كلنا شرق < الرئيسية

الصين والطاقة الخضراء.. خطوات نحو تحقيق الحياد الكربوني 2060

: مشاركة
2021-01-06 12:18:00 الصين اليوم:Source د. خديجة عرفة:Author

على هامش قمة العشرين التي عُقدت افتراضيا بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر 2020، أكد الرئيس الصيني في كلمة له حول "حماية الأرض"، على أهمية التمسك بالمستقبل المشترك للبشرية من خلال العمل المشترك على مواجهة تحديات المناخ والبيئة وحماية الكوكب الأزرق. وخلال كلمته قدم الرئيس الصيني ثلاثة مقترحات لحماية الأرض وهي: تكثيف الجهود لمكافحة تغير المناخ وضمان تنفيذ الالتزامات بموجب اتفاق باريس؛ التحول نحو استخدام الطاقة النظيفة والطاقة الخضراء بما يضمن الوصول للحياد الكربوني؛ بناء نظام بيئي يحترم الطبيعة عبر التعاون في مجالات من بينها الحد من التدهور البيئي وحماية الشعاب المرجانية ومعالجة النفايات البلاستيكية بهدف بناء حاجز أمني بيئي عالمي أقوى.

وقد تعهدت الصين بالوصول إلى وقف الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030، والحياد الكربوني بحلول 2060، وهو ما يتطلب القضاء على نحو عشرة مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا- أي ما يُعادل ثلث الانبعاثات العالمية- بداية من عام 2030. لتصل إلى صفر انبعاثات ثاني أكسيد كربون بحلول 2060 مع معالجة أي مخرجات متبقية من خلال تكنولوجيا الالتقاط والتخزين، وذلك كجزء من الجهود الصينية لمواجهة التغير المناخي، لتلتحق بها في هذا الشأن عدة دول من بينها اليابان وجمهورية كوريا اللتان وضعتا هدف الوصول بالحياد المناخي بحلول 2050.

بنجاح الصين في تحقيق هذا الهدف تكون قد نجحت في نحو أربعين عاما في التحول من أكثر دولة مصدرة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى دولة بدون انبعاثات على الإطلاق، وهو ما طرح التساؤلات بشأن قدرة الصين على الوصول لهذا الهدف الصعب. فرغم وجود العديد من الدول التي سارت على النهج ذاته في الالتزام بالحياد الكربوني وربما التزمت بذلك قبل التاريخ الذي حددته الصين، فإن كم الانبعاثات في الصين خاصة في ضوء الاعتماد الكبير على الفحم وكذلك حركة التصنيع ومعدلات النمو، تجعل من تحقيق الهدف الصيني أكثر صعوبة.

ورغم أن الهدف يبدو صعبا، فإن الصين سبق لها ووضعت أهدافا ونجحت في تحقيقها ومن بينها القضاء على الفقر، كما أنه من الناحية العملية اتخذت الصين خلال السنوات القليلة الماضية خطوات هامة في سبيل التحول نحو الطاقة الخضراء بحيث شهدت السياسات العامة للدولة تغيرات هامة في هذا المجال. وسنحاول استعراض أبرز الجهود الصينية في هذا الشأن.

الطاقة الخضراء

تأتي الطاقة الخضراء من مصادر طبيعية مثل ضوء الشمس والرياح والأمطار والمد والجزر والنباتات والطحالب والحرارة الجوفية، وقد برزت كمصطلح منذ سنوات لحل أزمة تلوث البيئة الناتج عن الانبعاثات الضارة. وخلال الثلاثين عاما الماضية برزت العديد من التقنيات في هذا المجال، فيما يخص تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري واستبداله بالطاقة الخضراء.

