ثقافة وفن < الرئيسية

أنتَ ربيعي.. حكايات من ووهان

: مشاركة
2023-06-26 13:22:00 الصين اليوم:Source مي عاشور:Author

بعد تفشي الوباء في الصين، ظهرت العديد من الأفلام والكتابات التي تدون تجارب مختلفة لهذه الفترة العصيبة. جزء كبير منها يعد توثيقا ومبنيا على قصص حقيقية واقعية حدثت بالفعل. ومدينة ووهان غنية بالقصص والحكايات؛ تلك المدينة التي عزلت نفسها عن الصين والعالم لمدة ثلاثة أشهر لمكافحة الوباء، حتى تغلبت عليه في النهاية. فقد ترك الوباء ندبة في قلوب الصينيين، ولكن ووهان خلدت بطولات الآلاف منهم.

يعد فيلم "أنتَ ربيعي" من ضمن الأفلام التي أنتجت عقب ظهور فيروس كورونا في الصين، وتم تصويره بمدينة ووهان. الفيلم مبني على حكايات حدثت بالفعل، ومكون من خمس قصص إنسانية، أبطالها أناس عاديون، كل ما فعلوه أنهم تجاسروا على خوفهم، حتى استطاعوا تجاوزه في النهاية.

شارك في إخراج الفيلم خمسة مخرجين، وهم: تشو نان، تشانغ تشي، تيان يوي شنغ، دونغ يويه، راو شياو تشي. وعُرض الفيلم على الشاشات في الصين في يوليو 2022. يقول المخرج تيان يوي شنغ عن هذا الفيلم: "حينها كان الوباء لا يزال شديدا، ولكن في نفس الوقت، نتجت عنه قصص كثيرة مؤثرة تحرك القلوب، أردنا أن ندونها، فالأفلام لها دور عظيم في توثيق الزمن. وتوثيق صورة الزمن مساهمة قوية، وبالنسبة لي هو واجب لا يمكن التخلي عنه." وعندما سئل المخرج تشو نان في مقابلة صحفية: "إلى ماذا تشير كلمة ’ربيع‘ في عنوان الفيلم؟" قال: "من وجهة نظري، أن كلمة ’ربيع‘ رائعة. فنحن نعلم أن ’تخطيط العام كله يكون في الربيع‘. أعتقد أن الربيع هو البداية لكل شيء. كنا نتطلع أن تصويرنا للوباء، يمكنه أن يذكر المشاهدين، أنه اليوم، يعتبر أول أيام الربيع، مما سيجعلنا نبدأ من جديد، ونخطط لمستقبلنا. ومن ناحية أخرى، كلمة ’ربيع‘ هي كلمة تدل على الدفء، فعندما كُنت أصور الفيلم في مدينة ووهان، كان الطقس باردا، والمطر يهطل يوميا. ولكن في العام الذي سبقه، مر أهل ووهان بأوقات أصعب في الشتاء القارس. كنا نقول، ربما ينتهي الوباء، بحلول الطقس الحار. ففي ذلك الشتاء، كان الجميع يتطلعون إلى الدفء بفارغ الصبر. وفي النهاية، تكتشف أن هذا الدفء لا ينبعث من الشمس، بل من كل فرد دعم مدينة ووهان واهتم بها. الوباء حقا يخشى الدفء، ولكنه ليس ذلك الدفء الناتج عن دوران الأرض حول الشمس، بل عن احتضان الناس لبعضهم البعض."

الحب في زمن الوباء

 القصة الأولى والتي أخرجها المخرج تشو نان، هي حكاية رومانسية بطلها الحب. ولكنه حب من نوع فريد، اجتاز الفراق والمسافات، بل وصار أقوى بمروره بالصعوبات. تدور أحداث القصة حول شاب يعيش في مدينة شانغهاي، وتعيش حبيبته مع والدتها في مدينة ووهان، ولكنهما افترقا لسبب ما، ومع ذلك لم يتلاش الحب بينهما. بل على النقيض تماما، كان الوباء نقطة تحول حقيقة في علاقتهما. فعندما اشتد الوباء ذهب الشاب إلى مدينة ووهان باحثا عن حبيبته، والتي كانت قد دخلت المستشفى هي ووالدتها. اهتم الشاب بالفتاة، وبوالدتها التي كانت حالتها خطيرة. كان يتنقل في المدينة بدراجة هوائية، وذلك لتوقف وسائل المواصلات بسبب الإغلاق الكلي للمدينة. ولكن في النهاية تسوء حالة والدة حبيبته، وترحل، تاركة له رسالة تطلب منه أن يهتم بابنتها، وأن يعطيا فرصة لحبهما مجددا، ويقدرا قيمته.

