ثقافة وفن < الرئيسية

الإصلاح والتجديد

: مشاركة
2025-01-22 12:15:00 :Source تشي يوي:Author

أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ في مناسبات مختلفة إلى أن الحضارة الصينية هي حضارة الإصلاح والتجديد ومواكبة تطور العصر، وأنه لإقامة مبدأ ممارسة الحكم في العصر الجديد، يجب علينا أن نستمد العناصر الغنية من المفهوم التقليدي للإصلاح والتجديد، والعمل بحزم للتخلص من كل ما لا يواكب العصر من مفاهيم فكرية، والتحلي بالشجاعة لتعزيز الابتكار في النظريات والممارسات والنظم والثقافات وغيرها من المجالات، وفتح المستقبل باستمرار من خلال الإصلاح والتجديد.

ذُكرت مقولة "الإصلاح والتجديد" لأول مرة في ((كتاب التغيرات "يي جينغ")) الذي يرجع تاريخه إلى فترة ما قبل أسرة تشين (221- 207 ق.م). "الإصلاح" يعني التخلص من جميع أنواع الأفكار والحواجز التي عفا عليها الزمن والتي تعيق التنمية. و"التجديد" يشير إلى تأسيس فكرة جديدة ونظام جديد وآلية جديدة تتوافق مع تقدم العصر، وتحقيق نقطة تحول تاريخية وقفزة تاريخية لكسر القديم وتأسيس الجديد. "الإصلاح" و"التجديد" يكملان بعضهما البعض، وهذه عملية مهمة مترابطة لتغيير الأشياء وتطويرها، ومن خلال المزج العضوي بين الأمرين يمكن المحافظة على صيرورة تقدم الأشياء.

بالنسبة للفرد، مقولة "الإصلاح والتجديد" هي المعراج لتحقيق تحسين الذات. في مجتمع دائم التغير، يحتاج الجميع إلى التكيف باستمرار وتحسين أنفسهم من خلال التعلم والممارسة المستمرة من أجل التكيف مع تطور وتغير العصر والتكنولوجيا والمجتمع. وقد جاء في ((كتاب الطقوس))، "إذا استطاع المرء أن يجعل نفسه جديدا يوما ما، فعليه أن يفعل ذلك كل يوم ويستمر في جعل نفسه جديدا". وهي كلمات التحذير التي نقشها شانغ تانغ على لوحة لتحذير نفسه. كان شانغ تانغ، الملك المؤسس لأسرة شانغ (القرن 17- القرن 11 ق.م)، يرى شروق الشمس وغروبها، وأنه يعيش تحت الشمس، فإن كل يوم هو يوم جديد. لذلك، ظل رجاؤه أن يكون قادرا على تأمل ذاته كل يوم وتصحيح أخطائه باستمرار ومواكبة العصر.

على مستوى الفرد، فإنه فقط من خلال انتهاج طريق "الإصلاح والتجديد" كمسار ضروري في الحياة، ومن خلال تجديد هيكل المعرفة وتحسين التهذيب الذاتي أخلاقيا وتحسين المجال الروحي، يمكن للفرد تحسين مستوى قدرته وأفقه الأخلاقي.

وعلى مستوى المجتمع، فإن مقولة "الإصلاح والتجديد" هي القوة الدافعة الداخلية للتنمية الاجتماعية. في نهاية فترة أسرة شانغ في الصين القديمة، تفاقمت التناقضات الاجتماعية، وضج الشعب بالشكوى، وكان النظام الاجتماعي القديم لأسرتي شيا وشانغ القائم على الثيوقراطية البدائية، على وشك الانهيار. حافظ الملك جي تشانغ وابنه على الحالة الذهنية للعمل الجاد ليلا ونهارا، وحققا مصالح كبيرة لجماهير الشعب، وأسسا أسرة تشو (1046- 256 ق.م). كان جي دان مسؤولا عن مساعدة الملك في إدارة الشؤون الحكومية للبلاد، واضعا نصب عينيه مهمة "الإصلاح والتجديد"، ففكر بعمق في سؤال رئيسي: لماذا تحولت أسرتا شيا وشانغ من الازدهار إلى الانحدار؟ اعتقد جي دان أنه من أجل تحقيق الاستقرار لسلطة أسرة تشو، من الضروري إقامة نظام اجتماعي جديد. ومن ثم، بدأ في جمع ودراسة الأنظمة من العصور القديمة، وقام بفرزها وإصلاحها على نطاق واسع في ضوء الوضع الفعلي، وصاغ نظاما جديدا يشمل العديد من المجالات. على سبيل المثال، من خلال معايير الآداب والموسيقى، تعلم الناس كيفية التعامل مع الآخرين وكيفية التعامل مع العلاقات الشخصية، فصار النظام الاجتماعي في ذلك الوقت قادرا على العمل بطريقة منظمة. كانت عملية صياغة جي دان لنظام جديد عملية "إصلاح وتجديد" في النظام الاجتماعي، لها تأثير عميق على الحوكمة السياسية والاجتماعية في تاريخ الصين. لطالما رافق مفهوم "الإصلاح والتجديد" عملية تنمية الأمة الصينية والحضارة الصينية، وشجع باستمرار على الإصلاح والتقدم الاجتماعيين.

