كلنا شرق < الرئيسية

جولة وانغ يي وتفعيل الشراكة الصينية- الأفريقية

: مشاركة
2025-02-19 10:21:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

بهدف متابعة تنفيذ مخرجات خطة عمل قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي التي عُقدت في سبتمبر 2024 ببكين، بجانب تعميق التعاون العملي بين الجانبين في جميع المجالات لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة للعلاقات الصينية- الأفريقية، وكذلك، استمرارا لتقليد ثابت وفريد من نوعه للدبلوماسية الصينية منذ 35 عاما، بجعل أفريقيا المحطة الأولى لزيارات وزير خارجية الصين في بداية كل عام جديد، أجرى وزير خارجية الصين وانغ يي جولة أفريقية، خلال الفترة من 5 إلى 11 يناير 2025، شملت أربع دول، وهي: ناميبيا وجمهورية الكونغو وتشاد ونيجيريا.

سياقات مهمة للجولة

جاءت جولة وانغ يي إلى أفريقيا في سياق مجموعة من التطورات المهمة، سواء بالنسبة للعلاقات الثنائية بين الصين وأفريقيا، أو بالنسبة للتطورات ذات الصلة بالقارة الأفريقية على الساحة العالمية. فعلى صعيد العلاقات الثنائية بين الصين وأفريقيا، جاءت الجولة بعد ترقية العلاقات بين الجانبين إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية، إذ اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، رفع العلاقات الثنائية بين الصين وجميع الدول الأفريقية التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع الصين إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية، وكذلك رفع التوصيف العام للعلاقات الصينية- الأفريقية إلى مجتمع المستقبل المشترك في جميع الأحوال بين الصين وأفريقيا في العصر الجديد. وهي المقترحات التي مثلت علامة فارقة في العلاقات الصينية- الأفريقية، وأكدت إصرار الصين على مواصلة الارتقاء بالتعاون الصيني- الأفريقي إلى مستويات جديدة.

كما سيشهد عام 2025، بدء تنفيذ خطة عمل بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي (2025- 2027). ومن هنا، تكمن أهمية الجولة في دفع التنفيذ الفعال لهذه الخطة، والتي ستقوم بموجبها الصين وأفريقيا بتنفيذ 10 مبادرات شراكة للتعاون من أجل تعزيز التحديث للصين وأفريقيا خلال السنوات الثلاث القادمة، تغطي مجالات التعلم المتبادل بين الحضارات، وازدهار التجارة، والتعاون في سلسلة الصناعة، والاتصال، والتعاون الإنمائي، والرعاية الصحية، وإنهاض المناطق الريفية ورفاه الناس، والتبادلات بين الناس، والتنمية الخضراء، والأمن المشترك.

ومن جهة أخرى، جاءت الجولة في الوقت الذي تتجه فيه الصين نحو زيادة دعمها المالي للقارة المثقلة بالديون، فضلا عن تطلعها إلى إبرام المزيد من صفقات المعادن المهمة وإيجاد أسواق لاستيعاب الصادرات الصينية، انطلاقا من اعتقاد بكين الراسخ بأن أفريقيا مصدر للحيوية وأرض مليئة بإمكانات التنمية، وليست قارة منسية. ومع تركيز الصين على التعافي الاقتصادي وحاجتها إلى ضخ المزيد من الموارد اللازمة لعملية التنمية، فإن الدول الأفريقية توفر فرصا مهمة لشركات البنية التحتية المملوكة للدولة في الصين، كما يبحث قطاع الطاقة المتجددة المزدهر في الصين عن أسواق لمنتجاته من السيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية.

