"ما هو سر نجاح الصين في التنمية والنهضة، هل هناك نقاط مشتركة بين الصين ومصر في إيجاد مفاتيح النجاح؟" "وكيف يرى الصينيون مصر؟" في بناية بشارع ابن بطوطة في محافظة الجيزة المصرية، تتردد فيه كل شهر هذه الأسئلة والإجابة عنها بين المستمعين ومن يجلسون فوق المسرح الخشبي لإلقاء المحاضرات. هذه البناية هي المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، أما المناسبة فهي ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين" والتي ينظمها المركز كل شهر.

المصادفة الجميلة بين العقول العظيمة

بداية فكرة إنشاء ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين" جاءت أثناء  حديث بين السيد شي يوه وين المستشار الثقافي بسفارة الصين لدى مصر، والدكتور الصاوي الصاوي أحمد أستاذ الفلسفة بجامعة بنها، والذي يعتبر من المساهمين والناشطين في تنظيم فعاليات المركز الثقافي الصيني بالقاهرة. قال المستشار شي يوه وين: "في بداية مارس عام 2019، جاء الدكتور الصاوي إلى مكتبي وقال لي إنه يقترح دعوة بعض الباحثين والخبراء في الشؤون الصينية لإلقاء المحاضرات، لمشاركة تجاربهم وأفكارهم حول الصين، فوجئت بهذا الكلام، لأنني لدي نفس الفكرة منذ فترة. في منطقة الشرق الأوسط، مصر بها أكبر عدد من الباحثين المتخصصين في الشؤون الصينية، ولديهم الرؤية الدقيقة والموثوقة في تفسير الصين الحديثة، لماذا لا نقيم منصة للتقريب بين الثقافتين الصينية والمصرية من خلال التجارب الشخصية لكل من شاهد الصين على حقيقتها وعايش أهلها من المفكرين والخبراء والأكاديميين؟ الأمر لا يفيد الحضور المصريين فحسب، بل يفيدنا أيضا نحن الصينيين، نريد أن نعرف الصين في عيون الأصدقاء المصريين."

بعد هذا الحديث الجميل، ولدت ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين". والتي تقام مرة كل شهر ويديرها المستشار شي يوه وين والدكتور الصاوي الصاوي أحمد، ويدعى لها ضيف أوضيفان من الدبلوماسيين المخضرمين أو الباحثين المتخصصين الذين عملوا في الصين أو يتابعون الشؤون الصينية. يمكن للمتحدث أن يحدد لمحاضرته أي عنوان متعلق بالصين. وبعد إلقاء المحاضرة، يجيب عن أسئلة الحضور.

نجوم مقعد الشرف

في الثامن والعشرين من مارس عام 2019، كان السفير محمود علام، ضيف المركز الثقافي الصيني بالقاهرة. ألقى السفير علام محاضرة تحت عنون "رحلة في تاريخ الصين والدروس المستفادة من تجربة بناء الصين الحديثة". باعتباره سفير مصر الأسبق لدى الصين في الفترة من 2005 إلى عام 2009، شاهد السفير محمود علام تطورات الصين في تلك الفترة الهامة في الاقتصاد والثقافة والمجتمع، وكان له دور كبير في توثيق وتعزيز العلاقات الصينية- المصرية على المستوى الدبلوماسي والشعبي. كانت محاضرته مليئة بالعلوم الدقيقة والتفكير الشامل لمسيرة الصين الجديدة في الكفاح والنهضة. مثلت هذه المحاضرة الرائعة افتتاحا رسميا لندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين".

حظيت هذه المحاضرة بنجاح كبير بالمعلومات الوافرة وردود الأفعال المتحمسة، في فقرة السؤال والإجابة بعد انتهاء المحاضرة. قال الدكتور الصاوي: "نجاج المحاضرة يدل على صواب فكرتنا في إنشاء منصة لتبادلات الأفكار وجها لوجه بين الخبراء والجماهير حول الشؤون الصينية،  ويشجعنا على مواصلة الخطوات في هذا الاتجاه."

في الرابع من مارس، استقبلت ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين"، ضيفها في الدورة الثانية وهو السفير محمد العرابي وزير خارجية مصر الأسبق وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري. ألقى العرابي محاضرة بعنوان "الدبلوماسية الشعبية المصرية الصينية.. ما لها وما عليها"، عرض خلالها أمام الجمهور بعض النماذج الناجحة في مجال الدبلوماسية الشعبية بين مصر والصين، إضافة إلى دور الدبلوماسية الشعبية في بناء "الحزام والطريق" بين البلدين.

في التاسع من يونيو، ألقى الدكتور ناصر عبد العال المستشار السياحي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين، وأستاذ الدراسات الصينية والترجمة بجامعة عين شمس، محاضرة تحت عنوان "السياحة جسر التواصل بين الشعوب- مصر والصين نموذجا". تحدث الدكتور ناصر عبد العال، حول الوضع الراهن للتبادلات الخارحية لقطاع السياحة الصيني، والتنمية المتعددة للسياحة الصينية، وآفاق التعاون المصري- الصيني في مجال السياحة.

في الثامن عشر من يوليو، اكتظت قاعة المناسبات بالمركز الثقافي الصيني، في ظل الاحتكاكات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فقد استقبلت ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين" ضيفا مهما، ألا وهو العالم الاقتصادي المشهور، الأستاذ أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق. ألقى النجار محاضرة بعنوان "الحرب التجارية الصينية- الأمريكية وموقع مصر من تلك الحرب"، وعرض الكثير من الأرقام والبيانات الدقيقة والموثوقة حول التجارة الصينية- الأمريكية، وكشف ما وراء الحجج الأمريكية لإشعال هذه الحرب، إضافة إلى عرض الأضرار القائمة والمتوقعة للحرب التجارية بين الاقتصادين الكبيرين. كما حلل الأستاذ أحمد النجار موقف مصر مع الصين تجاه هذه الاحتكاكات المعقدة.

