كلنا شرق < الرئيسية

صدفة غير متوقعة (قصة قصيرة)

: مشاركة
2018-02-05 15:56:00 الصين اليوم:Source مي عاشور:Author

شاركت لأول مرة في في اختبار القبول بالجامعات في صيف عام 1980، ورسبت كالمتوقع. لم تتجاوز درجاتي في الكيمياء والفيزياء أربعين درجة. أصرت أمي أن أتعلم النجارة.

في ذلك الوقت، كانت النجارة مهنة يغبطها الناس. كان في المكان الذي نعيش فيه العديد من النجارين المشهورين، ولكن لم تستطع أمي دعوة أي منهم، فاستقدمت نجارا من أقاربنا. كان نجارًا ماهرًا ولكنه فظ، ويشعر بأنه رائع. قال لأمي: "هذا الولد أخرق، لن يتعلم من دون صرامة وسوف أضربه، فهل تطيقين ذلك؟" قالت أمي مضطرة: "فلتضربه إذاً." لم نكن أعداءً، لذلك لم أفهم لماذا يريد أن يضربني، فأنا أمقت حقاً هذا الشخص الذي يجلس على الكرسي ويضع ساقا فوق أخرى. قُلت لأمي: "أريد أن أؤدي اختبار القبول بالجامعات، بل أرغب في الالتحاق بجامعة رئيسية." اتسعت عيناها، وقالت: "كيف تقول كلاما مثل هذا يا بُني؟ إنك لن تلمس حتى بابها. إذا نجحت في اختبار القبول بالجامعات، فسوف نموت جميعاً من فرط الضحك".

وسط بحور إحباطي، وعندما كنت أستعد للذهاب لتعلم النجارة، طرق شخص باب دارنا. كان معلما بالمرحلة الابتدائية في البلدة، اسم عائلته دي. لم يكن بيننا سابق معرفة، ولم تكن تربطني به أي صلة. وإلى يومنا هذا، لازلت لا أعرف كيف استطاع أن يصل إلى قريتنا. مازلت أتذكر كل شيء بوضوح جلي، كان الليل قد أسدل ستاره الحالك، والجميع نائمون، وكان المُعلم دي يرتدي قبعه من القش، ويقف في الخارج، مما جعل أمي ترتاع. ما إن رآني حتى قال، ألا تريد أن تدرس في مدرسة جيانبي الثانوية؟ فهي أفضل مدرسة ثانوية في بلدتنا. بالطبع وافقت على الفور. قال إن بوسعه أن يرشحني إلى صديق له يعمل هناك.

عندما حملت رسالة المُعلم دي التي كتبها بخط يده وذهبت إلى مدرسة جيانبي الثانوية، أخبرني صديق المُعلم دي الذي يعمل هناك، أنه ينبغي أن تصل درجاتي في اللغة الصينية والرياضيات إلى ستين درجة، وإلا لا سبيل لي أن ألتحق بفصول التقوية التابعة للمدرسة. قال لي: "دعني أرى بيان درجاتك لامتحان القبول بالجامعات."

يكون ذهني صافياً إلى حد ما، عند تقرير مصيري. فأنا أعرف أن درجاتي لن تسمح لي بالالتحاق بفصول التقوية، لذلك مهما حدث، لن أستطيع أن أخرج بيان درجاتي من جيبي، وأعطيها له ليطلع عليها. قلت له إنني فقدت بيان درجاتي. قال: "يمكنك الذهاب إلى مكتب التعليم بمحافظة دانتو لتتحقق من الأمر، وكذلك لنسخ درجاتك أيضا، ثم تأتي مرة أخرى." عندما انتهى من كلامه، أعطاني ورقة بها عنوان مكتب التعليم في تشنجيانغ، وهو 6 شارع تشينغيونمن. لو قفزت في حافلة بشكل عشوائي، وأنا في طريقي، سأعود إلى المنزل، وسأصير صبي نجار إلى الأبد، ولكن ماذا لو ذهبت إلى مكتب التعليم في تشنجيانغ؟ النتيجة ستكون واحدة على السواء؛ لأنني سأحصل على ورقة مطابقة لبيان الدرجات، وسيكون أيضا من المستحيل أن ألتحق بمدرسة جيانبي الثانوية، بل وسأعود إلى القرية، لأكون صبي نجار، وأناول مُعلمي فوطة ساخنة، وأسمح له أن يسبني.

ظللت أتجول لمدة ساعتين. كانت تشنجيانغ بالنسبة لي مدينة كبيرة وغريبة، وفي الحقيقة كانت بعيدة جداً، لم يسبق لي أن ذهبت إليها. في الواقع، أنا شخص حويط للغاية، لا يمكنني المخاطرة بسهولة، ومستحيل أن أفعل شيئا أشعر أنه متجاوز للحدود أو مبالغ فيه. أنا أدرك أن هناك احتمال 90 % أن أعود إلى دارنا.

