كلنا شرق < الرئيسية

نماذج ناجحة لقرى مصرية وصينية في مكافحة الفقر

: مشاركة
2020-12-03 14:32:00 الصين اليوم:Source أحمد سلّام:Author

يُعد نموذج التنمية الصيني أهم النماذج التنموية التي تلقى ترحيباً من دول العالم النامية وخاصة مصر. وبالنظر إلى الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع والمرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق"، والتي عادت بالنفع على مصر وشعبها، فإن هناك العديد من التجارب الصينية التي يمكن لمصر دراستها والاستفادة منها، ويأتي على رأسها تجربة التخفيف من حدة الفقر.

وقد قدمت الصين من خلال مشروعاتها العديدة في مصر الكثير من فرص العمل للمصريين، من خلال المناطق الصناعية، مثل المنطقة الصناعية لقناة السويس وكذا الشركات التي تعمل في العاصمة الإدارية الجديدة، واللتين وفرتا أكثر من 12000 فرصة عمل. وكذلك قدمت الشركات الصينية المنتشرة في مصر الكثير من فرص العمل، ما يسهم إلى حد كبير في العمل على تخفيض نسب الفقر في مصر.

وسوف أركز حديثي في هذه المقالة على النموذج الرائد للتخلص من الفقر في الصين، وأوجه التشابه بينه وبين النموذج المصري، لاسيما وأن الصين تهدف إلى تحقيق التخلص من الفقر الشامل بنهاية العام 2020، ما يعد مشروعا وإنجازا كبيرا في تاريخ البشرية، يجعل الصين قدوة للدول النامية الأخرى في التخلص من الفقر.

أوجه تشابه في الرؤى المصرية والصينية

نظرا لكون العمل على التخلص من مشكلة الفقر يُعد أحد الأهداف المشتركة في التجربة التنموية لكل من مصر والصين، فقد تشابهت إلى حد كبير رؤى كلتا الدولتين لحل تلك المشكلة. فبالنظر إلى رؤية "مصر 2030"، وهي أجندة وطنية أُطلقت في فبراير 2016 لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وتم تحديثها مع بداية عام 2018، نجد أنها تركز في المقام الأول على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة، والعمل على الحد من الفقر بجميع أشكاله والقضاء على الجوع، وتوفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، وتعزيز إتاحة وتحسين جودة الخدمات الأساسية، وإثراء الحياة الثقافية، علاوة على تطوير البنية التحتية الرقمية، وجميعها تصب في خدمة هدف مكافحة الفقر في مصر.

وفي إطار تلك الرؤية، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي العديد من المبادرات بهدف الحد من الفقر بجميع أشكاله، ومنها برنامج (تكافل وكرامة) للتحويلات النقدية المشروطة للأسر الفقيرة والأكثر احتياجا وكفالة حقوق أطفالها الصحية والتعليمية، والذي قدم الدعم المالي لنحو 6ر3 ملايين أسرة بواقع 3ر14 مليون فرد. وكذلك مبادرة "حياة كريمة" لتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى المناطق الأكثر احتياجا. كما بذلت مصر مجهودا كبيرا فى إزالة المناطق العشوائية كأحد آليات الحد من الفقر المتعدد الأبعاد، حيث دشنت مشروع مدينة الأسمرات بالقاهرة، ومشروع بشاير الخير بالإسكندرية.

وبهدف مواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا، أطلقت مصر مبادرة "نتشارك هنعدي الأزمة" من قبل صندوق "تحيا مصر" لدعم العمالة غير المنتظمة. كما تقوم الدولة بتقديم خدمات الحماية الاجتماعية للمواطنين والأسر الفقيرة، ومنها المساعدات النقدية المشروطة، وإعانات التعليم والبطالة، ومعاشات لكبار السن والمعاقين، فضلا عن توفير فرص العمل والقروض الصغيرة.

وعلى الجانب المقابل، فإن النجاح الكبير للصين في الحد من الفقر ما كان ليتحقق بمعزل عن الخطط الدقيقة والقرارات المدروسة لتلك المشكلة. فعلى سبيل المثال، نجد أن الخطة الخمسية الـثالثة عشرة للصين والتي تنتهي بنهاية العام الجاري، ركزت على تحقيق أهم الأهداف الصينية على مر التاريخ، والمتمثلة في القضاء التام على الفقر المدقع، حيث عملت الحكومة الصينية خلال السنوات الأخيرة على تطبيق العديد من الخطط لتحقيق هذا الهدف، وطبقت خططا نموذجية لإنشاء أراضي زراعية عالية الجودة، وكذلك رصدت مبالغ ضخمة من أجل إخراج السكان من الحياة "الفقيرة البائسة" إلى حياة تقوم على مصادر دخل ملموسة لكافة السكان في الصين، ثم قامت الحكومة الصينية بمواصلة متابعة المشروعات الصغرى والمتوسطة والخاصة في المناطق الريفية ودعمها، علاوة على قيامها بتقديم العديد من الحوافز للفلاحين لتشجيعهم على الاستغلال الجيد لأراضيهم.

