في اللقاء السابع بينهما منذ عام 2014، وعلى خلفية القمة الثانية لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي بالعاصمة الصينية بكين في الفترة من 25 إلى27 إبريل 2019، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "إن حضور الرئيس السيسي لمنتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي يعكس مشاركة مصر بإخلاص في مبادرة الحزام والطريق." فيما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: "إن مصر ترغب في التعلم من خبرة الصين الناجحة في التنمية، ومواءمة خطة التنمية بها مع مبادرة الحزام والطريق، وتعميق التعاون الثنائي في نطاق واسع من المجالات." وفي كلمته خلال افتتاح المنتدى، أكد الرئيس السيسي "أن حرصه على المشاركة في المنتدى إنما ينبع من اهتمام مصر بمبادرة الحزام والطريق، حيث تتناول المبادرة قطاعات ومجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لمصر في إطار رؤية مصر 2030". وخلال لقائه مع وانغ يانغ رئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، قال السيد وانغ: "إن سعي البلدين المشترك في مبادرة الحزام والطريق تعمق خلال السنوات القليلة الماضية، وإن الصين ترغب في تنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا البلدين وتعزيز التبادلات الثنائية والتعاون في مختلف المجالات."
التصريحات المشار إليها بعالية من جانب زعيمي البلدين الكبيرين ورئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، تؤكد ليس ما وصلت إليه العلاقات المصرية- الصينية من تميز وعمق ومكانة متقدمة بين بلدين صديقين تجمع بينهما شراكة إستراتيجية شاملة فحسب ، وإنما تؤكد أيضا أن هذه العلاقات ينتظرها مستقبل واعد في مختلف المجالات، ولاسيما الاقتصادية والتنموية. علاوة على ذلك، فإن هذه التصريحات تقدم أيضا أقوى دليل على علاقات الشراكة الوثيقة بين مصر والصين، لاسيما في ظل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
مبادرة من الصين إلى العالم
تعتبر مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين إحدى أهم المبادرات الاقتصادية والتنموية على المستوى العالمي في القرن الحادي والعشرين، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. إذ يتوقع البنك الدولي أن تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4ر3% لدول المبادرة وبنسبة 9ر2% للعالم. وقوبلت المبادرة بردود فعل إيجابية ومرحبة من قبل العديد من الدول لدى إطلاقها. وتحولت بمرور الوقت إلى مبادرة ذات طابع كوني، عكسه الاعتراف الدولي المتزايد بها من جانب المنظمات الدولية والإقليمية، كالأمم المتحدة ومجموعة العشرين وأبيك (منتدى التعاون الاقتاصدي لآسيا والمحيط الهادئ)، وغيرها. كما تحولت بعد ما يقرب من ست سنوات من تدشينها إلى منتج عام يحظى بترحيب واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي. ووصفتها رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها نموذج للتعاون الدولي الفعال للتنمية المستدامة. وفي مؤشر على تنامي الاهتمام الدولي بالمبادرة وقعت الصين مع إيطاليا عدة اتفاقيات تصبح الأخيرة بمقتضاها أول عضو في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى يشارك في المبادرة.
ومنذ إطلاقها، حققت المبادرة إنجازات لافتة، فبحلول نهاية مارس 2019، وقعت الحكومة الصينية على 173 وثيقة تعاون حول المبادرة مع 125 دولة و29 منظمة دولية، منها 17 دولة عربية. وامتدت المشاركة في بناء الحزام والطريق من آسيا وأوروبا إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة جنوب المحيط الهادئ. ووقعت الصين على وثائق تعاونية بشأن تعزيز بناء طريق الحرير الرقمي مع 16 دولة. وتجاوز حجم تجارة السلع بين الصين والدول والمناطق الواقعة على طول المبادرة 6 تريليونات دولار أمريكي خلال الفترة من 2013 إلى 2018. كما زادت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في دول المبادرة خلال الفترة ذاتها على 90 مليار دولار أمريكي. ووفرت 82 منطقة تعاونية خارجية مشتركة نحو 300 ألف فرصة عمل في المناطق المحلية بدول المبادرة. وقدم بنك الصادرات والواردات الصيني ما يزيد على تريليون يوان صيني (حوالي 149 مليار دولار أمريكي) لأكثر من 1800 مشروع ضمن المبادرة. وأنشأت الصين 17 مركزا ثقافيا و153 من معاهد كونفوشيوس و149 من قاعات كونفوشيوس في 54 دولة على طول الحزام والطريق.
