كلنا شرق < الرئيسية

اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي: الفرص والتحديات

: مشاركة
2021-02-04 15:12:00 الصين اليوم:Source د. خديجة عرفة:Author

في مساء الثلاثين من ديسمبر 2020، بتوقيت بكين، عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعا عبر الفيديو مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، للإعلان بشكل مشترك عن إنهاء مفاوضات اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي وفقا للموعد المحدد. وتمثل الاتفاقية إطارا قانونيا موحدا لعلاقات الطرفين الثنائية في مجال الاستثمارات، وتحل محل الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الصين وبعض الدول الأوروبية في هذا الشأن.

وقد تم الإعلان عن بدء المفاوضات بين الطرفين في نوفمبر 2013، أثناء زيارة هرمان فان رومبري، رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك إلى بكين، خلال اجتماعه مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ. وبدأت جولة المفاوضات الأولى في يناير 2014، وعُقدت الجولة الأخيرة خلال الفترة من السادس إلى الحادي عشر من ديسمبر 2020. وخلال عام 2020 وحده عُقدّت عشر جولات للمفاوضات. هذا يطرح العديد من التساؤلات، حول دلالات التوقيت بعد كل هذه السنوات من التفاوض، وكذلك أهمية الاتفاقية لكل طرف، وردود الفعل بشأنها.

أهمية الاتفاقية

وُصِفت تلك الاتفاقية بأنها "اتفاقية تاريخية"، نظرا لأنها تُعَدُّ أهم محاولات التعاون بين الطرفين شمولا بما ينقل العلاقات لأفق أوسع وأرحب، خاصة أنها تحل محل نحو 20 اتفاقا ثنائيا بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي في مجال الاستثمارات. وبشكل عام، تحقق الاتفاقية أهدافا عدة للأطراف المختلفة والتي تتمثل فيما يلي: حماية الاستثمارات الخاصة بكل طرف لدى الآخر؛ وأن يحظى المستثمرون الأوروبيون لدى الصين ببيئة وأطر قانونية أفضل، وتقليل الحواجز أمام المستثمرين الأوروبيين في الصين، بما يسمح بتدفق الاستثمارات الأوروبية للصين ومن بينها متطلبات الترخيص والقيود الصينية المعنية بمجال الملكية الفكرية؛ كما يُسمح للشركات الصينية بالنفاذ إلى ما يُعَدُّ قطاعات إستراتيجية في دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي سبق وأبدت الصين استياءها منه، على خلفية استبعاد شركة هواوي الصينية من سوق الجيل الخامس في العديد من الأسواق الأوروبية؛ دعم مبادرات الاستثمار المعزز للتنمية المستدامة؛ التنفيذ الفعال للالتزامات عبر تفعيل آليات تسوية المنازعات لدى كل طرف؛ احترام حقوق الملكية الفكرية للشركات الأوروبية؛ إضافة إلى منع عمليات النقل القسري للتكنولوجيا.

حجم الشراكة

جزء كبير من أهمية الاتفاقية يرتبط بطبيعة العلاقات التجارية والاستثمارية بين طرفيها؛ فتجاريا، يُعَدُّ الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للصين، وخلال عام 2020، نجحت الصين في أن تصبح الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي، بعد أن كانت الشريك التجاري الثاني عام 2019 بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وفيما يتعلق بالاستثمارات المشتركة، بلغ حجم الاستثمارات الأوروبية (باستثناء البريطانية) في الصين نحو 150 مليار يورو، وعلى الجانب الآخر بلغت الاستثمارات الصينية في الدول الأوروبية نحو 113 مليار يورو. وعلى أساس سنوي، خلال السنوات العشر الماضية، بلغت استثمارات الأوروبيين بالصين نحو 7 مليارات يورو، وبلغت استثمارات الصين بالاتحاد الأوروبي 6ر5 مليارات دولار أمريكي.

