ثقافة وفن < الرئيسية

تاريخ صناعة الورق التقليدية

: مشاركة
2018-12-11 13:28:00 الصين اليوم:Source جياو فنغ:Author

اختراع الورق له تأثير هائل في توارث الثقافة البشرية والتقدم الاجتماعي.  يعود تاريخ اختراع الورق إلى ألفي سنة، ويعتبر أحد أعظم الاختراعات الصينية. مقارنة مع مواد الكتابة الأخرى، سعر الورق أرخص ويمكن الحصول عليه بسهولة، لذا، حدده الصينيون القدماء مادة رئيسية للكتابة ونشروه في أنحاء العالم فيما بعد.

كان الورق التقليدي يصنع يدويا باستخدام الخيزران ونبات القنب ولحاء الشجر وغيرها من ألياف النباتات كمواد خام. وكانت عمليات صنعه متعددة، منها غمر المواد الخام وتخميرها وتبخيرها وغليها وتبييضها، وضربها، وتجفيفها.

في العصر الحديث، مع اختراع الورق المصنوع آليا من الخشب في العالم الغربي، يتم إنتاج المزيد من أنواع الورق، وترتفع سرعة إنتاجه. مع مرور الأيام، تم استبدال الورق المصنوع يدويا، ولم يعد يستخدم في الكتابة اليومية أو الطباعة. ولكن، يوجد حتى الآن في بعض مناطق الصين الفن التقليدي لصناعة الورق يدويا، وذلك لاستخدامه في أعمال فن الخط والرسم.

ورق "شيوانتشي" من مقاطعة آنهوي

ورق شيوانتشي، الذي أخذ اسمه من مدينة شيوانتشونغ بمقاطعة آنهوي، يتميز بنعومته وأليافه الدقيقة، يفضل الصينيون استخدامه في أعمال الخط والرسم الصيني التقليدي.

حسب الروايات، مخترع هذا النوع من الورق اسمه كونغ دان، وهو أحد تلامذة تساي لون، الفنان الحرفي الذي  حسّن صناعة الورق، فأراد هذا التلميذ المتدرب إنتاج نوع جديد من الورق الأبيض لرسم صورة تذكارية لأستاذه بعد وفاته، تخليدا لذكراه. ذات يوم، صادف كونغ  شجرة قديمة من أشجار الصندل الأزرق على ضفة نهر في واد بجنوب مقاطعة آنهوي. بعد سنوات من الغسل والتعرية بالمياه الجارية، كان لحاء الشجرة قد تحلل وتحول إلى ألياف بيضاء طويلة، رأى كونغ دان هذا المشهد وشعر بسعادة غامرة، فقام بتجربة صنع ورق من الشجرة حتى نجح في إنتاج ورق شيوانتشي.

يستخدم ورق شيوانتشي في أعمال الخط والرسم منذ فترة أسرة تانغ. بفضل جودته العالية، كان يعد أفضل أنواع الأوراق المخصصة للعائلة الإمبراطرية. وقد أشرف آخر أباطرة أسرة تانغ الجنوبية، لي يوي (937- 978)، على صنع نوع جديد من ورق شيوانتشي وهو "ورق تشنغشيتانغ" المتميز بسمكه الرقيق وسطحه الناعم. كان هذا النوع من ورق شيوانتشي يعد أفضل ورق في تاريخ صناعة الورق الصيني.

يتميز ورق شيوانتشي بخصائص كثيرة، ومنها القدرة على التحمل والاحتفاظ بشكله مع مرور الوقت بدون أن يتلف أو يتلاشى بعد عدة سنوات. فضلا عن ذلك، يمكن للحبر أن يتسرب إلى هذا النوع من الورق بسهولة وبسرعة مناسبة. لذلك، يمكن للخطّاط أو الرسّام أن يعبر عن أفكاره ويعكس جمال الأعمال الفنية فوق ورق شيوانتشي بسهولة ويسر. في نفس الوقت، يمكن الاحتفاظ بورق شيوانتشي لسنوات الطويلة لأنه يتميز بدرجة عالية من مقاومة التلف أو القرض. لذلك، مازالت كثير من الأعمال الفنية المكتوبة أو المرسومة على ورق شيوانتشي، والتي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألف سنة، محفوظة بشكل كامل في متحف المدينة المحرمة في بكين والمتاحف المحلية الأخرى في الصين.