كل فرد مؤثر في المجتمع

 أراد المخرج تشانغ تشي أن يخبرنا من خلال القصة الثانية في الفيلم، أن كل فرد في المجتمع قد يُحدث فرقا ويكون مؤثرا. تحكي القصة عن فلاحين بسيطين، يعملان في نقل البضائع، وينتظران تقاضي راتبيهما قبل حلول عيد الربيع الصيني. ولكن يخبرهما صاحب العمل أن هذا غير متاح في الوقت الراهن؛ لأنه لا يملك سوى كمامات، ويقترح عليهما بيعها إلى المستشفيات بمدينة ووهان، وذلك سيعادل حصولهما على الراتب. فيتجه الفلاحان إلى ووهان، وفي طريقهما توقفهما فتاة صغيرة بصحبة جدتها، وتتوسل إليهما أن يساعدا جدتها المسنة- المصابة بفيروس كورونا- لنقلها إلى المستشفى، فساعداها. لكن عند وصولهما إلى المستشفى يرى الاثنان سوء الوضع، حيث عدد المرضى الكبير، فقررا التبرع بالكمامات، دون أي مقابل.

قيمة العمل في الصين

 الوقت والعمل شيئان ثمينان جدا في الصين. ومن خلال فيلم "أنتَ ربيعي"، يمكن أن نرى ذلك بوضوح، وخاصة في القصة الثالثة التي تصور الإغلاق التام لمدينة ووهان، وتدور أحداثها في أحد التجمعات السكنية بالمدينة. أثناء تلك الفترة، كان جلب احتياجات السكان يتم عن طريق المتطوعين، وكوادر الأحياء والتجمعات السكنية. بطل القصة هو السيد وانغ، رئيس تجمع سكني، وهو مسؤول يؤدي عمله بدقة، يحل مشكلات السكان، ويحاول توفير كل احتياجاتهم الغذائية، ويؤكد على أن تتضمن المواد الغذائية اللحوم. ويحث فريقه على أداء عملهم على أكمل وجه، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية والقوانين. لكن سرعان ما ترتفع حرارة السيد وانغ، ويصاب بفيروس كورونا، وقبل ذهابه إلى الحجر الصحي هو وفريقه، يودعه السكان بشكل مؤثر، ويشكرونه على تفانيه في العمل، متمنيين له الشفاء العاجل. يطلعنا الفيلم على تقدير الصينيين للعمل وإتقانه. ونرى أيضا ذلك في القصة الرابعة، والتي تحكي عن زوجين طبيبين، لا يعودان إلى بيتهما، بل ينامان في السيارة، لصعوبة الوضع في المستشفى، واحتياج المرضى لهما.

أما القصة الخامسة والأخيرة، فتحكي عن عائلة صينية صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد. تذهب الأم إلى مدينة ووهان لمكافحة الوباء مع الطواقم الطبية، تاركة ابنها مع والده الذي يجد صعوبة في التعامل معه. ذات يوم، تحدث هزة أرضية، فيُحَدث الطفل أمه عبر الهاتف، ويتوسل إليها لتعود، لكنها تقول له إنها لن تستطيع العودة الآن، فهي تؤدي واجبها، وكذلك قد حان دورها لرد الجميل لأهل ووهان، وتذكره بزلزال مدينة ونتشوان عام 2008، ومبادرة أهالي ووهان والمدن الأخرى بمد يد العون، وإمدادهم بكل المساعدات والدعم اللازم.

في رأيي، أن الصين لم تعد تنتج أفلاما تقتصر فقط على عرضها في الصين وآسيا، بل لتُعرض أيضا في المهرجانات السينمائية والمنصات الدولية المختلفة، وتنافس وتحصد الجوائز الدولية، مع الاحتفاظ بطابعها الخاص وإبراز ألوان ثقافتها.

--

مي عاشور، كاتبة ومترجمة من مصر. 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4