قرى مصرية وصينية تخلصت من براثن الفقر

وبفضل الخطط التي وضعتها الدولتان، تخلصت الكثير من القرى المصرية والصينية من الفقر الذي عانى منه سكانها، ونرصد فيما يلي نماذج مشتركة لتلك القرى:

قرية نجع عون

نجح سكان قرية "نجع عون" بمحافظة البحيرة في شمالي مصر، في التخلص من الفقر والقضاء على البطالة خلال خمس سنوات عن طريق زراعة الخضراوات العضوية على أسطح منازلهم. حيث كانت القرية إحدى أفقر القرى في مصر، وكان معدل البطالة فيها حوالي 90%. وخلال محاولتهم للتخلص من الفقر، وبناء مستقبل أكثر إشراقا، تبنى سكان القرية أفكارا مبتكرة، بالزراعة على أسطح منازلهم ، حيث ساعدتهم أجهزة الدولة بتوفير قروض صغيرة لهم لاستبدال أسطح منازلهم المتهالكة المبنية من القش بأسطح مبنية بالخرسانة والمواد العازلة، كما وفرت لهم المبردات والثلاجات لحفظ منتجاتهم. وكان لاصرار أهالي القرية على النجاح أثره الإيجابي في خفض معدلات البطالة بالقرية من 90% إلى أقل من 5% خلال خمس سنوات. ويقوم أهالي القرية ببيع أكثر من 70% من منتجاتهم في السوق المحلية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الفيس بوك، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضراوات. وقد ساعد هذا المشروع السكان على توفير المزيد من المال لبدء مشروعات جديدة، مثل تربية الماشية والدواجن وصناعة السجاد والأثاث.

ومن الجدير بالذكر أنه بتصدير هذا النموذج للقرى المجاورة، يمكن القضاء على الفقر في مصر حال اقتداء المناطق الفقيرة بتلك التجربة كل حسب مفردات البيئة المحيطة .

قرية بيهمو

تشتهر قرية "بيهمو"، وهي إحدى قرى محافظة الفيوم، بصناعة التمور والخوص والملابس الجاهزة. تم تمويل أكثر من 4400 مشروع بها بمبلغ 73ر18 مليون جنيه (الدولار الأمريكي يساوي 63ر15 جنيها مصريا) ، وفرت ما يقرب من 5000 فرصة عمل، وتدريب عدد كبير من السيدات على كيفية إعداد خطة عمل مشروع صغير حسب الصناعة التي تشتهر بها القرية، وتم منحهم تمويلا من خلال جهاز تنمية المشروعات المصري، وصار لدى القرية مصنع للتمور تم تطويره ليواكب التطورات في هذا المجال وتزويده بأحدث وسائل التصدير.

قرية فانوس

تقع قرية "فانوس" في مركز طامية بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار ونجارة كابس القش والحدادة، وقد تم اختيارها ضمن القرى المنتجة بالمحافظة. تم تمويل حوالي 1800 مشروع بالقرية، وفرت أكثر من 3000 فرصة عمل، بالإضافة إلى فتح 14 فصلا لمحو أمية الإناث.

قرية الشخلوبة

قرية "الشخلوبة" هي إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، وتعتبر من أوائل القرى التي لا تعرف البطالة. يعمل أهلها في مهنة صيد الأسماك من البحر والبحيرات، وتم دعمهم من خلال الحكومة المحلية بالمبردات والثلاجات. وتعتبر هذه المهنة مصدر رزقهم الوحيد، خاصة وأن القرية تقع على ضفاف البحر من الجانبين. وقد تخلص عدد كبير من سكانها من الفقر .

نخلص من خلال النماذج السابقة، إلى أن تبني فكرة "القرية المنتجة" من خلال برامج مدروسة بعناية فائقة وخبرة كافية يمكن أن يؤتي ثماره، خاصة وأن مقومات القرية المنتجة متوفرة في مصر وتحتاج إلى من يستكشفها ويُحسن تنظيمها وإدارتها. ويجب وضع آليات النهوض بالقرية والتعرف على المقومات التنموية الموجودة بالقرية وتعظيم الاستفادة من المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بهدف خلق فرص عمل للشباب، مع عقد دورات تدريبية لهم وحثهم على العمل في القطاع الخاص والمهن الحرة ومعالجة أسباب عزوف الشباب عن العمل الحرفي وتغيير نظرة المجتمع لأصحاب الحرف. كل ذلك تسعى إليه الخطة الإستراتيجية لمصر 2030 في ظل ما تشهده مصر من طفرة تنموية في كافة المجالات، خاصة بعد ثورة 30 يونيو.