أهمية مبادرة "الحزام والطريق" لمصر
ثمة حزمة من الاعتبارات التي جعلت مصر تولي اهتماما كبيرا بالمبادرة، يأتي على رأسها موقعها الإستراتيجي الهام ووجود قناة السويس كممر مائي حيوي بها، يمثل نقطة العبور الرئيسية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، ما يجعل مصر نقطة محورية في الجانب البحري من المبادرة، حيث تقع على أحد ممراتها البحرية. وكذلك ارتباط وتكامل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع المبادرة لربط التجارة العالمية، إذ من المخطط أن تصبح المنطقة مركزا لوجستيا عالميا. بالإضافة إلى أهمية المبادرة بالنسبة لعملية التنمية في مصر، عبر قيام العديد من الشركات الصينية الكبرى بتنفيذ مشروعات تنموية عملاقة بالتعاون مع الجانب المصري في مجالات متنوعة. كما تُعد المبادرة- عبر أدواتها المالية- آلية هامة لاجتذاب الاستثمارات الصينية إلى مصر.
في ضوء الاعتبارات السابقة، حرصت مصر على المشاركة في القمة الثانية لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي، انطلاقا من دوافع عدة، لعل من أبرزها: تزايد أهمية المبادرة على الصعيد الدولي، وحرص مصر على التفاعل الإيجابي معها، لاسيما وأنها تُعد من الشركاء المحوريين للصين في المبادرة، في ضوء الأهمية الإستراتيجية لقناة السويس كأحد أهم الممرات البحرية للتجارة العالمية، بجانب ما تمثله المشروعات القومية الكبرى الجاري تنفيذها في مصر، مثل المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس، من أهمية في إطار المبادرة، بالإضافة إلى اتساق محاورها مع العديد من أولويات التنمية والخطط القومية المصرية وفقا لخطة مصر للتنمية المستدامة 2030، فضلا عن علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تجمع بين مصر والصين.
وفي ظل دبلوماسية القمة، كأحد الأدوات السياسية للمبادرة، يقوم الرئيس الصيني شي جين بينغ بنفسه بالترويج لهذه المبادرة من خلال لقاءاته المباشرة مع زعماء العالم. ولذا، حرصت الصين على مشاركة الرئيس السيسي في القمة المشار إليها، وهو ما عكسه تأكيد الرئيس الصيني على لسان يانغ جي تشي ممثله الخاص عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ووزير دفاعه وي فنغ خه، اللذين قاما بزيارة القاهرة في يناير ومارس 2019، مؤكدين حرص بلادهما على تكثيف التعاون مع مصر في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، في ظل محورية الدور الإقليمي والدولي لمصر وموقعها الإستراتيجي باعتبارها قلب الشرق الأوسط.
المبادرة قاسم مشترك بين القاهرة وبكين
تُعد مبادرة "الحزام والطريق" قاسما مشتركا هاما في تفاعلات العلاقات المصرية- الصينية، لاسيما في أبعادها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية. فعندما طرحت الصين مبادرتها الطموحة بهدف تعزيز ترابط شبكات البنية التحتية وتيسير الاستثمار والتجارة في شتى أرجاء العالم على أساس التشاور الشامل والبناء المشترك والنفع المتبادل، أدركت مصر برؤية تتطلع للمستقبل ما تتيحه المبادرة من فرص ضخمة للدول على طول الحزام والطريق. ومن هنا، كانت مصر من أوائل الدول التي وقعت على اتفاق التعاون المشترك مع الصين في إطار المبادرة. ومثلت المبادرة إحدى المرتكزات الرئيسية في الخطاب الاقتصادي للدولة المصرية، بداية من تأكيد اتساقها مع إستراتيجيتها لتنمية محور قناة السويس وتعظيم الاستفادة من موقع مصر الجغرافي، مرورا بارتباطها بقطاعات ومجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لمصر في إطار (رؤية مصر 2030) للتنمية المستدامة، وصولا إلى اتفاقها مع أولويات مصر التنموية.
