كلنا شرق < الرئيسية

مقولات الرئيس شي جين بينغ.. الدلالات الفلسفية

: مشاركة
2024-04-10 10:34:00 الصين اليوم:Source محمد حسين أبو العلا:Author

من إيحاءات التجارب الثرية والأفكار الخصبة والنظرة الثاقبة والرؤية التقدمية، تنطلق مقولات الفلاسفة والحكماء والعلماء والقادة والرؤساء نحو آفاق رحبة تحقق طموحات البشر وأحلامهم. وتتبلور هذه الآفاق بين معطيات الحاضر واستشراف المستقبل، مكتسبة قيمتها وأهميتها من ومضات الماضي بما تحمله من عمق ودراية ووقار وثبات، لذا تظل هذه المقولات على درجة عليا من الاتزان والمرونة الظاهرة والخفية، التي تجعلها تصارع طوفان الزمن ليأتي البشر بعد عقود طوال أو بعد قرون، ليستكشفوا مدى المصداقية والموضوعية التي استحوذت عليها، فيكون الاستمساك بها طريقا نحو الصواب بعد مسيرة مع الأخطاء والخطايا.

وقد جاءت مقولات الرئيس الصيني شي جين بينغ حاملة للكثير من الفضائل الفكرية، التي أصبح عالمنا المعاصر في مسيس الحاجة إليها، ليس من منطق الوجاهة والرفاهية بل من منطق ضرورة البقاء والاستمرارية، حفاظا على النسق الحضاري وبث روح الدافعية، بعد أن اخترقتها مؤشرات التراجع.

ولعل أبرز مقولات الرئيس شي جين بينغ التي تنطوي على أغوار فلسفية، تسير في اتجاه استقصاء الحقائق وإعلانها هي مقولة: أن الحضارات ملونة. وهي منطقية تماما، لأنه إذا كان لكل حضارة طابعها النوعي المتفرد، فإن هناك ضرورات تاريخية تحتم التلاقح والامتزاج مع الحضارات الأخرى، تحقيقا للفاعلية الإنسانية- لا سيما في هذه اللحظة- بمعنى أن تصبح مؤهلة للأخذ والرد والقبول والعطاء. ذلك بجانب أن التاريخ الحضاري للأمم والشعوب، يعد خير شاهد على تكريس فكرة الاختلاف، باعتباره يمثل إحدى السنن الكونية المطلقة، إذ إن التطابق والتماثل لا يعني غير نفي التعددية، وهو ما لا يستقيم مع اعتدالية الفكر وحاجة الواقع.

الحضارة ملونة.. إذا كان يحمل مضمونها معنى الاستقلالية والذاتية الحضارية، فإنه يعني أيضا وبشكل مثير معنى الكينونة الأخرى بكل خصائصها التي لا تحول دون التجاوب والتبادل والتكامل والاحترام، وكلها عوامل لا تطمس هويتها. وهي أبجدية شهيرة انخرط فيها كل فلاسفة التاريخ الذين أكدوا دوما أنه بغير الغير لا يوجد وجود، بل إن ذلك هو الدافع الأوحد لشحذ الروح الحضارية نحو التفوق والريادة.

ولعل كل ذلك يستدعي استحضار معنى واحد هو مجانبة الصراع والصدام المعوق لآليات المسيرة الحضارية، التي صارت تركن لسيادة قيم الابتزاز والنفعية، ولا تعبأ بانعكاسات ذلك على الآخر، أيا كان هذا الآخر، وهو ما ينسف الجانب الإنساني والأخلاقي على السواء، ويطيح بالفكرة الجوهرية.. إننا أمواج في بحر واحد.

