كلنا شرق < الرئيسية

الصين والمغرب

ستون عاما من الصداقة

: مشاركة
2018-10-26 13:31:00 الصين اليوم:Source عزيز مكوار:Author

لكل من جمهورية الصين الشعبية والمملكة المغربية حضارة عريقة، وتتقاسم هاتان الحضارتان هويات مشتركة وتتمتعان بغنى ثقافي له تأثيره الكبير على الحضارات الأخرى. عبر مسيرة التاريخ، بدءا من طريق الحرير القديم ووصولا إلى رحلات الرحالة المغربي ابن بطوطة إلى الصين والرحالة الصيني وانغ دا يوان إلى المغرب، قام البلدان بتأسيس شبكة من التواصلات والتفاعلات مع بعضهما البعض من خلال قنوات مختلفة كالتبادل الثقافي، وتجارة السلع، وتبادل المعارف والخبرات. ساهمت حركة التجار والرحالة الذين كانوا دائمي التنقل ذهابا وإيابا بين المغرب والصين لمدة ألف عام، في تعزيز التبادلات والتأثيرات الثنائية في المجالات الفنية ومجالات البناء المعماري، والتي تعد الآن مثالا حيا على هذا التواصل الحضاري المستمر بين البلدين.

تحتفل المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية هذا العام بالذكرى السنوية الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما. شهد العالم خلال هذه الفترة العديد من المحطات، منها الجيدة ومنها الصعبة، وبقيت الصداقة التي تجمع بين المغرب والصين قوية ولم تتزعزع أبدا، وساهمت الزيارة الرسمية التي قام بها جلالة ملك المغرب محمد السادس إلى الصين في مايو 2016 بشكل خاص في تعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية بين البلدين. أدى تأسيس الشراكة الإستراتيجية والعالمية بين المغرب والصين، بالإضافة إلى توقيع الجانبين العديد من الاتفاقات في قطاعات مبتكرة وذات قيمة مضافة عالية، إلى فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين.

تم التوقيع خلال تلك الزيارة على خمس عشرة اتفاقية في مختلف المجالات، ومنذ ذلك الحين زادت الاستثمارات بين الجانبين بنسبة 69% والتبادلات التجارية بنسبة 30%. الصين حاليا هي ثالث أكبر شريك اقتصادي للمغرب في العالم، وقامت العديد من الشركات الصينية بتأسيس فروع لها في المغرب، من بينها شركة هواوي وشركة زد تي إي للاتصالات، ومجموعة الصين لما وراء البحار للهندسة، وشركة الصين الدولية للمياه والكهرباء، وشركة سيتيك ديكاستال، وغيرها.

وهناك العديد من المشروعات الكبرى جاري العمل على تنفيذها، تشير إلى أننا وصلنا إلى مستوى أعلى جديد من الشراكة. ومن بين هذه المشروعات، مشروع مدينة محمد السادس طنجة- تيك، ومشروع خط سكك حديدية فائق السرعة يربط بين مدينتي مراكش وأغادير، ومشروع المنطقة الصناعية في مدينة فاس، وغيرها من المشروعات في مجالات البنية التحتية والطاقة الشمسية. تسخر الشركات الصينية أيضا خبراتها لتنفيذ مشروعات بناء جسر محمد السادس، ومركب الطاقة الشمسية نور (نور 2 ونور 3)، وكذلك محطة الطاقة الشمسية في إقليم جرادة.

منذ أن اتخذ جلالة الملك محمد السادس قرار إلغاء تأشيرة دخول المواطنين الصينيين إلى المغرب، ارتفع عدد السياح الصينيين المسافرين إلى المملكة بنسبة 240%، وتعد هذه النسبة الأسرع نموا في العالم. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت البطاقة المصرفية الائتمانية الصينية "يونيون باي" صالحة للاستخدام في المغرب، مما سيلعب دورا إيجابيا في تعزيز السياحة الصينية. التنوع والسحر والأصالة والإمكانيات الكبيرة التي يتمتع بها المغرب كلها عوامل تجذب السياح الصينيين، حيث تتميز المملكة المغربية بمدنها الجميلة وآثارها التاريخية وشواطئها الرملية وجبالها الشاهقة وغاباتها الواسعة وصحاريها الشاسعة وثرواتها الحيوانية والمائية الغنية.

