ثقافة وفن < الرئيسية

تجربة شينجيانغ في حماية وتطوير تراثها الثقافي

: مشاركة
2025-08-15 11:16:00 الصين اليوم:Source لوه لين:Author

احتفل الصينيون، في الرابع عشر من يونيو عام 2025، بـ"اليوم الوطني للتراث الثقافي والطبيعي"، الذي حددته الحكومة الصينية لتعزيز الوعي العام بأهمية حماية التراث الثقافي والطبيعي، وتسليط الضوء على الإنجازات الحديثة في مجال المحافظة على الآثار والموارد الطبيعية. وقد صادف الاحتفال هذا العام دخول قانون حماية الآثار الثقافية المنقح حيز التنفيذ.

منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم الواقعة في شمال غربي الصين، هي نقطة التقاء تاريخية على طريق الحرير القديم، عرفت بدورها الكبير في نقل المعرفة والبضائع بين الشرق والغرب. تنتشر على هذه الأرض الخصبة معالم عريقة، مثل مدينة قاوتشانغ القديمة وكهوف كيزيل، فضلا على التراث الثقافي غير المادي المتمثل في الموسيقى والرقص والأزياء التقليدية. تروي هذه المعالم والطقوس حكايات التمازج الغني بين مختلف القوميات على طريق الحرير وكذلك انفتاح وتسامح الحضارة الصينية. تولي الحكومة الصينية اهتماما بالغا لحماية التراث الثقافي في منطقة شينجيانغ، متمسكة بمبدأ "التنمية من خلال الحماية والحماية من خلال التنمية". وتسعى إلى استكشاف القيم الروحية والثقافية الكامنة في مخزونها التراثي، والعمل على إحياء المزيد من الآثار والمواقع الثقافية لتصبح جزءا حيا من الواقع المعاش وحتى جعلها مصدر دخل للسكان المحليين.

حماية مشتركة لطريق الحرير

يُعد طريق الحرير من أبرز رموز التبادل الحضاري بين الشرق والغرب، وقد تم إدراجه في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 22 يونيو 2014، من خلال مشروع "طريق الحرير.. شبكة طرق ممر تشانغآن- تيانشان"، الذي تقدمت به الصين وكازاخستان وقيرغيزستان. يشمل هذا المشروع 33 موقعا أثريا على امتداد أكثر من 8700 كيلومتر، مما يعكس الأهمية التاريخية والثقافية لهذا الطريق.

من أجل تعزيز الفهم لتاريخ طريق الحرير واكتشاف بصمات التبادلات بين الحضارات المختلفة، يتعاون كل من معهد شينجيانغ للآثار الثقافية وعلم الآثاروأكاديمية شنشي لعلم الآثار مع المؤسسات المعنية في دول آسيا الوسطى في أعمال التنقيب الأثري بشكل مشترك، باستخدام تقنيات حديثة مثل التصوير الثلاثي الأبعاد والمسح الجوي، من أجل الكشف عن بقايا المقابر والكهوف والأطلال المهمة.

فضلا على مشروعات التنقيب المشتركة، تلتزم الصين في السنوات الأخيرة، بمبدأ "التوجه نحو الخارج" و"الدعوة إلى الداخل"، حيث تعاونت مع دول آسيا الوسطى وغيرها من الدول في تنظيم العديد من المعارض الأثرية بشأن طريق الحرير داخل وخارج البلاد. ومن خلال هذه المعارض المتنوعة لتبادل القطع الأثرية، رُويت قصص حضارة طريق الحرير، وعُرض جمال الحضارات المختلفة، مما أسس منصة مهمة للتبادل والعرض والتواصل والفهم المتبادل، وساهم في كتابة فصل جديد من فصول التلاقح الحضاري. على سبيل المثال، أُقيم معرض "طريق الحرير.. التراث العالمي يمتد آلاف الأميال" في هونغ كونغ عام 2017، قد كان لهذا المعرض صدى واسع. وفي عام 2023، وبمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لإطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، أقيم معرض "نحو الازدهار المشترك.. التعاون في التراث الثقافي وعلم الآثار ضمن مبادرة الحزام والطريق"، وقد قدمت دول مثل كازاخستان وأوزبكستان والإمارات دعما مهما لضمان نجاح هذا الحدث الثقافي الدولي.

إحياء فن المقام الويغوري

فن المقام الويغوري لشينجيانغ إرث فني شامل يجمع بين الغناء والرقص والموسيقى، على مدى قرون، طور فن المقام الويغوري لشينجيانغ أربعة أنماط إقليمية رئيسية وهي المقامات الاثنا عشر، مقام دولان، مقام توربان ومقام هامي، وتتجلى فيه خصائص التنوع والاندماج بين البنى الموسيقية المتعددة والإيقاعات الارتجالية التي تمنح الفنانين حرية التعبير أمام الجمهور. وتضم كلمات المقام أمثالا شعبية وحكما فكرية وقصصا روائية، مصحوبة بآلات محلية كالـساتار والـطنبورة والطبول اليدوية، ما يخلق جوا نابضا بالحياة والعواطف. في نوفمبر 2005، أدرجت منظمة اليونسكو فن المقام الويغوري ضمن "روائع التراث الشفهي وغير المادي للإنسانية"، ثم أدرج رسميا عام 2008 في "قائمة التراث الثقافي غير المادي".

على مدى سنوات طويلة، أولت شينجيانغ اهتماما بالغا للمحافظة على فن المقام الويغوري، وسعت إلى نقله للأجيال التالية والاستفادة منه والتعريف به على نطاق واسع، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى إحياء هذا الفن العريق.

