امتلاك الصين ومنذ عام 2015 أعلى حجم إنتاج لبطاريات المركبات التي تعمل ببطاريات الطاقة الجديدة (المقصود بها بطاريات الليثيوم أيون) على مستوى العالم. هذه الدراسة نفسها قسمت تطور صناعة بطاريات الليثيوم أيون لاستخدامها في المركبات الكهربائية الصينية على ثلاث مراحل زمنية.

الأولى كانت قبل عام 2009، واتسمت بشكل أساسي بالعمل على تنمية القدرات التكنولوجية المحلية في ذلك المجال.

تلي ذلك المرحلة الثانية (من عام 2009 إلى عام 2014)، حيث بدأ الترويج بشكل ممنهج لهذه المركبات، وتم اعتبار تكنولوجيا البطاريات جزءا إستراتيجيا مهما من طموح الحكومة. ثم جاءت المرحلة الثالثة التي بدأت اعتبارا من عام 2015، حيث شهدنا توسعا سريعا في سوق المركبات التي تعمل ببطاريات الليثيوم أيون، وزيادة الابتكارات المحلية في هذه التكنولوجيا.

يؤكد ذلك، ويرفع أنظارنا لنرى المستقبل، ما نجده في الورقة البحثية التي حملت عنوان "البطاريات.. من الخطة الخمسية الثالثة عشرة إلى الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين" والتي اشترك في إعدادها ثلاثة باحثين بقيادة تشوان لي من معهد الفيزياء التابع للأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، والتي توسعت لتنقل لنا صورة صناعة بطاريات الليثيوم أيون في الصين بجميع المجالات وليس المركبات الكهربائية فحسب. هذه الورقة أشارت إلى العديد من النقاط المهمة والحيوية في هذا المجال، بداية من دمج الصين لتكنولوجيات بطاريات الليثيوم أيون في الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، وإلى الاستثمارات المستمرة في هذا المجال، والتي مكنت الصين من أن تصبح الدولة الرائدة عالميا في مجال إنتاج بطاريات الليثيوم أيون. كما لفتت هذه الورقة الانتباه إلى أن الريادة في الإنتاج هنا لا تعني حجم الإنتاج فقط، كما أشارت الدراسة السابقة، بل إلى الريادة في تكنولوجيا التصنيع وجودة المنتج نفسه، كثمرة للابتكارات الصينية المستمرة في هذا المجال.

فعلى سبيل المثال، ارتفعت كثافة الطاقة لبطاريات الليثيوم أيون التجارية المنتجة في الصين من أقل من 100 وات/ كغم، إلى أكثر من 300 وات/ كغم، كما زادت دورة حياة البطارية من مائة مرة شحن وتفريغ إلى أكثر من عشرة آلاف مرة، مما زاد من متوسط عمرها بصورة لا تصدق. بحسب هذه الورقة البحثية أيضا، فإن الانخفاض الوحيد الذي حدث في قصة بطاريات الليثيوم أيون في الصين، كان انخفاض سعرها.

ولعل كل ما حققته الصين في هذا المجال كان دافعا وراء اهتمام المراكز البحثية الأمريكية الكبرى، مثل معهد "كارنيغي" الذي نشر بدوره ورقة بحثية في أكتوبر عام 2024 تحدثت عن وجوب وضع الولايات المتحدة الأمريكية نصب عينيها هدف الفوز في سباق "البطاريات من الجيل القادم"، وسنوضح ذلك بشكل أكبر في جزء تال من هذا المقال.

لكن المهم في هذا الجانب، والذي ذكرته تلك الورقة البحثية أن وضع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن يوصف بالخطير، مع امتلاك الصين حصة تتراوح بين 70% و90% من سلسلة إنتاج بطاريات الليثيوم أيون من الجيل الحالي، بداية من استخراج المعادن ومعالجتها إلى تصنيع البطاريات، وتأتي خلفها اليابان وجمهورية كوريا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الرابع.

في نفس الوقت، نري دراسة أخرى بعنوان "كيف تمكنت الصين من الهيمنة على سوق بطاريات الليثيوم أيون للمركبات الكهربائية على مستوى العالم.. الدروس والفرص المتاحة لأفريقيا"، صدرت بمجهود الباحث الصيني شي شو وانغ عن كلية كوبنهاغن لإدارة الأعمال في الدنمارك، يتحدث فيها عن الطرق التي يمكن أن تستفيد بها قارة أفريقيا الغنية بالمعادن والأسواق المحتملة من تجربة بلاده الناجحة. وبين المثالين، يمكن قراءة الكثير من المعاني بين السطور.

مشكلة بطاريات الليثيوم أيون المستهلكة في الصين

لكن، وبالرغم من إنجاز الريادة العالمية، فإن الأمر لا يخلو من المشكلات التي ظهرت مع التوسع في إنتاج واستهلاك بطاريات الليثيوم أيون. في هذه الجزئية بالتحديد، ربما تعتبر دراسة "حل مشكلات بطاريات الليثيوم أيون المستهلكة في الصين.. الفرص والتحديات"، واحدة من أهم الدراسات العلمية التي تناولت هذا الملف. الدراسة قام بإعدادها فريق مكون من تسنغ شيان لاي من "مختبر الدولة الرئيسي المشترك لمحاكاة البيئة ومكافحة التلوث" التابع لكلية البيئة في جامعة تشينغهوا، بالتعاون مع لي جين هوي من جامعة تشينغهوا أيضا، وليو لي لي، وهو باحث ثالث من ذات المختبر الذي يعمل فيه الباحث الأول في هذه الدراسة.

