استضافت تشنغدو، حاضرة مقاطعة سيتشوان الدورة الحادية والثلاثين للألعاب الجامعية العالمية الصيفية، خلال الفترة من 28 يوليو إلى الثامن من أغسطس عام 2023 بعد تأجيلها مرتين بسبب وباء كوفيد- 19. وفقا لمفهوم التصميم "البسيط والآمن والرائع" وشعار "تشنغدو تحقق الأحلام"، قدمت تشنغدو ساحة كبيرة لشباب العالم لإظهار حيويتهم ومعنوياتهم. يمكن القول إن هذه الدورة من الألعاب الجامعية الصيفية مهرجان رياضي مهم للشباب الصينيين والأجانب.

أداء مميز للرياضيين الصينيين

تكوّن الوفد الصيني في هذه الدورة للألعاب الجامعية العالمية من411 رياضيا من بينهم 387 شاركوا في الألعاب الجامعية العالمية لأول مرة. برغم اختلاف تجاربهم الرياضية، بذلوا أقصى جهودهم في اللعب وحصلوا على 103 ميداليات ذهبية وأربعين ميدالية فضية و35 ميدالية برونزية، وحققوا أفضل نتيجة للصين في تاريخ الألعاب الجامعية العالمية.

تساو ماو يوان، البالغ من العمر 26 عاما، يحب الووشو منذ صغره، كان يحاكي حركات الأبطال في مسلسلات الكونغفو وأظهر مواهبه في الووشو. بدأ يتلقى تدريبات رياضية نظامية وهو في الخامسة من عمره. برغم الصعوبات والآلام الكثيرة، لم يفكر في ترك هذه الرياضة بل زاد جهوده في التدريبات مرارا وتكررا لتحسين قدراته. فاز تساو ماو يوان بأول بطولة له في مسابقة تشانغتشوان للرجال في مقاطعة سيتشوان في عام 2007. وبتشجيع من لقب البطولة هذا، قضى معظم الأوقات في التدرب على حركات الووشو وتغلب على التحديات الناجمة عن قامته الطويلة وفشله في المسابقات. بعد التحاقه بجامعة سيتشوان للرياضة، استمر في ممارسة الووشو وعزز مهاراته في عرض الحركات المتنوعة. كما يقول المثل العربي "من جد وجد"،‏ بعد عدة سنوات من التدريبات الشاقة، تأهل تساو ماو يوان لمنافسات نانقون ونانتشيوان أخيرا في الألعاب الجامعية العالمية.

في التاسع والعشرين من يوليو عام 2023، في المباراة النهائية لرياضة نانتشيوان للووشو للرجال، عرض تساو ماو يوان، مجموعة من الحركات الرائعة وأظهر مهاراته العالية في الووشو والقدرة الممتازة على التنسيق والتوازن في العرض الذي استمر دقيقتين، فحظي بتقدير كبير من الحكام والجمهور. بفضل أدائه المرموق، فاز تساو ماو يوان بالميدالية الذهبية بـ770ر9 نقطة وكانت أول ميدالية ذهبية في هذه الدورة للألعاب الجامعية العالمية. في اليوم التالي، حافظ تساو ماو يوان على أدائه الممتاز وأكمل الحركات بصورة كاملة في منافسة نانقون للرجال بـ753ر9 نقطة وفاز بلقب البطولة الثانية له.

المنتخب الصيني لكرة السلة للسيدات في الألعاب الجامعية العالمية هو من أفضل المنتخبات في العالم، وفاز بلقب بطولة الألعاب الجامعية العالمية مرتين في الدورة السابعة عشرة للألعاب الجامعية العالمية في عام 1993 في بوفالو بالولايات المتحدة الأمريكية والدورة الثانية والعشرين للألعاب الجامعية العالمية في عام 2003 في دايغو بجمهورية كوريا على التوالي. ضم المنتخب الصيني لكرة السلة للسيدات في هذه الدورة من الألعاب الجامعية العالمية، طالبات من جامعة بكين للمعلمين جامعة تشينغهوا وجامعة بكين للرياضة وغيرها من الجامعات الصينية القوية في هذه الرياضة، واللاتي قدمن أداء رائعا وتعاونا مدهشا في المباريات. بعد التغلب على منتخبات البرتغال وبولندا والبرازيل بفارق نقاط كبير، وصل المنتخب الصيني إلى المباراة النهائية وواجه فيها المنتخب الياباني في الخامس من أغسطس عام 2023. قام المنتخب الصيني بتحليل خصائص اللعب لمنتخب اليابان ووضع التكتيكات التفصيلية والمستهدفة قبل المباراة. هاجم المنتخب الصيني منذ البداية، وحصلت تانغ تسي تينغ على الرمية الثلاثية مرات متتالية، الأمر الذي اضطر المنتخب الياباني إلى طلب وقت مستقطع. بعد ذلك، واصلت سونغ كه شين وتشانغ جينغ يي الهجوم القوي فانتهى الشوط الأول بفوز المنتخب الصيني بفارق ثلاث نقاط. وفي الشوط الثاني، عززت اللاعبات الصينيات قوتهن في الهجوم وزاد الفارق إلى تسع نقاط في نهاية ذلك الشوط. على رغم من تحسن أداء المنتخب الياباني في الشوطين الأخيرين، حافظت اللاعبات الصينيات على الجهوم والدفاع، وأحرزن لقب البطولة.

