كلنا شرق < الرئيسية

زيارة الرئيس شي لجنوب أفريقيا ومشاركته في قمة "بريكس"

: مشاركة
2023-09-20 13:45:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

قام الرئيس الصيني شي جين بينغ، في الفترة من 21 إلى 24 أغسطس 2023، بزيارة إلى جنوب أفريقيا، تضمنت حدثين مهمين. الأول، زيارة دولة بدعوة من نظيره سيريل رامافوزا، شهدت عدة فعاليات وأسفرت عن نتائج مهمة، تصب في سياق تعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين. أما الحدث الثاني، فقد تمثّل في مشاركة الرئيس شي في فعاليات القمة الخامسة عشرة لمجموعة "بريكس" للاقتصادات الرئيسية الناشئة، والتي تضم في عضويتها، بالإضافة إلى الصين، كلا من البرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، حيث طرح الرئيس شي أمام القمة رؤية الصين لحل المشكلات العديدة التي يعاني منها العالم في الوقت الراهن.

عصر ذهبي للعلاقات

أجرى الرئيس شي، في 22 أغسطس 2023، زيارة دولة، تُعد الرابعة له، منذ توليه السلطة في جمهورية الصين الشعبية، إلى جمهورية جنوب أفريقيا، وقد جاءت كجزء من زيارته لهذا البلد لحضور القمة الخامسة عشرة لمجموعة "بريكس". كما أنها تزامنت مع ذكرى مرور 25 عاما على تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجنوب أفريقيا. وقد أجرى خلالها محادثات مع رامافوزا، لرسم خارطة طريق جديدة للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين في العصر الجديد، فضلا عن تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

وقبيل وصوله إلى بريتوريا، نشرت وسائل إعلام جنوب أفريقيا مقالا للرئيس شي، أكد فيه أن العلاقات المزدهرة بين الصين وجنوب أفريقيا "دخلت عصرا ذهبيا' حتى أصبحت تتمتع بآفاق واسعة ومستقبل واعد". وهي "تقف عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة، بانتقالها من النطاق الثنائي إلى النطاق العالمي الأكثر أهمية". ودعا الرئيس شي خلال اجتماعه مع رامافوزا، الصين وجنوب أفريقيا إلى تعزيز شراكاتهما في أربعة أبعاد، وهي: الثقة المتبادلة الرفيعة المستوى، التنمية لتحقيق تقدم مشترك، التفاهم المتبادل، بجانب السلام والاستقرار العالميين. وقد صدر في ختام المحادثات بين الرئيسين شي ورامافوزا بيانا مشتركا، تضمن التوافقات المهمة التي توصل إليها الجانبان خلال الزيارة، ومن أبرزها:

- تعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الجانبين في مواجهة التحديات العالمية الناشئة، والعمل بنشاط على بناء مجتمع عالي الجودة بين الصين وجنوب أفريقيا، ولعب دور مشترك وهادف في العلاقات الصينية- الأفريقية وتعاون الجنوب- الجنوب.

- تعهد جنوب أفريقيا بتقديم الدعم المستمر للصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الأساسية وشواغلها الرئيسية، مؤكدة تمسكها بسياسة الصين الواحدة. فيما أكدت الصين دعمها لجهود جنوب أفريقيا الرامية إلى حماية مصالحها الوطنية وتنميتها الاجتماعية والاقتصادية.

- مواصلة السعي لتعزيز التعاون في المجالات الرئيسية، مثل البنية التحتية والخدمات اللوجستية، والتجارة والاستثمار والتصنيع ومعالجة المنتجات الزراعية والطاقة والموارد والقطاع المالي والاقتصاد الرقمي والعلوم والتكنولوجيا والتنمية الخضراء.

- العمل على استكشاف طرق مبتكرة لمواصلة توسيع التجارة البينية، وزيادة قواعد التصنيع الخاصة بهما، وتحسين تصدير السلع ذات القيمة المضافة من جنوب أفريقيا إلى الصين، وزيادة حجم الصادرات الزراعية من الأولى إلى الثانية، وزيادة الاستثمارات الجديدة في قطاع التصنيع، وتعزيز نقل المهارات والتكنولوجيا، وتعزيز العمالة المحلية.