المواد الخام الرئيسية لصنع ورق شيوانتشي هي لحاء شجرة الصندل الأزرق، التي تنمو في المناطق الجبلية في جنوب آنهوى، والمخلوط ببعض القش. جدير بالذكر أن إنتاج هذا النوع من الورق يحتاج إلى عمليات كثيرة معقدة تتجاوز تفاصيلها مائة عملية، وبعضها مازالت سرا لا يعرفه الغرباء. والمواد الأنسب لصنع ورق شيوانتشي مأخوذة من لحاء أغصان شجرة الصندل الأزرق التي يبلغ عمرها سنتين أو ثلاث سنوات، ويتميز اللحاء من هذا النوع بمتانة   وطول أليافها والتناسق بين الغليظ والرفيع منها.

وفقا لطرق الإنتاج المختلفة، يمكن تصنيف ورق شيوانتشي إلى ثلاثة أنواع وهي النيئ والجاهز ونصف الجاهز. يتميز النيئ بقدرة عالية على امتصاص الماء، الأمر الذي يزيد تغيرات الألوان في الأعمال الفنية على الورق. يستخدم هذا النوع من الورق لرسم الجبال من أجل عرض ارتفاعاتها المختلفة بوضوح. والجاهز هو النيئ المخلوط بمادة شب البوتاسيوم، مما يجعله أكثر صلابة وأقل امتصاصا للماء، هذا النوع يستخدم في أعمال الرسوم الدقيقة (قونغبي)  التي تعد أحد أساليب الرسم الصيني التقليدي. أما نصف الجاهز فمصنوع من النيئ أيضا ويتميز بقدرته المعتدلة في امتصاص الماء.

يمكن استخدام شيوانتشي أيضا لكتابة المذكرات الدبلوماسية والملفات والبيانات التاريخية أيضا. كثير من الكتب الكلاسيكية المكتوبة على ورق شيوانتشي محفوظة بشكل جيد، وهذا يدل على جودته العالية.

في بداية القرن الماضي، كانت صناعة ورق شيوانتشي على وشك التوقف بسبب الاضطرابات العسكرية السائدة آنذاك. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، قامت الحكومة الشعبية بإعادة إحياء هذه الصناعة، وفي الأربعين سنة الماضية، منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، حققت صناعة ورق شيوانتشي تطورا كبيرا، إذ تولي الحكومة الصينية اهتماما بالغا لحماية التراث الثقافي غير المادي وتدعو الخبراء والفنيين في هذا المجال لإلقاء المحاضرات على الطلاب لتربية وتدريب وارثي هذا الفن وتطويره بين الأجيال الجديدة. في عام 2006، تم إدراج فن صناعة ورق شيوانتشي ضمن الدفعة الأولى لقائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة. في عام 2009، تم إدراج هذا الفن ضمن قائمة التراث الثقافي الإنساني غير المادي العالمي.

ورق بيتشي من مقاطعة قويتشو

بيتشي نوع آخر من الورق القديم في الصين، تنتجه قرية شيتشياو بمحافظة دانتشاي بمقاطعة قويتشو. تقع هذه القرية في واد بأحد الجبال العالية ويمر بها نهر نانقاو، مما يوفر للسكان المحليين المواد الخام والماء الوافر الذي يساعدهم على إنتاج الورق. يرجع تاريخ إنتاج ورق بيتشي إلى أكثر من ألف سنة. شيتشياو من أولى القرى التي أنتجت ورق بيتشي في الصين. حتى الآن، لا زال بعض السكان المحليين يصنعون هذا النوع من الورق يدويا.

المواد الخام المستخدمة في إنتاج ورق بيتشي هي لحاء شجرة البروسونتة بدون خلط أي مواد أخرى. بفضل الجودة العالية لألياف لحاء هذه الشجرة، يتميز ورق بيتشي بالقدرة العالية على امتصاص الماء والمرونة الجيدة. لذا، يعد هذا النوع من الورق مناسبا لإصلاح أوراق الكتب الأثرية القديمة المتضررة.

في تسعينات القرن الماضي، مع التطور السريع لصناعة الورق باستخدام الآلات الحديثة، توقف معظم الناس في هذه القرية عن تصنيع ورق بيتشي يدويا. ومع ذلك، ما زال هناك عدد قليل من سكان القرية يتمسكون بهذه الحرفة اليدوية، ومنهم وانغ شينغ وو الذي يرفض أن يترك مهنة تصنيع ورق بيتشي يدويا.

