ثقافة وفن < الرئيسية

تصاوير لوهان الصينية بريشة فناني المشرق الإسلامي

: مشاركة
2019-07-31 15:18:00 الصين اليوم:Source د. محمد أحمد عبد السلام:Author

تعَد تصاوير أشكال لوهان الصينية من الآثار الفنية المنقولة إلى مدارس التصوير في الهند وإيران وتركيا، حيث نقلت هذه المدارس بدول المشرق الإسلامي في الفترة ما بين القرنين العاشر والثالث عشر الهجري (القرن 16- 19م)، تقنية لوهان في التصوير، والتي اشتهرت بها الصين، ويمكن توضيح ثنايا هذا الدرب الفني، وكشف اللثام عن مطايا هذا التكوين الإبداعي الصيني الأصل، الشرق إسلامي الحبكة الفنية والتطوير، فيما يلي:

تعريف أَشكال لوهان (罗汉)

هي رسوم لأشخاص وحيوانات بأوضاع مختلفة وشبه محورة، أُطلق عليها اسم "لوهان"، وهي لفظة صينيّة تشير إلى أحد الرموز البوذيّة، حيث اشتهر أرباب البوذية ورهبانها بعمل مثل هذه التصاوير، والتي تعتمد في أسلوبها الفني على كثرة الخطوط المائلة والمتكررة في تنفيذ الوجوه والأجسام، مما يُعطي انطباعا بكبر السن والشيخوخة والوهن والضعف للعنصر الفني المرسوم سواء أكان وجها آدميا أو حيوانا، وقد استخدم البوذيون هذه التقنية الفنية للتعبير عن اعتزال الدنيا وزينتها؛ ورغبة منهم في إظهار التقشف والزهد والبعد عن الحياة وعدم الرغبة فيها؛ لذا جاءتْ تصاوير لوهان فقيرة معدمة، تعكس في طياتها الزهد والعزلة المدبرة، والسياحة والتجول في الصحاري والغابات بعيدا عن الناس. فتصاوير لوهان هي تلك الرسوم الخاصة بأشخاص متجولين ودراويش ومجاذيب، وغالبا ما يصحبون معهم حيوانات مرسومة بنفس طريقة "لوهان" بأوضاع مختلفة وشبه محورة.

تقليد مدارس التصوير بالمشرق الإسلامي لتصاوير لوهان

نسخت بعض المخطوطات التيموريّة المبكرة تصاوير "لوهان" الصينية، ولعل وجود هذه التصاوير في المخطوطات التيموريّة دلالة على مدى قوة التأثيرات المتبادلة بين الصين وإيران. ومثال ذلك تصويرة تُمثل (اثنين من لوهان)، عمل المصور التيموري أستاذ (محمود قلم)، منفذة بالحبر على الورق، مقاس (9ر23× 2ر34 سم) أوائل القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، العصر التيموري بإيران، محفوظة بمتحف المتروبوليتان في نيويورك، ويرجح أنّ هذه التصويرة الإيرانيّة جاءت تقليدا لعمل فني صيني من فترة أسرة يوان (1280- 1368م). وقد أبدع المصور التيموري أستاذ محمود قلم في تقليد العمل الفني الصيني لدرجة يصعب التفرقة بينها وبين الأصل.

كما تم استنساخ أعمال لوهان الصينية على أيدي فناني إيران والهند وتركيا، ونقلوها كما هي رغم اختلافها جملة وتفصيلا مع السمات العامة للتصوير الإيراني والهندي والتركي المعاصر، ودلالة ذلك مثال آخر لتصويرة بالحبر والألوان المائية على الورق بأسلوب لوهان، تمثل "درويشين ونمرا"، مؤرخة ما بين عامي 1420 و1440م، محفوظة بمتحف المتروبوليتان في نيويورك.  

كما نلاحظ أسلوب لوهان الفني في أعمال المدرسة المغولية الهندية، في تصويرة بعنوان "درويش بهيئة أقرب إلى البوذية أو الجينية يصطحب كلبه"، عمل المصور بساون، مؤرخة بعام 1590م، في متحف الفنون الآسيوية بباريس.