وهناك أنواع عدة للطاقة الخضراء من بينها الطاقة الشمسية وهي الأبرز والأكثر انتشارا وتتولد باستخدام الخلايا الكهروضوئية والتي تقوم بتحويل ضوء الشمس إلى كهرباء. وهناك أيضا طاقة الرياح ويتم فيها استخدام تدفق الهواء على سطح الأرض لدفع التوربينات، وكذلك الطاقة الكهرومائية التي تتولد من خلال استخدام الطاقة الناتجة من المياه المتحركة على الأرض، وكذلك الطاقة الحرارية وتنشأ من التكوين الأصلي للكوكب والانحلال الإشعاعي للمعادن وتتواجد تحت القشرة الأرضية. كما يمكن الإشارة إلى الكتلة الحيوية، وتنتج عن تحويل المواد الطبيعية الحية القابلة للاحتراق إلى طاقة.

ورغم أن حصة مشاركة الطاقة الخضراء في مجمل الاستهلاك العالمي من الطاقة ما زالت قليلة، فإن الطاقة الخضراء تعد الأسرع نموا مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى حيث تتسارع الدول في الاستثمار في هذا القطاع الواعد. وتُعدّ الصين واحدة من الدول الرائدة في الاستثمار في هذا المجال.

الجهود الصينية للتحول نحو الطاقة الخضراء

خلال الفترة من عام 2005 وحتى عام 2019 انخفضت نسبة الانبعاثات الضارة في الصين بنسبة 1ر48%. يرجع ذلك إلى تزايد الاعتماد على الوقود غير الأحفوري، حيث تحولت الصين خلال السنوات الأخيرة نحو الاعتماد على الطاقة الخضراء، مدفوعة بعدة أسباب في مقدمتها الحد من التلوث الناجم عن الانبعاثات الضارة نتيجة لاستخدام الوقود الأحفوري، وبما يتماشى مع تعهدات الصين الدولية فيما يخص الوصول للحياد الكربوني، خاصة أن التطور التكنولوجي والاستثمار في هذه التكنولوجيات قلل من تكلفة الإنتاج مقارنة بالسنوات السابقة.

وتهدف الصين إلى أنه بحلول عام 2030، تكون قد نجحت في أن تكون الطاقة الخضراء تمثل 25% من إجمالي استهلاك البلاد من مصادر الطاقة المختلفة.

هذا وقد ارتكزت السياسة العامة الصينية في هذا الشأن على التحرك على عدة مسارات، لم تكن المسؤولية الكاملة فيها على الحكومة وحدها بل تم إشراك العديد من الأطراف في مقدمتها المستثمرون ورجال الأعمال والمواطنون من خلال التوعية باستخدام الطاقة الخضراء.

فمن ناحية اتجهت الصين للاستثمار في العديد من المجالات ذات العلاقة بالطاقة الخضراء، وذلك بهدف المحافظة على الطاقة المهدرة وتقليل تكلفة الإنتاج عبر تطوير تقنيات أكثر كفاءة. ووفقا لوكالة استثمارات الطاقة المتجددة التابعة للأمم المتحدة، أصبحت الصين أكبر مستثمر على المستوى العالمي في مجال الطاقة المتجددة، ففي عام 2018 وحده بلغت استثمارات الصين في هذا القطاع 2ر91 مليار دولار أمريكي، أي ثلث الاستثمارات العالمية في هذا المجال، كما زاد إنتاج الصين في هذا المجال، فحتى يونيو 2019، بلغ حجم طاقة الرياح في الصين 193 مليون كيلووات، وهو ما مثل 5ر10% من إجمالي الطاقة المنتجة عالميا. وإضافة إلى طاقة الرياح، بلغ إنتاج الألواح الشمسية 136 مليون وات أي 4ر7% من إجمالي الإنتاج العالمي، كما أصبحت الصين أكبر الدول المصدرة للألواح الشمسية. ويتوقع الباحثون الصينيون أن يرتفع الإنتاج الصيني من الطاقة الشمسية ليصل إلى 500 جيجاوات وذلك عام 2025 مقارنة مع 204 جيجاوات في نهاية 2019. وبشكل عام، فخلال عام 2018، حدث تحسن كبير في إنتاج الطاقة المتجددة في الصين ليبلغ إجمالي توليد الطاقة المتجددة 87ر1 تريليون كيلووات/ ساعة بزيارة 170 مليار كيلووات في الساعة عن العام السابق.

