كلنا شرق < الرئيسية

حقبة جديدة للتعاون الصيني- الأفريقي

: مشاركة
2022-01-14 16:08:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

في ظل سياقات مهمة من حيث التوقيت والمضمون، عُقد بالعاصمة السنغالية داكار خلال الفترة من 29 إلى 30 نوفمبر 2021، المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، وذلك تحت شعار "تعميق الشراكة بين الصين وأفريقيا، وتعزيز التنمية المستدامة، وبناء مجتمع مصير مشترك صيني- أفريقي في العصر الجديد". حيث نوقشت عدة قضايا مهمة في سياق علاقات التعاون الإستراتيجي الشامل بين الصين وأفريقيا، وتمخض عنه نتائج مهمة عكسها ما طرحته بكين من برامج ومبادرات جديدة، وكذلك ما صدر عنه من وثائق وقرارات، تُضيف إلى ما حققه التعاون الصيني- الأفريقي من نتائج باهرة طيلة العقدين الماضيين منذ تأسيس المنتدى، بما يجعل من المؤتمر الوزاري الثامن بداية لتدشين حقبة جديدة من التعاون المربح والكسب المشترك للجانبين، وصولا إلى بناء مجتمع مصير مشترك أقوى بين الصين وأفريقيا.

ظروف بالغة الأهمية توقيتا ومضمونا

يُعد عام 2021 عاما فريدا في سياق العلاقات الصينية- الأفريقية، وذلك بالنظر إلى ما شهده من أحداث ومناسبات مهمة مثّلت علامات بارزة لتلك العلاقات. فقد صادف العام المذكور الذكرى السنوية الخامسة والستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وأفريقيا، كذلك صادف الذكرى السنوية الخمسون لاستعادة جمهورية الصين الشعبية لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، وهي المسألة التي كان للدول الأفريقية دور إيجابي بشأنها. كما أنه مثّل بداية عقد جديد في عمر منتدى التعاون الصيني- الأفريقي الذي تأسس في عام 2000. بجانب ذلك، شهدت الصين في نوفمبر 2021، انعقاد الدورة الكاملة السادسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، والتي تبنت قرارا مفاده أن الصين لا تزال أكبر دولة نامية في العالم، وهي الصفة التي تشترك فيها الصين مع أفريقيا، باعتبارها القارة التي تضم أكبر عدد من البلدان النامية. كما تبنت الجلسة أيضا قرارا أكد على تطور دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية على نحو شامل، وأكد أيضا على بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية كراية تقود تيار العصر واتجاه التقدم البشري. حيث تُعد الصين وأفريقيا قوتين مهمتين في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.

وقبيل أيام قلائل من انعقاد "المؤتمر الوزاري"، بدا لافتا الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أفريقيا، والتي شملت كلا من كينيا ونيجيريا والسنغال، وعكست تصريحات المسؤول الأمريكي خلالها تلميحات وإشارات سلبية حول دور الصين في القارة السمراء. كما بدا لافتا أيضا إعلان البيت الأبيض- إبان الجولة- عن اعتزامه عقد القمة الأمريكية- الأفريقية الثانية في عام 2022.

ومن حيث المضمون، عكس شعار "المؤتمر الوزاري" الأهداف الرئيسية وراء عقده. فقبل ثلاثة أيام من انعقاده، أشار كتاب أبيض أصدره مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني، إلى أن المؤتمر الجديد لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي يهدف إلى وضع الخطط المستقبلية للتعاون الصيني- الأفريقي؛ واصفا المؤتمر الوزاري بأنه يُعد حدثا دبلوماسيا مهما للصين وأفريقيا لمناقشة خطط التعاون وتعزيز التنمية المشتركة؛ لافتا إلى أهميته الكبيرة في تعزيز الانتعاش الاقتصادي والتنمية بعد الجائحة في أفريقيا والصين والعالم بأسره؛ ومؤكدا أن الجانبين سيخططان وسيناقشان النتائج التي سيتم تبنيها في المؤتمر فيما يتعلق بالمجالات الرئيسية، بما في ذلك الصحة والاستثمار والتجارة والتصنيع والتحديث الزراعي والاستجابة لتغير المناخ والاقتصاد الرقمي.

كذلك، فرضت العديد من التحديات الرئيسية، التي تواجهها كل من الصين وأفريقيا، نفسها على أجندة ومناقشات "المؤتمر الوزاري"، لاسيما في ظل استمرار جائحة كوفيد- 19، وما ترتب عليها من تداعيات اقتصادية على الجانبين. وفي الوقت الذي نجحت فيه الصين في التعاطي بإيجابية مع تلك التداعيات، فإن القارة السمراء مازالت تعاني من الآثار السلبية للجائحة على اقتصادات دولها. وعلى الصعيد السياسي، برزت خلال الآونة الأخيرة بعض مظاهر عدم الاستقرار السياسي والأمني في العديد من الدول الأفريقية، إذ شهد بعضها حدوث انقلابات، فيما شهد بعضها الآخر اندلاع أزمات داخلية تؤثر على أمنها واستقرارها، وهي المظاهر التي تؤثر على المشهدين السياسي والأمني في القارة. وهي تطورات لا يمكن إغفال دور الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في حدوثها.