وتحولت مرتكزات الخطاب الاقتصادي المصري بشأن المبادرة من خانة الأفكار إلى خانة الأفعال على أرض الواقع. فكانت مصر إحدى الدول الـ57 المؤسسة للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية- أصبحت الآن 93 دولة، والذي يقدم دعما ماليا ضخما لبناء الحزام والطريق. ووقعت مصر مع الصين على مذكرة تفاهم بشأن بناء الحزام والطريق في يناير 2016، خلال زيارة دولة قام بها الرئيس الصيني لمصر. علاوة على توقيع العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم مع الصين في مجالات متنوعة. كما تستعين مصر بالمئات من الشركات الصينية ذات الخبرة في المجالات المتنوعة، بهدف تنفيذ العديد من المشروعات التنموية العملاقة في مختلف القطاعات. وتم تدشين مركز دراسات وأبحاث طريق الحرير بجامعة عين شمس، بالتعاون مع جامعة رنمين الصينية، بهدف إجراء الدراسات والأبحاث والاستشارات الإستراتيجية واللوجستية التي تهم البلدين.
وتحرص مصر على المشاركة في كافة فعاليات آليات التعاون المتعددة الأطراف المرتبطة بالمبادرة، ولاسيما في إطار منتدى التعاون العربي- الصيني، ومنتدى التعاون الأفريقي- الصيني، وكذلك آليات التعاون الجماعية الأخرى، ومن أبرزها منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، والذي شاركت مصر أيضا في دورته الأولى ببكين في مايو 2017 والتي حققت نجاحا عظيما، جعل المنتدى يصبح منصة هامة للدول المشاركة والمنظمات العالمية لتعزيز الثقة المتبادلة وتوثيق التعاون فيما بينها.
وبالتوازي مع الخطاب الاقتصادي المصري إزاء مبادرة "الحزام والطريق" نظريا وتطبيقيا، ثمة خطاب اقتصادي صيني يؤكد، من خلال التصريحات المشار إليها في السطور السابقة- على أن المبادرة أصبحت إحدى المرتكزات الرئيسية في التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري الصيني- المصري. ففي ظل المبادرة تقوم الصين بضخ الاستثمارات في الاقتصاد المصري، بهدف تنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية الضخمة في مختلف القطاعات، مثل التشييد والطاقة والنقل والتجارة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. كما تقوم أيضا بتقديم خبراتها التكنولوجية والفنية للجانب المصري. وهو ما يعود بالمنافع والمكاسب المتبادلة للبلدين وشعبيهما، حيث تستفيد مصر من توفير فرص العمل للشباب ونقل الخبرات للعمالة المحلية، في حين تستفيد الصين من الموقع الجغرافي المتميز لمصر وقرب استثماراتها من قناة السويس، وفرص الوصول إلى أسواق ثالثة مع توقيع مصر اتفاقيات تجارة حرة مع كتل إقليمية كبرى كالاتحاد الأوروبي والدول العربية والأفريقية وأمريكا اللاتينية.
