كلنا شرق < الرئيسية

دروس مستقاة من حكمة الصين في مواجهة فيروس كورونا الجديد

: مشاركة
2020-03-10 15:33:00 الصين اليوم:Source أنسام شاكر خضر:Author

ينشغل العالم حاليا بفيروس كورونا الجديد، الذي ظهر في الصين في مطلع هذا العام، والكل يتابع باهتمام تطورات الأوضاع المتعلقة بجهود وإجراءات السيطرة على انتشار الفيروس. وتتابع وسائل الإعلام عن كثب الأخبار المتعلقة بهذا الفيروس الخطير، وهي متابعة ضرورية ونافعة شرط أن تكون ضمن الإطار المعروف لنقل الأخبار والمعطيات والأرقام الصادرة من مصادر موثوقة، بلا تهويل يثير ذعرا لا ينفع. وأنا أعيش في الصين، وأرى الواقع بعيني وعن قرب، أرى ضرورة أن أتشاطر مع القراء الكرام الصورة الحقيقية من أرض الواقع، بما يخدم نقل المعلومة الدقيقة والجهود الأساسية الأخرى، التي هي ضرورية جدا للقضاء على هذا الفيروس، وغيره من الأزمات الصحية. لقد أثبتت التجارب السابقة لاندلاع أوبئة عديدة بالعالم، مثل سارس وإيبولا، وانفلونزا الطيور وزيكا، وغيرها، أن المعالجة العلمية وتضافر جهود المختصين، وتشاطر المعلومات والالتزام المجتمعي، هي الأساس للتعامل مع أي أزمة من هذا النوع، وليس التهويل وبث الرعب.

شهادة من أرض الواقع

أعيش في بكين منذ أكثر من عشرين عاما، عاصرت فيها تفاصيل نمو الصين وتطورها، وخاصة بكين، وتغير نمط الحياة فيها وتغير المدينة بالكامل اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا، وشهدت بنفسي وفي أكثر من موقع ومناسبة وحدث، مدى حب الصينيين لبلادهم وارتباطهم بها وسعيهم الدائم لخدمتها لتصبح بلدا متقدما وقوة اقتصادية كبرى يشار لها بالبنان.

لقد شاء القدر أن أشهد حالة مماثلة في الصين عام 2003، حيث انتشر فيروس سارس، وكنت مع عائلتي في العاصمة الصينية بكين. في تلك الأيام، لم تكن الصين على ما هي عليه الآن من تطور ملحوظ بكافة المجالات، ولكن ما يمكن أن أقول إنه مشابه للوضع الحالي هو قوة التماسك الاجتماعي الصيني في الأزمات. وهذا ما يجعلني أقول إن هناك أكثر من سبب للثقة بانتصار هذا الشعب على هذه الأزمة الصحية الطارئة. وما يمكنني نقله بثقة أيضا هو أن هذا الشعب مميز أيضا باعتزازه بوطنه وتاريخه، وهو اعتزاز يجعله منضبطا وصبورا ومتعاونا سواء في السراء أو الضراء.

حرب شعبية تتقدم بقوة المجتمع

في يوم 7 فبراير 2020، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، إن الصين تعبئ كل طاقاتها وتشن "حربا شعبية" على الوباء. وعندما يقول الرئيس شي هذا فهو يعرف تماما وواثق من قدرة أمته، وهو يدرك أيضا هذا التحدي، ويدرك تماما أن الأمة الصينية تبرز خصائصها جلية أيام التحديات. وهنا، أنقل لكم بعض الصور التي نراها في ظل "الحرب الشعبية" التي تشنها الصين على الوباء.

ما إن أطلقت البلاد نداء الاستجابة لهذا الطارئ الصحي، وانتهجت إجراءات صارمة للوقاية والسيطرة على الفيروس، حتى تجلت صور الالتزام المجتمعي بوضوح، من خلال أداء كل شخص ما يستطيعه من أجل كبح تفشي الوباء، وقلل الناس تحركاتهم خارج مساكنهم إلا لقضاء احتياجات أساسية تتعلق بالمواد الغذائية الرئيسية. ولحسن الحظ هنا، أن الإنترنت والتطور الرقمي يلعبان دورا مساعدا هائلا في تيسير الأمور على الناس. على سبيل المثال، ومنذ فترة ما يزيد عن 6 سنوات خلت على الأقل، لم تعد هناك حاجة للخروج من المسكن لشحن بطاقة الماء أو الكهرباء أو الغاز أو الهاتف المحمول أو ما شابه، لأن بالإمكان شحنها عبر الهاتف المحمول خلال دقيقة واحدة لا أكثر. أما التسوق الإلكتروني فهو حكاية خاصة بالصين؛ فبالإمكان فعلا شراء أي شيء من أينما كان. وبفضل التكنولوجيا الحديثة، لا يشكل بقاء الناس بمنازلهم وتقليل تحركاتهم خارجها، أي ضجر بالغ أو مشاعر بالوحدة، لأنه بالإمكان التواصل مع الجميع عبر الكثير من التطبيقات الإلكترونية.