دور مهم للمتغير القيادي

يلعب المتغير القيادي، ممثلا في قادة وزعماء الجانبين، ولاسيما على الجانب الصيني، دورا مهما في تفعيل وتعزيز التعاون الصيني- الأفريقي. وهو ما ينعكس في التبادلات الرفيعة المستوى بين الصين وأفريقيا، وذلك عبر التواصل والتنسيق المستمر بين قادة الجانبين بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، وهو ما أدى إلى إرساء أسس سياسية متينة لتدعيم الصداقة التقليدية، وزيادة الثقة السياسية المتبادلة، وحماية المصالح المشتركة، ومواصلة التنمية والتعاون.

ووفقا للكتاب الأبيض المشار إليه سابقا، فقد كانت أول زيارة رسمية للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الخارج بعد توليه منصبه إلى أفريقيا في مارس 2013، وقام حتى الآن بأربع زيارات إلى مناطق مختلفة في القارة. وخلال قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي في عام 2018، قام الرئيس شي بعقد اجتماعات منفردة مع أكثر من 50 من القادة الأفارقة، لتجديد الصداقات واستكشاف التعاون ومناقشة المستقبل. كما حضر ما يقرب من 70 حدثا ثنائيا ومتعدد الأطراف. وبعد القمة المشار إليها، قام 17 زعيما أفريقيا بزيارات دولة إلى الصين أو لحضور اجتماعات.

ومنذ تفشي جائحة كوفيد- 19، حافظ قادة الجانبين على الاتصالات والتواصل عبر مكالمات الفيديو والهاتف. حيث أجرى الرئيس شي محادثات هاتفية مع قادة دول أفريقية في 17 مناسبة، وحافظ على اتصالات وتبادلات رفيعة المستوى مع نظرائه الأفارقة. كما ترأس في يونيو 2020، القمة الصينية- الأفريقية الاستثنائية حول التضامن ضد كوفيد- 19 عبر رابط الفيديو، والتي حضرها ثلاثة عشر زعيما أفريقيا ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي. وقد كان لهذه الجهود الدبلوماسية للقيادة الصينية دورا مهما في اتجاه العلاقات الصينية- الأفريقية نحو مزيد من الازدهار والتطور، وخاصة في ظل منتدى التعاون الصيني- الأفريقي.

أبرز نتائج التعاون بين الجانبين

منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، حقق التعاون بين الصين وأفريقيا نتائج مثمرة في كافة المجالات، الأمر الذي أثر بشكل إيجابي على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا، وكذلك أفاد الشعب الصيني وشعوب الدول الأفريقية بشكل ملموس. وليس أدل على ذلك من لغة الأرقام والإحصاءات. فعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري، وقعت 46 دولة أفريقية ومفوضية الاتحاد الأفريقي على اتفاقيات تعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا على مدى 13 عاما متتالية منذ عام 2009، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 067ر207 مليارات دولار أمريكي خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 5ر37%. فيما بلغ الاستثمار الصيني في أفريقيا 59ر2 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 9ر9%. وتجاوزت نسبة تجارة أفريقيا مع الصين من إجمالي التجارة الخارجية للقارة 21% في العام 2020. كما وجهت الصين نحو 45% من مساعداتها الخارجية خلال الفترة من عام 2013 إلى عام 2018، والتي بلغ إجماليها 270 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 4ر6 يوانات حاليا)، إلى دول أفريقية في شكل منح وقروض بدون فوائد وقروض ميسرة. وتقوم أكثر من 200 شركة صينية باستثمار 11ر1 مليار دولار أمريكي في القطاع الزراعي في 35 دولة أفريقية، وذلك حتى نهاية عام 2020. وبحلول نهاية عام 2020، تجاوزت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في أفريقيا 43 مليار دولار أمريكي. وقد وفرت أكثر من 3500 شركة صينية في جميع أنحاء القارة بشكل مباشر وغير مباشر ملايين الوظائف.

وتقوم الصين بدعم أفريقيا في تطوير مشروعات البنية التحتية. خلال الفترة من عام 2016 إلى عام 2020، بلغ إجمالي حجم الاستثمار في هذه المشروعات نحو 200 مليار دولار أمريكي. وشكلت مشروعات البنية التحتية التي نفذتها الشركات الصينية في القارة الأفريقية 4ر31% من إجمالي هذه المشروعات في عام 2020.

كذلك، ساعدت الشركات الصينية البلدان الأفريقية في بناء وتحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من خطوط السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كيلومتر من الطرق، ونحو 1000 جسر و100 ميناء، و66 ألف كيلومتر من أنظمة نقل الطاقة وتوزيعها، وبناء قدرة توليد طاقة مركبة تبلغ 120 مليون كيلووات، وشبكة اتصالات أساسية بطول 150 ألف كيلومتر، وخدمة شبكة تغطي نحو 700 مليون مستخدم. كما قامت أيضا بإنشاء أكثر من 80 منشأة طاقة واسعة النطاق، وبناء أكثر من 130 مرفقا طبيا و45 صالة ألعاب رياضية وأكثر من 170 مدرسة، ودربت أكثر من 160 ألف متخصص في مختلف المجالات داخل القارة، علاوة على علاج 230 مليون مريض في أفريقيا حتى الآن. وقد أدت هذه المشروعات إلى تحسين البنية التحتية في أفريقيا بشكل كبير وتحسين مستويات معيشة السكان المحليين.

