كلنا شرق < الرئيسية

تشانغتشون.. مدينة السعادة

: مشاركة
2018-10-26 13:23:00 الصين اليوم:Source مي عاشور:Author

يقال، إن مساء وصباح أي مدينة يحكيان قصصا مختلفة. من أعلى إحدى البنايات، رأيت الأضواء المبهجة لمدينة تشانغتشون، فقررت أن أنزل إلى شوارعها، أتجول فيها وأكتشف حكاياتها.

تشانغتشون هي حاضرة مقاطعة جيلين الواقعة في شمال شرقي الصين، وتعد مركز الدائرة الإقتصادية لشمال شرقي آسيا. المسافة من بكين إلى تشانغتشون حوالي 850 كيلومترا، تقطعها الطائرة في ساعتين، والقطار الفائق السرعة في خمس ساعات.

شاركت في برنامج للصحفيين الأجانب نظمته إذاعة الصين الدولية لزيارة مدينة تشانغتشون، وذلك بمناسبة مرور أربعين عاما على انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، مما أتاح لي فرصة التعرف أكثر على المدينة، والكتابة عنها.

وأنت في تشانغتشون، التي تم اختيارها سبع مرات لتتوج بلقب "مدينة السعادة"، يتدفق إلى داخلك شعور بالبهجةعندما ترى مناظرها ليلا أو نهارا. بدأت الحكومة هناك منذ عام 2007، في إقامة مشروعات مختلفة للارتقاء بحياة المواطنين ورفع مستوى معيشتهم.

تشانغتشون التي يعني اسمها بالصينية "الربيع الطويل" إذ تتكون من مقطعي "" (تشانغ) أي الطويل، و"" (الربيع)، تترك في نفسك انطباعات عميقة بمجرد أن تسمع اسمها. في تشانغتشون، تغطي الأرض الخضراء 5ر41% من مساحة منطقتها الحضرية، ولهذا السبب تحمل لقب "النموذج الوطني للمدينة الصديقة للبيئة"، وكذلك "النموذج الوطني للمدينة الخضراء"، فضلا عن أنها تحتضن أكبر غابة اصطناعية في آسيا بأسرها. ويطلق على تشانغتشون أيضا اسم "مدينة السيارات" و"مدينة العلوم والتعليم والثقافة" و"مدينة الأفلام"، إلخ.

وأكثر ما  يضفي على تشانغتشون جمالا، هو جريان نهر ييتونغ بها، وهو النهر الأم للمدينة. يبلغ طول ييتونغ 5ر343 كيلومترا، ويمر 48 كيلومترا منه بداخل المدينة. ويعد هذا النهر واحدا من الموارد المائية الأساسية  للزراعة والصناعة، ويلعب دورا هاما للتوازن البيئي في  المدينة.

يتميز شمال شرقي الصين عموما، ومنه مقاطعة جيلين، بوجود التربة السوداء، وهي من أفضل أنواع التربة الزراعية على الإطلاق. تتميز بخصوبتها، وهي مناسبة تماما لزراعة الحبوب والبقول، ولهذا فإن إنتاج جيلين من الحبوب وافر وضخم. وهناك مقولة شعبية صينية تصف التربة السوداء، بأنك إذا ضغطت عليها تخرج زيتا، وإذا غرست فيها عيدان تناول الطعام فإنها تنبت".

السفر يمنح المرء ما لا يجده في الكتب. وأرى أن كتابة هذا النوع من المقالات تساعدني على التعرف أكتر وبكثب على ملامح المدن، وطباع البشر، وألوان الثقافة في كل مكان أذهب إليه. كانت هذه فرصة رائعة لرؤية  شمال شرقي الصين، والذي وجدته مختلفا تماما عن كل المدن الصينية التي زرتها في السابق.

صادفت زيارتي للمدينة حدثا يعتبره أهل تشانغتشون، بل وكل الصينيين، حدثا كبيرا. إنه مهرجان تشانغتشون للأفلام، وكانت الدورة الرابعة عشرة للمهرجان تحت شعار "عصر جديد، مهد جديد، قوة جديدة".

يقام المهرجان كل عامين، حيث كانت انطلاقته الأولى في عام 1992، وساهم بشكل كبير في إثراء وتقدم صناعة السينما الصينية. ويعد مهرجان تشانغتشون للأفلام واحدا من أهم مهرجانات الأفلام في الصين، ويعود السبب في ذلك إلى أن أول أستديو لإنتاج الأفلام في الصين الحديثة أسس في تشانغتشون عام 1945، حيث أنتج هذا الأستديو ألف فيلم، ودبلج حوالي ألف فيلم عالمي. وقد تحول الأستوديو لاحقا إلى متحف يعرض تاريخ الأفلام الصينية، وبعض معدات التصوير القديمة والإكسسوارات، وصورا للفنانين والمخرجين، إلخ. زرت هذا المتحف أيضا، حيث توجد قاعة  تعرض صورا من أفلام لخمسين دولة مختلفة ومنهم صورة من فيلم "أيامنا الحلوة" للفنان المصري العالمي عمر الشريف وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.

