يعني مفهوم "إغاثة المحتاجين" مساعدة المحتاجين وإغاثة المساكين، وهو التجسيد الملموس للسلوك الإيثاري للإنسان بدافع من التعاطف النفسي. وهذا جزء مهم من الفضائل التقليدية للأمة الصينية. إن الأفكار الكونفوشية التي تشمل "محبة الآخرين" و"الثروة تفيد الآخرين" و"الشفقة" و"كل الناس إخوتي وأخواتي، وكل الأشياء رفاقي" وغيرها، تؤكد على أهمية إغاثة المحتاجين. وقد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "إن الثقافة الصينية التقليدية الممتازة، بما في ذلك الكونفوشية، تحتوي على مصادر إلهام مهمة لحل المعضلات الإنسانية المعاصرة." لذلك، فإن نظريات وممارسات الكونفوشية ليست ذات أهمية كبيرة للصين المعاصرة لتعزيز الفضيلة التقليدية المتمثلة في "إغاثة المحتاجين" فحسب، وإنما أيضا توفر إلهاما مهما لحل المعضلات المشتركة التي تواجهها البشرية جمعاء.
مفهوم كونفوشيوس حول "الرحمة" هو نقطة البداية لمفهوم "إغاثة المحتاجين". وفقا لكتاب ((محاورات كونفوشيوس "لونيوي"))، طلب تلميذ كونفوشيوس فان تشي من معلمه كونفوشيوس النصيحة حول ماهية "الرحمة"، فقال كونفوشيوس: "محبة الآخرين". من وجهة نظر كونفوشيوس، "محبة الآخرين" هي المعنى الجوهري لـ"الرحمة". ما يسمى بـ"محبة الآخرين" هو ببساطة رعاية الآخرين، ليس الذين تربطهم صلة قرابة فحسب، وإنما أيضا جماهير الشعب. لا ينبغي لنا أن نقدر حياة الآخرين فحسب، وإنما أيضا أن نساعدهم ونلبي احتياجاتهم. وفقا لكتاب ((محاورات كونفوشيوس "لونيوي"))، احترق إسطبل منزل كونفوشيوس، وكانت أول جملة قالها عند عودته إلى المنزل هي: "هل جرح أحد؟" ولم يسأل عن الخسائر من الخيول. وهذا يؤكد أن كونفوشيوس لم يهتم بالممتلكات، وإنما بحياة الآخرين. قال كونفوشيوس ذات مرة: "يمكن للرجل الفاضل أن يضع أهدافا لنفسه ويساعد الآخرين على تحديد الأهداف في نفس الوقت؛ بينما يمكن للرجل الفاضل النجاح في عمله ومساعدة الآخرين أيضا على النجاح في أعمالهم."
ورث منغ تسي (منشيوس) فكرة كونفوشيوس عن "الرحمة"، معتقدا أن جميع البشر طيبون بطبيعتهم وأن كل شخص لديه شعور فطري بالتعاطف، أي "الشفقة". وقد جاء في كتاب ((منغ تسي)) قصة طفل كان على وشك السقوط في بئر وهو في وضع خطير للغاية، ورآه الجميع وهرعوا لإنقاذه، ليس لأنهم يعرفون والدي الطفل، وليس لأنهم يريدون أن ينالوا الشرف، وليس لأن بكاء الطفل صاخب بالنسبة لهم، ولكن بدافع من "شفقتهم". بهذه الطريقة، يصبح إنقاذ الآخرين من المعاناة مسؤولية أخلاقية لكل فرد. بالإضافة إلى ذلك، وسع منغ تسي أيضا فكرة "الرحمة" لكونفوشيوس إلى مستوى الدولة والحكم الاجتماعي، وطرح فكرة "سياسة البر"، ودعا السياسيين إلى معاملة شعوبهم بـ"الرحمة" و"الشفقة". اعتقد منغ تسي أن الحاكم الذي يطبق "سياسة البر" سيحظى بدعم الشعب.
يهدف كتاب ((الطقوس "ليجي")) الكونفوشي الكلاسيكي إلى توجيه الأفراد والمجتمع نحو عالم مثالي يسوده الانسجام والعدالة، أي "عالم الانسجام الكبير". في هذا العالم المثالي، لا ينبغي للمرء أن يكون بارا بوالديه ويرعى أطفاله فحسب، وإنما أيضا أن يجعل كل شخص مسن في المجتمع يستمتع بشيخوخته في سلام، وكل شخص بالغ يحقق قيمته الشخصية من خلال العمل، وكل طفل يتلقى تعليما جيدا وينمو بصحة جيدة. ينبغي للمجتمع أن يساعد من يفتقرون إلى القدرة على العمل وليس لديهم من يعولهم ويحتاجون إلى الرعاية والمساعدة. من أجل تحقيق هذا "الهدف السامي للانسجام الكبير"، من الضروري إعانة الفئات الضعيفة في المجتمع. بهذا المعنى، فإن مفهوم "إغاثة المحتاجين" يوفر حكمة شرقية قديمة لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في عالم اليوم.
