تعود أصول لعبة الإسكواش إلى لعبة المضارب القديمة، التي كانت تُمارس في سجون لندن في القرن التاسع عشر. في وقت لاحق، لاحظ الطلاب في مدرسة هارو أن الكرة المثقوبة، والتي تتسطح عند الاصطدام بالجدار، توفر المزيد من التنوع للعبة، فأخذوا يضربون الكرة على جدران فناء مدرستهم. حققت هذه اللعبة تطورا مطردا مع زيادة عدد ممارسيها وتنوع طرق لعبها ووضع قواعد لها، فانتشرت إلى كثير من البلدان، وأصبحت رياضة محببة.‏

الإسكواش في الصين

دخلت لعبة الإسكواش إلى الصين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومارسها أشخاص بارزون في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، وكان فنان الأوبرا الكبير مي لان فانغ مولعا بها كثيرا. لكن، لأسباب مختلفة، لم تنتشر هذا الرياضة في البلاد إلا في ثمانيات القرن العشرين. أُنشئت ملاعب للإسكواش في بعض الفنادق الفخمة والنوادي المميزة بمدينة شانغهاي، لكن عدد ممارسيها في الصين ظل محدودا. وفي التسعينات، مع زيادة التبادلات والتعاون مع الدول الأخرى بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح وارتفاع مستوى معيشة الصينيين ماديا وثقافيا، بدأت لعبة الإسكواش تتطور وزاد عدد ممارسيها في بعض المدن الرئيسية. من أجل تعميم الإسكواش وإدارة الأنشطة الرياضية في الأماكن المختلفة، تم تأسيس الاتحاد الصيني للإسكواش في إبريل عام 1999 بمدينة بكين. وفي نفس الشهر، نظم أول حلقة تدريب وطنية للإسكواش وشارك فيها متدربون من عشرات المقاطعات والمدن الصينية. وفي أكتوبر ذلك العام، أقام الإتحاد أول بطولة رسمية للإسكواش في الصين وذلك في كونمينغ، حاضرة مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين، حيث شارك فيها بعض محبي الإسكواش.

مع دخول القرن الحادي والعشرين، دخلت الصين إلى مرحلة جديدة من تعميم لعبة الإسكواش. في عام 2002، انضم الاتحاد الصيني للإسكواش إلى الاتحاد الدولي للإسكواش، سعيا لمواكبة تطور هذه اللعبة في العالم. وفي ذات الوقت، قام الاتحاد الصيني بصياغة خطة تعميم الإسكواش في الصين واللوائح المعنية. وبدعم من الإدارة العامة للرياضة الصينية والاتحاد الصيني للإسكواش، تأسست الاتحادات الفرعية للإسكواش على مستوى المقاطعات والمدن، لإدارة شؤون تعميم اللعبة. في عام 2021، تأسس اتحاد الإسكواش بمدينة هانغتشو وصار ينظم التدريبات الرياضية ويقيم المسابقات والأنشطة. في عام 2023، شارك أربعة رياضيين من هذا الإتحاد في بطولة آسيا للإسكواش، فكان ذلك معلما مهما لتطور الإسكواش في هذه المدينة. حسب البيانات المعنية، بلغ العدد الإجمالي للاتحادات الفرعية للإسكواش في الصين حوالي 14 اتحادا في نهاية عام 2023، وهي تلعب دورا مهما في تعميم هذه الرياضة بالصين.

حماسة ممارسة الإسكواش

بفضل جهود الاتحاد الصيني للإسكواش والاتحادات الفرعية في تعميم هذه الرياضة في العقدين الماضيين، زاد عدد لاعبي الإسكواش بشكل كبير في الصين. ومن أجل رفع مستوى الصين في الإسكواش على المدى الطويل، قررت الإدارة العامة للرياضة الصينية تشكيل الفريق الوطني للإسكواش للرجال والسيدات في عام 2006، لإعداد لاعبين ممتازين، ومن بينهم لي دونغ جين. ولدت لي دونغ جين في عام 1993 بمقاطعة جيانغسو ولعبت كرة الريشة الطائرة منذ صغرها ولديها قدرة عالية في إتمام الحركات بسرعة وضرب الكرة بقوة ودقة. في عام 2008، بعد معرفة قلة عدد لاعبي الإسكواش في الصين وتاريخ تطور هذه اللعبة، قررت أن تجرب هذه الرياضة الناشئة. استنادا إلى خبراتها الوافرة في كرة الريشة الطائرة، أظهرت موهبتها في الإسكواش وأتقنت الحركات الأساسية والقوانين الرئيسية بسرعة، واستكشفت سلسلة من التكتيكات المميزة في مواجهة منافسيها. وبعد سنوات من التدريبات المكثفة والاحترافية، حققت تقدما مرموقا. في عام 2010، وصلت إلى ربع نهائي بطولة الإسكواش الصينية المفتوحة التي أقيمت في شانغهاي. وفي عام 2013، شاركت في الدورة السادسة لألعاب شرقي آسيا، وقدمت أداء رائعا وأحرزت الميدالية الفضية