دور مميز للشركات الصينية في مصر
تمخض التعاون المصري- الصيني بشأن البناء المشترك "للحزام والطريق" عن نتائج إيجابية عديدة، انعكست في تعاون الجانبين في تنفيذ العديد من المشروعات التنموية الكبرى في الوقت الحالي، والتي تلعب الشركات الصينية الكبرى دورا مميزا في تدشينها، ما يعزز الثقة المتبادلة بين البلدين. ففي مجال البناء والتشييد، تقوم الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية (CSCEC) ببناء منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتشمل بناء أطول ناطحة سحاب في أفريقيا (البرج الأيقوني). وفي مجال الطاقة، انتهت شركة (TBEA) الصينية للطاقة المتجددة من بناء ثلاث محطات للطاقة الشمسية بإنتاج 186 ميغاوات كجزء من مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان. ويقوم تحالف صيني يضم شركتي (دونغ فانغ) و(شانغهاي إليكتريك) ببناء أول محطة لتوليد الكهرباء بالفحم النظيف في منطقة الحمراوين على ساحل البحر الأحمر بطاقة إنتاجية 6 آلاف ميغاوات. كما انتهت شركة (SINOHYDRO) الصينية من الدراسات اللازمة للبدء في بناء محطة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وأفريقيا لتوليد الكهرباء بالضخ والتخزين بجبل عتاقة بمحافظة السويس بطاقة إنتاجية 2400 ميغاوات. وتتعاون مصر أيضا مع شركة الشبكة الوطنية الصينية للكهرباء لبناء حوالي 1210 كيلومترات من خطوط نقل الجهد العالي، إلى جانب التعاون مع الشركات الصينية الأخرى، مثل (هواوي) و(ZTE) في مجال العدادات الذكية.
وفي مجال النقل، يقوم تحالف صيني مكون من شركة ((AVIC الدولية القابضة والشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية المحدودة، بتنفيذ مشروع القطار الكهربائي السريع لربط العاصمة الإدارية بالمدن الجديدة الأخرى حول القاهرة، بتكلفة تبلغ 4ر1 مليار دولار أمريكي. وهناك أيضا مشروع إنشاء محطة تداول الحاويات والبضائع بالحوض الثاني بميناء العين السخنة الذي تنفذه شركة (موانئ الصين) الصينية.
وفي مجال تطوير التجارة والصناعة، تم تأسيس منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري المصرية- الصينية (تيدا)، حيث تقوم شركة التطوير الصناعي الصينية (تيدا) بتطوير مساحة قدرها 25ر7 كيلومترات مربعة. وتنقسم المنطقة إلى أربعة قطاعات صناعية، وهي: منطقة صناعة المعدات البترولية، ومنطقة صناعة معدات الكهرباء ذات الجهد العالي والمنخفض، ومنطقة صناعة المعدات الزراعية، وأخيرا منطقة صناعة الألياف الزجاجية، حيث ساعدت شركة (جيويشي) الصينية العملاقة لصناعة الألياف الزجاجية مصر لتصبح ثالث أكبر منتج للألياف الزجاجية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين. كما وقعت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر ومجموعة (CGCOC) الصينية في مايو 2018 على مذكرة تفاهم لإنشاء أول منطقة صناعية في مدينة العلمين الجديدة.
وفي مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تشارك شركة (هواوي) الصينية في تنفيذ خطة التحول الرقمي في المدارس المصرية، كما تتعاون الشركة مع مصر في مجال الحوسبة السحابية، وتوفير البرامج المتخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية لأربعة آلاف متدرب مصري بشكل سنوي. وتتعاون مصر مع الصين في مشروع إنشاء القمر الاصطناعي (مصر سات 2) لتطبيقات الاستشعار عن بعد، باستثمارات تبلغ 73 مليون دولار أمريكي. وفي مجال السياحة، زادت معدلات السياحة الصينية إلى مصر في السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد السياح الصينيين الوافدين إلى مصر نحو 300 ألف سائح في عام 2017.