طرح تشانغ تساي، عالم الكونفوشية الجديدة في أسرة سونغ الشمالية (960- 1127م)، وجهة نظره الجديدة حول "إغاثة المحتاجين". لقد شبه السماء والأرض بالوالدين، وقال إن الناس والأشياء يولدون من السماء والأرض، وجميع الناس إخوة، وكل الأشياء رفقاء. من وجهة نظره، يشكل هو والآخرون مجتمعا ذا مستقبل مشترك، وتعد رعايته وإغاثته للآخرين رعاية وإغاثة لنفسه ولأسرته. مساعدة الآخرين التزام أخلاقي ينبغي للجميع الوفاء به. وضع تشو شي، وهو عالم الفلسفة الكونفوشية المشهورة في أسرة سونغ الجنوبية (1127- 1279م)، أفكار تشانغ تساي موضع التنفيذ. في ذلك الوقت، كانت منطقة جيانغنان (المناطق الواقعة في جنوب نهر اليانغتسي) تتعرض لفيضانات ولجفاف متكرر مما يؤدي إلى انخفاض غلة محاصيل الحبوب أو حتى فقدانها، وكانت الصوامع الحكومية بالية، مما جعل من الصعب توفير الإغاثة في الوقت المناسب للاجئين. لذلك، أنشأ الأثرياء وأصحاب النفوذ المحليين "صوامع اجتماعية"، كنموذج إغاثة غير حكومي لإنقاذ اللاجئين، وكانت الصوامع الاجتماعية التي أنشأها تشو شي هي الأكثر انتشارا. في عام 1168، حدثت مجاعة كبيرة في منطقة جيانغنان، فاقترض تشو شي الحبوب من الحكومة لإغاثة اللاجئين. عندما انتهت المجاعة، أخذ هؤلاء اللاجئون زمام المبادرة لإعادة الحبوب. قام تشو شي بتخزين بعض الحبوب المتبقية بعد إعادة الحبوب المقترضة، وأنشأ بها "صوامع اجتماعية" في المناطق الريفية. في كل ربيع، عندما يعاني الفلاحون من نقص في الحبوب بعد نثر البذور في حقولهم، يمكنهم اقتراض الحبوب من الصوامع الاجتماعية، وبعد حصاد الخريف، يمكنهم إعادة الحبوب المقترضة مع دفع فائدة قليلة. وبهذه الطريقة، زادت الحبوب في الصوامع الاجتماعية باستمرار على نحو جعلها قادرة على التعامل بشكل فعال مع مشكلة نقص الغذاء في سنوات الكوارث، فضلا على توفير الإغاثة المجانية للفئات الضعيفة مثل الأيتام والأرامل والمعاقين. وبهذه الطريقة، حول تشو شي فكر تشانغ تساي إلى ممارسة فعلية، وعزز التنفيذ العملي لمفهوم "إغاثة المحتاجين" الكونفوشي.
مفهوم "إغاثة المحتاجين" جزء مهم من الثقافة التقليدية لغربي آسيا وقارة أفريقيا أيضا. في مصر القديمة، شكل عمال بناء الأهرامات، بشكل عفوي، جمعيات تعاونية لحماية ضحايا الكوارث الطبيعية، ووقعوا اتفاقيات على ورق البردي. عندما يُقتل شخص، يتقاسم الجميع الخسارة، ويتم دفع نفقات جنازة المتوفى من التبرعات التي يدفعها العمال. كما كان الفرعون يوفر بعض الرعاية الطبية للعمال فضلا على طعامهم وملبسهم ومسكنهم ونقلهم. هذا يعكس الجمع بين مسؤولية الدولة والاهتمام الإنساني في الحضارة المصرية القديمة.