بعد الحصول على شهادة الماجستير في جامعة شانغهاي للرياضة، تعمل لي دونغ جين كمعلمة ومدربة في الجامعة والفريق الوطني، لتدريب مزيد اللاعبين الصينيين الناشئين في هذه الرياضة.

ومع التطور السريع للإسكواش في الصين في السنوات الماضية، تنظم بعض المدارس تدريبات الإسكواش لتعزيز رغبة الأطفال في هذه الرياضة. على سبيل المثال، أدرجت مدارس مقاطعة تشجيانغ، التي تعد منطقة رائدة في تطوير الإسكواش بالصين، لعبة الإسكواش ضمن التمارين الرياضية فيها. أنشأت مدرسة بينخه الثانوية في هانغتشو ملعبا زجاجيا متخصصا للإسكواش. يتلقى الطلاب في السنة الأولى دروسا نظرية للإسكواش لإتقان تاريخ الإسكواش والقواعد الأساسية والحركات الرئيسية للعبة. وفي السنة الثانية، يمكن للطلاب تلقي التدريبات النظامية كل أسبوع في الملعب. وفي مدرسة تشونغشين في بلدة ينتشو بمدينة نينغبوه، بدأ الطلاب لعب الإسكواش منذ سبتمبر عام 2015، وأقامت المدرسة بطولة الإسكواش لليافعين على مستوى مقاطعة تشجيانغ في عام 2020، الأمر الذي وفر للطلاب فرصة جيدة لإظهار مهاراتهم الرائعة ورفع مستواهم في هذه الرياضة.

بفضل تعزيز انتشار الإسكواش في الصين، أبدى الطلاب الجامعيون رغبتهم في ممارسة الإسكواش أيضا. على سبيل المثال، فتحت جامعة الشباب للدراسات السياسية بالصين دروس الإسكواش منذ عام 2005. كما قامت جامعة شانغهاي للرياضة وجامعة شنتشن وجامعة نانجينغ للرياضة وجامعة بكين بإدراج الإسكواش ضمن قائمة الدروس الاختيارية فيها. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت بعض الجامعات فرقا للإسكواش، حيث يمكن للطلاب التمتع بحسر هذه الرياضة بشكل كامل. أُنشئ فريق الإسكواش في جامعة بكين في عام 2013 وشارك فيه أكثر من ألف طالب من المرحلة الجامعية والدراسات العليا، وحقق بعض أعضاء الفريق نتائج ممتازة في المسابقات الرياضية.

تعمل السيدة تشانغ يانغ في شركة مالية مشهورة في بكين، وتعاني من الأمراض المهنية نتيجة العمل الكثيف والضغوط الشديدة. بنصيحة من أصدقائها، ذهبت تشانغ يانغ إلى نادي الإسكواش لتجرب هذه الرياضة. تحت إرشاد مدرب متخصص، ضربت تشانغ يانغ الكرة على حائط الغرفة وتحركت في الملعب. بعد اللعب لمدة ساعة، شعرت بالتعب بل والإثارة وقررت مواصلة ممارسة هذه الرياضة. قالت تشانغ يانغ إن لعبة الإسكواش تختلف عن الرياضات الأخرى، إذ يمكن أن تلعب بمفردها أو مع الأصدقاء. تجمع هذه الرياضة بين سرعة الحركة وضرب الكرة بقوة والتفكير في التكتيكات بدقة. أضافت، أن لعب الإسكواش يساعدها على تحسين عضلات الذراعين والساقين وهذا مفيد لتخفيف الإرهاق الناجم عن العمل. أحبت تشانغ يانغ هذه اللعبة كثيرا وتدعو أصدقاءها وزملاءها للمشاركة فيها أيضا.