أما المقولة الأخرى التي تستوجب التأمل، فهي أن الحضارات متساوية. وهي مقولة تقوم على فكرة رد الأشياء لمحركاتها الأولية، بمعنى أن الوزن النسبي لكل منها واحد، وهو ما يشير إلى النفي القاطع لنظرية التمايز الحضاري، إذ إن لكل حضارة منجزا إنسانيا يمثل إضافة نوعية تقاس كيفا لا كما، وبصمة أخلاقية رافضة بالطبع لفكرة الاستعلاء والغطرسة التي تقوم على موقف سلبي غوغائي وأسباب غير عقلانية تبيح استهجان الحضارات الأخرى، التي ربما كانت نواة أساسية ومكونا محوريا للحضارة المعاصرة.

إن فكرة أن كل الحضارات متساوية ينطلق من مبدأ رائد، وهو أنه لا توجد على الصعيد التاريخي حضارة كاملة لم تؤثر أو تتأثر مستغنية بذاتها، وإنما كان التعاطي والتواصل والاندماج والاحتواء هو القيمة المعيارية الثابتة بين الحضارات جميعها، وأن آفة الاستعلاء ظلت حائلا أبديا دون فهم أسرار الحضارات ومكنوناتها طلسماتها أيضا.

وإذا كان تاريخ الثورات يفاخر بأن المساواة الفردية، قد مثلت محورا مهما في أضابيره، فإنه اتساقا مع ذلك تكون المساواة بين الحضارات لها أولوية قصوى، انطلاقا من أن تاريخ المجتمعات من الداخل يعد قضية ذات أهمية، لكنها لا تقارن بقضية تاريخ الحضارات فيما يرتبط بإعلاء أسس المساواة.

وهناك مقولة أخرى تشير إلى أن الحضارات متسامحة، أي أن تكون لها القدرة الفائقة على التواصل والتلاقي وهو ما يسمو بالتخلي عن كافة الفروقات والتباينات التي تعلو أو تغض من القيمة الفعلية لأي حضارة وإزالة حواجز الأنا والنحن، والتي تتقدم أولى سلبياتها في بروز العنصرية والتميز العرقي، باعتبارها أنماطا تصنيفية تمارسها الكتلة الغربية على غيرها من أطياف المجتمع الإنساني.

ولعل البداية نحو التسامح الحضاري، إنما تكون بخوض مغامرة التغيير الراديكالي في القيم الثقافية والاجتماعية. فإذا كانت هذه المغامرة وحدها هي التي تتيح التسامح مع الذات، فبالتالي يمكن أن تتيح التسامح مع الآخر، وهو يعد بعدا مهما في إقصاء البعد التآمري الذي تنبثق عنه الكراهية والعداوة وتغييب الميثاق الأخلاقي بكل مفرداته من التعايش والسلام وشيوع التعددية الثقافية والروحية وإقرار القيم الإنسانية الرفيعة. وعلى ذلك، فالحضارة المتسامحة إنما تضفي على ذاتها وقارا وقيمة، وتصير نموذجا خلاقا لغيرها من الحضارات رفعة وسموا.

ولعل المشهد الدولي المعاصر في حاجة ملحة لأن يستلهم معاني التسامح، بدلا من سيادة مفهوم الصدام وإحلال مفهوم نهاية التاريخ والفوضى الخلاقة، بل وكل تلك المعاني التي تحمل دلالات سالبة لحرية الإنسان، وأيضا تلك التي تسعى لابتذال كرامته وكينونته.

تلك هي الرؤية الفلسفية القائمة على غايات الاستدلال المنطقي وبلوغ كنه الحقائق، والتي وجهها الرئيس شي جين بينغ لسكان الكوكب الأرضي وقادته ومفكريه، لتفكيك المعضلة الوجودية التي تطوق العالم المعاصر سياسيا وإستراتيجيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا إنقاذا للمصالح وبحثا عن توافق الأهواء، وفضا للإشكاليات العالقة بالأذهان، وأملا في عالم جديد يطوي صفحة قاتمة من تاريخه ليستيقظ على أحلام الحضارة. د. محمد حسين أبو العلا

--

د. محمد حسين أبو العلا، كاتب وأستاذ علم الاجتماع السياسي- مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4