في القرآن الكريم، هناك العديد من الآيات التي تحث المسلمين على الخير، مع التركيز بشكل خاص على العطاء للفقراء وإعطاء الصدقات ورعاية الأرامل والشيوخ والأطفال، مع التأكيد عن أن فعل الخير جزاؤه الجنة. الزكاة في الإسلام واجب ديني يتطلب من المؤمنين الذين يتجاوز دخلهم السنوي حدا معينا تقديم جزء من ممتلكاتهم للفقراء والأيتام والسائلين وغيرهم من الفئات الضعيفة. الزكاة هي في الواقع ضريبة تفرض على الأثرياء، وهي إلزامية، ليركز المؤمنون أقل ما يمكن على تجميع ثرواتهم الشخصية ويركزون أكثر على رعاية المساكين. يحتوي كتاب ((ألف ليلة وليلة)) على العديد من القصص التي تجسد إغاثة الفقراء وتظهر الروح الخيرية. على سبيل المثال، في ((قصة السندباد البحري))، حقق السندباد البحار ثروة كبيرة بعد سبع رحلات بحرية، وكان يقيم المآدب لإغاثة الفقراء، ويتقاسم ثروته مع الحمال السندباد على سفينته، والذي يحمل نفس اسمه. في نهاية هذه القصة، تم التأكيد على أن السندباد كان كريما ويساعد الآخرين، وأعاد للمجتمع ما غامر به في الرحلات البحرية، وغالبا ما كان يقيم المآدب مع أقاربه وأصدقائه، ويأكل ويشرب ويستمتع معهم، وعاش حياة مريحة وسعيدة، مما يعكس مفهوم "الثروة تفيد الآخرين" في الإسلام.
في الأساطير اليونانية القديمة، هناك قصة بروميثيوس الذي اشتهر بسرقة النار من الآلهة وإعطائها للبشر، مما أثار غضب زيوس، ملك الآلهة، الذي عاقب بروميثيوس بشدة. في مسرحية إسكوريس الشهيرة "بروديوس المقيد"، أخبره آسر بروميثيوس أنه عوقب بسبب مساعدته للبشرية وحبه لها. تجسد هذه القصة قيمة مساعدة الضعفاء في الحضارة الغربية المبكرة. في مدينة أثينا اليونانية القديمة، حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، ظهر شكل من أشكال الإغاثة في العمل بسبب ارتفاع البطالة. استجابة لمشكلة التسول في الشوارع، قدمت أثينا أيضا مزايا عامة، ومنها حصول المتسول على 1 أوبول كل يوم، أي ما يعادل سدس راتب العامل العادي. كانت المدن الأخرى في اليونان القديمة خارج أثينا توزع بانتظام أغذية الإغاثة على الفقراء من النفقة العامة. هذا النوع من نظام المساعدة العامة هو مصدر تاريخي مهم لنظام الإغاثة الاجتماعية الحديث في الغرب.
في أوروبا في العصور الوسطى، لعبت أنشطة الإغاثة الخيرية التي نظمتها الكنائس المسيحية دورا مهما. استخدمت الكنيسة جزءا من دخلها لإغاثة الفقراء وأنشأت أيضا جمعيات خيرية مثل دور الصدقات ودور الأيتام والمستشفيات وما إلى ذلك. في إنجلترا، على سبيل المثال، بعد الإصلاح، تم حل أو حظر مئات الأديرة والجمعيات الخيرية التي أسستها الكنائس، مما أدى إلى افتقار عدد كبير من الفقراء إلى الطعام والملابس، وأدى إلى ثورة كبيرة للفقراء. لقد لعبت الكنيسة في إنجلترا في العصور الوسطى دورا مهما في توفير الإغاثة. بالإضافة إلى الكنيسة، كانت النقابات في دول أوروبا الغربية في العصور الوسطى تقدم أيضا الإغاثة الاجتماعية. على سبيل المثال، أنشأت نقابة النجارين في لندن صندوقا احتياطيا يمكن لعضو النقابة المريض أن يحصل على 14 بنسا إذا كان فقيرا وغير قادر على تغطية نفقاته، بدءا من الأسبوع الثالث بعد مرضه حتى يتم انتشاله من البؤس. وكانت نقابة الإسكافيين في لندن تقدم لكبار السن والأعضاء المعوزين 7 بنسات أسبوعيا كمعونة، وإذا مات عضو النقابة، وكانت أرملته امرأة شريفة ولم تتزوج من بعده، فإنها تحصل على 7 بنسات أسبوعيا.
مع التطور والتقدم المستمرين في العصر، أصبح مفهوم "إغاثة المحتاجين" الخلفية الروحية المشتركة للحضارة الإنسانية. هذه القيمة المشتركة للبشرية جمعاء، التي تتجاوز العرق والثقافة، تبين أن البشرية هي مجتمع مستقبل مشترك يتشارك في السراء والضراء. ومع التطور المتعمق للعولمة اليوم، وفي مواجهة التحديات المشتركة مثل تغير المناخ والحروب والصراعات وانتشار الأوبئة، فإن مفهوم "إغاثة المحتاجين" ليس طريقة جيدة لحل الأزمات فحسب، وإنما أيضا منارة لتوجيه الحضارة الإنسانية إلى الأمام.
--