زيادة حركة التجارة والاستثمار بين البلدين
لم تقتصر مكاسب مصر جراء انضمامها للمبادرة على مساهمتها الإيجابية في عملية التنمية في مصر فحسب، بل أسهمت أيضا في زيادة حركة التجارة والاستثمار بين البلدين. فعلى الجانب التجاري، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لمصر، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2018 نحو 8ر13 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 7ر27%. حيث بلغت الصادرات الصينية إلى مصر نحو 99ر11 مليار دولار أمريكي، في حين سجلت الواردات الصينية من مصر 83ر1 مليار دولار أمريكي، لأول مرة في تاريخ التبادل التجاري بين البلدين.
وعلى الجانب الاستثماري، حدثت زيادة مطردة في حجم الاستثمارات الصينية المباشرة والمشتركة في مصر منذ إطلاق المبادرة عام 2013. حيث وصلت إلى نحو 7 مليارات دولار أمريكي، وتأتي الصين ضمن أكبر 20 دولة مستثمرة في مصر. ووقعت الدولتان في سبتمبر 2018 خلال زيارة الرئيس السيسي لبكين، على عدد من الاتفاقيات لتنفيذ مشروعات في مصر باستثمارات إجمالية تبلغ حوالي 3ر18 مليار دولار أمريكي. وبلغ عدد الشركات الصينية المستثمرة في مصر نحو 1668 شركة بإجمالي رؤوس أموال 4ر1 مليار دولار أمريكي في العديد من المجالات الاستثمارية، من أبرزها قطاعات البترول والصناعة والخدمات والإنشاءات.
مكاسب وطنية وقارية من القمة الثانية للمنتدى
نجحت مصر خلال مشاركتها في القمة الثانية لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي ليس فقط في تحقيق مصالحها الوطنية، وإنما أيضا في طرح مصالح القارة الأفريقية أمام الشركاء الدوليين، في ضوء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي العام الجاري. فعلى المستوى الوطني، وقعت مصر عددا من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم الخاصة بتطوير التعاون المشترك مع الجانب الصيني في إطار مبادرة الحزام والطريق، في عدد من المجالات تتضمن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (اتفاقية بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة باكستان وشرق أفريقيا وأوروبا لربط الشبكات الدولية (PECAE) وشركة PCCW العالمية المقدم الرئيسي لخدمات الاتصالات في هونغ كونغ- اتفاقية للتعاون في مجال التنمية البشرية والتدريب والذكاء الاصطناعي- مذكرة تفاهم بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة هواوي العالمية للتعاون في شبكات الأجيال المتطورة للهاتف المحمول). وفي قطاع الصناعة (اتفاقية شراكة مع شركة "فوتون" الصينية المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية للتصنيع المشترك للسيارات الكهربائية في مصر).
وبجانب ما سبق، عملت مصر على محاولة اجتذاب كبريات الشركات الصينية لضخ استثمارات جديدة في الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، ولاسيما في مجالات نقل التكنولوجيا وبناء القدرات، وتبني التكنولوجيات المتطورة والذكاء الاصطناعي، وإنتاج الزجاج والسيارات الهجين والكهربائية والمصنوعات الجلدية.
أما على مستوى المكاسب القارية، فقد طرحت مصر أفكارها ومبادراتها بشأن تعزيز التعاون الثلاثي المصري- الصيني- الأفريقي في إطار مبادرة "الحزام والطريق". وذلك عبر تنفيذ مشروعات تستهدف تدشين شراكات جديدة وتعزيز الشراكات القائمة، ومنها على سبيل المثال: مشروع ممر الشمال- الجنوب (طريق القاهرة- كيب تاون)، الذي يهدف إلى زيادة معدلات تدفق التجارة والاستثمار البيني. وكذلك مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، بهدف ربط دول القارة الأفريقية الواقعة على هذا المجرى الملاحي وتحقيق مصالح اقتصادية وتجارية متعددة. ودعت مصر الشركات والمؤسسات التمويلية في إطار مبادرة الحزام والطريق، إلى توفير التمويل اللازم لهذه المشروعات.