المحور الأساسي في هذه الدراسة يتناول تأثير تصاعد استهلاك الصينيين منذ تسعينيات القرن الماضي للإلكترونيات الاستهلاكية والمركبات الكهربائية، وما نتج عن ذلك من كميات هائلة من بطاريات الليثيوم أيون المستهلكة في الصين. وفقا للباحثين في هذه الدراسة، نتج عن ذلك الاستهلاك المتصاعد مشكلتان رئيسيتان؛ الأولى هي المخاطر البيئية والصحية المحتملة نتيجة هذه الكميات الهائلة من البطاريات المتراكمة، والتي تعتبر معقدة أكثر من النفايات الإلكترونية التقليدية. والثانية هي ضياع الكثير من الموارد القيمة التي استخدمت في إنتاجها. واقترحت الدراسة القيام بمراجعات شاملة وتحليل للأنظمة الوطنية والمحلية المتعلقة بكيفية إدارة نفايات بطاريات الليثيوم في الصين، مشيرة إلى أن لدينا فرصة كبيرة للاستفادة من تلك البطاريات بإخضاعها لعملية إعادة التدوير بشكل مناسب لها. إعادة التدوير تلك ستمكننا من استخراج هذه الموارد وإعادة استخدامها في بطاريات جديدة، مما يحفظ كميات هائلة من تلك الموارد التي لم تستهلك قبل ذلك، ونتركها في مكانها كما هي في الطبيعة، علاوة على تخليص البيئة من كميات هائلة من تلك النفايات.

كانت تلك الدراسة في عام 2015، ويبدو أن الصين انتبهت إليها وإلى حالة نفايات بطاريات الليثيوم أيون بأسرها. ففي يوليو من عام 2021، أي بعد ست سنوات من الدراسة الأولى، تم نشر دراسة أخرى بعنوان "حالة إدارة بطاريات الليثيوم أيون المستهلكة في الصين وعملية إعادة تدوير الدائرة المغلقة بالكامل". من العنوان وحده، نكتشف أن الصينيين قد بدأوا بالفعل في عمليات إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون المستهلكة لديهم. الدراسة التي اشترك فيها فريق بحثي بقيادة سون شي تشيانغ من مختبر الدولة الرئيسي لمكافحة التلوث وإعادة استخدام الموارد في شانغهاي، أشارت وبشكل محدد إلى الجهود التي قامت بها الصين في هذا الإطار، ومنها إصدار تشريعات قانونية معنية بتوجيه عملية إعادة تدوير البطاريات المهملة. كذلك أشارت الدراسة إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة الصينية، وحققت من خلالها بعض الإنجازات التي تعد "خبرات قيمة" يمكن أن تستفيد منها دول أخرى تعاني من نفس المشكلة. كما طرحت هذه الدراسة أيضا بعض الاقتراحات الإدارية، وطرقا عملية لإعادة التدوير بشكل صديق للبيئة.

بطاريات الجيل القادم

في النهاية، يبدو أن الصينيين في جعبتهم ما هو أكثر تطورا من بطاريات الليثيوم أيون. ففي الثاني عشر من يناير عام 2025، أعلنت وكالة ((شينخوا)) للأنباء الصينية عن اختراق علمي جديد أحزره علماء صينيون في أبحاث بطاريات الليثيوم المعدنية. إنها نوع جديد من بطاريات الليثيوم الواعدة والتي يعدها كثيرون "بطاريات الجيل القادم"، إذ من المأمول أن توفر ضعف الطاقة التي توفرها بطاريات الليثيوم أيون الحالية. ولنا أن نتصور الذي يمثله ذلك من تقدم كبير في مجالات مثل المركبات الكهربائية ومضاعفة المسافة التي تستطيع قطعها قبل أن تحتاج لإعادة الشحن أو الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي ستتضاعف مدة عملها. السيد يان كه يو، من جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، وهو أيضا المشرف على البحث الذي أعلنت عنه ((شينخوا))، أدلي بتصريحات قال فيها إن البطاريات التي أنتجوها تتميز بعزل إلكتروني عال واستقرار كيمائي أعلى، وبالتالي فهي أفضل من حيث الأداء وكذلك مستوي السلامة. وبحسب ((شينخوا)) أيضا، فقد نشرت مجلة ((نيتشر)) البريطانية نتائج توصل إليها فريق بحثي صيني، كان أهمها نجاح هذا الفريق في بناء واجهة إلكتروليت صلبة ومثالية على أسطح أنودات الليثيوم المعدنية. هذه الجزئية بالتحديد تعتبر القطعة الناقصة في هذه التكنولوجيا، وإذا نجح الفريق الصيني في تثبيت هذا الاختراق العلمي وإنتاج هذه البطارية بكميات تجارية، سنكون على موعد مع فصل جديد من تاريخ البطاريات الكهربائية. يذكرنا ذلك بدراسة معهد "كارنيغي" والتي تحدثت عن تقنيات أمريكية متطورة ستدفع ببطاريات الجيل القادم إلى الأسواق في العقد المقبل، وأن واشنطن سيكون لديها فرصة كبيرة في التفوق على الصين، لأن تلك البطاريات تستغني عن مادة الغرافيت التي تسيطر عليها الصين في الإنتاج. لكن يبدو أن على السادة في معهد "كارنيغي" وفي الولايات المتحدة الأمريكية كلها إعادة حساباتهم من جديد، وضبط أنفسهم على تقبل استمرار الوضع الحالى من تفوق الصين في مجال البطاريات بصورة عامة.

--

محمد علّام، كاتب وباحث مصري.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4