ويرتبط جزء من تطور حركة التجارة الدولية بين الطرفين بالتطور الهائل في خطوط النقل بالسكك الحديدية بين المدن الصينية ونظيرتها الأوروبية، والتي تطورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، في إطار ما يُطلق عليه "الجسر البري الأوراسي" كجزء من مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحتها الصين عام 2013. تربط القطارات حاليا بين أكثر من ستين مدينة صينية وما يزيد على خمسين مدينة أوروبية. ومنذ بدء الرحلات عبر الجسر وحتى نهاية عام 2019، بلغ عدد الرحلات عبر الجسر ما يزيد على 21 ألف رحلة، من بينها 6363 رحلة في عام 2018 وحده، حيث بلغت قيمة السلع المنقولة 16 مليار دولار أمريكي، كما بلغ عدد الرحلات خلال عام 2019 نحو 8225 رحلة بزيادة بلغت نسبتها 3ر29% مقارنة بعام 2018. وخلال عام 2020، بلغ عدد الرحلات 12400 رحلة بحمولة بلغت 14ر1 مليون حاوية بحجم 20 قدما للحاوية الواحدة. وبذلك، تأتي تلك الاتفاقية في إطار علاقات تجارية واستثمارية متميزة بين الطرفين بحيث تساعد في التغلب على العديد من العقبات التي يواجهها كل طرف لدى الآخر. ويُتوقع أن تُسهم الاتفاقية في تطوير الاستثمارات بشكل كبير حال التصديق عليها وتفعيلها.

توقيت الاتفاقية

لا تقتصر أهمية الاتفاقية على ما تم ذكره، فدلالة التوقيت لها أهمية كبيرة من أكثر من زاوية. من ناحية، جاء التوصل لهذه الاتفاقية قبل أسابيع قليلة من وصول الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض، الذي يهدف إلى إعادة العلاقات عبر الأطلسي بعد التوتر الشديد الذي طرأ على تلك العلاقات خلال سنوات الرئيس ترامب. ومن ناحية ثانية، تأتي الاتفاقية في ظل سنوات من التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ومن ناحية ثالثة، لا يمكن فصل الاتفاقية عن "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" التي وقعتها كل من الصين وجمهورية كوريا واليابان وأستراليا ونيوزيلندة، إضافة إلى الدول العشر الأعضاء في رابطة جنوب شرقي آسيا "آسيان". وبذلك، يتضح حرص الصين على الدخول في شراكات اقتصادية هامة في مناطق حيوية عبر العالم، بما يعزز المصالح الصينية ويدفع نحو نمو الاقتصاد الصيني بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة.

فوائد الاتفاقية للأطراف المختلفة

تُشكل الاتفاقية أهمية كبيرة للأطراف المختلفة، فلطالما سعت الشركات الأوروبية للدخول والاستفادة من الإمكانيات التي توفرها السوق الصينية الضخمة والهامة، حيث تُشكّل الصين سوقا هامة وضخمة أمام السلع والمستثمرين الأوروبيين، وتسهل الاتفاقية دخول السوق الصينية دون عوائق. وفقا للبيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، فإن للاتفاقية أهمية اقتصادية كبيرة، كون الصين التزمت بموجب الاتفاقية بتوفير "مستوى غير مسبوق من الوصول إلى الأسواق لمستثمري الاتحاد الأوروبي". كما أضاف البيان أن الصين التزمت بالتنفيذ الفعال لقواعد منظمة العمل الدولية التي سبق وأن صادقت عليها، وأن الصين ستعمل على التصديق على الاتفاقيات الأساسية الخاصة بمنظمة العمل الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بالعمل القسري. كما تعهدت الصين بموجب الاتفاقية بحظر النقل القسري للتكنولوجيا من الشركات الأجنبية، كما تعهدت بالمزيد من الشفافية بشأن الدعم الممنوح للشركات. 