احتل المغرب مرتبة عالية في تصنيف عام 2016 للبلدان الأكثر أمانا في العالم، جنبا إلى جنب مع الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية. يشتهر المغرب أيضا بمطبخه الذي يعد من أكثر المطابخ تنوعا في العالم، حيث وصفه أحد الطهاة الفرنسيين المشهورين بأنه واحد من أفضل ثلاثة مطابخ في العالم، بالإضافة إلى المطبخ الصيني والمطبخ الفرنسي، وخصوصا طبقي الكوسكوس والطاجين المغربيين اللذين يحظيان بشعبية واسعة في العديد من دول العالم. المغرب معروف جدا بكرم الضيافة الذي يميز الشعب المغربي وكذلك بالتسامح والسلام. يعامل المغاربة السياح الأجانب معاملة الضيوف وليس الغرباء، وليس من الغريب أن تتلقى دعوة لتناول وجبة طعام أو كوب من الشاي بالنعناع من قبل أشخاص التقيت بهم للتو في الشارع.

 يتمتع المغرب بثقافة وحضارة عريقتين تعودان إلى زمن بعيد جدا، حيث تحتضن المغرب أقدم جامعة في العالم وهي جامعة القرويين، التي تأسست في القرن التاسع في مدينة فاس ولا تزال اليوم واحدة من أشهر الجامعات في العالم العربي والإسلامي.

المملكة المغربية هي أول بلد في منطقة المغرب العربي والبلد الأفريقي الرابع الذي وقع مذكرة تفاهم بخصوص التعاون حول مبادرة الحزام والطريق. ويعطي توقيع مذكرة التفاهم هذه قيمة مضافة لعلاقاتنا الثنائية التي تتمتع بالفعل بديناميكية عالية، حيث يؤمن المغرب بالقيمة الإستراتيجية لهذا المشروع. وباعتباره لاعبا مهما في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الأفريقية، يؤمن المغرب بأن التواصل والترابط الذي ستولده مبادرة الحزام والطريق سيعود بمنافع عظيمة على التجارة الدولية.

بالإضافة إلى موقعه الجيوإستراتيجي المميز على مفترق الطرق بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، فإن لدى المغرب العديد من الإمكانيات والموارد التي يمكن له من خلالها المساهمة في بناء الحزام والطريق، ومن أهمها رأس المال البشري والبنى التحتية الحديثة مثل الطرق السريعة، والمرافئ مثل ميناء طنجة المتوسط، والمناطق الصناعية واللوجستية الحرة، بالإضافة إلى الخبرة الكبيرة المكتسبة في مختلف القطاعات في العديد من البلدان، وخصوصا في غربي ووسط أفريقيا، في مجالات الاتصالات والبنوك والتمويل والتأمين والإعمار. من شأن هذه الطاقات والإمكانيات، علاوة على الاستقرار السياسي والإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، أن تؤهل المغرب للعب دور رئيسي ضمن مبادرة الحزام والطريق.

إن العلاقات الثنائية بين بلدينا، والتي تميزها الصداقة الشخصية التي تجمع بين جلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس شي جين بينغ، تزدهر بشكل مستمر، إلا أن التعاون في مجال الاستثمارات والتبادلات التجارية لم يصل بعد إلى مستوى إمكانيات البلدين ومستوى طموحاتهما. يمكننا القيام بالمزيد في العديد من القطاعات مثل الطاقة الشمسية والطاقة الخضراء، للوصول إلى التنمية المستدامة والتكيف مع تغير المناخ.

يمكن للمملكة المغربية والصين بخبراتهما الثمينة، أن تلعبا دورا هاما في هذا المجال. وبصفتي سفير المملكة المغربية في بكين، لدي قناعة بأنه يمكننا بذل المزيد من الجهود لتقوية العلاقات بين رواد الأعمال المغاربة ونظرائهم الصينيين، وتشجيعهم على الالتقاء ومناقشة الشراكات المحتملة للتعاون في مجال الاستثمار أو التجارة. يتميز المغرب ببيئة جاذبة للاستثمار تعد من بين الأفضل في العالم في مجالات مكونات وقطع السيارات والملاحة الجوية، تشمل تقديم تسهيلات وحوافز عديدة للمستثمرين المحليين والأجانب.

نتمنى على المستثمرين الصينيين التطلع بإيجابية إلى المزايا التي يمكن أن يحققوها من خلال توطين صناعاتهم ومصانعهم في المغرب. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لدعوة جميع الشركات الصينية للاستفادة من البيئة الاستثمارية الواعدة في المغرب، والتأكيد على استعداد السفارة المغربية في بكين ومكتبها للشؤون الاقتصادية لتقديم كافة المعلومات الإضافية الضرورية لتسهيل التعاون مع أصحاب الأعمال الصينيين.

أود أن أختتم هذه الكلمة بالإعراب عن تمنياتي بمستقبل مشرق للعلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين وبدعوة جميع أصدقائنا الصينيين لزيارة وطنهم الثاني المغرب.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4