وبالعودة الي جمهورية الصين الشعبية فهي الآن في آخر مراحل حملة التخلص بل والقضاء على الفقر مع نهاية عام 2020، وقد حققت الصين ابتكارات عديدة في سياسات القروض الصغيرة بهدف مساعدة العائلات الفقيرة. وهناك قرى صينية كثيرة تخلصت من الفقر خلال السنوات الماضية ومازالت تسرع الخطى للوصول إلى مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، ومن أبرز نماذجها:

قرية ليانتشانغ

تقع قرية "ليانتشانغ" في بلدة ليانجيانغكو في مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين. وهي إحدى القرى التى قمت بزيارتها إبان عملي كمستشار إعلامي بسفارة مصر ببكين. وكانت هذه القرية تعاني من انخفاض الدخل والفقر والافتقار للبنية التحتية من طرق ومواصلات وغيرها من الخدمات، خاصة وأنها منطقة جبلية وتبلغ مساحتها حوالي 32 كيلومترا مربعا، ويسكنها ما يقرب من 500 أسرة، وتشتهر بزراعة الأرز والفول السوداني والذرة والبطيخ والخضراوات وغيرها من أنواع الفاكهة المختلفة.

وخلال السنوات الأخيرة عملت الحكومة المركزية للصين والحكومة المحلية على تطوير وتحديث القرية، وقامت ببناء المنازل وإدخال كافة الخدمات من كهرباء ومياه وصرف وشبكات للتليفون والإنترنت. وكان لزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للقرية في عام 2018، أثر كبير في نفوس سكان القرية لبذل المزيد من الجهد والعمل من أجل النهوض بقريتهم. وقد لاحظت أثناء مشاهدة أحد التقارير المصورة بمحطة التلفزيون الصينية المركزية أن القرية قد تغيرت تماما بعد تطويرها وتحديثها، حيث يمتلك جميع سكان القرية فرص عمل توفر وتضمن لهم معيشة طيبة وحياة كريمة، ووصل متوسط دخل الفرد سنويا نحو 2400 دولار أمريكي.

ولاية ليانغشان

تقع ولاية ليانغشان بمقاطعة سيتشوان في جنوب غربي الصين، وتشتهر بزراعة الزيتون وبعض أنواع الفواكه مثل الرمان. وقد ابتكرت هذه الولاية أفكارا باستخدام وسائل التواصل في بيع وترويج منتجاتها، وذلك بالتعاون المشترك مع المؤسسات الرائدة والحكومية مطبقة نموذج تعاون (الأسر الفقيرة+ المؤسسات الرائدة+ منصات البيع مثل جينغدونغ على الإنترنت)، حيث يقوم أهالي ليانغشان بزراعة أشجار الزيتون وتقوم المؤسسات الزراعية بتوفير الشتلات العالية الجودة والمساعدة الفنية، ويتم تسويق الفاكهة وبيع المنتجات النهائية على منصات البيع. وقد استفاد من هذه التجربة حتى الآن أكثر من 250 عائلة ريفية فقيرة وتخلص أهالي ليانغشان من براثن الفقر.

قرية هوايانغ

تقع قرية هوايانغ بمقاطعة سيتشوان في جنوب غربي الصين، وتشتهر بزراعة التفاح ويسكنها ما يقرب من 1700 فرد. ومن أجل تطوير الصناعات في هذه القرية، شاركت 89 عائلة فقيرة في بداية عام 2019، في أحد المشروعات الناجحة، والتي استثمرت نحو 32ر5 ملايين يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات) بصورة مشتركة لبناء منطقة نموذجية للتفاح بقرية هوايانغ. وقد تم إنشاء مزارع نموذجية قُدرت الاستثمارات فيها بحوالي 61ر2 مليون يوان. وقد تمكن الفقراء بالقرية من الحصول على مكافأة، من خلال نقل حقوقهم في استخدام الأرض إلى منطقة التفاح، كما يمكنهم أيضا العمل في المنطقة والحصول على راتب شهري. وتم تغيير نمط زراعة وصناعة منتجات التفاح المحلي، فتحول نمط البيع من الطرق التقليدية إلى نمط البيع عبر الإنترنت ومبيعات التجارة الإلكترونية ومبيعات العلامات التجارية، مما يزيد الأرباح ويساعد الفقراء على تحسين مستوى معيشتهم في نفس الوقت.

وفي حقيقة الأمر، فإن القرى المصرية يمكنها الاستفادة من النماذج الناجحة لمثيلتها الصينية في التخلص من الفقر، والتي ارتكزت في نجاحها على سواعد وإخلاص المواطن وبمساعدة ودعم الحكومة وكافة جميعات ومنظمات المجتمع المدني.

--

أحمد سلّام، وكيل وزارة في الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر لدى الصين.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4