بالإضافة إلى تساو ماو يوان في رياضة الووشو والمنتخب الصيني لكرة السلة للسيدات، بذل جميع اللاعبين الصينيين أفضل جهودهم في المباريات وأظهروا أمام العالم حيوية الشباب الصينيين وحبهم المخلص للرياضة وسعيهم الكبير إلى التقدم والتفوق.

نجوم عرب بارزون

يشارك الشباب الشغوفون بالرياضات من مختلف الألوان والجنسيات واللغات في الألعاب الجامعية العالمية، ومنهم شباب الدول العربية. جذبت هذه الدورة من الألعاب، مئات الرياضيين من دول عربية، الذين قدموا أفضل أدائهم في المباريات وجعلوا تشنغدو مدينة ساحرة لتحقيق أحلامهم. أرسلت الجزائر 48 رياضيا شابا للمشاركة في منافسات الجودو وألعاب القوى والووشو والتايكوندو، وحققوا نتائج طيبة وحصلوا على ميدالية فضية وثلاث ميداليات برونزية. أسامة شراد، المولود في عام 2000، عداء موهوب ومجتهد في التدريبات وفاز بالميدالية البرونزية في سباق 800 متر للرجال في بطولة العالم لألعاب القوى تحت عشرين عاما وتوج بلقب بطل العالم المدرسي في العدو الريفي في عام 2018. بفضل تقدمه السريع وإنجازاته الكبيرة، يرى كثير من المدربين والخبراء أنه نجم صاعد في الملعب. في هذه الدورة من الألعاب الجامعية العالمية في تشنغدو، لم يخيب أسامة آمال المشجعين العرب وقدم أداءه الجيد في المنافسات. في الثالث من أغسطس عام 2023، في سباق 1500 متر عدو للرجال، عرض سرعته العالية وقوته الكبيرة وحصل على الميدالية الفضية مسجلا زمنا قدره 64ر40ر3 دقيقة. أما لويزة آيت مولود، البالغة من العمر 27 عاما، فتمارس الووشو منذ عشر سنوات وترى أنها هواية مهمة، وبعبارة أكثر دقة، صار الووشو جزءا من حياتها، لا تفيد صحتها فحسب وإنما أيضا تعزز الانسجام بين الجسم والعقل وتساعدها على زيادة الصبر والتخطيط في الدراسة. بفضل هذه الفوائد والمنافع، تغلبت على التحديات وتركز في دراسة الدكتوراه في تخصص الهندسة الكهربائية بجامعة أمحمد بوقرة بومرداس بصبر واجتهاد. شاركت لويزة في كثير من المسابقات المحلية والدولية وحققت نتائج جيدة. على سبيل المثال، حصلت على الميدالية الفضية في بطولة العالم للكونغ فو في نوفمبر عام 2021. في هذه البطولة في تشنغدو، قدمت حركات الووشو الجميلة والمتنوعة وأثارت التصفيق والتشجيع الحار من الجمهور.

بالإضافة إلى الشباب الجزائريين وأدائهم الممتاز في المسابقات، عرض الشباب من الدول العربية الأخرى حيويتهم في التنافس أيضا. أرسلت العراق أربعة رياضيين جامعيين للمشاركة في مباريات المبارزة والقفز العالي وألعب القوى. مريم عبد الحميد، طالبة من جامعة صلاح الدين، رفعت الراية الوطنية للعراق في مراسم الافتتاح وأظهرت حيوية الشباب العراقيين أمام العالم. مارست مريم القفز العالي لسنوات عديدة وتوجت باللقب في بطولة آسيا لألعاب القوى للشباب في عام 2018، وواصلت التدريبات خلال السنوات المنصرمة لتحسين قوتها وحركاتها. في هذه الدورة من الألعاب الجامعية العالمية، بذلت مريم كل جهدها في السباق وتبادلت الرؤى مع الرياضيين من الدول الأخرى حول المهارات وطرق التدريب واستفادت كثيرا.