- تعهد الصين بمواصلة دعم جنوب أفريقيا في مواجهة تحديات أمن الطاقة، بما فيها البنية التحتية لتوليد الطاقة ونقلها. كما رحبت جنوب أفريقيا باختيارها ضمن أول 20 دولة مرشحة لعودة السياحة الجماعية للسياح الصينيين.

- محورية تعاون "بريكس" لتحقيق نظام حوكمة عالمي أكثر تمثيلا وإنصافا وتعزيز نمو اقتصادي عالمي أكثر شمولا.

- مواصلة دعم تطوير "بريكس" في جميع ركائز التعاون الثلاث، والتعاون مع جميع أعضاء "بريكس" لتعميق التعاون العملي في مختلف المجالات، وتحقيق تقدم فيما يتعلق بتوسيع عضوية "بريكس".

- دعم الصين لرئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة "بريكس" هذا العام والتواصل مع أفريقيا والجنوب العالمي.

- دعم البلدين للحوار والتفاوض كأسلوب لحل الأزمة الأوكرانية، باعتبارهما الاختيار الوحيد القابل للتطبيق لحل الأزمة، وكذلك مواصلة تعزيز المحادثات من أجل السلام ولعب دور بناء في التسوية السياسية للأزمة. فضلا عن ترحيب الصين ببعثة السلام الأفريقية الأخيرة بشأن أوكرانيا وروسيا.

- اعتزام الجانبين مواصلة تعزيز التعاون في الشؤون الأفريقية ودعم دور الاتحاد الأفريقي في التسوية السلمية للنزاعات الأفريقية. ودعم الصين لانضمام الاتحاد الأفريقي إلى عضوية مجموعة العشرين.

وقد قوبل الرئيس شي خلال زيارته لجنوب أفريقيا بحفاوة وتكريم كبيرين من جانب السلطات في جنوب أفريقيا، حيث قام الرئيس رامافوزا بتكريمه بمنحه وسام جنوب أفريقيا، وهو أعلى وسام تمنحه بريتوريا لرؤساء الدول الصديقة.

تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري

أبدت الصين وجنوب أفريقيا اهتماما ملحوظا خلال زيارة الرئيس شي، بتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وهو ما تجسد في ما صدر عن الجانبين من تصريحات بهذا الشأن. حيث أبدى رامافوزا استعداد بلاده للتعاون مع الصين في الحد من الفقر، وتوسيع التعاون في مختلف المجالات، ومنها التجارة والاستثمار والطاقة والبنية التحتية والتصنيع والعلوم والتكنولوجيا، مضيفا أن جنوب أفريقيا ترحب بمزيد من الشركات الصينية للاستثمار فيها. وبدوره، أكد الرئيس شي استعداد الصين لاستيراد المزيد من المنتجات العالية الجودة من جنوب أفريقيا وتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في هذا البلد. مشيرا إلى استعداد بكين لتعزيز تبادل الخبرات مع جنوب أفريقيا ومساعدتها في تنفيذ مشروع القرية النموذجية للحد من الفقر. 

وتتعاون جنوب أفريقيا مع الصين في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وهي أكبر شريك تجاري للصين في أفريقيا للعام الـثالث عشر على التوالي، إذ أظهرت الإحصاءات الرسمية أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2022 وصل إلى 74ر56 مليار دولار أمريكي، ما يمثل 1ر20% من حجم التجارة الصينية- الأفريقية. وفي النصف الأول من العام الجاري، تجاوز حجم تجارة السلع بين البلدين 25ر28 مليار دولار، بزيادة بلغت نسبتها 7ر11% على أساس سنوي. حيث حافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا لمدة أربع عشرة سنة متتالية. ويبلغ حجم الاستثمارات الصينية في جنوب أفريقيا عشرة مليارات دولار أمريكي. وهناك أكثر من 200 شركة صينية تعمل في جنوب أفريقيا، نجحت في توفير أكثر من 400 ألف فرصة عمل محلية، كما تتسابق شركات جنوب أفريقيا للاستثمار في السوق الصينية لاغتنام الفرص التجارية الوفيرة.

وبهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري في المستقبل، يعتزم الجانبان تعزيز التعاون الثنائي والتضافر في إطار مبادرة "الحزام والطريق" وإطار خطة التعافي الاقتصادي لجنوب أفريقيا. فضلا عن تفعيل التعاون في المجالات الرئيسية، مثل البنية التحتية والخدمات اللوجستية والتجارة والاستثمار والتصنيع ومعالجة المنتجات الزراعية والطاقة والموارد والقطاع المالي والاقتصاد الرقمي والعلوم والتكنولوجيا والتنمية الخضراء.

المشاركة في قمة "بريكس"

أكد الرئيس شي في كلمته يوم 22 أغسطس 2023، في الجلسة الختامية لمنتدى الأعمال لدول "بريكس" عام 2023، والتي ألقاها نيابة عنه وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو، على المعاني المهمة الآتية: التحذير من مخاطر حرب باردة جديدة، تطلع شعوب جميع الدول إلى السلام والأمن، التشديد على أن التوسع المستمر للتحالفات العسكرية يؤدي إلى انعدام أمن الجميع، التحذير من أن الدعوة عمدا إلى ما يسمى خطاب "الديمقراطية مقابل السلطوية" والتحريض على التعارض بين الحرية والاستبداد لن يؤدي إلا إلى تقسيم العالم وإشعال صراع الحضارات، وأن الهيمنة ليست في الجينات الوراثية الصينية، وأن أسس النمو الاقتصادي السليم الطويل المدى في الصين لن تتغير، الحث على اتخاذ إجراءات لترجمة رؤية "رابطة المصير المشترك للبشرية" إلى واقع ملموس. بالإضافة إلى الدعوة إلى تسريع عملية توسيع مجموعة "بريكس"، والسماح لمزيد من الأعضاء بالانضمام إلى المجموعة، وذلك بهدف إنشاء عالم أكثر إنصافا وعقلانية. وفي هذا الإطار، أعلنت جنوب أفريقيا أن أكثر من 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، فيما قدّمت 23 دولة طلبات رسمية للانضمام إلى المجموعة من جميع أنحاء "الجنوب العالمي"، وهو المصطلح الذي يشير إلى الدول الواقعة خارج العالم الغربي. وأكدت وزارة الخارجية الصينية دعمها لعملية توسيع مجموعة "بريكس"، معربة عن ترحيبها بانضمام شركاء جدد إلى هذا التكتل. وقد وافقت القمة على انضمام ست دول كأعضاء جدد إلى "بريكس"، وهي الأرجنتين ومصر وأثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وفي كلمته أمام القمة في 23 أغسطس، أكد الرئيس شي على المضامين المهمة التالية: أن "بريكس" قوة مهمة في تشكيل المشهد الدولي. ودعا شي دول "بريكس" إلى التمسك بالنزاهة والعدالة وتحسين الحوكمة العالمية، كما حث هذه الدول على توسيع التعاون السياسي والأمني لدعم السلام والاستقرار، وأن التنمية حق ثابت لجميع الدول وليست امتيازا لعدد قليل منها، وتعتزم الصين إقامة مجمع حاضن للعلوم والابتكار بين الصين و"بريكس" في العصر الجديد، وضرورة ألا يُظهر إحدى القواعد المحلية على أنها الأعراف الدولية، واتفاق دول "بريكس" على إطلاق مجموعة دراسة بشأن الذكاء الاصطناعي وتوسيع التعاون في هذا المجال، التوسع السريع لـ"بريكس" وبذل جهود لتعزيز حوكمة عالمية أكثر عدلا وعقلانية، وأن تاريخ البشرية لن ينتهي عند حضارة بعينها أو نظام بعينه، وأهمية بذل جهود لتعميق التعاون في مجالي المال والأعمال بين دول "بريكس" من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى التركيز على التعاون العملي، خاصة في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء وسلسلة الإمداد، وتعزيز التبادلات الاقتصادية والتجارية والمالية.

