الأدب الصيني من أشهر وأعرق الآداب في العالم، وقد قدم الكتاب الصينيون أعمالا هامة على مدى 3000 عام تقريبا. ويعد "كتاب الأغاني" من بواكير الأعمال الأدبية الصينية المجموعة. ظهر الكتاب في القرن السابع قبل الميلاد، ويحتوي 305 قصائد، تم جمعها على مدى 500 سنة، ولا يعرف من شعراؤها أو من ألفها. وقد جاءت من المناطق القريبة من حواضر تشو الغربية (القرن الحادي عشر حتى سنة 770 قبل الميلاد)، ومن تشو الشرقية (سنة 770- 249 قبل الميلاد) وهما حاليا، شيآن في مقاطعة شنشي ولويانغ في مقاطعة خنان. وهذه الأغاني جميعا كانت قد لحنت، إذ كان الموسيقيون من أسرة تشين (221- 206 قبل الميلاد) قد جمعوا الموسيقى الشعبية ودونوها، ومنهم انتقلت من جيل إلى جيل؛ وذلك ما يوضح كيف جاءت هذه الأغاني خلال فترة خمسة قرون من مناطق مختلفة من البلاد؛ لتشكل مجموعة واحدة، دعيت أول ما عرفت بـ"الثلاثمائة أغنية".
حرق الكتاب وإعادة تدوينه وتسجيله
في عام 213 قبل الميلاد، تعرض "كتاب الأغاني" للحرق مع غيره من الكتب الأخرى، عندما أمر الإمبراطور الأول لأسرة تشين بحرق كل الكتب الكلاسيكية، فيما عدا مؤلفات الأسرة التي يحكمها، فأحرق من بين ما أحرق "كتاب الأغاني" الذي يروي المؤرخون أنه كان يحوي نحو 3000 قصيدة قديمة، لكن النقل الشفهي حمى القصائد من الضياع التام، وفي 206 قبل الميلاد اندثرت أسرة تشين، ورفع الحظر عن تداول الأعمال الكلاسيكية، وكرس الدارسون جهدهم لتسجيل ما تناقلته الألسن من قصائد كتاب الأغاني.
ويرجع تاريخ أقدم هذه القصائد إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد. قد تكون بعض هذه القصائد بدأت بوصفها أغاني الزراعة والحب والحرب، بينما كان بعضها الآخر ينشد في مناسبات الزفاف والقرابين الدينية. ويشكل "كتاب الأغاني" بالإضافة إلى أربعة كتب أخرى ما يعرف بـــ "الأعمال الكلاسيكية الخمسة" التي تشكل أساس الكونفوشية. وقد كان الكونفوشيون يعدون هذه الكتب نموذجا للامتياز الأدبي. فقد كانوا يتلونها بوصفها أيضا أعمالا تضم الحكمة الأخلاقية، حيث كانت تؤكد على المثاليات الكونفوشية في الواجب والاعتدال والسلوك القويم والخدمة العامة.
القيمة التاريخية للكتاب
يعد "كتاب الأغاني" أول ديوان شعري في تاريخ الصين، يتضمن في محتواه جوانب شتى من الحياة، فيما يشبه الموسوعة الاجتماعية الشاملة، فنجد في الكتاب ما يتصل بطقوس القرابين والمآدب والحفلات والحروب وألوان القهر والمقاومة والحب والزواج والتقاليد، بل والرصد الفلكي والحياة النباتية والحيوانية، وشتى مظاهر الحياة؛ مما يضفي عليه قيمة بصفته مصدرا تاريخيا ثمينا لبحث الأحوال الاجتماعية السائدة وتقصيها في هذا الزمن البعيد. يعد الكتاب سجلا للحياة في الصين القديمة بما يعكسه من جوانب الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وثقافيا للصينيين القدماء، فهو بمثابة صوت للشعب بكافة طوائفه وطبقاته في تلك الفترة من الزمن.
وصف الكتاب
يتكون "كتاب الأغاني" من ثلاثة أقسام: القصائد الإقليمية والقصائد الغنائية والمدائح الإمبراطورية، أو ما يعرف بـ"فنغ" و"يا" و"سونغ".