على صعيد الثقافة، فإن مقولة "الإصلاح والتجديد" هي الخطوط العريضة الأساسية لتوارث الثقافة الصينية التقليدية الممتازة والمضي بها قدما. خلال فترة الربيع والخريف في تاريخ الصين القديم، كان التعليم الصيني قبل كونفوشيوس، حكرا على الطبقة الأرستقراطية، ولم يكن عامة الناس قادرين على الدراسة في المدارس الحكومية، فأضحت المعرفة والحكمة نتاجا حصريا للطبقة الأرستقراطية. كان كونفوشيوس قلقا للغاية بشأن أوجه القصور في نظام التعليم، معتقدا أن التعليم يجب أن يكون للجميع، وأن المعرفة يجب أن تكون لصالح المجتمع، وليس أداة للطبقة الأرستقراطية للمحافظة على امتيازاتها. في ظل المفهوم الراسخ للإصلاح والتجديد، قرر كونفوشيوس كسر الروتين وفتح مسار جديد للتعليم. نتيجة لذلك، ولدت أول مدرسة خاصة في تاريخ الصين في فترة مملكة لو. صار بوسع أي شخص أن يصبح تلميذا لكونفوشيوس بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية، طالما أنه على استعداد للتعلم. تحقق مفهوم عدالة التعليم في المدرسة الخاصة التي أنشأها كونفوشيوس، والتي سرعان ما جذبت الطلاب من مختلف الفئات الاجتماعية والمناطق. وتحت الرعاية الدقيقة لكونفوشيوس، لم يكتسب هؤلاء الطلاب ثروة من المعرفة فحسب، وإنما أيضا طوروا فضائل أخلاقية نبيلة ومواهب بارزة، وصار الكثير منهم لاحقا ركائز للبلاد، وقدموا مساهمات مهمة في تنمية المجتمع وتقدمه. هذا النوع من الفكر والممارسة المتمثل في "الإصلاح والتجديد" هو الذي منح كونفوشيوس الجرأة على تحدي النظام القديم والمفاهيم القديمة، واستكشاف نماذج ومسارات تعليمية جديدة، فأصبح رائدا عظيما في تاريخ التعليم الصيني.

على الصعيد الاقتصادي، فإن مقولة "الإصلاح والتجديد" هي السبيل الوحيد لتحقيق الإقلاع الاقتصادي. منذ ثمانينيات القرن العشرين، وبتوجيه من سياسة الإصلاح والانفتاح، ألغت الصين باستمرار الأنظمة والآليات واللوائح القديمة التي ابتليت بها التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، وخلقت باستمرار بيئة أكثر ملاءمة للتنمية الاقتصادية، وعززت باستمرار الحقوق الديمقراطية للشعب، وحققت انتصارا شاملا في المعركة الحاسمة للقضاء على الفقر.

إن طريق "الإصلاح والتجديد" يتفق مع المبادئ الأساسية لتطور المجتمع البشري وتقدمه، ويحمل الجينات الثقافية للجرأة على تحطيم العالم القديم وإنشاء عالم جديد باستمرار. على مدى الألفي عام الغابرة، كلما ركدت تنمية البلاد وتعرقل التقدم الوطني، اختارت الأمة الصينية دائما التغلب على جميع أنواع الصعوبات والعقبات وضخ حيوية ونشاط جديدين في التنمية الاجتماعية. وإذا نظرنا إلى المسار الاستثنائي لتأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل أكثر من 70 عاما، فإنه بفضل روح "الإصلاح والتجديد" المتمثلة في التقدم بهمة وعزم وجرأة على الريادة، استطاعت بلادنا مواصلة تحقيق الديمقراطية والازدهار، واستطاع شعبنا أن ينال السعادة والحرية يوما بعد يوم، واستطاعت حضارتنا أن تتطور وتزدهر بشكل متزايد.

خلال عملية دفع التحديث الصيني النمط، يتم تعزيز مفهوم "الإصلاح والتجديد" باستمرار، فارتقى إلى قوة نظرية تعمق الإصلاح مثل الابتكار مع مراعاة التقليد الصائب، ودعم تحقيق نتائج كبيرة في تعميق الإصلاح على نحو شامل، وأصبح محركا قويا لدفع الاقتصاد والمجتمع الصينيين إلى الأمام، وتنمية الثقافة التقليدية الصينية الممتازة، وفي نفس الوقت، يتواصل توسيع مسار التحديث الصيني النمط وخلق مستقبل أفضل للشعب الصيني من خلال التمسك بـ"الإصلاح والتجديد".

--

تشي يوي، باحث مساعد في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4