أما شمس أحمد، فهي طالبة جامعية في علم التغذية واللاعبة السورية الوحيدة التي شاركت في الألعاب الجامعية العالمية في تشنغدو. برغم التكلفة العالية والظروف الصعبة، لم تترك التدريبات وطموحاتها الكبيرة. أحرزت شمس ألقاب البطولة الوطنية للسنوات الأربع الأخيرة والبطولة الآسيوية في رياضة التايكوندو. رغم أنها لم تحصل على ميدالية في هذه الدورة للألعاب الجامعية العالمية، قدمت كل جهدها في التنافس فشعرت بالفخر والاعتزاز وترى أن هذه التجربة مهمة لها وتعلمت من المنافسات الأخريات وتمتعت بالمناظر الجميلة في تشنغدو، وتتطلع إلى تحقيق نتائج أفضل في المستقبل.

انتشار الرياضة الجماهيرية في تشنغدو

قدمت دورة الألعاب الجامعية العالمية في تشنغدو ساحة مهمة للشباب لعرض مهاراتهم الرائعة في الالعاب الرياضية، بعد تلقي التدريبات لعدة السنوات وخاصة بعد التغلب على وباء كوفيد- 19. وفي نفس الوقت، هي فرصة سانحة لتشجيع المزيد من الشباب للمشاركة في الرياضة الجماهيرية.

في مارس عام 2023، أصدرت تشنغدو الخطة الخاصة لتعزيز اللياقة البدنية وأطلقت سلسلة من الإجراءات والنشاطات الرياضية التي يشارك فيها كثير من الشباب. وفقا لهذه الخطة، ستقيم تشنغدو أكثر من 4600 حدث رياضي وتفتح ملاعب عامة بدون مقابل أو بمقابل منخفض وتقدم خدمات رياضية لأكثر من 6ر4 ملايين شخص في عام 2023، سعيا لتحفيز المحليين للمشاركة في النشاطات الرياضية وتحسين صحتهم البدنية والعقلية.

في إبريل عام 2023، أقيمت في تشنغدو البطولة الوطنية للشباب لكأس "بيدو"، ضمن سلسلة نشاطات اللياقة البدنية التي أطلقتها الإدارة العامة الصينية للرياضة وزارة التعليم وإدارة الصحة الوطنية واتحاد نقابات العمال لعموم الصين واللجنة المركزية لعصبة الشبيبة الشيوعية الصينية واتحاد النساء لعموم الصين. شارك الطلاب والشباب من 23 حيا سكنيا في تشنغدو في المسابقات المختلفة لهذه البطولة. ونجحت بيانات 241675 مواطنا نشروا إقرارات رياضية في الحصول على شهادة غينيس للأرقام القياسية لـ"أكبر عدد من الإقرارات الرياضية تم تلقيها في حدث واحد خلال شهر واحد". ‏هذا يؤكد حماسة الشباب المحليين في اللياقة البدنية وحبهم للمشاركة في الرياضات الجماهيرية.

من أجل تعزيز حماسة الشعب في ممارسة اللياقة البدنية، قامت تشنغدو ببناء المرافق العامة للرياضة وإصلاح الملاعب. بحلول نهاية عام 2022، أكملت تشنغدو بناء 1ر64 ألف ملعب وممر أخضر بطول أكثر من خمسة آلاف كيلومتر. يمكن للسكان المحليين وخاصة الشباب ممارسة الرياضة البدنية بصورة سهلة. في مايو عام 2023، أقامت تشنغدو سباق الدراجات الهوائية، حيث انطلق ثلاثمائة طالب من عشر جامعات من حديقة تشينغلونغهو وقادوا دراجاتهم على طول الممر الأخضر وتمتعوا بالمناظر الطبيعية الجميلة في نفس الوقت.

كانت دورة الألعاب الجامعية العالمية في تشنغدو مهرجانا رياضيا كبيرا وجد فيه كل شاب متعة وروعة خاصة به، إما بالتنافس في المسابقات الاحترافية أو بالمشاركة في الأحداث الرياضية الجماهيرية. فلا نبالغ إذا قلنا إن هذه الألعاب حققت أحلام شباب العالم وجمعتهم وعززت الصداقة والتبادلات بينهم بصورة حميمة.