كلنا شرق < الرئيسية

مذبحة نانجينغ والأزمة الإنسانية في غزة

: مشاركة
2024-01-09 14:57:00 الصين اليوم:Source تشو جيان وي:Author

كوني نشأت وترعرعت في مدينة نانجينغ الصينية، أدرك تماما الشعور بالألم الهائل الذي يترتب على الكوارث الإنسانية. نانجينغ هي مدينة تقع في شرقي الصين على ضفاف نهر اليانغتسي، وقد وقعت في ديسمبر 1937 مذبحة في نانجينغ، استمرت أكثر من شهر، نتج عنها مقتل أكثر من 300 ألف مدني وجندي تركوا أسلحتهم، على يد جيش الاحتلال الياباني، وهي الحادثة المروعة التي صدمت العالم، والمعروفة باسم مذبحة نانجينغ عام 1937. بسبب هذا الجرح التاريخي، نحن لا ننسى هذا الألم في كل لحظة، وفي الثالث عشر من ديسمبر كل عام، يتعالى صوت صفارات الإنذار في سماء نانجينغ، ليذكرنا مرارا وتكرارا بعدم نسيان التاريخ ويحثنا على تقدير السلام الحالي. في كل شتاء، أقوم بزيارة متحف مذبحة نانجينغ لفهم قسوة الحرب وقيمة السلام. منذ أكتوبر هذا العام، عندما أرى الأخبار المتجددة باستمرار وصور مأساة غزة التي تظهر على الشاشة، أشعر وكأنني عدت إلى ديسمبر 1937 في مدينة نانجينغ. لقد أعادت مشاهد الشوارع المليئة بالأنقاض، والمستشفيات المليئة بالضحايا، والمدينة التي تفتقد إلى روح الحياة، إلى ذهني ذلك الشعور بالمأساة التي حدثت قبل خمسة وثمانين عاما، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

تاريخ الصين طويل وغني، وهي دائما نشيطة في المشاركة في الشؤون الدولية، ودعم قيم العدالة والإنصاف. ومن خلال مطالعة الدروس التاريخية، يمكننا أن نرى أن الصين لا تتعامل فقط بحزم لحماية مصالحها الخاصة، بل تظهر أيضا مسؤوليتها الدولية في الأحداث العالمية. تعتبر مذبحة نانجينغ وأزمة الإغاثة الإنسانية في غزة حالتين تاريخيتين مختلفتين تماما، ولكن كليهما خلفا بصمات عميقة في المشاركة الدولية وجهود السلام الصينية.

نانجينغ.. جروح التاريخ

كانت مذبحة نانجينغ حادثة مأساوية في فترة الحرب العالمية الثانية، وقعت في عام 1937. خلال احتلال القوات اليابانية لنانجينغ، تعرض الآلاف من المدنيين الأبرياء لانتهاكات بشعة. ومع ذلك، بدت ردة الفعل الدولية تجاه هذه الكارثة ضعيفة وبطيئة. على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة الصينية لطلب المساعدة الدولية ولفرض عقوبات على المعتدين اليابانيين، كانت الاستجابة محدودة. تخبرنا هذه الفترة التاريخية أن المجتمع الدولي يواجه تحديات كبيرة في الدفاع عن العدالة وحقوق الإنسان. أثناء مذبحة نانجينغ التي وقعت في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، كانت الاستجابة الدولية محدودة إلى حد كبير. في ذلك الوقت، كانت الصين منهمكة في الحرب الصينية- اليابانية الثانية، وكان المجتمع الدولي مشغولا بتصاعد التوترات التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية. وقد ساهمت عدة عوامل في نقص التدخل الدولي القوي خلال مذبحة نانجينغ. ومن أبرز هذه العوامل، اهتمام العالم بالحرب العالمية الثانية وقتذاك، حيث كان المجتمع الدولي مركزا على التطورات الجيوسياسية الأوسع نطاقا التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية. حدثت مذبحة نانجينغ في فترة من الصراع العالمي الشديد، وكانت القوى العظمى منشغلة بشكل أساسي بشؤونها الإستراتيجية الخاصة. ومن تلك العوامل أيضا محدودية المعلومات والاتصالات، إذ كانت وسائل الاتصال ونشر المعلومات في ذلك الوقت غير متقدمة كما هي عليه اليوم، ولم يكن مدى الفظائع في نانجينغ واضحا بشكل فوري للمجتمع الدولي، واستغرق الأمر وقتا لوصول المعلومات الدقيقة إلى عواصم العالم. بالإضافة إلى نقص الاستجابة المنسقة، الأمر الذي تمثل في عجز الرد الموحد والمنسق من المجتمع الدولي على فرض التدخل الفعّال. كانت هناك درجات متفاوتة من الالتزام في النزاع في الصين، ولم يكن هناك اتفاق حول كيفية التعامل مع الوضع. علاوة على ديناميات السلطة والعلاقة مع اليابان. كانت بعض القوى الكبرى لديها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع اليابان، وقد أثر ذلك في موقفها تجاه مذبحة نانجينغ. ساهمت المخاوف من تعريض هذه العلاقات للخطر في تبني موقف أكثر حذرا. ومن تلك العوامل كذلك سياق العلاقات الدولية، فقد كانت منظمة عصبة الأمم في ذلك الوقت، تواجه تحديات في اتخاذ إجراءات حاسمة بسبب قيودها الخاصة وديناميات العلاقات الجيوسياسية في تلك الفترة.