تصاوير لوهان وعلاقتها بالتصّوف في الصين والمشرق الإسلامي

جاءت تصاوير لوهان وثيقة الصلة بمراتب وأشكال وأحوال المتصوفة في المشرقين الإسلامي والأقصى على حد سواء، وهنا يأتي سؤال من الأهمية بمكان: هل وُجِدت أصلا حركات متصوفة في الصين والشرق الأقصى؟ ويمكن الإجابة على ذلك بأن من جملة التأثيرات الحضارية للمسلمين ذات التأصيل الديني على بلاد الشرق الأقصى، هو انتقال الأفكار الصوفية من إيران إلى الهند، ثم دخولها إلى الصين، كما ظهرت بعض مظاهره الخاصة والمرتبطة بالحياة الدينية والمدنية للمتصوفِين. وقد ساعدت المذاهب الصوفية وخاصة الطريقة النقشبندية على استمرار التأثيرات الحضارية الإسلامية في الصين والشرق الأقصى. ولعل من أبرز الشخصيات الصوفية المنتسبة إلى الطريقة النقشبندية، السيد خالد البغدادي (1776-1827م)، والذي درس في الهند ونشر تعاليمه في غربي آسيا والقوقاز، وآسيا الوسطى والصين. كما ساهمت الطريقة النقشبندية في نشر الوعي في الصين، وشاركت أهل الصين في نشاطاتهم السياسية، ولعبت دورا هاما في الحياة الصينية الاجتماعية والسياسية.

ليس هذا فحسب، فقد نقلت تصاوير لوهان الفنية الدور الأهم للصوفية في الشرق الأقصى، وهو دورها فِي نشر الإسلام ببلاد الصين وأواسط آسيا وجنوب شرقي آسيا، وقد تحدّث الرحالة ابن بطوطة عن الزوايا الصوفية، والنشاط الصوفي في الصين، فجاءت تصاوير لوهان لتكون دليلا موثقا يعكس جانبا من أدوات وحياة وآداب ومفاهيم المتصوفة بالصين والهند وإيران وتركيا.

كانت المدن الإسلامية في الصين، تضم المساجد الجامعة وزوايا الصوفِية والأسواق التجاريّة الخاصة بالمسلمين، كما ذكر المؤرخ الغربي جيب "Gibb" أن الصوفية في الصين أصبحت قوية وفعالة خلال القرنين 4- 5هـ/ 10-11م، مما جعلها تلعب دورا رئيسيا في نشر الإسلام. كما وضحت تصاوير لوهان من ناحية أخرى الثراء الفني للمتصوفة المسلمين في الصين، وذلك عن طريق ظهور أنماط فنية جديدة، وأشكال تحف خاصة بالفكر الصوفي، لم تكن معروفة من قبل في الفنون الصينية، أو ظهرت بماهيّات متباينة، ولعل أهم هذه الأشكال الجديدة للتحف "الكشكول" كوعاء للصوفِي، يحمله معه في حله وترحاله.

الكشكول تحفة فنية إسلامية الهوية في تصاوير لوهان

وأقصد بذلك أن الكشكول تحفة فنية إسلامية الطابع الفني والاستخدام، وارتبطت بالفكر الصوفي في دول شرقي العالم الإِسلامي. ويعد الكشكول كتحفة فنيّة أهم شكل فني تطبيقي نُقل من الفنون الإِسلامية إلى فنون الشرق الأقصى، وعبرت عنه تصاوير لوهان. 

والكشكول كلمة فارسية الأصل من مقطعين، وتعني وعاء الصوفي، وكان يُستخدم محليا في الصين، وكذلك يصدر إلى العالم الإِسلامي، فكان الكشكول من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث الوسيلة والهدف، ومن حيث القيمة الفنية والدلالة الرمزية، ابتكارا فنيا إسلاميا وافدا على فنون الصين. 

--

 د. محمد أحمد عبد السلام، مساعد مدير عام متحف الفن الإسلامي بالقاهرة.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4