كلنا شرق < الرئيسية

التضامن العربي مع الصين في مواجهة فيروس كورونا الجديد

: مشاركة
2020-03-10 15:42:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

من بين مجالات التعاون التي أشارت إليها أول وثيقة لسياسة الصين تجاه الدول العربية، الصادرة في يناير عام 2016، التعاون في مجال الرعاية الطبية والصحية. ويتخذ التعاون العربي- الصيني في المجال الصحي شكلا مؤسسيا من خلال منتدى التعاون العربي- الصيني في مجال الصحة، والذي عقدت دورته الثانية في العاصمة الصينية بكين في أغسطس 2019، وركزت على مختلف المجالات الصحية التي تضمنها البرنامج التنفيذي للمنتدى بين عامي 2018 و2020، ومن بينها تشجيع نقل التقنيات الطبية، وتعزيز تبادل المعلومات بين الحكومات في مجالات القوانين والسياسات الطبية، وإجراء البحوث والتجارب الطبية، والتعاون بين المؤسسات العلاجية العربية والصينية، وإقامة دورات تدريبية لتأهيل وتطوير المهارات المهنية في مجال الصحة، وهو ما من شأنه أن يطور مستوى الشراكة العربية- الصينية القائمة، ويزيد من حجم المنافع المشتركة للجانبين. وقد أكدت "مبادرة بكين" الصادرة في ختام الاجتماع على حرص الجانبين على مواصلة تعزيز التعاون في مجال الإستراتيجيات والسياسات والإجراءات والمشروعات الصحية والعمل معا لتعزيز عملية بناء "طريق الحرير العربي- الصيني في مجال الصحة"، والسعي لبناء مجتمع صحي ذي مستقبل مشترك للصين والدول العربية.

وبينما تسير العلاقات العربية- الصينية في سياقاتها وتفاعلاتها وتبادلاتها المعتادة وتشهد أوج فتراتها، تعرضت الصين بداية منذ ديسمبر 2019 لمحنة قاسية، وتحديا خطيرا- بحسب تعبير الرئيس الصيني شي جين بينغ- جراء تفشي فيروس كورونا الجديد بمدينة ووهان الواقعة في مقاطعة هوبي بوسط الصين. تعاملت بكين مع هذا التحدي بإجراءات حازمة وقوية تجاوزت- وفقا لمدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريوس- متطلبات لوائح الصحة الدولية وتوصيات المنظمة، وعُدت نموذجا جديدا للاستجابة لهذا الوباء، وتمت كافة الإجراءات والأعمال الوقائية للسيطرة على هذا الوباء تحت الإشراف والقيادة المباشرة للرئيس شي جين بينغ، وهو ما أدى إلى نتائج إيجابية في معركة الصين ضد الفيروس.

ملامح الدعم العربي للصين لمواجهة فيروس كورونا الجديد

منذ الوهلة الأولى للإعلان عن أزمة تفشي الفيروس الجديد في الصين، أثارت تلك المسألة اهتمام الدول العربية على كافة المستويات، ولاسيما السياسية والإعلامية. ومثلت- في الآن ذاته- مجالا لاختبار متانة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية والصين، ولاسيما في بعدها المرتبط بالمجال الصحي. لذا، لم يكن مستغربا في ضوء ما يجمع الدول العربية من علاقات تاريخية وثيقة مع الصين، وكذلك علاقات شراكة إستراتيجية في الوقت الراهن، أن تبدي الدول العربية- رسميا وشعبيا- تضامنها ودعمها بشكل كامل للصين في الحرب التي تخوضها لمكافحة تفشي فيروس كورونا الجديد، وأعربت عن ثقتها في قدرة الصين على مكافحة الفيروس. واتخذ هذا التضامن والدعم صورا وأشكالا وملامح شتى.