واتصالا بما سبق، فقد باتت أفريقيا تمارس دورا متزايد الأهمية على الساحة الدولية، وتتطلع الدول الأفريقية إلى قيام الصين بمساعدتها في الحصول على المزيد من الاهتمام والدعم على الصعيد العالمي، حيث لعبت الصين بالفعل دورا كبيرا في هذا الإطار، من خلال الآليات الدولية المتعددة الأطراف التي تضم في عضويتها الصين، ومنها على سبيل المثال مجموعة بريكس، ومجموعة العشرين. ولقد دعمت الصين انضمام كل من مصر وأثيوبيا إلى مجموعة بريكس، وكذلك دعمت أيضا انضمام الاتحاد الأفريقي كعضو رسمي في مجموعة العشرين، حيث من المرتقب أن تستضيف جنوب أفريقيا قمة المجموعة في نوفمبر المقبل، وذلك للمرة الأولى. وبفضل هذا الدعم من جانب الصين، تعززت المكانة الدولية لأفريقيا وأصبح صوتها مسموعا في القضايا الدولية المهمة، مثل تغير المناخ والصحة العالمية والحد من الفقر وإصلاح التجارة. وبدورها، تستفيد الصين أيضا من تزايد المكانة الدولية لأفريقيا، من خلال دعم وتأييد جهودها لحوكمة العلاقات الدولية، بما تمتلكه القارة من قوة تصويتية ضخمة في المنظمات الدولية.

ورغم ما سبق، تحدث البعض زاعما بأن الجولة تأتي في سياق التنافس الجيوسياسي على القارة الأفريقية، وأنها تأتي في سياق سعي الصين لملء الفراغ الناجم عن الإنسحاب الغربي من أفريقيا، ولا سيما في منطقة الساحل الأفريقي. وهو الزعم المردود عليه بأن جولة وانغ يي جاءت في إطار تقليد سنوي للدبلوماسية الصينية، وجرى التحضير لها منذ فترة طويلة، ورغم أنها جاءت قبل أقل من أسبوعين على تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين، فإنها تعكس رسالة مهمة مفادها استمرار الصين كشريك دائم للقارة الأفريقية، وليست لها علاقة بالتوقعات التي تشير إلى احتمال تراجع اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة بأفريقيا، وبالتالي المنافسة بين بكين وواشنطن في القارة.

تعزيز علاقات الشراكة

تمخضت الجولة عن العديد من المخرجات المهمة التي تدفع باتجاه تعزيز وتفعيل علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين وأفريقيا في العديد من مجالات التعاون بين الطرفين. فعلى صعيد التعاون الثنائي، وعلى المستوى الاقتصادي والتجاري، أكدت الصين وأفريقيا أنهما تعتزمان التعاون في تنفيذ خطط العمل العشر للشراكة المقترحة في قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024، والتي يرى قادة الدول التي زارها وانغ يي أنها تعالج بشكل شامل كافة جوانب التعاون بين الصين وأفريقيا والتحديات الملحة التي تواجه أفريقيا، وتتماشى بشكل كامل مع احتياجات القارة، وستوفر دعما كبيرا لتنمية القارة ونهوضها. كما قررت الصين والدول الأفريقية تعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين حضارات الجانبين، فضلا عن تبادل خبرات الحوكمة، ما يضع أساسا سياسيا واجتماعيا أقوى وأوسع للتعاون بين الصين وأفريقيا.

كذلك، أبدت الصين التزامها بالعمل مع الشركاء الأفارقة لتعزيز تنفيذ خطة عمل الشراكة من أجل التنمية الخضراء، وتنفيذ مشروعات الطاقة النظيفة المقترحة في قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، وتدعيم برنامج "الحزام الشمسي الأفريقي"، ومساعدة أفريقيا على الشروع في مسار التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون. وفيما يتعلق بالتعاون الزراعي، سلط وزير خارجية الصين الضوء على خمسة مجالات رئيسية ستركز عليها الصين، وهي: الأمن الغذائي، والتخفيف من حدة الفقر، وبناء القدرات، وتسهيل التجارة، وشبكات الشركاء، من أجل تسهيل تنفيذ ما يتعلق بالزراعة ضمن النتائج التي أسفرت عنها قمة بكين. كما تعمل الصين أيضا مع أفريقيا لدفع التحول الأخضر في القارة من خلال الاستثمارات في الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتصدي للتحديات الرئيسية في التكنولوجيا الزراعية والأمن الغذائي.

