منذ أن وصلت إلى المغرب، المعروفة باسم "حديقة شمالي أفريقيا"، في النصف الأول من عام 2021، شعرت أن العلاقات بين الصين والمغرب في مرحلة نمو سريع، حيث حقق الجانبان نتائج مثمرة في مجالات التعاون السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والصحية وغيرها، وتشهد العلاقات الثنائية آفاق تطور واعدة. ما أثار انتباهي بشكل خاص، خلال تواصلي مع الأصدقاء من الأوساط المغربية المختلفة، هو أنّ لديهم اهتماما قويا بتعلم اللغة والثقافة الصينية، وقد بادرت المؤسسات الثقافية المختلفة إلى عقد أنشطة عديدة تتمحور حول "الصين"، مما وضع أساسا متينا لتعميق العلاقات الصينية- المغربية.
قصص الصداقة الجميلة بين الصين والمغرب
أثناء تواصلي مع مختلف الأشخاص من الأوساط المغربية، يذكرون دائما القصص الجميلة حول التبادلات الودية بين الصين والمغرب:
أولا، في القرن الرابع عشر، سافر العالم والرحالة المغربي الكبير ابن بطوطة إلى مدينتي قوانغتشو وهانغتشو وأماكن أخرى في الصين، ثم كتب مؤلفه ((تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الاسفار)) الذي قدم الحضارة الصينية العريقة إلى العالم، وخاصة للشعب العربي. وقد اعتبر الرئيس الصيني شي جين بينغ ابن بطوطة "أول دبلوماسي مغربي يزور الصين"، وأعرب الجانب المغربي عن شكره لذلك.
ثانيا، يحب الشعب المغربي شرب الشاي وخاصة الشاي الصيني. في ستينات القرن الثامن عشر، اكتشف سكان منطقة ميناء مدينة الصويرة الساحلية بغربي المغرب الشاي الصيني ووقعوا في حبه. ووجد ملك المغرب (الملقب آنذاك "بالسلطان") أن الشاي المخمر من أوراق الشاي الصيني عذب وعطر، فأخذ يشرب الشاي ويروجه في جميع أنحاء البلاد.
ثالثا، في منتصف القرن الماضي، بعثت الصين فرقة الأكروبات إلى المغرب للعرض كل عام، والتي لقيت إقبالا حارا من قِبَل المشاهدين المغاربة، حتى أن الملك محمد الخامس (حينذاك) دعا فناني الأكروبات الصينيين إلى تقديم عرض في الحديقة الملكية وأقام مأدبة لهم.
رابعا، خلال زيارة رئيس مجلس الدولة الأسبق تشو أن لاي لعشر دول أفريقية، وصل إلى المغرب في ديسمبر عام 1963، واستقبله الملك الحسن الثاني استقبالا عالي المستوى، حيث كسر التقليد المتبع في مثل هذه المناسبات وقام باستقباله خارج القصر الملكي، ورتب إقامته في قصر دار السلام الذي يعيش فيه الملك. بالإضافة إلى ذلك، أقام الملك المأدبة بالأطباق التقليدية "لحم خروف كامل مشوي" و"البسطيلة" و"الكسكس" وغيرها من الأطباق التقليدية الشهيرة بدلا من الأطباق الغربية المتعارف عليها من أجل التعبير عن اهتمامه وترحيبه الشديد بالضيف الصيني العزيز.
خامسا، التبادلات المتكررة بين قادة الصين والمغرب، حيث قام الملك محمد السادس بزيارة الصين مرتين، ووقّع مع الرئيس شي جين بينغ على بيان مشترك بشأن إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين خلال زيارته للصين عام 2016، الأمر الذي يرمز إلى فرص التنمية المهمة الجديدة لتعاون الدولتين في كافة المجالات.
الشغف بالثقافة الصينية ونشرها
قال كثير من الأصدقاء المغاربة إنّهم يهتمون بالصين بسبب القول المأثور: "اطلبوا العلم ولو في الصين".
ألف وزير المالية المغربي السابق فتح الله ولعلو، قبل بضع سنوات، كتابا بعنوان ((نحن والصين)) حصل على جائزة "المساهمة الخاصة للكتاب الصيني"، أكد فيه على الأهمية النموذجية القوية لطريق تنمية الصين ومفاهيمها. كما أصدر ولعلو كتابا آخر بعنوان ((الصين والعالم العربي والأفريقي في ضوء مبادرة "الحزام والطريق")) نهاية عام 2021، أشار فيه إلى أنّ مبادرة "الحزام والطريق" تفيد جميع العالم وتمثل اتجاها جديدا لحوكمة العالم، فيجب أن تعزز الدول العربية والأفريقية التعاون مع الصين لمواجهة التحديات في مختلف المجالات، كالصحة والحد من الفقر وحماية البيئة والتكنولوجيا وغيرها.
رئيس جمعية الصداقة المغربية الصينية محمد خليل، من الدفعة الأولى من الطلبة المغاربة الوافدين إلى الصين بعد تأسيس الصين الجديدة، وعاد إلى المغرب بعد إكمال الدراسة لنشر الطب الصيني التقليدي بأقصى جهوده، ويُطلق عليه اسم "الطبيب الصيني"، وقد منحه الرئيس شي جين بينغ "جائزة المساهمات البارزة للصداقة الصينية- العربية" مع تسع شخصيات بارزة أخرى عام 2016.
