كلنا شرق < الرئيسية

"الدورتان السنويتان".. نظرة اقتصادية

: مشاركة
2024-04-10 10:32:00 الصين اليوم:Source د. ضياء حلمي:Author

عقدت في مارس عام 2024 الدورة الثانية للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، والدورة الثانية للمجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني لعام 2024 المعروفتان باسم "الدورتان"، حيث تم بحث العديد من الموضوعات المهمة في هذا التوقيت الدقيق من المشهد العالمي السياسي والاقتصادي، والذي تحتل فيه الصين وقطاع الاقتصاد الصيني، صدارة المشهد. لهذا، كان من الطبيعي أن تكون هناك ملفات اقتصادية حاضرة في "الدورتين"، حيث يحتاج تقدم الاقتصاد الصيني، مع المحافظة على ما تم من إنجازات اقتصادية، إلى تشريعات تدعم وتعزز وتحفز هذا الاقتصاد.

وما يجعلني أثق في توجهات الصين واستمرار نجاح الاقتصاد الصيني، رغم الأزمات العالمية الاقتصادية- وبعضها مفتعل- ورغم التضخم العالمي، هو حالة الانضباط والالتفاف حول الحزب والرئيس والحكومة، وأيضا حالة الولاء نحو الدولة من خلال السلوك المتزن لمجتمع الأعمال، والتناغم بين الشركات العملاقة مع أهداف الدولة الإستراتيجية في الاقتصاد.

وعلى الرغم من استهداف الصين معدل تنمية يصل إلى 5% لعام 2024، فإنني أتوقع تحقيقه أو أكثر قليلا. وهو بالمناسبة ليس معدلا كبيرا أو يستحيل تحقيقه، بل هو معدل معتدل تحسب فيه الصين حسابات الاقتصاد العالمي في المجمل. وأسجل أن الصين قد تتجاوز هذا المعدل قليلا، إذا سار الاقتصاد العالمي دون مفاجآت.

ومن يتابع السياسة الاقتصادية الصينية في السنوات القليلة السابقة، منذ أزمة وباء كوفيد- 19 وتأثيره السلبي على سلاسل الإمداد ومعدلات التنمية في العالم كله، يجد أن الصين لم تلجأ إلى تطبيق خطة إنعاش اقتصادي واسعة النطاق، حتى لا يضغط هذا النهج على ميزانية الدولة.

اقتصاديا نقول إن الصين لديها ميزة نوعية اقتصادية لا تتوفر كثيرا لدول أخرى، حيث يصل عدد السكان- المستهلكين- إلى مليار وأربعمائة مليون نسمة، كما أن هناك أسواقا كانت دائما مفتوحة للبضائع الصينية، حتى في ظل اتجاهات السياسة وضغوطها، والتي مارستها بوضوح وعلانية الولايات المتحدة الأمريكية.

وستلعب "الدورتان" دورا كبيرا في استمرار وتعزيز الثقة بين المستهلكين في الصين وبين الحكومة الصينية، وهناك التشريعات التي تحمى هذا كله. والتقدم الاقتصادي الصيني، وبالذات في اقتصاد المعرفة يتطور بشكل إيجابي ومذهل، لهذا ستكون الميزانية المرصودة للذكاء الاصطناعي في كل المجالات دافعا حقيقيا لدعم وتقدم الاقتصاد الصيني، والذي حقق نجاحات كبيرة وإبداعية في هذا المجال تحديدا. وقد قطعت الصين شوطا كبيرا في مجال التحول الرقمي، وهو ما يعطينا الانطباع بقراءة الصين الجيدة لمستقبل الاقتصاد في الصين والعالم.

ولا أستطيع إلا الوقوف أمام تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ أسابيع، وتحديدا في مطلع عام 2024، حينما صرح بأن هذه المرحلة في الصين ستشهد الاهتمام بجودة التنمية. وهي ليست كلمات أو عبارات تمر دون تأمل وتحليل، لأن الرئيس شي تحدث طوال عام 2023 عن أهمية الابتكار والإبداع في الصناعة الصينية، وهما مكملان لمفهوم التنمية العالية الجودة، حيث لا يمكن أن تكون هناك جودة عالية في التنمية، أي الصناعة بكل المجالات بدون الإبداع والابتكار، وهو ما تم بالفعل في المنتجات الصينية التي شهدها العالم في العام الماضي، بل وينتظر المستهلك العالمي المزيد في هذا الشأن.

وأنا أعتبر أن "الدورتين" في الصين حدث رئيسي وفريد لدعم خطط الصين الاقتصادية لهذا العام، ذلك أن لقاء آلاف الأشخاص من النافذين والمسؤولين وصناع القرارات من كل أنحاء الصين، يصنع لنا مؤتمرا ضخما من العصف الذهني غير المسبوق.

والنموذج التنموي الصيني نموذج ناجح، وهناك طاقة صناعية فائضة بسبب تذبذب حجم الطلب العالمي. لكن هذا لا يقلل من شأن وأهمية الطاقة الصناعية في البلاد. فإذا أضفنا إلى ما سبق من حرص الصين رئيسا وحزبا وحكومة على الاستمرار والمضي قدما في الإصلاحات بتطبيق مبادئ الشفافية وقواعد الحوكمة، سنرى أن الصين تسير على الطريق الصحيح كأحد أهم الاقتصادات في العالم بغض النظر عن رقم الترتيب (الأول أو الثاني)، حيث يتأثر بلا جدال اقتصاد العالم بالاقتصاد الصيني صعودا وهبوطا. وقد أشارت القيادة الصينية، في أكثر من مناسبة، إلى ثقتها الثابتة في انتعاش الاقتصاد الصيني. وأعتقد أنا شخصيا فيما ذهبت إليه القيادة الصينية.