كما نجحت الجولة في تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الصين والدول التي شملتها الجولة، حيث أبدت الصين استعدادها لمواءمة مبادرة "الحزام والطريق" وخطط العمل العشر للشراكة مع "أجندة الأمل المتجدد" النيجيرية، وكذلك التعاون مع نيجيريا بشأن تبادل العملات. وبالتزامن مع الجولة، أعلن بنك التنمية الصيني عن قرض بقيمة 76ر254 مليون دولار أمريكي لنيجيريا لبناء مشروع سكة ​​حديد يربط بين ولايتي كانو وكادونا الشماليتين، في إطار مشاركة الصين في برنامج تحديث السكك الحديدية في نيجيريا ضمن مبادرة "الحزام والطريق". كما أبدت الصين استعدادها لمساعدة ناميبيا في تحويل مزايا مواردها إلى فوائد تنموية ومجتمعية، وضخ استثمارات صينية في الطاقة النووية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، لتعزيز مكانة ناميبيا في التوجه نحو الطاقة الخضراء.

وعلى الصعيد الأمني والعسكري، عززت الجولة التعاون العسكري بين الصين وأفريقيا، حيث أبدت بكين اعتزامها تقديم مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) كمساعدات عسكرية للقارة الأفريقية، بما في ذلك تدريب ستة آلاف عسكري وألف ضابط شرطة في مختلف أنحاء القارة. كما تدعم الصين مساعي نيجيريا لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين. وترفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لأفريقيا، وأكدت أيضا استمرار دعمها لدور الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات وتعزيز السلام في جميع أنحاء القارة.

وعلى المستوى السياسي الثنائي، فبالإضافة إلى تعزيز التعاون والثقة السياسية بين الجانبين، جددت الدول الأفريقية التي تضمنتها الجولة التزامها ودعمها الثابت لمبدأ "الصين الواحدة"، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، فضلا عن معارضتها للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للصين. أما على صعيد تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي بين الطرفين على المستوى الدولي، فقد أكدت الصين استعدادها للتعاون مع الدول الأفريقية لدفع إصلاح منظومة الحوكمة العالمية، فضلا عن تعزيز الحوكمة العالمية للمناخ. كما دعا الرئيس النيجيري الصين إلى دعم سعي بلاده للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.

ثوابت السياسة الصينية تجاه أفريقيا

أكدت جولة وانغ يي إلى أفريقيا على العديد من الحقائق والثوابت بشأن السياسة الصينية تجاه القارة الأفريقية. فقد أكدت هذه الجولة على الالتزام الثابت للصين بتعزيز العلاقات مع أفريقيا، إذ يعتبر التقليد المتمثل في جعل أفريقيا الوجهة الخارجية الأولى لوزير خارجية الصين في بداية كل عام ملمحا مميزا للدبلوماسية الصينية، التي حافظت عليه لمدة 35 عاما متتالية، وبات سابقة فريدة في العلاقات الدولية. وهو ما يؤكد للعالم ثبات التزام الصين تجاه التضامن مع أفريقيا رغم تحولات المشهدين الدولي والإقليمي. حيث ستظل الصين أكثر صديق موثوق فيه بالنسبة لأفريقيا، والشريك الذي يمكن للقارة أن تُعوّل عليه لتحقيق التنمية، بجانب كونها الداعم الأكبر لأفريقيا على الساحة الدولية. كما أكدت الجولة أيضا على التزام الصين الطويل الأمد بتعزيز شراكتها مع الدول الأفريقية، مع التركيز على التنمية الاقتصادية والتجارة والتعاون السياسي، كما عكست أيضا استدامة وأهمية الصداقة التقليدية بين الصين وأفريقيا، وكذا التزام الصين المستمر بالتعاون الودي مع القارة.