أصدر الكاتب المغربي عبد الحميد جماهري كتابه ((الصين المبتكرة)) مؤخرا، مستندا إلى خبرته وتجربته في زياراته الأربع للصين، أشاد فيه بالصين كدولة ذات جذور ثقافية وشجاعة للابتكار والتطور.
تدرس الفتاة المغربية حنان تاميك في جامعة ووهان بالصين للحصول على درجة الدكتوراه في مجال التجارة الإلكترونية، واختيرت كـ"سفيرة ووهان للترويج الحضري العالمي" و"الطالبة الأفريقية المتميزة في الصين"، كما حصلت مقالتاها "جمال الكتابة الصينية" و"الشعور بالصين- قصتنا عن مكافحة الجائحة" على جوائز. وهناك فتاة مغربية أخرى، تدعى ديان عثماني، غنت الأغاني الصينية مثل "شجاعة" و"عبور المحيط لرؤيتك" في أماكن سياحية شهيرة في المغرب وهي ترتدي ملابس هانفو (زي صيني تقليدي)، الأمر الذي جعلها "مشهورة على الإنترنت" وزاد حماسة الشعب الصيني للسفر إلى المغرب.
بالإضافة إلى ذلك، عندما زرت الأصدقاء المغاربة في بيوتهم، قدموا لي بفخر الأشياء ذات العناصر الصينية في منازلهم، مثل أدوات المائدة الصينية والسجاد الصيني والبارافان الصيني والأدوات الصينية المطلية بالورنيش والسيراميك وغيرها، والتي تزين منازلهم.
نشاط غير مسبوق للتبادلات الثقافية والتعليمية بين الصين والمغرب
أما أسباب الازدهار غير المسبوق للتبادلات الثقافية بين الصين والمغرب، فأولا، تدعو الدولتان إلى تنوع الثقافات ويرى الجانبان أنّ التبادلات الثقافية هي أساس تطور العلاقات الثنائية؛ ثانيا، المغاربة معجبون بالثقافة التاريخية الصينية العميقة، بينما يهتم الصينيون بالموقع الجغرافي المتميز والثقافة الفريدة للمغرب؛ ثالثا، توجد منصة التبادل كاملة نسبيا، فالمغرب من الدول العربية القليلة التي يوجد بها مركز ثقافي صيني وثلاثة معاهد كونفوشيوس، والتي تساهم بدورها في نشر الثقافة الصينية ودفع تعليم اللغة الصينية.
أسّست شركة رنمين تيانتشو (بكين) للنشر مكتبة السماء المتلألئة في الرباط، والتي تُقدَّم فيها كتب حول المفاهيم الجديدة للحكم والإدارة للحزب الشيوعي الصيني ومنتجات ثقافية إبداعية ذات خصائص صينية منذ سنوات.
إنّ كثيرا من المؤسسات الثقافية المغربية، مثل الجمعية المغربية للتنمية الرياضية والجمعية المغربية للتعاون والصداقة بين الشعوب والجمعية الملكية للووشو وغيرها، قد استضافت أو تعاونت مع المركز الثقافي الصيني بالرباط في تنظيم أنشطة مختلفة، بما فيها " معرض التراث الثقافي غير المادي الصيني- المغربي" و"جلسة تبادل القصص الأولمبية بين الصين والمغرب ومعرض الرياضة الأولمبية" و"محاضرة حول معرفة الرعاية الصحية في الطب الصيني التقليدي" و"اليوم العالمي للغة الصينية " و"مهرجان تمارة للموسيقى".
جدير بالذكر أن الدراسة في الصين قد أصبحت موضة جديدة بالمغرب في السنوات الأخيرة. قبل مدة قصيرة، سافرت إلى أكادير لحضور ندوة التبادل والتعاون السياحي بين الصين والمغرب، وأخبرني رئيس جمعية السياحة المحلية رشيد دهماز أنه قد أرسل ابنتيه إلى الصين للدراسة من أجل الاستثمار في مستقبل أبنائه، لأنّ الصين أصبحت وجهة مهمة للدراسة في الخارج بالنسبة للشباب المغاربة، وآفاق التنمية الجيدة للصين ستوفر العديد من الفرص الجديدة لشباب المغرب. لدى كل من الصين والمغرب رغبة قوية في التعاون في مجال الثقافة والتعليم، ويعتقد الجانبان أن التعاون في هذا المجال له أهمية بعيدة المدى لتنمية العلاقات الثنائية في المستقبل، لذلك تشغل مشاركتي في أنشطة التبادل الثقافي المختلفة حيزا كبيرا في جدول العمل الخارجي.
لقد زرت بعض الجامعات وشاركت في بعض أنشطة التبادلات الصينية- المغربية مؤخرا، حيث قمت بالتفاعل والتبادل مع أساتذة وطلاب الجامعات بالمغرب حول التعاون الثقافي والتعليمي بين البلدين، وشعرت شخصيا بأنّ هناك مساحة واسعة للتعاون بين البلدين في المجالات المعنية.
في الخطوة التالية، ينبغي أن نركز جهودنا على حسن تخطيط العام السياحي والثقافي الصيني- المغربي، ليصبح هذا الحدث حاملا مهما لتعزيز التبادلات الإنسانية بين البلدين. في الوقت نفسه، يجب أن نفسح المجال كاملا لدور المركز الثقافي الصيني ومعهد كونفوشيوس في استكشاف طرق جديدة للتعاون مع المؤسسات الثقافية والتعليمية المغربية لتقديم مساهمات جديدة في تعميق التعاون العملي لعلاقات الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين باستمرار.
---
لي تشانغ لين، سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة المغربية.