ولد وانغ شينغ وو في أسرة تعمل بتصنيع وإنتاج ورق بيتشي لسبعة عشر جيلا، هو وارث لهذه المهنة من الجيل الثامن عشر. من أجل مواصلة تطوير هذا الفن، ابتكر وانغ شينغ وو طريقة للإنتاج خلال الفترة ما بين عام 2000 وعام 2008. يحرص وانغ على إضافة العناصر الحديثة في عملية إنتاج ورق بيتشي التقليدي لمواكبة وتلبية الحاجات والمتطلبات الجديدة.

كان ورق بيتشي ينتج بلون واحد وهو اللون الأبيض فقط. في عام 2000، فكر وانغ شينغ وو في إنتاج الورق الملون بعصارة النباتات والزهور، وتمكن من إنتاج الورق بألوان مختلفة ومتعددة. هذا النوع من الورق ليس له تاثيرات سلبية على البيئة. أنتج وانغ شينغ وو بطاقات الهدايا التذكارية باستخدام ورق بيتشي الملون، الأمر الذي أعجب السياح الصينيين والأجانب. ثم نجح في إنتاج ورق بيتشي الملون بأشكال مختلفة يبلغ عددها أكثر من مائة وستين شكلا. بفضل هذا التطور والابتكار، يتم الآن بيع الأعمال الفنية المصنوعة من ورق بيتشي الملون خارج القرية، وقد وصلت إلى هونغ كونغ.

في عام 2006، أنتج وانغ شينغ وو الورق الخاص لإصلاح أوراق الكتب القديمة المتضررة، حيث إن كثيرا من الكتب القديمة مكتوبة على ورق بيتشي. بعد زيارة الخبراء ومعرفة المتطلبات المعنية، نجح وانغ شينغ وو في إنتاج ورق بيتشي الخاص لإصلاح أوراق الكتب القديمة المتضررة، وبدأ استخدامه في المتحف الوطني والمتاحف المحلية بصورة تدريجية. في عام 2006، أُدرج ورق بيتشي المصنوع في قرية شيتشياو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة.

ورق الخيزران من مقاطعة سيتشوان

ورق الخيزران هو الورق المصنوع من الخيزران.

كانت الأوراق تصنع من لحاء الشجر ونبات القنب في الصين في الزمن القديم. بعد مرور مئات السنين من التطور، منذ القرن الثالث الميلادي تقريبا، بدأ الصينيون القدماء في جنوبي الصين تصنيع الورق باستخدام الخيزران. في البداية، كان ورق الخيزران هشا وسهل التشقق والكسر، لكن، مع تطور تقنية الإنتاج، تحسنت جودة هذا النوع من الورق الذي انتشر في مناطق عديدة في الصين فأصبح أحد أنواع الورق الهامة في الصين.

بدأ أبناء محافظة جياجيانغ في مدينة لشان بمقاطعة سيتشوان، إنتاج ورق الخيزران منذ فترة أسرة تانغ. يشتهر هذا النوع من الورق بجودته العالية وكثرة أنواعه وتقنياته الممتازة وتاريخه الطويل، وقد اختير كورق يستخدم في البلاط الإمبراطوري في فترة أسرة تشينغ، وكان يستخدم في الامتحانات الهامة في تلك الفترة أيضا.

خلال فترة حرب المقاومة ضد اليابان في القرن الماضي، أصبحت مقاطعة سيتشوان مركزا سياسيا واقتصاديا وثقافيا للصين. كان الورق المصنوع في محافظة جياجيانغ يعد الأفضل من بين الورق الذي كانت تنتجه تسع وعشرون محافظة في المقاطعة. في أربعينات القرن الماضي، زار الرسام الصيني المشهور تشانغ دا تشيان هذه المحافظة مرتين، وتناقش مع الخبراء المحليين وقام بعدة تجارب لإنتاج صنف جديد من ورق الخيزران يناسب الرسم والخط بشكل أفضل.

مازالت محافظة جياجينغ تحتفظ بالطريقة التقليدية لإنتاج ورق الخيزران، حيث يصنع الحرفيون المحليون ورق الخيزران بخمس عشرة حلقة من العمل واثنتين وسبعين خطوة. فضلا عن ذلك، يضيف الحرفي العناصر المحلية في إنتاج ورق الخيزران، مما يجعله أكثر تميزا.

مع صناعة ورق الخيزران في محافظة جياجيانغ، تجد في المنطقة مظاهر ثقافية متعلقة بها. على سبيل المثال، ابتكر الحرفيون المحليون المتخصصون في صناعة الورق نوعا جديدا من الأغاني المحلية التي يرددونها أثناء العمل لتخفيف ضغوط الأعمال الثقيلة في مراحل الإنتاج.

في عام 2006، أُدرج فن صنع ورق الخيزران ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4