الدلالة الأخرى المهمة التي أكدتها الجولة، تتمثل في موازنة الدبلوماسية الصينية بين الدول الصغيرة والكبيرة، ذلك أنه مقارنة بغيرها من القوى الدولية الأخرى الفاعلة على الساحة الدولية، والتي تميل إلى منح الأولوية للتعامل مع الدول الأفريقية الكبرى في الزيارات الرفيعة المستوى، فإن المتابع للجولات السنوية لوزير خارجية الصين إلى أفريقيا يلحظ أنها تتسم بخاصية فريدة تتميز بها الدبلوماسية الصينية، تتمثل في الموازنة وعدم التمييز بين أحجام الدول، سواء الصغيرة أو الكبيرة، في علاقاتها مع الصين. فبالنظر إلى الجولة الأخيرة، يلاحظ أنها شملت تشاد، وهو ما يسلط الضوء على تركيز بكين على دبلوماسية الدول الصغيرة، كما أنها شملت أيضا نيجيريا، وهو ما يشير إلى تركيز الصين على دبلوماسية الدول الكبيرة.

ومن جهة أخرى، عكست الجولة التزام الصين بتنفيذ مخرجات قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، حيث أكدت المناقشات التي أجراها وانغ يي خلال الجولة، وكذلك إدراج جمهورية الكونغو في جدول الزيارة، باعتبارها الرئيس المشارك لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، والذي يحدد أجندة العلاقات الصينية- الأفريقية، على التزام الصين بالمضي قدما في تنفيذ التعهدات المالية التي تعهدت بها خلال قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي الأخيرة، حيث تعهدت الصين بتقديم 51 مليار دولار أمريكي في شكل مساعدات مالية جديدة للقارة الأفريقية.

ومن الدلالات الأخرى التي عكستها الجولة، حرص الصين على تعزيز العلاقات مع مختلف أقاليم ومناطق القارة، إذ تضمنت الجولة أربع دول تعكس التنوع الجغرافي لأفريقيا، حيث تقع ناميبيا في الجنوب، وجمهورية الكونغو وتشاد في الوسط، ونيجيريا في الغرب. وتحظى هذه الدول بخصوصيتها وأهميتها الإستراتيجية في العلاقات الصينية- الأفريقية، فناميبيا تتميز بتعاونها مع الصين في مجالات مثل الطاقة والبنية التحتية، مما يُعزز العلاقة الاقتصادية الثنائية، بينما جمهورية الكونغو رغم كونها واحدة من أقل البلدان نموا في أفريقيا، تتسم علاقتها مع الصين بالتضامن، كما ستستضيف القمة المُقبلة لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، أما تشاد فهي غنية بالموارد النفطية وتلعب دورا مهما في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن الإقليمي، مع تميز الصين كشريك تجاري واستثماري رئيسي. وبالنسبة لنيجيريا فهي أكبر دول القارة من حيث السكان، ومن أكبر منتجي النفط في أفريقيا، كما أنها تُعد شريكا اقتصاديا رئيسيا للصين.

وختاما، في 7 يناير 2025، وبالتزامن مع جولة وانغ يي الأفريقية، نشرت وكالة أنباء ((شينخوا)) تعليقا قالت فيه إن التعاون الصيني- الأفريقي يقدم مثالا ممتازا لتعزيز الرخاء المشترك. واستنادا إلى مبدأ الإخلاص والنتائج الحقيقية والصداقة وحسن النية، ساهمت مشروعات التعاون بين الصين وأفريقيا على مدى الخمسة والعشرين عاما الماضية بشكل كبير في التنمية المستدامة للقارة. وأضافت ((شينخوا))، أنه في ظل عالم تشوبه سياسات القوة والهيمنة، تصبح أهمية الشراكة الصينية- الأفريقية أكثر وضوحا، وتقف كمنارة للمساواة والتنمية المشتركة والرخاء المشترك.

وبالفعل، فقد نجحت جولة وانغ يي في ضخ مزيد من الزخم في علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين وأفريقيا، وهو ما يدفع باتجاه تحقيق أهداف وتطلعات الجانبين، كما عبرت عنها خطط العمل المقترحة أثناء قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، والتي يتوقع أن يعمل الجانبان على إنجازها خلال السنوات الثلاث المقبلة بكل قوة لتحقيق آمال وطموحات 8ر2 مليار نسمة في الصين وأفريقيا.

--

عادل علي، إعلامي وباحث متخصص في الشأن الصيني- مصر.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4