هناك وضع يبرز حجم التحدي في عموم الصين، ولكن مدينة ووهان التي انتشر منها الفيروس، تشهد وضعا مختلفا، يتمثل في إجراءات أكثر صرامة وفقا لأحوال القانون الصيني وتصنيفاته لمستويات الطوارئ الصحية. وهذا مفهوم حسب الظرف الحالي. وهنا تجلت صورة مجتمعية ذات خصائص صينية واضحة، تجلت في تطوع الآلاف من الكوادر الطبية والصحية للعمل بالمدينة ومستشفياتها، وتبرعات سخية من مدن البلاد الأخرى لدعم المدينة وسكانها في هذا الظرف الطارئ. وهنا لا بد من الإشارة لجهد جبار حققته الكوادر الهندسية والصحية في الصين، وهو بناء مستشفيين مؤقتين خلال عشرة أيام، وهما يستقبلان ويعالجان حاليا المشتبه بإصابتهم بعدوى الفيروس. ولا بد لي هنا أن أشير إلى أن مستشفيات الصين قد عالجت فعلا وأخرجت بعد التعافي، مئات الأشخاص الذين دخلوها مرضى، وهذا يعني أن الفيروس يمكن علاجه، ولا مبرر للقلق من أنه فتاك. 

وأؤكد هنا على هدفي من كتابة هذا المقال المتواضع، وهو نقل صورة عن قوة التماسك المجتمعي بالصين، لأنها تظهر واضحة في كل مكان حاليا؛ فالالتزام واضح بالإجراءات التي فرضتها السلطات الصحية، ومعظم الناس يلزمون مساكنهم، ولا يخرجون إلا للضرورات الأساسية. والمتطوعون في بوابات المجمعات السكنية يساعدون في الفحص الأولي لكل من يدخل المجمع، للتأكد من حرارة الجسم، وعمال توصيل الطلبات يتنقلون على دراجاتهم الكهربائية، وأشعر فعلا بأهمية عملهم خلال هذه الفترة وما سبقها، فهم عماد قطاع الخدمات الواسع والحيوي جدا في الصين، وهم يتنقلون غير مبالين ببرد الشتاء القارس في الصين، ولا حتى الثلوج التي هطلت كثيفة خلال الأسبوع الأول من فبراير هذا العام 2020. أراهم يقفون أمام بوابة التجمعات السكنية، وهم يرتدون أقنعة الوجه الواقية، التزاما بالإجراءات الوقائية وحرصا على الوعي المجتمعي، وينتظرون الزبون، ليسلموه ما طلبه من مواد سواء خضراوات أو فواكه، أو أطعمة. وأنقل لكم ما حدث مع عائلتي شخصيا، حيث طلبنا اللحوم الحلال من الغنم والبقر والدجاج. والسيدة المسلمة صاحبة المتجر الذي يبيع اللحوم الحلال، تقطن على بعد 15 كم تقريبا، ولكنها تقبلت طلبنا برحابة صدر، وأرسلت لنا اللحوم على متن دراجة، ولم يحدث أن رفعت السعر بسبب الظرف الطارئ، ولا طالبت بأجرة إضافية للعامل الذي أوصله لنا.

تم توضيح الطلبات والكميات والسعر ودفع الثمن، عبر تطبيق ويتشات الصيني. الحمد لله تعالى، لا توجد أي معاناة تذكر في توفير المواد الأساسية للناس، ولا يوجد تأخر أو تخلف في خدمات البنية التحتية، ولكننا نفتقد فعلا تلك الحيوية التي كانت تضج بها بكين عموما، هذه المدينة التي لا تنام، ونشعر كبشر، بشيء غير طبيعي يحدث في هذا البلد، الذي يضم شعبا يشابه كل شعوب الأرض، ويتميز بخاصية تفرضها عليه حقيقة العدد الهائل للناس. إننا نشعر فعلا بضرورة رفع أيدينا بالدعاء لله تعالى بأن تمر هذه الأزمة بأسرع ما يمكن، وتعود الأمور لطبيعتها، ونشعر بضرورة العمل المشترك مع الجميع لتعزيز القوة المجتمعية التي هي أساسية جدا لجعل النسيج متماسكا بقوة يصعب على الأزمات اختراقه.  