وإلى جانب التعاون المثمر في البنية التحتية، عملت الصين على دفع التصنيع والتنويع الاقتصادي في أفريقيا قدما، من خلال بناء مناطق تعاون اقتصادي وتجاري ومناطق اقتصادية خاصة ومجمعات صناعية وعلمية. وطبقا للتقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا (2021) الصادر مؤخرا، توجد 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، اجتذبت حتى نهاية عام 2020، حوالي 623 شركة باستثمارات تقدر بسبعة مليارات وثلاثمائة وخمسين مليون دولار أمريكي، ووفرت أكثر من 46 ألف فرصة عمل.

وعلى الصعيد السياسي والأمني، تلعب الصين دورا مهما في المحافظة على السلام والاستقرار في أفريقيا. حيث قامت بنشر أكثر من 80% من قواتها المشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية في أفريقيا، وذلك منذ مشاركتها للمرة الأولى في هذه النوعية من العمليات في عام 1990. وفي الوقت الحالي، يقوم أكثر من 1800 جندي من قوات حفظ السلام الصينية بمهام في خمس مناطق لبعثات حفظ السلام بأفريقيا، وهي: مالي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أبيي، جنوب السودان، والصحراء الغربية.

وعلى الصعيد الثقافي، قامت الصين بإنشاء 61 معهد كونفوشيوس و48 فصل كونفوشيوس في القارة، وساعدت أكثر من 30 جامعة أفريقية في إنشاء أقسام للغة الصينية وتخصصاتها. كذلك، قامت 16 دولة أفريقية بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية.

برامج ومبادرات مهمة تطرحها الصين

استكمالا لمبادرات الصين المهمة منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، وفي خطاب مباشر بالفيديو في حفل افتتاح "المؤتمر الوزاري" الثامن، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن سلسلة من البرامج والإجراءات الرئيسية الجديدة بهدف تعزيز التعاون الصيني- الأفريقي في السنوات الثلاث المقبلة. وتمثّلت في تسعة برامج تشمل المجالات الرئيسية التالية: الطب والصحة، الحد من الفقر والتنمية الزراعية، الترويج التجاري، تشجيع الاستثمار، الابتكار الرقمي، التنمية الخضراء، بناء القدرات، التبادل الثقافي والشعبي، علاوة على السلام والأمن.

وبموجب تلك البرامج، ستقوم الصين بتنفيذ عشرات المشروعات لصالح القارة الأفريقية، كما ستقوم أيضا بتقديم تمويلات تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية لدعم التعافي الاقتصادي لدول القارة. فعلى سبيل المثال، تعهدت الصين بتزويد القارة الأفريقية بمليار جرعة إضافية من اللقاح المضاد لكوفيد- 19، و10 مشروعات طبية وصحية للدول الأفريقية، و10 مشروعات في مجال الحد من الفقر ومجال الزراعة، و10 مشروعات للاقتصاد الرقمي، علاوة على تنفيذ 10 مشروعات للتنمية الخضراء وحماية البيئة والعمل المناخي. هذا بجانب تقديم 10 مليارات دولار أمريكي لدعم الصادرات الأفريقية، وتشجيع شركاتها على استثمار مبلغ مماثل في أفريقيا في السنوات الثلاث المقبلة. وبالإضافة إلى البرامج والمبادرات السابقة، فقد طرح الرئيس شي أربعة مقترحات لبناء مجتمع مصير مشترك صيني- أفريقي في العصر الجديد، وهي: مكافحة كوفيد- 19 عبر التضامن، وتعميق التعاون العملي، وتعزيز التنمية الخضراء، والتمسك بالإنصاف والعدالة.

تدشين حقبة جديدة للتعاون

إن ما تمخض عنه وتضمنه "المؤتمر الوزاري" من توافقات ونتائج مهمة عكستها القرارات والوثائق الرئيسية التي اعتمدت في ختامه، وهي: خطة عمل داكار (2022- 2024)، رؤية التعاون الصيني- الأفريقي 2035، الإعلان الصيني- الأفريقي بشأن تغير المناخ، وإعلان المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، فضلا عما طرحته الصين من برامج وإجراءات عملية، تُضاف إلى ما قدمته في السابق من مبادرات وخطط أوفت بها لصالح الشركاء في أفريقيا، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن "المؤتمر الوزاري" يمثل نقطة انطلاق مهمة نحو حقبة جديدة من الارتقاء والتطور العالي الجودة في التعاون الصيني- الأفريقي، وذلك على نحو ما ذهب إليه وزير خارجية الصين وانغ يي عقب انتهاء فعالياته.

--

عادل علي، إعلامي وباحث مصري في الشؤون الصينية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4