اليوم، مع تسارع إيقاع الحياة وزيادة توقعات الناس بحياة أفضل، يدرك المزيد والمزيد من الشباب الصينيين أن لعبة الإسكواش وسيلة مهمة لتعزيز الصحة الجسدية والنفسية ويرغبون في ممارستها بعد انتهاء ساعات الدوام. أُنشئت في المدن ‏الكبيرة والمتوسطة مثل بكين وشانغهاي وهونغ كونغ وجينهوا، كثير من أندية الإسكواش التجارية والمؤسسات التدريبية، حيث يمكن للشباب ممارسة التمارين الرياضية والتمتع بأوقات سعيدة مع أصدقائهم.

مسابقات متنوعة

منذ دخول الإسكواش إلى الصين، تعمل الأجهزة الإدارية والأندية الرياضية وعشاق الرياضة على تعميم هذه اللعبة الممتعة في كل أرجاء البلاد. بفضل جهودهم المشتركة، تحولت لعبة الإسكواش إلى إحدى الرياضات المفضلة للصينيين، وخاصة الشباب. من أجل تعزيز تطوير رياضة الإسكواش وتشجيع الناس على ممارستها، أقيمت في الصين مسابقات متنوعة للإسكواش في السنوات الماضية. أقيمت الدورة الأولى لبطولة الإسكواش الوطنية في عام 2008، بمشاركة حوالي عشرات لاعبين. بعد أكثر من عشر سنوات من التطور، تحولت البطولة الوطنية للإسكواش إلى أكبر المسابقات الوطنية في هذا المجال وأهم منصة للرياضيين لعرض مهاراتهم. في مارس عام 2023، استضافت داليان بمقاطعة لياونينغ، الدورة الجديدة لبطولة الإسكواش الوطنية، حيث شارك نحو مائتي لاعب صيني في المسابقات ضمن 13 فئة، الأمر الذي أسهم في تطوير رياضة الإسكواش ونشرها في الصين.

ومع زيادة عدد ممارسي الإسكواش من اليافعين والجامعيين، تقام مسابقات خاصة لهم أيضا. أقيمت الدورة الأولى لبطولة الإسكواش الوطنية لليافعين في عام 2013 في كونشان بمقاطعة جيانغسو. وأقيمت آخر دورة لها في يوليو عام 2023 في تشانغجياقانغ بذات المقاطعة، وجذبت نحو مائتي يافع شاركوا في المباريات ضمن تسع فئات. أما البطولة الوطنية للإسكواش للجامعيين، فجذبت منذ إقامة دورتها الأولى في عام 2017، مئات الطلاب من جامعة بكين وجامعة آنهوي للزراعة وجامعة آنهوي للمعلمين وجامعة جياوتونغ في شيآن. قال كثير من المشاركين إن هذه البطولة لا تقدم لهم فرصة ثمينة لإظهار المهارات الرياضية فحسب، وإنما أيضا تعد جسرا لتبادل التكتيكات والخبرات مع المشاركين من الجامعات الأخرى. والأهم من ذلك أنهم يعرضون الروح المعنوية في المباريات، وذلك يساعدهم على تعزيز شجاعتهم لمواجهة التحديات في الحياة.

بالإضافة إلى مسابقات الإسكواش الوطنية، استضافت الصين مسابقات عالمية أيضا من أجل الارتقاء بالقدرة التنافسية للرياضيين الصينيين وتكثيف التبادلات مع الرياضيين الأجانب. تعتبر بطولة الإسكواش الصينية المفتوحة التي بدأت في عام 2006، من أهم المسابقات العالمية للإسكواش، ويشارك فيها عدد كبير من اللاعبين المميزين من الصين والدول الأخرى. في عام 2017، شارك فيها 56 لاعبا مميزا، أكثر من نصفهم من بين أفضل ثلاثين لاعبا في التصنيف العالمي. وفي عام 2019، شارك لي دونغ جين وتشو تشي تاو وغيرهما من اللاعبين الصينيين الممتازين في البطولة وتنافسا مع اللاعبين الأجانب وعرضوا تكتيكاتهما المتميزة.

منذ دخول لعبة الإسكواش إلى الصين في القرن الماضي، وبفضل الجهود الكبيرة التي بذلها المجتمع الصيني، شهدت هذه الرياضة الحديثة انتشارا سريعا وأصبحت عنصرا مهما في القطاع الرياضي بالبلاد. ومع إدراج الإسكواش في منافسات أولمبياد لوس أنجليس عام 2028، وتعميمها في الصين، ستصبح الإسكواش أكثر انتشارا وشعبية في الصين في المستقبل القريب.