إشادة عالمية بجهود الصين لكبح تفشي الوباء

أنا أعمل في المجال الإعلامي، وأتابع الإعلام المحلي والعالمي، وهناك الكثير من الإشادة والاعتراف بجهود الصين في مكافحة الفيروس والسعي لكبحه، وإظهارها روح المسؤولية ليس تجاه شعبها فقط، بل نحو العالم أجمع. يمكن العودة لتصريحات المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدانوم غيبريسوس، ورأي منظمته بالإجراءات الصينية في مكافحة الفيروس وجهودها لكبح تفشيه داخليا وخارجيا. ويمكن البحث والتأكد أيضا من آراء العديد من خبراء الصحة في العالم، غربيين وشرقيين، وتأكيدهم على أن الصين تتخذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع هذه الأزمة الطارئة. إن آراء منظمة الصحة العالمية والخبراء المعنيين تدعو إلى التضامن مع الصين، فالتحدي ليس صينيا فقط، بل هو تحد عالمي.

الذي يعرف الصينيين عن كثب ويعرف طبيعتهم الصبورة وجديتهم في العمل، يثق تماما بأن الأزمة ستنتهي، وتعود الأمور إلى طبيعتها. نحن نتحدث هنا عن أمة لها تاريخ عريق، وحضارة لها إنجازات باهرة في عموم مسيرة الحضارة البشرية، وتاريخها المعاصر يشهد على إسهامات إيجابية للعالم. 

شعب دؤوب يستحق التضامن

الشعب الصيني يستحق فعلا التقدير والإعجاب، وأن يكون مثلا يحتذى من قبل شعوب العالم، ليس لصبره وجَلده وجهده الحثيث وتفانيه، ثم تطور قدراته العلمية وإسهاماته فحسب، وإنما أيضا في ثقته الواضحة بوطنه وحكومته والتزامه التام بكل التوجيهات والإجراءات، لأنه يدرك تماما أن وحدة البلاد عموما هي المفتاح لأمنه وسلامته ومصلحته، ولا سيما في ظل الأوقات الصعبة، كما هو الحال الآن في التصدي لفيروس كورونا الجديد الذي ظهر في ووهان حاضرة مقاطعة هوبي، وانتشر إلى عدة مدن أخرى.

ومن الطبيعي، وعلى ضوء ما ينقله الإعلام، أن يتصور الآخرون خارج الصين أن الوضع خطير، ولكن من يعيش داخل الصين يمارس فعلا حياة شبه طبيعية، لا ينقصها إلا تلك الشوارع المليئة بالناس، ولأن هذا البلد يضم خمس سكان العالم، فمن المؤكد أن هذا الغياب لن يطول. خلال فترة رأس السنة القمرية الصينية الجديدة، أو ما يسمى عيد الربيع، وهي فترة تستمر لشهر على الأقل، استعدادا ومتابعة، يمارس الصينيون نشاطات احتفالية خاصة تطورت كثيرا خلال العقدين الماضيين، مع ما تشهده الصين من تطورات جذرية، ولكن هذه السنة، تعتبر استثناء فعلا. لقد داهم هذا الخطر الناس قبيل احتفالاتهم بالعالم الجديد، وتعين عليهم التضحية بالكثير من أجل السلامة والمصلحة العامة. ومثلما نحن واثقون من قدرة الشعب الصيني على تحقيق النصر في معركة محاربة الفيروس، سيتمكن أيضا من تجديد احتفالاته ويعوضها بأيام قادمة أخرى. وأينما تداهم التحديات، تظهر فرص العزم على مواجهتها أيضا، وهي فرصة ليؤكد الصينيون وأصدقاؤهم بالعالم، عزمهم وصبرهم على مواجهة التحديات. لا يمكن تجاهل مصاعب التحدي هذا، ولا يمكن تجاهل أرقام حالات الإصابة يوميا، والألم يعتصر القلوب لفقدان الأرواح، ولكن لا بد من التحلي بالأمل بقوة الإنسان وانتصاره في الكثير من التحديات. وكما أشرت أعلاه، فهناك المئات من حالات الشفاء من عدوى الفيروس، وهذا مبعث أمل قوي، والكوادر الطبية تعمل على مدار الساعة، والخبراء الصحيون في الصين يبذلون أقصى الجهود ويسابقون الزمن لإيجاد اللقاحات والعلاجات النافعة، وقد حققوا نتائج فعلية، في مرحلة التحقق حاليا. والمتطوعون المجتمعيون يقدمون العون الممكن للسلطات الصحية وللجهات الحكومية، بما يخدم تسريع انتصار الصين في معركتها هذه.

لقد أصبحت مدينة ووهان الجبهة الأمامية للحرب ضد فيروس كورونا الجديد، وصار الكثير من الصينيين يتسابقون للتطوع ليكونوا في الخطوط الأمامية لمواجهة هذا العدو اللعين، غير مبالين بسلامتهم، تاركين وراءهم الأهل والأبناء؛ لأنهم يؤمنون بأنه لا حياة لأي مواطن من دون وطن سالم وآمن ومعافى، وأن مساهمتهم هذه ليست من أجل مساعدة المرضى على الشفاء فحسب، وإنما أيضا من أجل ضمان حياة كريمة لجميع الصينيين، ولشعوب العالم أجمع.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4