فعلى المستوى السياسي، أبدى قادة الدول العربية، من خلال اتصالاتهم الهاتفية ورسائلهم وبرقياتهم للرئيس الصيني شي جين بينغ، وكذلك وزراء خارجيتها، من خلال اتصالاتهم الهاتفية مع نظيرهم الصيني وانغ يي، تضامنهم الكبير ووقوف بلادهم مع الصين، وتقديريهم الشديد لما اتخذته من إجراءات في سبيل الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه. وأبدوا ثقتهم الكاملة في قدرة السلطات الصينية على مواجهة هذا الفيروس الخطير في ضوء ما تمتلكه من إمكانيات وقدرات وخبرات واسعة بهذا الشأن. وأشادت الدول العربية بجهود الحكومة الصينية من أجل محاربة هذا الفيروس، وكذلك تعاونها الفعال وتنسيقها السريع مع المجتمع الدولي، لاسيما في إطار منظمة الصحة العالمية، بهدف حماية الصحة العامة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. كما قامت هذه الدول بتعزية الرئيس الصيني شي جين بينغ وعائلات الضحايا.

وعلى المستوى الإنساني، وفي تأكيد على أن "الصديق وقت الضيق"، قامت العديد من الدول العربية ليس فقط بإرسال مساعدات طبية عاجلة إلى الصين لمساعدتها على مواجهة تداعيات الفيروس، وإنما أيضا استعدادها لتقديم كافة أشكال الدعم للصين والتعاون مع المجتمع الدولي للتصدي لهذا الفيروس. أرسلت مصر عشرة أطنان من الإمدادات الطبية الوقائية كهدية تضامن من الشعب المصري إلى الشعب الصيني الصديق، بهدف مساعدة الصين على مقاومة تفشي فيروس كورونا الجديد، وتبرعت الجزائر بنصف مليون قناع ثلاثي الطبقات، وعشرين ألف نظارة وقائية، بالإضافة إلى ثلاثمائة ألف قفاز، لمساعدة السلطات المحلية على مواجهة انتشار الفيروس في مقاطعة هوبي. ووصلت الدفعة الأولى من الإمدادات الطبية التي أهدتها إمارة دبي بدولة الإمارات للصين، ويبلغ وزنها 3897 كيلوغراما، إلى ووهان في أواخر يناير.

ووفقا للموقع الإلكتروني لمنتدى التعاون الصيني- العربي، نقلا عن بيان رسمي للسفارة الصينية لدى دولة قطر صدر في 4 فبراير 2020، فقد وعدت شركة الخطوط الجوية القطرية بأن تستخدم شبكتها الكاملة حول العالم لتقديم مساعدات عاجلة إلى الصين لمساعدتها في السيطرة على الفيروس، وفتح قنوات خضراء لنقل المواد اللازمة لمكافحة الفيروس لتصل في أسرع وقت ممكن إلى المناطق الصينية التي ينتشر فيها الوباء، إضافة إلى ذلك ستشتري الشركة خمسة ملايين كمامة طبية ومليون زجاجة من مواد التعقيم لنقلها سريعا إلى الصين.

دعم الشعوب العربية للصين

ولم يكن من المستغرب، في ضوء ما تكنه الشعوب العربية من مشاعر دافئة تجاه الشعب الصيني، أن يعرب أيضا المواطنون العرب بمختلف فئاتهم وأعمارهم، من دبلوماسيين وطلبة مبتعثين بالصين وجاليات عربية بالصين ومواطنين عاديين وأطفال، عن تضامنهم ودعمهم للصين وشعبها في مكافحة فيروس كورونا الجديد، وهو ما تمثل في إطلاق العديد من الوسوم والهاشتاغات المؤيدة والمعبرة عن التضامن والوقوف مع الشعب الصيني في محنته، وكذلك بث مقاطع الفيديو المصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، التي عبر أصحابها عن تضامنهم مع الشعب الصيني ومدينة ووهان في مواجهة فيروس كورونا الجديد.