مستقبل العلاقات بين البلدين في ظل المبادرة
مثلما كان طريق الحرير البري وطريق البخور البحري القديم قاسما مشتركا بين مصر والصين منذ آلاف السنين، وكما لعب ميناء القلزم (السويس حاليا) دورا هاما في التبادل التجاري بين الدولتين قديما؛ فإن انخراط مصر في المبادرة الاقتصادية والتنموية الصينية الطموحة للقرن الحادي والعشرين، ممثلة في مبادرة التشارك في بناء الحزام والطريق، يجعلها أيضا تمثل قاسما مشتركا هاما في التطور المستقبلي للعلاقات بين البلدين، لاسيما في بعدها الاقتصادي، في ضوء امتلاك مصر كافة المقومات التي تؤهلها لذلك، بموقعها الجغرافي المميز ووجود قناة السويس على طول الطريق البحري للمبادرة، فضلا عن كونها من أوائل الدول التي دعمت المبادرة، علاوة على توافر الإرادة السياسية. كما أن الصين بما لديها من إمكانيات اقتصادية ومالية وتكنولوجية هائلة، إلى جانب الخبرات الكبيرة والرغبة السياسية ورأس المال ما يؤهلها إلى أن تصبح شريكا تعاونيا استراتيجيا بالنسبة إلى مصر. وهي جميعا عوامل مشتركة لدى الجانبين، تشير بأن العلاقات الاقتصادية المصرية- الصينية تسير بثبات نحو آفاق مستقبلية واعدة.
من هنا، ولكي تستفيد مصر من المبادرة في تعزيز وتعميق التعاون المستقبلي مع الصين، لاسيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية وكذلك التكنولوجية، يمكن طرح المقترحات والأفكار التالية:
- تدشين خطوط جوية جديدة بين البلدين، بهدف جذب مزيد من السياحة الصينية إلى مصر؛
- استجابة بكين لتطلعات القاهرة بجذب المزيد من الاستثمارات الصينية المباشرة لتطوير البنية التحتية وتحديث قدراتها الإنتاجية ودعم قطاع التصنيع وتطوير منطقة قناة السويس، من خلال المؤسسات التمويلية التابعة للمبادرة؛
- زيادة الصادرات المصرية غير البترولية إلى الصين، بما يساهم في خفض العجز في الميزان التجاري بين البلدين؛
- إمكانية تأسيس فروع للبنوك الصينية في مصر، علاوة على بناء منصات لنقل وتوطين التكنولوجيا الصينية إلى مصر في إطار تحالف المنظمات العلمية الدولي للحزام والطريق الذي تأسس في 2018؛
- جذب المزيد من الاستثمارات الصينية في مجالات متعددة، منها: الطاقة الجديدة والمتجددة، الصناعات التكنولوجية (الآلات والأجهزة الكهربائية ومعدات النقل)، تكنولوجيا التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجيل الخامس؛
- الاستفادة من التجربة الصينية في مجال تأسيس المناطق الحرة للتجارة، بما يساهم في تنمية المدن المصرية، خاصة في صعيد مصر، وجذب الاستثمارات الأجنبية إليها. ومنها على سبيل المثال تجربة منطقة كاشغر الحرة للتجارة (مساحتها 10 كيلومترات مربعة) في منطقة شينجيانغ التي تقع على طريق الحرير، وقد قمت بزيارتها ضمن وفد إعلامي مصري زار الصين في يناير 2019، وقد أقيمت بهدف تحقيق التنمية في مدينة كاشغر وجذب الاستثمارات الأجنبية إليها، خاصة من الدول المجاورة (8 دول)، والتي يُسمح لها بإنشاء مصانع تتمتع بإعفاءات ومزايا ضريبية؛
- تعزيز التعاون الثلاثي- القائم بالفعل- بين مصر والصين وأفريقيا، عبر الاستفادة من فرص التمويل والخبرة الصينية في المشروعات الكبرى المصرية – الأفريقية العابرة للحدود التي سبق الإشارة إليها.
--
عادل علي، إعلامي وباحث بالهيئة العامة للاستعلامات المصرية
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037