كلنا شرق < الرئيسية

المنطاد الصيني.. قصة الفزع الأمريكي

: مشاركة
2023-03-13 17:18:00 الصين اليوم:Source د. محمد حسين أبو العلا:Author

لا يزال الكيان الأمريكي يستدعي لذاته معايشة حالة استثنائية خاصة، تتمثل مفرداتها في سحب الخوف المدعوم بهواجس جوفاء لا علاقة لها بالواقع، بل لا يزال يعايش حالة من الترقب والحذر والإرتباك تحجب عنه أصول الحقائق، فتراه يخوض معارك الوهم، محتميا بقشور يظنها وقائع ومصرا فرضها على الآخر بل وإقناعه بها. تلك هي ملامح تجربته الدائمة مع الكيانات الدولية العملاقة، فلن يغفل التاريخ واقعة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية في ستينات القرن التاسع عشر للمناطيد أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وكذلك استخدام تلك المناطيد أثر الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي للتجسس على الكتلة السوفيتية. لكنه يستنكر اليوم، معلنا صيحات غضبه واستياءه لمجرد أن دخل مجاله الجوي- بخطأ تقني- منطاد صيني دفعته قوة قاهرة فتغير مساره، غير أنه لا يستهدف التجسس قط وإنما قد تم إطلاقه كأداة مدنية للبحث العلمي، وبالدرجة الأولى لأبحاث الأرصاد الجوية. لكن الكيان الأمريكي قد قام بإسقاطه وأبى أن يغادر مظلة الشكوك والاتهامات المشيرة لمدى التحرش السياسي، والتي يتصدرها انتهاك الأجواء الأمريكية لأغراض تجسسية وهو ما يمثل خرقا خطيرا للقانون الدولي ويشكل تهديدا عسكريا واستخباراتيا للولايات المتحدة الأمريكية ومحاولة جادة لمراقبة المواقع الإستراتيجية فضلا عن كونه قد أضاف عنصرا جديدا من التقلبات في العلاقات الثنائية.

وطبقا لذلك، فقد تم توظيف الحادث باعتباره ذريعة يمكن خلالها التشهير بالصين ومهاجمتها في الساحة الدولية. وانطلاقا من الإستراتيجية التآمرية وتفسيراتها، تمحورت الاحتمالات حول أن يكون اختراق المنطاد للأجواء الأمريكية هو بمثابة رسالة اعتراض من النخبة الأمنية العسكرية ردا على تلك الاندفاعات الأمريكية النشيطة، التي توجت أخيرا بذلك الاتفاق الأمني مع الفلبين لتمكين الجيش الأمريكي من استخدام نحو تسع قواعد إستراتيجية في مواجهة الشواطئ الصينية. ولعل طرح القضية في إطارها الموضوعي، يكشف عن أن الصين وطيلة تاريخها الممتد لم تنتهك مطلقا أراضي ومجال أي دولة أخرى ذات سيادة، وهو ما يمثل سببا قويا بل منطقيا إزاء الإدعاءات الأمريكية الرامية إلى إلصاق الشبهات وترويج الشائعات وإثارة الزوابع حول من يثبت تفوقه ويؤكد ذاتيته القومية ويصبح ذا دور فاعل في الساحة الدولية يتجاوز ذلك الدور الأمريكي الذي لا يقدم غير ذاته ومصالحه، حتى لو كان مقابل ذلك الإطاحة بمصالح الكيانات الأخرى.

ولعل أقرب الاستدلالات على ذلك، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تضع علاقاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإستراتيجية مع الصين إلا في إطار تنافسي عدائي، بينما الصين تسعى إلى تجنب المنافسة على هذا النمط، لأنها تريدها منافسة ذات طابع إنساني، أخلاقي، حضاري يدعم ترميم العلاقات وتقويتها وإثراء لغة التفاهم والحوار بمعان تتسم بالمصداقية والعدالة، وهو بالطبع ما يمكن أن يغير صفحة الواقع المعاصر ويمنح الأمل لشعوب الأرض في مستقبل آمن من كل أو بعض التهديدات العاصفة بالبشر قبل الكوكب.

وطبقا لكل ذلك، فلا بد أن تأخذ هذه الواقعة مسارها المنطقي في أولوية التساؤلات الكاشفة بذاتها عن مكنون تلك التوجهات التي تضع العالم بأسره دائما على فوهة بركان.. فكيف للولايات المتحدة الأمريكية أن تتنكر لطبيعة حركة التاريخ في صعود الإمبراطوريات وسقوطها وتداولية الصدارة الحضارية؟ ولماذا وكيف لها أن تتصدر- وهْما- أبدية القيادة الكونية؟ ومتى تنتهج نهج الواقعية السياسية؟ وكيف ولماذا صار الهدف القومي الأمريكي هو عرقلة جهود الصين نحو إعادة تشكيل الشأن العالمي المتداعي؟ ولماذا يميل التوجه الأمريكي نحو تضخيم حادث المنطاد بينما كان هناك تحليق سابق للمناطيد الصينية فوق هاواي وغوام، حيث مركز الثقل الأمريكي العسكري؟ ولماذا لم تدخل في الاعتبارات الأمريكية أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان تعد انتهاكا صارخا للسيادة الصينية؟ ومتى تتبرأ الكتلة الأمريكية من نزعة النيو كولونيالية الفكرية التي تجعلها ترى ذاتها معيارا صادقا لتقييم أفكار وقيم وسلوكيات ومصالح ونزعات الأمم الأخرى أيا ما تكن؟

وبصفة عامة، فمشكلة الكتلة الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في القلب منها، إنما تكمن في تبني شعار عدائي قديم لا يضع اعتبارا لعقيدة أو جنس أو ثقافة أو قانون أو عرف إنساني أو قيمة أخلاقية وهو شعار "إني أتهم"، واعتباره مبدأ عاما للتعامل والعلاقات الفردية أو الجماعية أو الدولية، وتلك إحدى سقطات العقل الغربي المعاصر التي يؤمن بها ويمارسها ويعشقها لأنه بالفعل قد أخلد إلى الأرض واتبع هواه.

--

    د. محمد حسين أبو العلا، كاتب وأستاذ علم الاجتماع السياسي- مصر.

                

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4