ولدى حضوره المؤتمر الصحفي الخاص للقمة، ألقى الرئيس شي كلمة أكد فيها على أن توسيع عضوية "بريكس" نقطة انطلاق جديدة لتعاون "بريكس" وسيضفي ديناميكية جديدة على آلية "بريكس"، مشيرا إلى أن دول "بريكس" جميعها ذات تأثير مهم وتتحمل مسؤولية مهمة إزاء السلام والتنمية في العالم، مؤكدا أن توسيع عضوية "بريكس" هذه المرة حدث تاريخي، وهو يعكس عزيمة دول"بريكس" على التضامن والتعاون مع الدول النامية، ويتماشى مع تطلعات المجتمع الدولي ويتفق مع المصالح المشتركة لدول الأسواق الناشئة والدول النامية.

وبجانب ما سبق، ترأس الرئيس شي بالاشتراك مع الرئيس رامافوزا الحوار الصيني- الأفريقي على مستوى القادة، والذي بحث مبادرات التنمية في أفريقيا، وتوسيع التعاون في الزراعة والتصنيع والطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي، وتسهيل التكامل الاقتصادي والتصنيع والتحديث الزراعي في أفريقيا.

وقد سجلت تجارة الصين مع دول "بريكس" الأخرى طفرة ملحوظة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، حيث أشارت بيانات رسمية أصدرتها الهيئة العامة للجمارك الصينية في 21 أغسطس 2023، إلى ارتفاع حجم واردات وصادرات الصين مع أعضاء "بريكس" الآخرين بنسبة 1ر19% على أساس سنوي، ليصل إلى 38ر2 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات حاليا)، خلال الفترة المذكورة، وهو ما يمثل 1ر10% من إجمالي التجارة الخارجية للصين في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري. وجدير بالذكر أن حجم تجارة السلع بين الصين ودول "بريكس" الأخرى ارتفع بنسبة 17% على أساس سنوي ليصل إلى 69ر3 تريليونات يوان في عام 2022.

تفعيل العلاقات مع بعض الدول

التقى الرئيس شي على هامش القمة مع عدد من قادة وزعماء الدول التي تمت دعوتها لحضور القمة، حيث جرى بحث سُبل تفعيل العلاقات الثنائية بين الصين وهذه الدول في مختلف المجالات. وفي هذا الإطار، التقى شي مع رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد، داعيا الصين وبنغلاديش إلى الدفع من أجل تحقيق تعاون عالي الجودة في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وإفساح المجال أمام التكامل الاقتصادي بينهما، فضلا عن تعزيز التعاون في البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة الجديدة والزراعة. كما التقى شي مع رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، مؤكدا أن الصين تعمل على دفع التحديث الصيني النمط مع تنميتها العالية الجودة، الأمر الذي سيجلب فرصا جديدة للتعاون بين الصين وأثيوبيا. وخلال اجتماعه مع الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، صرح شي بأن الصين ستواصل دعم كوبا بقوة في الدفاع عن سيادتها الوطنية ومقاومة التدخل الخارجي والحصار، بالإضافة إلى تقديم الدعم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في كوبا. كما التقى الرئيس شي مع الرئيس السنغالي ماكي سال، مؤكدا دعم الصين لانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين.

وفي الختام، يمكن القول إن زيارة الرئيس الصيني إلى جنوب أفريقيا مثّلت نقلة نوعية في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل المكانة المهمة التي تحظى بها الدولتان في إطار مجموعة "بريكس" من جهة، كما أنها عكست- من جهة أخرى- الدور المحوري والمهم الذي تقوم به الصين، باعتبارها إحدى الدول المحورية في مجموعة "بريكس"، وذلك من خلال ما طرحه الرئيس شي أمام القمة الأخيرة بجوهانسبرغ من رؤى وأفكار تعكس وجهة النظر الصينية تجاه كيفية مواجهة المشكلات العديدة التي يموج بها العالم في الوقت الحالي.

--

عادل علي، باحث متخصص في الشؤون الصينية- مصر.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4