لقد علمتنا مذبحة نانجينغ درسا قيما، ألا وهو أن المجتمع الدولي يجب أن يكون أكثر نشاطا في مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان. تلتزم الصين بالدعوة للسلام والعدالة من خلال نقل الحقائق التاريخية إلى العالم، وتشجيع التبادل الثقافي لتعزيز التفاهم بين الحضارات، بهدف بناء رابطة المصير المشتركة للبشرية.

أزمة الإغاثة الإنسانية في غزة.. تحديات الوقت الراهن

أزمة الإغاثة الإنسانية في غزة هي نتيجة للصراع الطويل في منطقة الشرق الأوسط، حيث عانى الشعب الفلسطيني من هذا الصراع لعقود طويلة. والحقيقة المروعة هي أنه اليوم، ومع وجود وسائل التحديث الأكثر قوة، سواء كانت سياسية أو تكنولوجية، لا تزال غزة غير قادرة على الاستفادة منها، وما زالت تواجه وضعا متدهورا. في قطاع غزة الذي يحتضن ما يقرب من مليون شخص نازح، يعيش حوالي 787 ألف شخص في 154 مأوى تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). أماكن الإيواء هذه مكتظة بالسكان، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض بشكل مستمر. وبسبب عدم وجود مأوى آمن، يضطر النازحون إلى العيش في خيام مؤقتة خارج ملاجئ جنوبي غزة، حيث يعانون بشكل لا يُحتمل من هطول الأمطار والطقس القاسي. وقد تم تدمير مناطق واسعة في قطاع غزة جراء القصف الصاروخي الإسرائيلي المستمر، وتعرضت المستشفيات للقصف أيضا، مما أدى إلى وفاة الأطفال حديثي الولادة. بالإضافة إلى ذلك تم حرمان جميع سكان غزة من وسائل البقاء الأساسية، بينما يستمر العالم في متابعة هذا بدهشة. حتى كتابة هذه المقالة، تعمل فقط ربع المستشفيات في غزة. قبل اندلاع هذا الصراع، كان هناك حوالي 3500 سرير متوفر في المستشفيات في جميع أنحاء غزة، وكان هناك مرضى أكثر من ذلك بكثير. اضطر الأطباء والممرضون إلى اتخاذ قرارات حيال من سيعيش ومن سيموت. وأدت ندرة الموارد في قطاع غزة ونقص الوقود إلى إعاقة الجهود الإنسانية وتوفير المساعدة لشعب غزة الفلسطيني بشكل كبير. حتى الآن، يعاني حوالي 70% من سكان غزة من عدم توفر مياه الشرب النظيفة. توقفت الخدمات الأساسية، بما في ذلك محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي. بسبب نقص الوقود أو الكهرباء، يتم إغلاق شبكة الاتصالات في غزة. يتعرض الأطفال في غزة للقتل والتشويه، ويحرمون من فرص الحصول على المساعدة. منذ اندلاع هذا الصراع، وحتى كتابة هذه المقالة، قتل أكثر من 4600 طفل في غزة، وأصيب قرابة 9000 طفل، وأصبح مليون طفل بلا مأوى. كما تم دفن العديد من الأطفال تحت أنقاض البنايات المدمرة. كل ذلك نتيجة مأساوية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق السكنية.