لم أكن قد ذهبت إلى تشنجيانغ من قبل، وإذا ذهبت أيضا، فأنا لا أعرف مكان مكتب التعليم. كل هذه الصعوبات من العسير أن أتخطاها بسهولة، ولكن هذه المرة، لا أعرف ما السبب الذي جعلني أركب الحافلة المتجهة إلى تشنجيانغ، وكأن قوة خفية دفعتني لذلك. عندما وصلت إلى مكتب التعليم بالمحافظة، كان قد حان وقت انتهاء الدوام، فقال لي مدير غرفة الاستقبال ببرود: قد انتهت مواعيد العمل الآن، لا يمكنك الدخول.

حسبتها في عقلي، ما الفائدة من الدخول أيضا؟. وفي اللحظة التي استدرت فيها عازما على المغادرة، نادى شخص: "ماذا تريد أيها الصغير؟" رأيت شخصين؛ رجلا وامرأة، يمشيان صوب الخارج. قلت لهما إن بيان درجاتي لامتحان الثانوية قد ضاع، وإذا كان بوسعهما أن يساعداني في استخراج بدل فاقد لها أم لا؟

قال الرجل: "فليكن في الغد إذاً، قد انتهى وقت الدوام."  

قالت المرأة: "فلنساعده في استخراجها، فلن يعطلنا هذا على كل حال."

اصطحباني عائدان إلى المكتب، وساعداني في البحث عن الملفات، ثم سألاني عن فائدة استخراج مثل هذه الشهادة.

صمت لوهلة، وكأن على رأسي الطير، ثم قلت فجأة: "إن شهادتي لم تضع".  

"إذاً، ماذا تفعل هنا؟" بدا عليهما قدر من الغيظ.  

حكيت لهما عن رسوبي في امتحان الثانوية، وعن أنني أرغب بشدة في الذهاب إلى مدرسة جيانبي للالتحاق بفصول التقوية، ولكنني لم أصل إلى مجموع الدرجات المطلوب. وقلت إنه يجب عليّ الالتحاق بفصول التقوية، وأداء اختبار القبول بالجامعات.

قالت المرأة: "كيف يمكن هذا؟"، بينما لم يتفوه الرجل بكلمة. كان يدخن، وبعد أن استغرق في التفكير برهة، جعلني أخرج من الحجرة وأنتظرالرد. وبعد عشر دقائق، قال: "حسنًا، سنساعدك في استخراج بيان الدرجات."  

حينذاك كنت صغيرا جدا، كان عمري 15 عاما تقريبا، وكانت ملابسي مهلهلة للغاية. أرجح أنه لذلك السبب نبتت بقلبيهما رغبة ما لمساعدتي.

سألاني: "كم درجة تحتاج؟" قلت 70 في اللغة الصينية، و80 في الرياضيات. وبعد أن انتهيت من كلامي، شعرت بالندم؛ لأن بهذه الدرجات كان يمكنني اجتياز اختبار القبول بالجامعات. فغيرت الدرجات مرة أخرى، قلت 68 في اللغة الصينية، وفي الرياضيات 70. بعد الانتهاء من كتابة الدرجات كان يجب أن تُختم، ولكن في هذه اللحظة الفاصلة، اختفى الختم فجأة ولم يعثرا عليه. بحثا في الأدراج، فتحوها وأغلقوها. ربما كانت هذه اللحظات هي الأكثر توتراً بالنسبة لصبي صغير. ألا ينتهي الأمر دون الختم الرسمي؟ في الحقيقة كان الختم في يدهما، ولكن على الأرجح كان الجميع في غاية التوتر حينذاك.

بعد أن ختمت المرأة الشهادة، قالت بهدوء: "عندما نصير أغنياء، فليأخذ كل منا بيد الآخر، ولا ينسى أحدنا الآخر." سالت دموعي فجأة. كانت هذه هي أجمل امرأة رأيتها حتى يومي هذا. كان شكري وتقدري لها مصدرهما التالي: أنها تفترض أن مستقبلي سيكون واعداً، على عكس المتوقع دائماً.

لم أتفوه تقريبا بأي عبارات تقدير وشكر. حملت الشهادة، وغادرت مندفعا. عندما عدت إلى المنزل، لم أتناول الطعام طوال اليوم، وكنت في حالة وهن تام.

في العام التالي، أديت اختبار القبول بالجامعات مرة أخرى، وبدأت أسلك طريق الدراسة الجامعية.

إن الحياة حقا تبدو غامضة بالنسبة لي، تتشكل من عدد لا يحصى من الصدف. فمستحيل أن يخطر على بالك أبدا، الأشخاص الذين سيظهرون أمامك، للأخذ بيدك ومد يد العون إليك. فإذاً كيف يمكن لشخص مثلي أن يسلم بأن الحياة لا تتغير؟ لماذا أحب بروخيس، وهيوم، واللاإرادية إلى هذا القدر؟ ذلك لأنني أشعر كم أن الحياة هشة فانية، بل والعيشة غامضة. وفي الحقيقة، أنا أشعر أيضا أن كل ذلك سوف يكون له علاقة بكتاباتي المستقبلية.

-- 

* قه فيّ، كاتب صيني معاصر، ولد في عام 1964 بقاطعة جيانغسو. تخرج في قسم اللغة الصينية بجامعة شرق الصين للمعلمين سنة 1985، ويعمل حاليا بالتدريس في جامعة تشينغهوا ببكين.

* مي عاشور، كاتبة ومترجمة من مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4