وفي هذا السياق، تلعب جامعة شينجيانغ للفنون دورا أساسا في إحياء فن المقام، وذلك من خلال مساهماتها الفعالة في توثيق المقام، وتطوير برامج تدريسه، وتشجيع البحث والإبداع الفني حوله، ما جعلها مركزا مهما لحماية هذا التراث الثقافي غير المادي وتعزيزه على المستويين المحلي والدولي. أنجز طاقم فرقة العمل المتخصصة في جامعة شينجيانغ للفنون جمع وتربيب وثائق وملفات حول المقامات الاثني عشر خلال ثماني سنوات. وزار أعضاء الطاقم السيد وان تونغ شو، الرائد في إنقاذ المقام في الصين أكثر من 20 مرة للحصول على توجيهاته، كما حصلت الجامعة منه على مخطوطات نادرة بشأن فن المقام. في الوقت ذاته، استعانت الجامعة بالتكنولوجيا الحديثة، وأوفدت متخصصين إلى شيامن واليابان لتعلم تقنيات ترميم أشرطة التسجيل القديمة، واستخدمت تقنيات رقمية لمسح المخطوطات بدقة عالية وحفظها في أرشيف إلكتروني وورقي. كما أدخلت المقام ضمن مناهج الجامعة منذ عام 1996، وأنشأت تخصصات أكاديمية لتدريسه. وقد تخرج أكثر من 220 طالبا يتقنون الغناء والعزف والرقص، مما عزز استمرارية هذا الفن وساهم في حفظه كتراث غير مادي.

التطريز مصدر دخل في شينجيانغ

حرف النسيج التقليدية جزء مهم من التراث الثقافي غير المادي، وهي تجسيد حيوي لحكمة الشعب الصيني، وتشكل في الوقت نفسه أساسا لتطور صناعة النسيج الحديثة. منطقة شينجيانغ معروفة بأنها مكان محوري على طريق الحرير البري القديم، ومنطقة مركزية في "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير". وعلى مر العصور، كانت شينجيانغ ملتقى لثقافات شتى اندمجت بينها. لم تكن السلع الصينية المشهورة مثل الحرير والشاي والخزف وحدها التي نقلت من الصين إلى الغرب عبر طريق الحرير، بل رافقتها أيضا العديد من الحرف التقليدية، ومن أبرزها حرفة التطريز، التي تعد من أقدم أشكال التعبير الحرفية الشعبية وأكثرها ثراء.

تحتضن شينجيانغ عدة أنواع تطريز تنتمي إلى قوميات مختلفة، منها: التطريز لقومية الويغور، التطريز لقومية منغوليا، التطريز لقومية قرغيز، التطريز لقومية شيبوه والتطريز لقومية القازاق، وقد أُدرجت هذه الأنواع من التطريز ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني في الصين. وطور الحرفيون في شينجيانغ بمهاراتهم المبهرة هذا الحرفة التقليدية، فلم يقتصر دورهم على حماية هذا التراث الثقافي غير المادي فحسب، وإنما أيضا نجحوا في تحويله إلى مورد اقتصادي، ففتحوا من خلاله آفاقا جديدة لتحسين سبل العيش وتحقيق التنمية الاقتصادية.

السيد قادر رحمان من أبرز حرفيي التطريز لقومية الويغور في بلدة تاوجياقونغ بمدينة هامي، حيث تأثر منذ صغره بوالدته وأخته وأظهر موهبة استثنائية في حرفة التطريز. على رغم من النظرة التقليدية التي تحصر التطريز في النساء، فإنه واصل شغفه سرا حتى نال الاعتراف والتقدير الكبيرين بعد إدراج حرفة التطريز لقومية الويغور ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة في عام 2008. زادت شهرته بعد عرض أعماله في عام 2009.

في عام 2016، تحت رعاية الحكومة، أُنشئ مكتب للحرف التقليدية في مدينة هامي، حيث أتاح فرصا لأكثر من 300 مطرز ومطرزة، بمن فيهم قادر، للالتحاق ببرامج تدريبية احترافية في كلية الفنون بجامعة تشينغهوا وجامعة قوانغتشو لتعلم التقنيات الجديدة. لاحقا، عينته شركة ثقافية مصمما رئيسيا. يتلقى قادر شهريا طلبات تصميم جديدة، ويوزعها على فريق من المطرزات اللواتي يشرف على تدريبهن. وقد تطور هذا الفريق من عدد محدود لا يتجاوز خمسة أو ستة أشخاص إلى أكثر من مائة مطرزة، يعملن من منازلهن ويحققن دخلا مستقرا بمهارتهن اليدوية. وبحلول نهاية عام 2024، بلغ عدد المنتجات التي أنتجها الفريق أكثر من 700 صنف، منها أغطية الهواتف، والدفاتر، والدمى، ومغناطيسات الثلاجة، والبروشات، بإجمالي طلبيات تجاوزت قيمتها مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا)، مما يجعل حرفة التطريز مثالا حيا على زيادة الدخل.

تجسد تجربة شينجيانغ في حماية التراث الثقافي وتطويره نموذجا ممتازا في تحقيق التوازن بين صون الموروث الحضاري والتنمية المعاصرة، إذ تبرز جهود الحكومة والمجتمع في إحياء الفنون التقليدية، والحرف اليدوية، والمواقع التاريخية، ضمن رؤية شاملة تعلي من شأن التنوع الثقافي وتعايش القوميات المختلفة. وتأتي هذه الجهود منسجمة مع مبادرة "الحضارة العالمية" التي طرحتها الصين، والتي تدعو إلى احترام تنوع الحضارات، وتعزيز التفاهم والتبادل الثقافي بين الشعوب، وبناء عالم أكثر انفتاحا وتسامحا وازدهارا مشتركا.

--

لوه لين، عميد كلية دراسات الشرق الأوسط بجامعة بكين للغات والثقافة.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4