وفي مبادرة للتعبير عن تضامنها مع الصين في مواجهة انتشار فيروس كورونا الجديد، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بإضاءة معالمها بألوان العلم الصيني، وخاصة "برج خليفة"، أطول ناطحة سحاب في العالم، ووجهت رسالة إلى الصين مفادها "نحن معكم"، وظهرت على المبنى عبارة "ووهان، نحن معكم"، للتعبير عن دعم الإمارات لمدينة ووهان بوسط الصين التي تعد مركز انتشار الفيروس. ودشن ناشطون سعوديون وسما باللغة الصينية للتعبير عن دعم بلادهم وتضامنها مع الشعب الصيني في محنة فيروس كورونا الجديد. واستخدم المغردون وسم "نقف إلى جانب الشعب الصيني العظيم". كما نظم مواطنون في اليمن تجمعا أمام السفارة الصينية في صنعاء حاملين لافتات كُتب عليها "الشعب اليمني يتضامن مع الشعب الصيني"، وقاموا بترديد عبارات تضامن باللغة الصينية مع مدينة ووهان الصينية والصين.

مشاركة المعلومات الطبية مع الدول العربية

في إطار الشفافية والمسؤولية العالمية التي تعاملت بها الصين مع تفشي فيروس كورونا الجديد، قامت الصين بمشاركة المعلومات بشأن تطورات وإجراءات مكافحة الفيروس على أراضيها مع الجهات المعنية في الدول العربية، سواء عن طريق سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية في هذه الدول، أو عن طريق السفارات العربية في بكين. والملاحظ في هذا الصدد، أن الصين حرصت ليس فقط على تطبيق ذات الإجراءات التي اتخذتها لحماية مواطنيها والأجانب المقيمين فيها من الفيروس، وإنما أيضا على متابعة الحالة الصحية للجاليات الصينية في الدول العربية للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس. وفي الوقت ذاته، أكدت الصين تفهمها للإجراءات التي اتخذتها الدول العربية بإجلاء مواطنيها من الصين، وتعليق رحلاتها الجوية إليها بصورة مؤقتة، للوقاية من تفشي الوباء.

دوافع التضامن العربي مع الصين ضد كورونا

هذا التضامن العربي مع الصين لم يأت من فراغ، وإنما تقف وراءه مجموعة من الدوافع والاعتبارات الهامة، يمكن سردها في النقاط التالية: أولا، ما يجمع بين الجانبين من علاقات شراكة إستراتيجية هامة؛ ثانيا، التزام الصين بتطوير علاقاتها مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، عدم الاعتداء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، المساواة والمنفعة المتبادلة، فضلا عن التعايش السلمي؛ ثالثا، حرص الجانب الصيني على إجراء التعاون العملي مع الدول العربية وفقا لمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وخاصة من خلال التشارك في بناء "الحزام والطريق؛ رابعا: الحجم الكبير للمصالح الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، واحتمالات تأثرها سلبا بتداعيات تفشي الوباء في الصين؛ خامسا: أن قيام بعض الدول العربية بإرسال مساعدات طبية إلى الصين في ظل المحنة الشديدة التي تواجهها الأخيرة، يحمل في طياته نوعا من رد الجميل من جانب هذه الدول للصين، التي دائما ما تكون في طليعة الدول التي تساعد الدول العربية، سواء فيما تواجهه هذه الأخيرة من أزمات وكوارث طبيعية، أو عبر مساعدتها في تحسين ظروفها الاقتصادية والاجتماعية من خلال المساهمة باستثماراتها وخبراتها في إقامة مشروعات اقتصادية وتنموية في هذه الدول.

تقدير الصين لتضامن الدول العربية معها

ثمنت الصين التضامن والدعم العربي لها في حربها ضد فيروس كورونا الجديد. فقد عكست تصريحات الرئيس شي جين بينغ ووزير الخارجية وانغ يي، تقديرا كبيرا لدعم الدول العربية القوي للصين في مكافحتها لفيروس كورونا الجديد، وكذلك تقديرهما للثقة التي أبدتها الدول العربية بشأن قدرة الصين على الانتصار في معركتها ضد الفيروس.

--

عادل علي، إعلامي وباحث مصري في الشؤون الصينية.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4