تتبنى الصين موقفا حازما تجاه مشكلة غزة، حيث تسعى إلى حل الأزمة من خلال التفاوض والحوار. كما تؤكد الحكومة الصينية على أهمية مشاركة المجتمع الدولي بفعالية لتجنب تفاقم الأوضاع.

المشاركة الدولية وجهود السلام الصينية.. صون العدالة والإنسانية

قال وزير خارجية الصين وانغ يي، خلال المحادثات مع الوفد المشترك لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية في 20 نوفمبر 2023، إن الجانب الصيني يؤكد بثبات دعمه للجهود الدبلوماسية المبذولة من قبل الدول العربية والإسلامية. الصين تركز الآن على تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار والأعمال القتالية. إن وقف إطلاق النار لم يعد مجرد لغة دبلوماسية، بل يمثل مفتاحا حاسما لحياة سكان قطاع غزة. يجب تنفيذه بشكل شامل كأولوية، لتلبية احتياجات سكان قطاع غزة وتطلعات العديد من دول العالم، فذلك يعتبر نداء مشتركا لجميع الشعوب المحبة للسلام. كما يتعين الالتزام الجاد بالقانون الدولي وخاصة القانون الدولي الإنساني. يعارض الجانب الصيني بشدة أي تهجير أو تشريد قسري للمدنيين الفلسطينيين. يجب على إسرائيل التوقف عن فرض العقاب الجماعي ضد سكان قطاع غزة وفتح ممرات إنسانية في أسرع وقت ممكن، لتجنب وقوع كارثة إنسانية على نطاق واسع. وأيضا من خلال تاريخها السابق، وعت الصين بعمق أهمية السلام والعدالة، حيث كانت قادرة على فهم تلك الأحاسيس المؤلمة لفقدان الوطن والأسرة. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ظلت الصين دائما ملتزمة بتقديم دعم كبير وفعّال للضحايا والنازحين جراء الحروب والكوارث الإنسانية وحتى الكوارث الطبيعية.

استنادا إلى هذه الآراء الأساسية، يتمثل الموقف الصيني في دعم الحل عبر الحوار والمفاوضات لقضية فلسطين وإسرائيل، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي وتعزيز التعاون الإنساني وتنمية فلسطين.

تظهر المشاركة الدولية للصين وجهودها للسلام دورها الفاعل في العالم. تتخذ الصين موقفا بنّاء في مواجهة التحديات الدولية، حيث تقوم بتقديم حلول مستدامة وعادلة. كما تعكس الجهود الصينية في نانجينغ وغزة التزامها الراسخ بقيم السلام والعدالة على المستويين المحلي والدولي.

بشكل عام، تعكس الصين من خلال سلوكها في الشؤون الدولية صورتها كدولة كبيرة تتحمل مسؤولياتها، ومن خلال الاستفادة من التجارب التاريخية مثل مذبحة نانجينغ ومشاركتها الفعّالة في حل الأزمات الدولية مثل أزمة غزة، تظل الصين على تواصل مع داعمي السلام والعدالة. تحث الصين المجتمع الدولي على التخلي عن عقلية الحرب الباردة وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية.

وفي النهاية، أود أن أعرب عن تمنياتي بأن تعلو ضحكات الأطفال في كل زاوية تحت السماء الزرقاء؛ وأتمنى أن يكون كل حي سكني مفعما بالأنشطة العائلية ورائحة الطهي اللذيذ؛ وأتمنى أن يمتلئ كل شبر من الأرض بابتسامات صادقة ووجوه مشرقة؛ تماما كما ذكر في الكتاب المقدس لليهود في سفر إشعياء: "فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة علَى أمة سيفا، ولا يتعلّمون الحرب فيما بعد".

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4