يعزز من كل ذلك، وجود ثقة أوروبية في الاقتصاد الصيني والذي نجح ورغم أزمة تفشي فيروس كورونا الجديد "كوفيد- 19"، في تحقيق نمو إيجابي. فقد أعلنت مصلحة الدولة للإحصاء الصينية في الثامن عشر من يناير، أن إجمالي الناتج المحلي للصين في عام 2020 تجاوز مائة تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات حاليا)، بمعدل نمو بلغ 3ر2% على أساس سنوي. وحتى نهاية النصف الثاني من عام 2020، سجل الحساب الجاري في الصين فائضا قدره 02ر110 مليارات دولار أمريكي، كما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار 9ر33 مليار دولار أمريكي، وتوسع الاستثمار الصيني المباشر في الخارج بمقدار 2ر29 مليار دولار أمركي.

وسوف تستفيد بشكل كبير من هذه الاتفاقية، الشركات الأوروبية التي تعمل بالفعل في الصين، ومن بينها شركات السيارات والإلكترونيات التي ستستفيد من الشروط المخففة التي تم النص عليها ومن بين هذه الشركات: "آليانز" و"بيجو" و"سيمنز" و"بي أم دبليو" و"دايملر"، وغيرها. على الجانب الآخر، يُشكل الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية هامة بالنسبة للصين، وقد وصف الرئيس شي جين بينغ بلاده وأوروبا بأنهما "أكبر قوتين وسوقين وحضارتين في العالم".

التحديات التي تواجه تفعيل الاتفاقية

 مع التأكيد على أهمية الاتفاقية ودورها في نقل علاقات الطرفين في مجال الاستثمارات إلى أفق أوسع، إلا أن هذا الأمر يواجه عدة تحديات. من ناحية، مازالت الاتفاقية مبدئية، حيث لم يتم التوقيع على الاتفاقية النهائية بعد، ولن تكون الاتفاقية مفعلة إلا بعد بضعة أشهر عقب مصادقة كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وكذلك البرلمان الأوروبي عليها. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تحاول الولايات المتحدة الأمريكية عرقلة التوصل لاتفاق نهائي بين الصين والاتحاد الأوروبي. غير أنه ليس من السهل عودة الروابط الأوروبية- الأمريكية بنفس قوتها كما كانت في السابق، فقد خلّفت الفترة السابقة قائمة من المشكلات والخلافات بين الطرفين التي لن يكون تجاوزها سريعا، ومن أبرزها الملفات البيئية والحياد الكربوني والخلاف بشأن مساهمة الدول الأوروبية ضمن حلف الناتو وغيرها، والتي لن يكون حلها سريعا.

ولتبديد تلك المخاوف، يصر الاتحاد الأوروبي على أن الاتفاقية لن تؤثر سلبا على علاقات بروكسل التجارية بواشنطن، وأنها توازي المرحلة الأولى من اتفاق التجارة الذي سبق أن وقعه الرئيس ترامب مع بكين في بدايات عام 2020. أحد التحديات الأخرى تتعلق بقدرة أطراف الاتفاقية على الالتزام فعليا بتنفيذ بنودها، خاصة تلك المتعلقة بتخفيف بعض السياسات كالسماح بالنفاذ الصيني للقطاعات الإستراتيجية بدول الاتحاد الأوروبي، أو تخفيف الصين للعديد من القيود في مواجهة المستثمرين الأوروبيين.

وختاما، يبقى التأكيد على أنه مازال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي للطرفين القيام به لضمان تفعيل الاتفاقية، سواء كان ذلك على مستوى السياسات الداخلية لكل طرف لتصبح متواءمة مع ما نصت عليه الاتفاقية، أو على مستوى علاقات الطرفين الثنائية، والأهم مواجهة التحديات المفروضة من أطراف خارجية للحيلولة دون الوصول للاتفاق النهائي، خاصة أن مصالح الطرفين تصب في التعاون فيما بينهما لتحقيق مصالح اقتصادية هامة لكلا الطرفين.  

--

        د. خديجة عرفة، باحثة في العلاقات الدولية من مصر.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4