القسم الأول: "فنغ"، ويضم مائة وستين قصيدة من الأغاني الشعبية المنتشرة في خمسة عشر إقليما وقتذاك، وكتابها على الأرجح من عامة الشعب؛ لذلك تكتسب شعبية أكبر بين الناس، كما تعتبر أكثر القصائد قيمة أدبية.
القسم الثاني: "يا"، ويضم مائة وخمس قصائد، يتعلق معظمها بالأوضاع السياسية، وكانت تنتشر بين النبلاء في البلاط أو عند المآدب الرسمية، والأخرى من الأناشيد الرائجة بين الجماهير.
القسم الثالث: "سونغ"، ويضم أربعين قصيدة، كانت تغنى في مراسم تقديم القرابين إلى الآلهة أو لذكرى الأسلاف.
أما أغاني القسمين الأخيرين فوضع معظمها بأقلام الكتاب النبلاء أو الموظفين الرسميين، وتشتمل على معاني المدح والتقديس، وهي بذلك ليست شديدة الالتصاق بحياة الناس، فجاءت غير مشوقة.
النسخة العربية
صدرت الترجمة العربية لـ"كتاب الأغاني" في الصين في سلسلة كنوز التراث الصيني، وتقع في جزئين، تولى ترجمة الجزء الأول ليو شين لو، يو ماي، في حين تولى د. محسن فرجاني ترجمة الجزء الثاني، وفيه مجموعة من القصائد الغنائية التي تركز على العواطف بين الأشقاء وعلاقة الإنسان بالطبيعة وبالحروب وقصائد عن الإمبراطور وأتباعه.
نموذج من الكتاب (ترجمة يو ماي)
الثوب الأخضر
أخضر، أخضر هذا الثوب، وبطانته باللون الأصفر.
ألبس هذا الثوب الأخضر ويمسني الحزن، فمتى يصبح الحزن ذكرى منسية؟
أخضر، أخضر هذا الثوب، وتحته أرتدي اللون الأصفر.
ألبس هذا الثوب الأخضر ويمسني الحزن، فمتى تصير الذكرى سلوانا؟
أخضر هذا الثوب وخضراء خيوطه.
كلها من صنعة يديك الماهرتين، اللتين رحلتا منذ زمن ويثقلني الحنين إليهما.
لولاك ما بقيت معصوما من الزلل.
الثياب الناعمة أو الخشنة من صنع يديك،
تريحني في حرارة الصيف مثل نسمة ريح عابرة،
فاتت منذ زمن ويثقلني الشوق إليها.
أنتِ وحدكِ، الأنسب إلى الأبد في قلبي.
أهم الفروق بين "كتاب الأغاني" الصيني والعربي
ما إن يذكر اسم "كتاب الأغاني" إلا ويتوارد إلى الذهن كتاب أبي الفرج الأصفهاني المسمى بنفس الاسم "الأغاني" إلا أنه يختلف اختلافا كبيرا عنه، فكتاب "الأغاني" العربي يحتوي على أخبار الغناء والمغنيين، حيث جمع فيه أغاني عصره وما سبقها من طرائق الغناء إلى جانب مئات الأخبار والقصص والحكايات، بينما "كتاب الأغاني" الصيني هو كتاب شعر في الأساس. مصادر الأغاني وأسماء الشعراء والمغنيين معروفة ومعلومة في "كتاب الأغاني" العربي، بينما هي مجهولة وغير معروفة في "كتاب الأغاني" الصيني ولا يعرف اسم مؤلفه، وكذلك فإن تاريخ "كتاب الأغاني" الصيني يمتد لمئات السنين قبل "كتاب الأغاني" العربي الذي كتب في القرن الرابع الهجري، بينما تاريخ "كتاب الأغاني" الصيني يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، وتم جمعه على مدى 500 سنة، بينما أمضى الأصفهاني 50 عاما في تأليف كتابه.
--
د. عيد الجندي، مدرس الأدب والنقد في كلية اللغات الأجنبية- جامعة ليني الصينية.