وبمتابعة إحصاءات الاقتصاد الصيني ومعدلات الإنتاج، نرى أن عجز الميزانية والذي كان محدودا من قبل وفي حدود 8ر3% سينخفض ليصل إلى أقل من 3% هذا العام 2024، حيث كما أوضحت، لا تلجأ الصين إلى الإجراءات المفاجئة أو الخطط العنيفة لتحقيق انتعاش سريع، وإنما هي فلسفة الاتزان الاقتصادي لمن يحكم قرارات الصين. وهناك اتجاه للصين لتعزيز الاقتصاد الخاص، بسياسات وتشريعات تدعم دور القطاع الخاص، وهو ما أتصور أن يكون له انعكاس إيجابي على الاقتصاد الصيني بشكل عام. حيث سيساهم هذا ليس فقط في خفض معدلات البطالة، والتي هي ليست عالية أصلا، وإنما أيضا سيكون عاملا إضافيا لدعم الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص العمل في المجتمع الصيني، ومساعدة الحكومة على تنفيذ خطط التنمية في كافة القطاعات. وهنا تلعب القوانين والتشريعات دورا أساسيا في انتعاش القطاع الخاص، والذي أصبح ذراعا صينية قوية وإضافية للقطاع الحكومي والرسمي.

والقطاع الخاص في الصين هو أيضا ذو ملامح خاصة بالتجربة الصينية، فهو يعمل بتنسيق وتناغم واتفاق مع القطاع الحكومي، وهذا الالتزام بخطط ورؤية الدولة يصنع النجاح الآمن، ويوسع من قيمة المشاركة المجتمعية في صناعة التقدم وتحقيق الرفاه المرجو.

وقد قامت الحكومة الصينية- ولا تزال- بمعالجة الشواغل الرئيسية للشركات الخاصة بشكل جيد، بما في ذلك حماية حقوق الملكية للشركات الخاصة، وضمان مشاركتها في المنافسة في السوق على قدم المساواة، وتسوية المدفوعات المتأخرة المستحقة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

كما تم تعزيز الثقة وتنشيط كيانات الأعمال وتحفيز قدراتها الإبداعية، وتعزيز تنمية قوى إنتاجية جديدة. وهناك اتجاه صيني، أرصده بعناية، وهو اتجاه الدولة إلى تحفيز الطلب المحلي، مما سيساعد على تعافي وانتعاش الاقتصاد الصيني. وبمتابعتي لحركة الاقتصاد الصيني وقت الأزمات المالية العالمية، وحالة التضخم الدولي الكبير، أجد أن الصين قامت بتنفيذ سياسة نقدية حكيمة، وسياسة مالية استباقية، وهو ما أدى إلى تفادي أزمات كبيرة واجهتها دول كبرى في العالم. وأعتقد أن نتائج "الدورتين"، ستنعكس قراراتها على تعزيز الاستهلاك والاستثمار معا في المجتمع الصيني. سيأتي تعزيز الاستهلاك تبعا للسياسات الصينية الحديثة، من خلال تحسين توقعات دخل الأسر، وتحسين قوتها الشرائية، وتعزيز رغبتها في الاستهلاك.

وليس هناك من شك في أن هناك آفاقا هائلة لسوق الذكاء الاصطناعي، وابتكارات التكنولوجيا الأساسية، وهو ما تعمل عليه الصين، بجانب حرص الدولة الكبير على مراعاة خفض معدلات انبعاثات الكربون في عام 2024. وحتى الأزمة العقارية تضعها الصين في الاعتبار، وتقوم بعمل ما يجب نحو تفريغها من أسباب الأزمة.

أما بلغة الأرقام، وفي سياق رصد أنشطة الذكاء الاصطناعي في الصين، فإن التوقعات تشير إلى أن الصين ستذهب بعيدا وبخطوات واسعة، حيث من المتوقع أن يصل حجم السوق بحلول عام 2035 إلى 73ر1 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 1ر7 يوانات تقريبا حاليا)، وهو رقم ضخم للغاية، خاصة وأن عام 2035 يعتبر في عمر الأمم قريبا جدا. وإذا أردنا الدقة بمقارنة هذا المعدل في التقدم بمجال الذكاء الاصطناعي، فإننا نوضح أن هذا الرقم يمثل 6ر30% من الحجم الإجمالي العالمي لسوق الذكاء الاصطناعي. وبالطبع فإن تقنية الذكاء الاصطناعي أصبحت القوة الدافعة الرئيسية لتعزيز التنمية المبتكرة للاقتصاد الرقمي، كما يتسارع تكاملها مع الاقتصاد الحقيقي، الأمر الذي سيعزز التحول الرقمي للصناعات وتصنيع التقنيات الرقمية.

لكل ما سبق وأكثر تصدر الاقتصاد أعمال "الدورتين السنويتين" للصين.

--

د. ضياء حلمي، الأمين العام المؤسس لغرفة التجارة المصرية- الصينية بالقاهرة، وعضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4