ومن المجالات التي اتجهت الصين للاستثمار فيها، مجال السيارات الكهربائية والتي تُعد أهم الآليات للحد من التلوث. وفي الوقت الراهن تمتلك الصين نحو ثلاثة أرباع القدرة التصنيعية في العالم لخلايا بطاريات أيونات الليثيوم. والتي تُوصف بأنها "بطاريات المستقبل" حيث تُشحن بشكل أسرع مقارنة بالبطاريات التقليدية وتدوم لوقت أطول، كما تتمتع بكثافة أعلى للطاقة بحيث يصبح عمر البطارية أطول. وتسعى الصين حاليا لأن تصبح أكبر مركز لتصنيع السيارات الكهربائية في العالم. وهناك العديد من كبار الشركات العاملة في هذا المجال داخل الصين.

وهكذا، فإن جزءا من النجاح في تحقيق مكانة هامة في سوق الطاقة المتجددة عالميا يرتبط بمستوى التطور التكنولوجي الصيني في هذا المجال والذي شهد تحسنا كبيرا خلال السنوات الأخيرة حيث تم توطين العديد من المكونات المحلية الضرورية لتلك الصناعة. وكذلك أصبحت الصين تمتلك العدد الأكبر من براءات الاختراع في هذا الشأن، حتى أنه تم وضع سلسلة صناعة متكاملة في هذا المجال، وهناك بعض المقاطعات الصينية التي أصبحت تلعب دورا رئيسيا في هذا القطاع وهو ما أسهم في خلق فرص عمل في تلك المقاطعات.

ومن المجالات الهامة التي تحركت فيها الصين خلال السنوات الأخيرة الرياح البحرية، إذ تخطط لأن تصبح أكبر منتج للكهرباء من الرياح البحرية، إذا تستهدف أن يبلغ إنتاجها 52 جيجاوات بحلول عام 2030. وهو القطاع الذي بدأت الصين في التحرك فيه بكثافة منذ عام 2015، حيث توجد رياح على طول الساحل الشرقي للبلاد، خاصة في ظل القرب من المناطق المأهولة بالسكان بحيث لا تكون هناك حاجة لكابلات طويلة لنقل الكهرباء. وفي الوقت الراهن تمتلك الصين أكثر من 135 ألف توربين لتوليد طاقة الرياح البحرية قادرة على توليد 235 جيجاوات من الكهرباء سنويا.

جزء من تحرك السياسة العامة للدولة كان بالتنسيق مع المستثمرين وتذليل العقبات للاستثمار بكثافة في هذه المجالات. وقد أنشأت شركة "آبل" في عام 2018 "صندوق الصين للطاقة النظيفة"، كأول صندوق استثماري من نوعه في الصين بهدف ربط الموردين بمشروعات الطاقة المتجددة، ويهدف الصندوق إلى تطوير مشروعات الطاقة النظيفة بإجمالي 1 جيجاوات من الطاقة المتجددة في الصين. وهو ما يُمثل الطاقة المطلوبة لمليون منزل تقريبا.

وقد انعكس ذلك على وضع الشركات الصينية عالميا في هذا المجال، فمن بين عشر شركات كبرى على المستوى العالمي في صناعة الطاقة الشمسية، هناك تسع شركات صينية، وبفضل الإنتاج الضخم من الألواح والخلايا الشمسية أصبحت الصين رائدة في الوقت الراهن في تلك الصناعة. خمس شركات من بين أكبر تلك الشركات التسع أنتجت 38% من الإنتاج المحلي من خلايا الطاقة الشمسية عام 2019 بزيادة بلغت نسبتها 4ر8% مقارنة بالعام السابق. وفي العام ذاته قامت الصين ببناء نحو 70% من الخلايا الكهروضوئية الشمسية في العالم. حيث لديها نحو ثلث قدرة توليد الطاقة الشمسية في العالم.