في التاسع والعشرين من أغسطس، تشرف المركز الثقافي الصيني بالقاهرة بقدوم ضيفه الكبير وصديقه القديم الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق، لإلقاء المحاضرة الخامسة بندوة "صالون الثقافة الصينية"، تحت عنوان "مبادرة الحزام والطريق.. الصورة الكاملة". باعتباره من أعضاء اللجنة الاستشارية الدولية لمنتدى قمة التعاون الدولي للحزام والطريق، فإن الدكتور عصام شرف خبير كبير في موضوع مبادرة "الحزام الطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ عام 2013. قدم الدكتور شرف في محاضرته كما جاء في العنوان، صورة كاملة لهذه المبادرة، خصوصا مغزاها الهام في بناء العالم السلمي الجديد ورابطة مصير  المشترك للبشرية، إضافة إلى توضيح التكاملات الاقتصادية المصرية- الصينية تحت هذه المبادرة الثمينة، والإنجازات العظيمة التي تحققت بتوجيهات الرئيسين الحكيمين للبلدين. إن منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر والصين هي أقوى دليل في هذا المجال.

المحاضرة التي استمرت ثلاث ساعات، جذبت اهتمام الحاضرين من المصريين والصينيين، وبعد انتهاء المحاضرة قام السفير لياو لي تشيانغ  سفير الصين لدى مصر بالتعليق على هذه المحاضرة الشديدة التميز، وعبر عن تقديره لوفرة معرفة الدكتور عصام شرف وجهوده ومساهماته في تعزيز العلاقات الصينية- المصرية.

في الرابع عشر من أكتوبر، ألقيت المحاضرة السادسة لندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين"، حيث قدم الأستاذ أنور مغيث مدير المركز القومي للترجمة بمصر مع الأستاذ فتحي عبد الوهاب رئيس صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، للحضور الذين جاوز عددهم مائتين، محاضرة تحت عنون "حركة الأصلاح والانفتاح الصينية وأثرها على التنمية الثقافية المستدامة". تعتبر المحاضرة تسجيلا لما شاهده الأستاذان خلال رحلتهما إلى الصين والتي رجعا منها قبل أيام من المحاضرة، حيث قدما رؤيتهما حول تنمية الصين في القطاع الثقافي، مشيرين إلى أن تقدم الصين لا يقتصر على الاقتصاد، بل يشمل كافة المجالات، خصوصا المجال الثقافي، وأمام مصر والصين آفاق واسعة في التعاون الثقافي على أساس الثمار المتواجدة.

في السادس والعشرين من نوفمبر، وتحت عنوان "بعد سبعين عاما على تأسيسه، التنين الصيني يحلق في سماء المجد"، استقبلت ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين" ضيوفها للمحاضرة السابعة، وهما السيد أحمد سلام وكيل الوزارة بالهيئة العامة للاستعلامات المصرية، والمستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين، والأستاذ حسين إسماعيل، نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة ((الصين اليوم)). بقصص حول الصينيين من أجيال مختلفة، استعرض الأستاذ حسين إسماعيل مسيرة تغير مصير الصينيين الذين يرمزون لمصير الوطن خلال سبعين عاما. كما عرض السيد أحمد سلام جهود حكومة الصين المركزية وقراراتها الحكيمة في الفترات الهامة بعد تأسيس الصين الجديدة،  إضافة إلى التشابهات بين الصين ومصر في تحقيق النهضة العظيمة للأمتين الصينية والمصرية، وما حققتاه من الإنجازات المشتركة.

في السادس عشر من ديسمبر، ألقى المنهدس إبراهيم محمود العربي، رئيس الاتحاد العام للغرف  التجارية المصرية، والدكتور محمد هلال عضو مجلس الأعمال المصري- الصيني، المحاضرة الثامنة لندوة صالون الثقافة الصينية، تحت عنوان "الرؤية المستقبلية للعلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر والصين". استعرض كل منهما التجربة الشخصية من خلال الأعمال التجارية مع الصين،  ومزايا مصر في زيادة المنتجات المصدرة إلى الصين، ورغبات الشركات المصرية في فتح السوق الصينية الهائلة في إطار مبادرة "الحزام والطريق".

اللحن الجميل لا ينتهي

أصبحت ندوة "صالون الثقافة الصينية- الصين في عيون المصريين" منبرا مميزا للتبادلات الفكرية بين الخبراء وجمهور الحاضرين من الصينيين والمصريين.  قال المستشار شي يوه وين: "غطت هذه المحاضرات الثماني، موضوعات في مجالات متعددة، سياسيا وثقافيا وتجاريا واجتماعيا، وفق رؤية الأصدقاء المصريين الأعزاء. رأينا في كل محاضرة وطننا الصين من زاوية جديدة. نود أن نقدم الصين إلى الشعب المصري العزيز، ليستفيد من سر نجاحها ويأخذ العبرة من فشلها خلال مسيرة الصين الجديدة منذ سبعين عاما. هذا هو قصدنا وهدفنا من إنشاء هذا الصالون، وسوف نواصل الجهود في هذا الاتجاه. نتمنى استقبال المزيد من الضيوف الكرام لمشاركة قصصهم أو خبراتهم مع الصين، ونتمنى أن تكون ندوة صالون الثقافة الصينية لحنا جميلا لا ينتهي."