أهم جائزة في المهرجان هي جائزة الأيل الذهبي، وتم ترشيح 15 فيلما لهذه الجائزة، وتركز الجائزة، بشكل عام، على الشباب وتشجيعهم، والتأكيد على دورهم في المشاركة في صناعة السينما.

يطلق على تشانغتشون أيضا "أكثر مدن  المعارض تأثيرا في الصين"، فيقام بها معرض السيارات، والمعرض الزراعي، والمعرض الفني للنحت. كما أن مدينة تشانغتشون بها ثلاث صناعات هامة تشتهر بها، وهي صناعة السيارات، وعربات القطارات، والمنتجات الزراعية.  والجدير بالذكر أن أول مصنع لصناعة السيارات في الصين انطلق من هذه المدينة.

تشانغتشون متقدمة تكنولوجيا، بها عدد من المعاهد والجامعات والمصانع وشركات التكنولوجيا المختلفة. زرنا شركة لإنتاج الأقمار الاصطناعية التي تخدم أغراضا مختلفة، وكان أكثر ما لفت انتباهي، هو ذلك القمر الاصطناعي الذي يستخدم في رصد حركة المرور، ويمكنه أن يقوم بإحصاء سرعة وعدد السيارات بشكل دقيق. وكذلك هناك طيارة تم تصنيعها، لتستطيع الطيران لمدة ست ساعات تقريبا بدون طيار، وتستطيع رصد المساحات الشاسعة وتصويرها بشكل مفصل، ومعرفة حجمها.

شهدت مدينة تشانغتشون افتتاح حديقة تشانغتشون البيئية  لثقافة المياه، في أكتوبر 2018، على مساحة 302 متر مربع، وهي مفتوحة أمام المواطنين بالمجان. قام بتصميم وتخطيط هذه الحديقة مهندسون صينيون متميزون.

زرنا مناطق سكنية بسيطة، قامت الدولة بإصلاحها وتجديدها، وتوفير الخدمات المختلفة فيها، بما فيها خدمات المسنين، حيث توجد أماكن مخصصة للجلوس لهم، وأخرى لممارسة الرياضة البدنية. تسعى الحكومة للارتقاء بمستوى معيشة المواطن، وتوفر له الحق في حياة كريمة، وهذا داخل إطار خطة واضحة وملموسة. في هذه المناطق تجد صورا قبل التجديد وبعده، وبالطبع الفرق شاسع. تحولت هذه المناطق من أماكن شبه عشوائية إلى أماكن منظمة، تليق بمدينة تسعى إلى التقدم والرقي، ليس فقط على المستى المحلي، وإنما أيضا على المستوى الدولي.

شيدت حكومة تشانغتشون المحلية حدائق أشبه بالنوادي الرياضية، وهذه الحدائق مصممة على الطراز الصيني التقليدي، بها قنوات مياه وتلال صغيرة وأحجار ونباتات، وكأنها جزء من غابة فاتنة الجمال تتوسط المدينة.

خلال  رحلتي  إلى تشانغتشون لاحظت طباع أهلها المختلفة، وربما هذه طباع أهل شمال شرقي الصين،  فهم ودودون جدا ويتميزون بالبساطة والتلقائية. كنت أريد الذهاب إلى المكتبة لشراء بعض الكتب، ولكن كان الجدول اليومي للرحلة مشغولا، ونعود غالبا إلى مقر إقامتنا في المساء، فأجد المكتبة مغلقة. وعندما علمت فتاة من أهل المدينة برغبتي في شراء الكتب، قالت لي إنها يمكنها أن  ترسل لي أي  كتب أحتاج إليها إلى مصر، فقط يكفي أن أخبرها بعناوين الكتب التي أريدها.

الصين بلد شاسع، به مقاطعات كثيرة وكل مقاطعة تختلف عن الأخرى من حيث الثقافة واللهجة والعادات والقوميات والمأكولات. أتمنى أن أستطيع استكمال رحلاتي في الصين إلى مناطقها المختلفة، لأكتشف  المزيد عنها.  

--

مي عاشور، كاتبة ومترجمة من مصر.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4