ومن أبرز الشركات الصينية العاملة في هذا المجال "لونجي غرين إنيرجي تكنولوجي" و"توجوي" و"جا سولار تكنولوجي" و"جينكو سولار هولدينغز". كما تمتلك الصين أكبر مصنع لتوربينات الرياح في العالم. ففي عام 2018، كانت الشركات الصينية تمتلك أكثر من ثلث الشركات المصنعة لتوربينات الرياح في العالم. ومؤخرا أعلنت الصين عن إطلاق مفاعل نووي هو الأضخم من نوعه تحت مسمى "شمس الصين الاصطناعية" والقادر على توليد البلازما بسخونة أكثر من 150 مليون درجة مئوية.

إضافة إلى الاستثمار، اتجهت الصين للدخول في شراكات واتفاقيات تجارية لضمان حصولها على المواد الخام اللازمة لتلك الصناعات، حيث تسعى للحصول على المواد الخام اللازمة لإنتاج الطاقة الخضراء، خاصة العناصر الأرضية النادرة والمطلوبة لإنشاء توربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات تخزين الكهرباء ومنها الكوبالت والليثيوم. وتنتج الكونغو ثلثي إنتاج العالم من الكوبالت، وقد نجحت الشركات الصينية في الحصول على نصفه. كما دخلت الشركات الصينية في العديد من الصفقات، ففي عام 2016 وحده أبرمت الشركات الصينية أربع من أكبر خمس صفقات للطاقة المتجددة في العالم. هذا الاستثمار والشراكات للحصول على المواد الخام عززت الإنتاج الصيني في هذا المجال بشكل كبير. كما ارتكزت السياسة العامة للدولة في هذا المجال، على دعم تلك الصناعة مع تبني سياسة ترويجية بهدف دعم الاستهلاك المحلي للطاقة النظيفة.

وختاما، وكما أوضحنا فقد تحركت السياسة العامة للدولة على مدار السنوات الماضية عبر مجموعة متكاملة من السياسات في الداخل والخارج لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري واستبداله بالطاقة الخضراء. ويظل التساؤل هل بمقدور الصين الوصول للحياد الكربوني بحلول 2060؟ يبدو الهدف صعبا للغاية في ضوء العديد من المتغيرات من داخل وخارج الصين، فمن ناحية يتطلب تحقيقه أن تصل مصادر الطاقة من الوقود غير الأحفوري، والتي شكلت نحو 41% من إنتاج الكهرباء في الصين عام 2019، إلى 90% بعد نحو 30 عاما، وما يتطلبه ذلك من الاستمرار في الاستثمار في هذا المجال خاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية إضافة إلى التوسع في استخدام الكهرباء في الصناعة. هذا الأمر يتطلب الوصول إليه وفقا لبعض المصادر استثمارات بقيمة 20 تريليون دولار أمريكي خلال السنوات القادمة. وتواجه الصين قيودا من الخارج بينها استمرار التوتر التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل التنافس على الحصول على المواد الخام اللازمة لتلك الصناعة، وكذلك الأزمات العالمية المتكررة التي قد تقيد الاستثمارات في تلك المجالات.

إلا أن الخبرة الصينية سواء تعلقت بالعمل على مشروعات كبرى كمحاربة الفقر أو حتى نجاحها في التعافي السريع واستعادة الاقتصاد الصيني لعافيته بعد أزمة كوفيد- 19، وكذلك تكامل وشمول مجالات تحرك السياسة العامة للدولة على نحو ما استعرضنا، يؤشر على قدرة الصين على الوصول لهذا الهدف.

-

د. خديجة عرفة، باحثة في العلاقات الدولية من مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4